الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْقِيَاسِ] [
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَة الْقِيَاس]
ِ وَالنَّظَرُ فِيهِ أَوْسَعُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْأُصُولِ، فَلِهَذَا خَصُّوهُ بِمَزِيدِ اعْتِنَاءٍ. وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُبَيِّنًا لِشَرَفِهِ: " الْقِيَاسُ مَنَاطُ الِاجْتِهَادِ، وَأَصْلُ الرَّأْيِ، وَمِنْهُ يَتَشَعَّبُ الْفِقْهُ وَأَسَالِيبُ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ الْمُفْضِي إلَى الِاسْتِقْلَالِ بِتَفَاصِيل أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ مَعَ انْتِفَاءِ الْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، فَإِنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَحْصُورَةٌ مَقْصُورَةٌ، وَمَوَاضِعُ الْإِجْمَاعِ مَعْدُودَةٌ مَأْثُورَةٌ، فَمَا يُنْقَلُ مِنْهَا تَوَاتُرًا فَهُوَ الْمُسْتَنِدُ إلَى الْقَطْعِ، وَهُوَ مُعْوِزٌ قَلِيلٌ، وَمَا يَنْقُلُهُ الْآحَادُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَعْصَارِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَهِيَ عَلَى الْجُمْلَةِ مُتَنَاهِيَةٌ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْوَقَائِعَ الَّتِي يَتَوَقَّعُ وُقُوعَهَا لَا نِهَايَةٌ لَهَا. وَالرَّأْيُ الْمَبْتُوتُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَخْلُو وَاقِعَةٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَلَقًّى مِنْ قَاعِدَةِ الشَّرْعِ وَالْأَصْلُ الَّذِي يَسْتَرْسِلُ عَلَى جَمِيعِ الْوَقَائِعِ الْقِيَاسُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ. فَهُوَ إذًا أَحَقُّ الْأُصُولِ بِاعْتِنَاءِ الطَّالِبِ. وَفِيهِ أَبْوَابٌ:
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا أَمَّا لُغَةً: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ تَقْدِيرُ شَيْءٍ عَلَى مِثَالِ شَيْءٍ آخَرَ وَتَسْوِيَتُهُ بِهِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمِكْيَالُ مِقْيَاسًا، وَمَا يُقَدَّرُ بِهِ النِّعَالُ مِقْيَاسًا، وَفُلَانٌ لَا يُقَاسُ بِفُلَانٍ: أَيْ لَا يُسَاوِيهِ. وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرُ قِسْت الشَّيْءَ إذَا اعْتَبَرْته، أَقِيسُهُ قَيْسًا وَقِيَاسًا. وَمِنْهُ: قِيسَ الرَّأْيُ، وَامْرُؤُ الْقَيْسِ؛ لِاعْتِبَارِ الْأُمُورِ بِرَأْيِهِ. وَقُسْته (بِضَمِّ الْقَافِ) أُقَوِّسُهُ قَوْسًا ذَكَرَ هَذِهِ اللُّغَةَ ابْنُ أَبِي الْبَقَاءِ فِي نِهَايَتِهِ " وَصَاحِبُ " الصِّحَاحِ "، فَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ. وَقَالَ ابْنُ مُقْلَةَ فِي كِتَابِ " الْبُرْهَانِ ": الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ: التَّمْثِيلُ وَالتَّشْبِيهُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ التَّشْبِيهُ فِي الْوَصْفِ أَوْ الْحَدِّ لَا الِاسْمِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي " كِتَابِ الْقَضَاءِ ": الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ، يُقَالُ: هَذَا قِيَاسُ هَذَا، أَيْ مِثْلُهُ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي الْحُكْمِ. وَقِيلَ: إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِصَابَةِ، يُقَالُ: قِسْت الشَّيْءَ: إذَا أَصَبْته، لِأَنَّ الْقِيَاسَ يُصِيبُ بِهِ الْحُكْمَ، وَحَكَاهَا ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ". وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ: " الْقِيَاسُ فِعْلُ الْقَائِسِ، وَهُوَ مَصْدَرُ قِسْت الشَّيْءَ قِيَاسًا، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ: إمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ فِيهِمَا جَمِيعًا، أَوْ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرِ بِالْفِكْرِ، أَوْ جَمِيعِهِمَا بِالْفِكْرِ يُعْلَمُ تَسَاوِيهِمَا فِي الشَّيْءِ الَّذِي جُمِعَا مِنْ أَجْلِهِ بِخِلَافِهِمَا. هَذِهِ فَائِدَةُ الْقِيَاسِ وَنَتِيجَتُهُ، فَإِذَا أَثْمَرَتْ الْمُقَابَلَةُ مُسَاوَاةَ
الشَّيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ كَانَ جَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا فِي الشَّيْءِ الَّذِي اجْتَمَعَا فِيهِ وَخُولِفَ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ اخْتَلَفَا فِيهِ، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي قَضِيَّةِ الْعُقُولِ أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اشْتَبَهَا فِي شَيْءٍ مَا فَحُكْمُهُمَا مِنْ حَيْثُ اشْتَبَهَا وَاحِدٌ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَانَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ وَالْمُتَّفِقِ فَرْقٌ. وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ: فَاخْتَلَفُوا " أَوَّلًا " فِي إمْكَانِ حَدِّهِ: فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: يَتَعَذَّرُ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ فِي الْقِيَاسِ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ: كَالْحُكْمِ فَإِنَّهُ قَدِيمٌ، وَالْفَرْعُ وَالْأَصْلُ فَإِنَّهُمَا حَادِثَانِ، وَالْجَامِعُ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ. وَوَافَقَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ شَارِحُهُ عَلَى تَعَذُّرِ الْحَدِّ، لَكِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ نِسْبَةً وَإِضَافَةً وَهِيَ عَدَمِيَّةٌ، وَالْعَدَمُ لَا يَتَرَكَّبُ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ الْحَقِيقِيَّيْنِ الْوُجُودِيَّيْنِ. قَالَ الْإِبْيَارِيُّ: الْحَقِيقِيُّ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَمَّا تَرَكَّبَ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ. وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي إمْكَانَهُ، وَاخْتَلَفُوا:
فَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ: مُسَاوَاةُ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ، أَوْ زِيَادَتُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ فِي الْحُكْمِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ مَطْلُوبٍ بِهِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ وَهُوَ الْفَرْعُ؛ وَذَلِكَ لِثُبُوتِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَهُوَ الْأَصْلُ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ، بَلْ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَمْرٌ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمُسَاوَاةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. فَيَخْتَصُّ الْحَدُّ بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ. هَذَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ. أَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ " فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ " سَوَاءٌ ثَبَتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ لَا، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. وَالْحَقُّ، أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ شَامِلٌ لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمَذْكُورَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ أَمْ لَا. وَقِيلَ: إدْرَاجُ خُصُوصٍ فِي عُمُومٍ. وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ. وَقِيلَ: إنَّهُ إلْحَاقُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ، وَقِيلَ: إلْحَاقُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: اسْتِنْبَاطُ الْخَفِيِّ مِنْ الْجَلِيِّ، وَقِيلَ: حَمْلُ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ بِبَعْضِ أَوْصَافِ الْأَصْلِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: رَدُّ فَرْعٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ وَعَنْ حُكْمِهِ إلَى أَصْلٍ مَنْطُوقٍ بِحُكْمِهِ، وَقِيلَ: الْجَمْعُ بَيْنَ النَّظَرَيْنِ وَإِجْرَاءُ حُكْمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَقِيلَ: إنَّهُ بَذْلُ الْجُهْدَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِاسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ بِالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ. وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: حَمْلُ الشَّيْءِ عَلَى حُكْمِهِ وَإِجْرَاءُ حُكْمِهِ عَلَيْهِ. وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْجَامِعَ. وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ:
حَمْلُ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ بِضَرْبٍ مِنْ الشَّبَهِ، وَقَالَ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى: إثْبَاتُ حُكْمِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لِلْمَقِيسِ وَهُوَ رَكِيكٌ، فَإِنَّ الْمَقِيسَ وَالْمَقِيسَ عَلَيْهِ مُشْتَقَّانِ مِنْ الْقِيَاسِ، فَتَعْرِيفُ الْقِيَاسِ بِهِمَا دَوْرٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْإِحْكَامِ: اسْتِوَاءٌ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْقِيَاسُ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً، فَإِنْ مُنِعَ كَوْنُهُ قِيَاسًا فَبَاطِلٌ، لِأَنَّهُ أَقْوَى أَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي - وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنَّا، كَمَا قَالَهُ فِي الْمَحْصُولِ: هُوَ حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِجَامِعِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهِمَا، فَالْحَمْلُ اعْتِبَارُ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ وَرَدُّهُ إلَيْهِ، وَالْمَعْلُومُ يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ، بِخِلَافِ الشَّيْءِ وَالْفَرْعِ يُوهِمُ الْمَوْجُودَ. ثُمَّ بَيَّنَ فَبِمَاذَا يَكُونُ الْحَمْلُ بِقَوْلِهِ:" فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ " فَأَفَادَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ وَنَفْيِهَا، وَالْمَعْلُومُ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْهُ، إذْ الْقِيَاسُ يَسْتَدْعِي مُنْتَسِبِينَ، لِأَنَّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِدُونِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِحُكْمٍ. ثُمَّ قَسَّمَ الْجَامِعَ إلَى حُكْمٍ وَصِفَةٍ. قَالَ إلْكِيَا: وَهُوَ أَسَدُّ مَا قِيلَ عَلَى صِنَاعَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ: مِنْهَا: إنْ أَرَدْت بِالْحَمْلِ إثْبَاتَ الْحُكْمِ فَقَوْلُك: " فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ " ضَائِعٌ لِلتَّكْرَارِ، وَإِنْ أَرَدْت غَيْرَهُ فَبَيِّنْهُ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ يَكُونُ خَارِجًا عَنْ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ يَتِمُّ بِإِثْبَاتِ مِثْلٍ مَعْلُومٍ لِآخَرَ بِجَامِعٍ. وَمِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ " فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهَا " يُشْعِرُ بِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، فَلَوْ كَانَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فَرْعًا عَنْ الْقِيَاسِ لَزِمَ الدَّوْرُ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَعَلَّهُ يَرَى أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ بِالْعِلَّةِ لَا بِالنَّصِّ وَكَذَلِكَ فِي الْفَرْعِ، وَالْقِيَاسُ كَاشِفٌ عَمَّا ثَبَتَ فِيهِمَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: هَذَا السُّؤَالُ لَا يَرِدُ مِنْ أَصْلِهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ " بِهِمَا " يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفِ صِلَةٍ لِلْحُكْمِ الْمُنَكَّرِ، كَأَنَّهُ قَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ، وَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثَابِتٌ لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَالْمُثْبِتُ لَهُ فِي الْأَصْلِ النَّصُّ، وَفِي الْفَرْعِ الْقِيَاسُ، فَلَا تَنَاقُضَ. وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِإِثْبَاتٍ. وَمِنْهَا: أَنَّ الصِّفَةَ ثَبَتَتْ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ، كَقَوْلِهِ: إنَّهُ عَالِمٌ فَلَهُ عِلْمٌ، كَمَا فِي الشَّاهِدِ، فَإِنْ انْدَرَجَتْ الصِّفَةُ فِي الْحُكْمِ يَكُونُ قَوْلُهُ: بِجَامِعِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمَّا كَانَتْ أَحَدَ أَقْسَامِ الْحُكْمِ كَانَ ذِكْرُ الصِّفَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ تَكْرَارًا، وَإِنْ لَمْ تَنْدَرِجْ كَانَ التَّعْرِيفُ نَاقِصًا، فَهُوَ إمَّا زَائِدٌ وَإِمَّا نَاقِصٌ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِيَاسِ الْجَامِعُ دُونَ أَقْسَامِهِ، وَلَوْ وَجَبَ ذِكْرُ أَقْسَامِهِ لَوَجَبَ ذِكْرُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ. وَمِنْهَا: الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ خَارِجٌ عَنْهُ، لِأَنَّ الْجَامِعَ مَتَى حَصَلَ صَحَّ الْقِيَاسُ. وَقَالَ إلْكِيَا: هُوَ شَامِلٌ لِلصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا يَرْجِعُ إلَى شُرُوطٍ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي التَّحْدِيدِ، وَكَذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ بِشُمُولِهِ لَهَا. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِالصَّحِيحِ - تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ - فَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَا.
وَمِنْهَا: قَالَ الْآمِدِيُّ: الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقِيَاسِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ بِرُكْنٍ فِي الْقِيَاسِ، فَإِنَّ نَتِيجَةَ الدَّلِيلِ لَا تَكُونُ رُكْنًا فِي الدَّلِيلِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّوْرِ، فَيَلْزَمُ مِنْ أَخْذِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ رُكْنًا فِي الْقِيَاسِ الدَّوْرُ الْمُمْتَنِعُ. وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ تَعْرِيفَ الدَّلِيلِ بِنَتِيجَتِهِ تَعْرِيفًا رَسْمِيًّا تَعْرِيفٌ جَائِزٌ،