الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إثْبَاتُ الْمِثْلِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَرُدَّ بِدَعْوَى الْأَصَالَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مِثْلِ الْمِثْلِ، وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ نَفْيُ الْمِثْلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مِثْلٌ، إذْ الْمُمَاثَلَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَيْسَ شَيْءٌ كَمِثْلِهِ، فَشَيْءٌ اسْمُ لَيْسَ، وَهُوَ الْمُبْتَدَأُ وَكَمِثْلِهِ خَبَرٌ، فَالشَّيْءُ الَّذِي هُوَ الْمَوْضُوعُ قَدْ نُفِيَ عَنْهُ الْمِثْلُ الَّذِي هُوَ الْمَحْمُولُ، فَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ لَا مَنْفِيٌّ فَيَكُونُ ثَابِتًا، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ الْمُقَدَّسَةُ مَنْفِيَّةً، وَإِنَّمَا الْمَنْفِيُّ مِثْلُ مِثْلِهَا، وَلَازِمُهُ نَفْيُ مِثْلِهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْفِيٌّ عَنْهَا. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ "، قِيلَ: إنَّ الْكَافَ زَائِدَةٌ، أَوْ الْمِثْلَ زَائِدٌ قَالَ: وَنَرَى الْقَاضِي يَمِيلُ إلَى ذَلِكَ وَيَعُدُّهُ مِنْ الْمَجَازِ. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ ": قَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ كَوْنِ هَذَا مَجَازًا، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إنَّ الْكَلِمَةَ تَصِيرُ بِالزِّيَادَةِ مَجَازًا، وَقَالَ قَوْمٌ إنَّ نَفْسَ الزِّيَادَةِ تَكُونُ مَجَازًا دُونَ جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ؛ لِأَنَّ الْكَافَ هِيَ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَالْمِثْلُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ الْوَاحِدَ لَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ، وَمَا لَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِذَلِكَ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ، وَالْكَافُ لَا تُفِيدُ إلَّا بِانْضِمَامِهَا إلَى الْمِثْلِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مَجَازًا. انْتَهَى. وَقَالَ الْعَبْدَرِيّ فِي " الْمُسْتَوْفَى "، وَابْنُ الْحَاجِّ فِي " تَنْكِيتِهِ " عَلَى الْمُسْتَصْفَى ": الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ بَلْ فِيهَا ضَرْبٌ مِنْ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، فَقَوْلُهُ - تَعَالَى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ كَأَنَّهُ قِيلَ: لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ مِثْلَهُ، وَالزِّيَادَةُ حَقِيقِيَّةٌ.
[الْعَلَاقَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ الْمَجَازُ بِالنُّقْصَانِ]
ِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: 33]
أَيْ: أَهْلَ اللَّهِ. قَالَ الْإِمَامُ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَهُوَ مِثَالٌ سَدِيدٌ، وَقَوْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] فَإِنَّ الْمُرَادَ أَهْلُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مَجَازًا، وَقَالَ: لَا نَقُولُ أُقِيمَتْ الْقَرْيَةُ مَقَامَ أَهْلِهَا، بَلْ حُذِفَ مِنْ الْخِطَابِ ذِكْرُ الْأَهْلِ لِدَلَالَةِ بَقِيَّةِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ، وَالْإِضْمَارُ وَالْحَذْفُ لَيْسَا مِنْ الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْمَجَازَ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي أُصُولِهِ "، وَقَالَا: مَيْلُ الْقَاضِي إلَى أَنَّهُ يُسَمَّى مَجَازًا، قَالَ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْخِلَافُ فِيهِ سَهْلٌ، وَكَذَا قَالَ إلْكِيَا: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى.
وَحَاصِلُ الْخِلَافِ: أَنَّ الْمُضْمَرَ هَلْ هُوَ سَبَبُ التَّجَوُّزِ أَوْ مَحَلُّ التَّجَوُّزِ؟ وَطَرِيقَةُ الْبَيَانِيِّينَ تَقْتَضِي الثَّانِيَ. قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: وَإِنَّمَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إذَا تَغَيَّرَ بِسَبَبِهِ حُكْمٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَلَا، فَلَوْ قُلْت: زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ وَعَمْرٌو، وَحَذَفْت الْخَبَرَ لَمْ يُوصَفْ بِالْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَغْيِيرِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ مَا بَقِيَ مِنْ الْكَلَامِ. انْتَهَى. وَالتَّمْثِيلُ بِالْآيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْيَةِ الْأَبْنِيَةُ، وَهِيَ لَا تُسْأَلُ: وَقِيلَ إنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ الْمُجْتَمِعِينَ فِيهَا، وَقِيلَ: بَلْ الْقَرْيَةُ حَقِيقَةٌ فِي النَّاسِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبياء: 11]{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [الحج: 48]{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص: 58]
وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْقَرِّ، وَهُوَ الْجَمْعُ، وَمِنْهُ قَرَأْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْته، وَمِنْهُ الْقِرَى، وَهِيَ الضِّيَافَةُ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا. وَقِيلَ إنَّهَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ، لَا مِنْ الْحَذْفِ.
