الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْفَرْعُ]
[الرُّكْنُ الثَّالِثُ] الْفَرْعُ وَهُوَ الَّذِي يُرَادُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ. فَقِيلَ: هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَصْلِ. وَقِيلَ: هُوَ نَفْسُ الْحُكْمِ الَّذِي فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ قِيَاسُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ ثَمَّ. وَقِيَاسُ قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ النَّصُّ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ هُنَا هُوَ الْعِلَّةُ، لَكِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي الْفَرْعِ وَفَرْعٌ فِي الْأَصْلِ، فَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا فَرْعًا فِي الْفَرْعِ. وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ عِنْدَهُمْ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ أَوْ عِلَّتِهِ أَوْ الْحُكْمَ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي " أَدَبِ الْجَدَلِ ": الْفَرْعُ: مَا اخْتَلَفَ الْخَصْمَانِ فِيهِ. وَقِيلَ: مَا قَصَدَ الْقَائِسُ إثْبَاتَ الْحُكْمِ فِيهِ. وَقِيلَ: مَا نُصِبَتْ الدَّلَالَةُ فِيهِ. وَلَهُ شُرُوطٌ:
أَحَدُهَا: وُجُودُ الْعِلَّةِ الْمَوْجُودَةِ أَيْ قِيَامُهَا بِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَمِيَّةً وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِوُجُودِهَا فِيهِ، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِلَّةِ.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهِ مِثْلَ عِلَّةِ الْأَصْلِ بِلَا تَفَاوُتٍ،
أَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى النُّقْصَانِ، أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاؤُهَا، إذْ قَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ أَوْلَى، كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ، وَقَدْ يَكُونُ مُسَاوِيًا، كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ. فَإِنْ كَانَ وُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ مَقْطُوعًا بِهِ صَحَّ الْإِلْحَاقُ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ مَظْنُونًا كَقِيَاسِ الْأَدْوَنِ كَالتُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِهِ، بَلْ يَكْفِي فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ الظَّنُّ لِأَنَّا إذَا ظَنَنَّا وُجُودَهَا فِي الْفَرْعِ ظَنَنَّا الْحُكْمَ، وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُسَاوِيَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِنْسٍ لِيَتَأَدَّى بِهِ مِثْلُ مَا يَتَأَدَّى بِالْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْفَرْعِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَسَدَ الْقِيَاسُ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ يَقْتَضِي نَقِيضَ مَا اقْتَضَتْهُ عِلَّةُ الْقِيَاسِ. هَذَا إنْ جَوَّزْنَا تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ، فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا شَرْطًا فِي الْفَرْعِ الَّذِي يُقَاسَ، بَلْ الْفَرْعُ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْحُكْمُ يَقْتَضِي الْقِيَاسَ.
الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ دَلِيلَ الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ ثَابِتًا بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَنْ لَا يَكُونَ الْفَرْعُ مَنْصُوصًا أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْحُكْمُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، نَعَمْ يَجُوزُ لِتَجْرِبَةِ النَّظَرِ. فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى مُوَافَقَتِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ هُوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ
أَوْ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ جَعَلَ تِلْكَ الصُّورَةَ أَصْلًا وَالْأُخْرَى فَرْعًا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا نَقَلَهُ فِي " الْمَحْصُولِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بَلْ الِاسْتِظْهَارَ بِتَكْثِيرِ الْحُجَجِ. وَتَرَادُفُ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْمَدْلُولِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ لِإِفَادَةِ زِيَادَةِ الظَّنِّ. وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ قِيَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَ الْآمِدِيُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى اشْتِرَاطِهِ، وَنَقَلَ الدَّبُوسِيُّ فِي " التَّقْوِيمِ " الْجَوَازَ مُطْلَقًا عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ كَوْنَ الْفَرْعِ فِيهِ نَصٌّ وَيَزْدَادُ بِالْقِيَاسِ بَيَانُ مَا كَانَ النَّصُّ سَاكِتًا عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ.
السَّادِسُ: شَرَطَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيَّ انْتِفَاءَ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ يُوَافِقُهُ، أَيْ لَا يَكُونُ مَنْصُوصًا عَلَى شَبَهِهِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي نَصِّهِ هُوَ. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا غَيْرُ شَرْطٍ، وَفَائِدَةُ الْقِيَاسِ مَعْرِفَةُ الْعِلَّةِ أَوْ الْحُكْمِ، وَفَائِدَةُ النَّصِّ ثُبُوتُ الْحُكْمِ.
السَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ ثَابِتًا قَبْلَ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُسْتَفَادَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُسْتَفَادِ مِنْهُ بِالضَّرُورَةِ، فَلَوْ تَقَدَّمَ مَعَ مَا ذَكَرْته مِنْ وُجُوبِ تَأَخُّرِهِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ أَوْ الضِّدَّيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَهَذَا كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، لِأَنَّ التَّعَبُّدَ بِالتَّيَمُّمِ إنَّمَا وَرَدَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَالتَّعَبُّدَ بِالْوُضُوءِ كَانَ قَبْلَهُ وَنَازَعَ الْعَبْدَرِيُّ فِي الْمِثَالِ بِأَنَّهُ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ لَا
مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ، وَمَعْنَاهُ: طَهَارَتَانِ فَكَيْفَ تَفْتَرِقَانِ؟ وَمَنَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " هَذَا الشَّرْطَ، وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ أَمَارَاتٍ مُتَقَدِّمَةً وَمُتَأَخِّرَةً، فَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْمُتَقَدِّمِ مِنْهَا وَالْمُتَأَخِّرِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ يَجُوزُ تَأَخُّرُهُ عَنْ ثُبُوتِهِ. وَلِهَذَا مُعْجِزَاتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَا قَارَنَ نُبُوَّتَهُ، وَمِنْهَا مَا تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَيَجُوزُ الِاسْتِدْلَال عَلَى نُبُوَّتِهِ بِمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَا فِي الْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ وَكَذَا نَقَلَ إلْكِيَا فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَالَمَ مُتَرَاخٍ عَنْ الْقَدِيمِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْقَدِيمِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ. فَإِنَّا لَا نَسْتَدِلُّ بِوُجُودِ الْعَالِمِ عَلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ، لِأَنَّهُ ثَابِتٌ قَطْعًا. وَإِنَّمَا اسْتَدْلَلْنَا بِالْعَالِمِ عَلَى الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ. فَيَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ هُنَا: النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ كَانَتْ ثَابِتَةً بِدَلِيلِهَا، وَهُوَ إخَالَةٌ وَمُنَاسَبَةٌ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا إنَّمَا نَشَأَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ، فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ إلَى أَنْ شُرِعَ التَّيَمُّمُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ وَيَكُونَ فَرْعًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ وَمُعَرِّفَاتٌ لَهَا وَتَقْدِيمُهَا كَالدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: قَوْلُهُمْ لَا يُسْتَفَادُ حُكْمُ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا إلَّا أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. قَالَ: قَالُوا: هَذَا إذَنْ يَكُونُ نَسْخًا. وَإِنَّمَا هُوَ ضَمُّ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ رحمه الله: هَذَا الشَّرْطُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ إذَا تَوَقَّفَ اسْتِنَادُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ، لِأَنَّ الْمُحَالَ إنَّمَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ مَنْشَأُ الِاسْتِحَالَةِ فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ لِعَدَمِ النَّصِّ انْتَفَى وَجْهُ الِاسْتِحَالَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: نَعَمْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ لِتَسَاوِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمَعْنَى. وَقَالَ الرَّازِيَّ وَالْهِنْدِيُّ: هَذَا
إذَا لَمْ يَكُنْ لِحُكْمِ الْفَرْعِ دَلِيلٌ سِوَى ذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُتَأَخِّرِ، فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ آخَرُ وَذِكْرُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ لِلْخَصْمِ لَا بِطَرِيقِ تَقْوِيَةِ الْمَأْخَذِ، أَوْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّعْلِيلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ الدَّلِيلُ عَنْ الْمَدْلُولِ - كَالْعَالِمِ عَلَى الصَّانِعِ - جَازَ تَأَخُّرُهُ، لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ، وَتَوَارُدُ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَفَرُّعِهِ عَنْ الْأَصْلِ الْمُتَأَخِّرِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ غَيْرُهُ أَمْ لَا.
الثَّامِنُ: شَرَطَ أَبُو هَاشِمٍ دَلَالَةَ دَلِيلٍ غَيْرِ الْقِيَاسِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ، وَيَكُونُ حَظُّ الْقِيَاسِ إبَانَةَ فَيْصَلِهِ وَالْكَشْفَ عَنْ مَوْضُوعِهِ، وَحَكَاهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَيْضًا، وَرَدَّدَهُ بِأَنَّ الْأَوَّلِينَ تَشَوَّفُوا إلَى إجْرَاءِ الْقِيَاسِ اتِّبَاعًا لِلْأَوْصَافِ الْمُخَيَّلَةِ الْمُؤَثِّرَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَقَدْ أَثْبَتُوا قَوْلَهُ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " بِالْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَصٌّ عَلَى جِهَةِ الْجُمْلَةِ عَلَى وَجْهٍ مَا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى:{لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]، إنَّمَا يُمْكِنُ عَنْ الْمَنْعِ مِنْ تَحْرِيمِهِ وَلَا يُفِيدُ حُكْمُهُ إذَا وَقَعَ التَّحْرِيمُ (قَالَ) : وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُمْ عَلِمُوا لَهُ أَصْلًا غَابَ عَنَّا.
تَنْبِيهٌ
جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْفَرْعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَفًا فِيهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وَالْحَقُّ جَوَازُهُ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ تَعَدَّى الْحُكْمَ مِنْ الْمَنْصُوصِ إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ بِذَلِكَ
كَمَا بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ خَمْرًا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ فَقَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» فَهَذَا الْحُكْمُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاسْتُعْمِلَ فِيهِ الْقِيَاسُ.