الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَحْصُورًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ قَوْمٌ: الْمَحْصُورُ بِالْعَدَدِ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ، لِأَنَّهُنَّ مَحْصُورَاتٌ بِاسْمِ الْعَدَدِ. وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ هُنَّ مَحْصُورَاتٌ فِي الذِّكْرِ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَصْلُ مَحْصُورًا فِي اللَّفْظِ فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ. وَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةٌ لَكِنَّ الْقِيَاسَ أَوْلَى مِنْ الْمَفْهُومِ.
مَسْأَلَةٌ
وَلَا يُشْتَرَطُ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، بَلْ يَكْفِي انْتِهَاضُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ حَيْثُ اشْتَرَطَهُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: إنْ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ كُلِّهَا أَدَّى إلَى إبْطَالِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ نُفَاةَ الْقِيَاسِ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْأُصُولَ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ. وَإِنْ أَرَادَ إجْمَاعَ الْقِيَاسِيِّينَ فَهُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ بِدَلِيلٍ.
[مَسْأَلَةٌ تَأْثِيرُ الْأَصْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ]
وَلَا يُشْتَرَطُ تَأْثِيرٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إبْطَالِ بَيْعِ الْغَائِبِ: بَاعَ عَيْنًا لَمْ يَرَ مِنْهَا شَيْئًا. فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ، أَصْلُهُ إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُكُمْ لَمْ يَرَ مِنْهَا شَيْئًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّ بَعْضَ النَّوَى إذَا كَانَ ظَاهِرًا يَرَاهُ، وَبَعْضُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَا يَصِحُّ أَيْضًا، قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَإِنَّمَا يَكْفِي التَّأْثِيرُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَتَأْثِيرُهُ فِي بَيْعِ الْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فَإِنَّهُ يَرَى بَعْضَهَا وَهُوَ ظَاهِرُهَا دُونَ بَاطِنِهَا وَيَكُونُ بَيْعُهَا صَحِيحًا.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ صَحِيحًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا وَشَهَادَتُهُ صَحِيحَةٌ، وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي مَقَامِ الْإِلْزَامِ وَالْإِفْحَامِ، كَإِلْزَامِنَا مَنْ اعْتَبَرَ الْأَصْلَ جَوَازَ اجْتِمَاعِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ الَّذِي قَاسَ عَلَيْهِ فَاسِدًا عِنْدَنَا.
الرُّكْنُ الثَّانِي حُكْمُ الْأَصْلِ
[الرُّكْنُ الثَّانِي] : حُكْمُ الْأَصْلِ
وَقَدْ مَرَّ تَعْرِيفُ الْحُكْمِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ: وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، تَبَعًا لِلشَّيْخِ فِي " اللُّمَعِ ": الْحُكْمُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعِلَّةِ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِسْقَاطِ، وَهُوَ إمَّا مُصَرَّحٌ بِهِ كَقَوْلِهِ: فَجَازَ أَنْ يَجِبَ كَذَا، أَوْ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ كَذَا، أَوْ مُبْهَمٌ. وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ: فَأَشْبَهَ كَذَا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ فَأَشْبَهَ الْخَمْرَ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ بِالْمَنْعِ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُبْهَمٌ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْجَدَلِيِّينَ الصِّحَّةُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَأَشْبَهَ كَذَا فِي الْحُكْمِ الَّذِي وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ، وَذَلِكَ شَيْءٌ مَعْلُومٌ بَيْنَ السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ فَيَجِبُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ بَيَانِهِ اكْتِفَاءً بِالْمَعْلُومِ الْمَوْجُودِ بَيْنَهُمَا.
الثَّانِي: أَنْ تُذْكَرَ الْعِلَّةُ وَلَا يُصَرَّحُ بِالْحُكْمِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ، بَلْ يُعَلَّقُ عَلَى الْعِلَّةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ حُكْمَيْنِ، كَقَوْلِنَا فِي إيجَابِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ: طَهَارَةٌ فَيَسْتَوِي جَامِدُهَا وَمَائِعُهَا فِي النِّيَّةِ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ يُرِيدُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ فِي إسْقَاطِ النِّيَّةِ، وَفِي الْفُرُوعِ فِي إيجَابِهَا، وَهُمَا حُكْمَانِ مُتَضَادَّانِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُشْبِهَ حُكْمُ الشَّيْءِ مِنْ نَظِيرِهِ لَا مِنْ ضِدِّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ هُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ فِي النِّيَّةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي النِّيَّةِ مَوْجُودٌ فِي الْأَصْلِ فَصَحَّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي التَّفْصِيلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُكْمٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ. وَحَكَى شَارِحُ " اللُّمَعِ " عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَّا الْوَجْهَيْنِ هُنَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ فِي " أَدَبِ الْجَدَلِ ": اخْتَلَفُوا فِي الْقِيَاسِ إذَا كَانَ حُكْمُهُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ حُكْمٍ وَحُكْمٍ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعِ: إنَّهُ مَائِعٌ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَوْلِ وَالْمَرَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقِيلَ: إنَّهُ فَاسِدٌ، لِأَنَّ حُكْمَهُ مَجْهُولٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ النَّفْيِ، سَوَاءٌ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ فَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ فِي الْإِثْبَاتِ، أَوْ فِي الْفَرْعِ فِي النَّفْيِ وَفِي الْأَصْلِ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّنَا فِي الْأُولَى نَقِيسُ الشَّيْءَ عَلَى نَظِيرِهِ وَمِثْلِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ نَقِيسُهُ عَلَى ضِدِّهِ وَنَقِيضِهِ فَامْتَنَعَ. وَقِيلَ: إنْ ابْتَدَأَ الْمَسْئُولُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ جَازَ، وَإِنْ قَلَبَهَا عَلَى خَصْمِهِ بِمِثْلِهَا لَمْ يَجُزْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ فِي أَنَّهُ إذَا قَابَلَ قِيَاسًا لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ حُكْمٍ وَحُكْمٍ، فَقِيلَ: الْقِيَاسُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ التَّسْوِيَةَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِالْحُكْمِ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ دَرَجَةٍ أُخْرَى فَيُخَالِفُ قِيَاسَ التَّسْوِيَةِ. وَقِيلَ: قِيَاسُ التَّسْوِيَةِ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ التَّشْبِيهَ أَكْثَرَ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَهْلٌ الصُّعْلُوكِيُّ فِي بَعْضِ الْمُنَاظَرَاتِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى.
الثَّالِثُ مِنْ الْأَضْرُبِ: أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعِلَّةِ إثْبَاتَ التَّأْثِيرِ بِمَعْنًى، كَقَوْلِنَا فِي كَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ: خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْفَمِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلصَّوْمِ فِيهِ تَأْثِيرٌ كَالْمَضْمَضَةِ، فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ صَحِيحٌ، وَالْقَصْدُ بِالْعِلَّةِ إثْبَاتُ حُكْمِ التَّأْثِيرِ عَلَى الْجُمْلَةِ.