وَقِيلَ: لَا مَجَازَ أَصْلًا، وَلَا حَذْفَ بَلْ السُّؤَالُ حَقِيقِيٌّ لَهَا، وَيَكُونُ مُعْجِزَةً؛ لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ: هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ " الرِّسَالَةِ " وَنَقَلَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ وَجَعَلَ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ الدَّالِّ لَفْظِهِ عَلَى بَاطِنِهِ دُونَ ظَاهِرِهِ، فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ يَحْكِي قَوْلَ إخْوَةِ يُوسُفَ لِأَبِيهِمْ {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف: 81]{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف: 82] فَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى الْآيَاتِ قَبْلَهَا لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُخَاطِبُونَ أَبَاهُمْ بِمَسْأَلَةِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَأَهْلِ الْعِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ وَالْعِيرَ لَا يُنْبِئَانِ عَنْ صِدْقِهِمْ. اهـ كَلَامُهُ.
وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ جَعْلُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ الْإِفْرَادِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ الْإِفْرَادِيَّ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَجَمِيعُ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَتَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ، فَالْقَرْيَةُ فِي الْقَرْيَةِ، وَالسُّؤَالُ فِي السُّؤَالِ، وَكَذَا الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمَحْذُوفُ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَالْمَحْذُوفُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ أَلْبَتَّةَ، وَالزَّائِدُ كَذَلِكَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي شَيْءٍ، وَمَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً، وَلَا مَجَازًا، فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مِنْ مَجَازِ التَّرْكِيبِ لَا الْإِفْرَادِ وَاخْتَارَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ
السُّؤَالَ لِتَرْكِيبِ لَفْظَةٍ مَعَ لَفْظَةٍ فِيمَا يَصْلُحُ لِلْإِجَابَةِ، فَحَيْثُ رَكَّبَتْهُ مَعَ مَا لَا يَصْلُحُ، فَقَدْ عَدَلَتْ عَنْ التَّرْكِيبِ الْأَصْلِيِّ إلَى تَرْكِيبٍ آخَرَ، وَلَا مَعْنَى لِلْمَجَازِ الْمُرَكَّبِ إلَّا هَذَا، وَكَذَلِكَ حُرُوفُ الزِّيَادَةِ وَضَعَتْهَا لِتُرَكِّبَهَا مَعَ مَعْنًى، فَإِذَا رَكَّبَتْهَا لَا مَعَ مَعْنًى، فَهُوَ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ.
وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَجَازَ فِي الْمَذْكُورِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَيِّرُ حُكْمَ إعْرَابِهِ؛ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ مَعَ ذِكْرِ الْأَهْلِ مَجْرُورَةٌ، وَعِنْدَ حَذْفِهَا مَنْصُوبَةٌ، وَكَذَلِكَ " مِثْلِ " مَجْرُورَةٌ بِزِيَادَةِ الْكَافِ، وَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْأَصْلِ النَّصْبَ، فَإِنَّمَا وَقَعَ الْمَجَازُ فِي الْجَرِّ وَالنَّصْبِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْبَيَانِ، وَشَرَطُوا فِي مَجَازِ الْحَذْفِ أَنْ يَتَغَيَّرَ حُكْمُ إعْرَابِ الْكَلِمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَذْفٌ، وَمِثَالُهُ: قَوْله تَعَالَى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96] فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ مِنْ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ، فَالْمَذْكُورُ هُنَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ إعْرَابِهِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا. الثَّانِي: أَنَّ تَعْرِيفَ الْمَجَازِ الْإِفْرَادِيِّ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُلْحَظْ لَك؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] مَوْضُوعٌ لِسُؤَالِهَا مُسْتَعْمَلٌ فِي سُؤَالِ أَهْلِهَا، فَكَانَ مَجَازًا، وَلَيْسَ هُوَ مَجَازًا فِي التَّرْكِيبِ، فَإِنَّ مَجَازَ التَّرْكِيبِ مِثْلُ قَوْلِك: أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَوْضُوعِهِ، فَمُقْتَضَاهُ إسْنَادُ الْإِثْبَاتِ إلَى الرَّبِيعِ، وَلَكِنَّا عَلِمْنَا بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ أَنَّ اللَّفْظَةَ الزَّائِدَةَ وَحْدَهَا أَوْ النَّاقِصَةَ وَحْدَهَا مَجَازٌ، وَلَا نَعْنِي بِمَجَازِ التَّرْكِيبِ إلَّا إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى الْفَاعِلِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعِ اللُّغَوِيِّ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا جَاءَ الْمَجَازُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ كَافِرٍ يَعْتَقِدُ حَقِيقَتَهُ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا.