الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ، هَذَا التَّصْوِيرُ؛ لِأَنَّهُ يَنْوِي بِاللَّفْظِ مَعْنَى لَفْظٍ آخَرَ لَا صُورَةَ اللَّفْظِ، وَإِذَا كَانَ الْمَنْوِيُّ الْمَعْنَى فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ: نَوَى التَّحْرِيمَ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَالَ: نَوَى أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ.
[مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ فَرْعٌ لِلْحَقِيقَةِ]
ِ] الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ بِالِاتِّفَاقِ أَيْ فَرْعٌ لَهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الرَّاجِحُ الْمُقَدَّمُ فِي الِاعْتِبَارِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِ انْعِدَامُ الْأَصْلِ لِلْحَالِ عَلَى احْتِمَالِ الْوُجُودِ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي جِهَةِ الْخَلَفِيَّةِ هَلْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ أَوْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ؟ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ مَقْصُودًا فِيهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ، وَذَهَبَ صَاحِبَاهُ إلَى أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ، يَعْنِي أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُوجِبًا حَقِيقَةً، ثُمَّ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ لِمَعْنًى، فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْكَلَامِ. وَلِأَنَّ الْمَجَازَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ صِحَّةُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْبُلَغَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ لَفْظٌ وَأُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ هَلْ يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ لَا؟ فَعِنْدَنَا يُشْتَرَطُ فَحَيْثُ يَمْتَنِعُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَا يَصِحُّ الْمَجَازُ.
وَعِنْدَهُ: لَا: بَلْ يَكْفِي صِحَّةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ احْتِرَازًا مِنْ إلْغَاءِ الْكَلَامِ. وَنَكْتُبُهَا: أَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَنَا إذَا كَانَ مُحَالًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ لَغْوٌ، وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلْعَبْدِ الْأَكْبَرِ مِنْهُ سِنًّا: هَذَا ابْنِي فَحَقِيقَتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ إذْ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ ابْنَهُ، فَهَلْ يُنَزَّلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَيُقَالُ: الْمُرَادُ مِثْلُ ابْنِي فِي الْحُرِّيَّةِ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ لِهَذَا اللَّفْظِ، أَوْ لَا يُنَزَّلُ عَلَيْهِ بَلْ يَلْغُو؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْأَوَّلِ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ بِالثَّانِي، وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِيهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِمْكَانِ إذَا كَانَ الْمُقِرُّ بِنَسَبِهِ بَالِغًا وَكُذِّبَ الْمُقِرُّ، فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ جَزْمًا، وَفِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ وَجْهَانِ لِلْإِمْكَانِ عَلَى الْجُمْلَةِ.
وَقَالُوا: لَوْ حَلَفَ لِيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ فَإِنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ عَلَى الْأَصَحِّ لِإِمْكَانِ الْبِرِّ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِيهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ. لَكِنْ خَالَفُوهُ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ وَلَا مَاءَ فِيهَا، فَقَالُوا: يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَكَانَ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَدَمِ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الْبِرُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ. لَنَا أَنَّ الْمَجَازَ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى لَازِمِهِ، فَاللَّازِمُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ اللَّازِمُ خَلَفًا وَفَرْعًا لِلْمَوْضُوعِ لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ الْأَوَّلِ لِتَوَقُّفِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ عَلَيْهِ، فَاَلَّذِي ثَبَتَ بِهَذَا اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ مَثَلًا، فَلَفْظُ: هَذَا ابْنِي خَلَفٌ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي ثَبَتَ بِهَذَا اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ كَثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ مَثَلًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَفْظُ هَذَا ابْنِي خَلَفٌ عَنْ لَفْظِ: هَذَا حُرٌّ، فَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُفِيدُهُ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْمَجَازِ خَلَفًا عَنْ الْمُتَكَلِّمِ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُفِيدُ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَقِيلَ: بَلْ أَرَادَ أَنَّ لَفْظَ: هَذَا ابْنِي إنْ أُرِيدَ بِهِ الْحُرِّيَّةُ خَلَفٌ عَنْ لَفْظِ: هَذَا ابْنِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الْبُنُوَّةُ.