الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَرَى أَنَّهُ سَهَا فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ، فَيَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ السُّجُودَ لِذَلِكَ السَّهْوِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَكُونُ مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ مَاعِزًا زَنَى فَرُجِمَ. قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يَجِبُ مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بَعْدَ نَقْلِهِ بِالْقِيَاسِ إذْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» وَنَحْوُهُ مِمَّا يَحِلُّ الْفِعْلُ فِيهِ مَحَلَّ الْقَوْلِ الْعَامِّ، لِأَنَّا قَدْ قُلْنَا: إنَّ قَضَاءَهُ عَلَى الْمُعَيَّنِ لِعِلَّةٍ وَصْفِيَّةٍ لَا تَقْتَضِي وُجُوبَ عُمُومِ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَلَا يَمْتَنِعُ اخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ بِدَلِيلٍ يَقْتَرِنُ بِهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ اجْتِنَابُهُ الطِّيبَ وَمَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُونَ عِنْدَ إحْرَامِهِمْ إذْ عُقِلَ مِنْ ذَلِكَ شَاهِدُ الْحَالِ أَنَّهُ إنَّمَا اجْتَنَبَهُ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ. وَمِنْ أَمْثَالِهِ الْمُنَبِّهَةِ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ تَخْيِيرُهُ بَرِيرَةَ لَمَّا عَتَقَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا.
[الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ الْمُنَاسَبَةُ]
وَهِيَ مِنْ الطُّرُقِ الْمَعْقُولَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِ " الْإِخَالَةِ " وَبِ " الْمَصْلَحَةِ " وَبِ " الِاسْتِدْلَالِ " وَبِ " رِعَايَةِ الْمَقَاصِدِ ". وَيُسَمَّى اسْتِخْرَاجُهَا " تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ " لِأَنَّهُ إبْدَاءُ مَنَاطِ الْحُكْمِ. وَهِيَ عُمْدَةُ كِتَابِ الْقِيَاسِ وَغَمْرَتُهُ وَمَحَلُّ غُمُوضِهِ وَوُضُوحِهِ. وَهُوَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ، أَيْ: الْمُنَاسَبَةِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمُلَاءَمَةُ. فَلَا دُورَ مِنْ ذَاتِ الْأَصْلِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا غَيْرِهِ، مَعَ السَّلَامَةِ عَنْ الْقَوَادِحِ. كَالْإِسْكَارِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.
وَالْمُنَاسِبُ - لُغَةً: الْمُلَائِمُ، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَقَالَ مَنْ لَمْ يُعَلِّلْ
أَفْعَالَ اللَّهِ بِالْغَرَضِ: إنَّهُ الْمُلَائِمُ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ فِي الْعَادَاتِ، أَيْ مَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْعُقَلَاءُ لِفِعْلِهِ عَلَى مَجَارِي الْعَادَةِ تَحْصِيلَ مَقْصُودٍ مَخْصُوصٍ. وَقَالَ مَنْ يُعَلِّلُهَا: هُوَ مَا يَجْلِبُ لِلْإِنْسَانِ نَفْعًا، أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ ضُرًّا. وَهُوَ قَوْلُ الدَّبُوسِيِّ: مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ. قِيلَ: وَعَلَى هَذَا فَإِثْبَاتُهَا عَلَى الْخَصْمِ مُتَعَذِّرٌ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقُولُ: عَقْلِيٌّ لَا يَتَلَقَّى هَذَا بِالْقَوْلِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ: هُوَ حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ لِأَنَّهُ لَا يُكَابِرُ نَفْسَهُ، دُونَ الْمُنَاظِرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ " رحمه الله ": وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ عَلَى الْجَاحِدِ بِتَبْيِينِ مَعْنَى الْمُنَاسَبَةِ عَلَى وَجْهٍ مَضْبُوطٍ، فَإِذَا أَبْدَاهُ الْمُعَلِّلُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى جَحْدِهِ. وَقِيلَ: إنَّ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ بُنِيَ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ، وَأَنَّ الْمُنَاسِبَ لَا يَنْخَرِمُ بِالْمُعَارِضِ. وَالتَّفْسِيرَ الثَّانِي بُنِيَ عَلَى مَنْعِ التَّخْصِيصِ وَيَأْخُذُ انْتِفَاءَ الْعَارِضِ فِي حَدِّ الْمُنَاسِبِ. وَقَالَ الْخِلَافِيُّونَ: الْمُنَاسَبَةُ مُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ الصَّالِحِ لِحِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ. أَوْ: صَلَاحِيَّةُ الْفِعْلِ لِحِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: هُوَ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ يَحْصُلُ عَقْلًا مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ، أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ. فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ خَفِيًّا أَوْ ظَاهِرًا غَيْرَ مُنْضَبِطٍ فَالْمُعْتَبَرُ مَا يُلَازِمُهُ، وَهُوَ الْمَظِنَّةُ، كَالْمَشَقَّةِ، فَإِنَّهَا لِلْمَقْصُودِ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا بِنَفْسِهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ، فَتُعْتَبَرُ بِمَا يُلَازِمُهُ وَهُوَ السَّفَرُ. قَالَ