الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِثَالُ الْأَوَّلِ: أَنَّ تَعْلِيلَ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ بِأَنَّهُمَا حُرَّانِ مُكَلَّفَانِ مَحْقُونَا الدَّمِ فَيَتَقَاصَّانِ كَالْمُسْلِمِينَ، فَيُنْتَقَضُ بِمَا إذَا قَتَلَهُ خَطَأً، وَذَلِكَ أَنَّ نَفْيَ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِدْقِ الْقَوْلِ أَنَّ بَيْنَهُمَا قِصَاصًا. وَإِذَا صَدَقَ الْفَرْقُ بِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ ثُبُوتَ الْقِصَاصِ لَمْ يَرْتَفِعْ، فَلَمْ يَنْتَفِ حُكْمُ الْعِلَّةِ.
وَمِثَالُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُمَا مُكَلَّفَانِ، فَلَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ، فَإِذَا نُقِضَ بِالْمُسْلِمِينَ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ انْتَقَضَتْ الْعِلَّةُ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْقِصَاصِ بَيْنَ شَخْصَيْنِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُفِيدُ مَعَهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الْمُفَصَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا، فَالْإِثْبَاتُ يَنْتَقِضُ بِالنَّفْيِ الْمُجْمَلِ، مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ: مُوجِبَانِ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا قِصَاصٌ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، وَذَلِكَ يَنْتَقِضُ بِالْحُرِّ، لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ لَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْقِصَاصِ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَزُولُ ثُبُوتُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. وَأَمَّا النَّفْيُ الْمُفَصَّلُ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالْإِثْبَاتِ الْمُجْمَلِ، كَمَا نَقُولُ: فَلَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِثُبُوتِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْقِصَاصِ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ انْتِفَائِهِ عَنْهُمَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ.
[الثَّانِي مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْكَسْرُ]
الثَّانِي الْكَسْرُ وَهُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْجَدَلِيِّينَ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الِاعْتِبَارِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ فِي حَدِّ الْعِلَّةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِعِلَّةٍ عَلَى حُكْمٍ يُوجَدُ مَعْنَى تِلْكَ الْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَا يُوجَدُ مَعَهَا ذَلِكَ الْحُكْمُ.
مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، وَلَهُ وَلَدٌ، فَيَهَبُ لِوَلَدِهِ شَيْئًا وَيَقُولُ: وَهَبْتُ لَهُ لِأَنَّهُ وَلَدِي، فَيُقَالُ لَهُ: فَيَنْكَسِرُ عَلَيْك بِوَلَدِ وَلَدِك، لِأَنَّ مَعْنَى الْوَلَدِ مَوْجُودٌ فِيهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِهِ صَحِيحٌ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دُعِيَ إلَى دَارٍ فَأَجَابَ، وَدُعِيَ إلَى دَارٍ أُخْرَى فَلَمْ يُجِبْ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ فِي دَارِ فُلَانٍ كَلْبًا فَقِيلَ: وَفِي هَذِهِ الدَّارِ سِنَّوْرٌ، فَقَالَ: السِّنَّوْرُ سَبُعٌ» . وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْهِرَّةَ تَكْسِرُ الْمَعْنَى، وَهُوَ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ فِي الْبَيْتِ كَالْكَلْبِ، فَأَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى اعْتِرَاضِهِمْ وَأَجَابَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الْهِرَّةَ سُبُعٌ، أَيْ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ نَجِسٌ.
وَهُوَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُبَدِّلَ ذَلِكَ الْوَصْفَ الْخَاصَّ بِوَصْفٍ عَامٍّ ثُمَّ يَنْقُضَهُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِنَا فِي إثْبَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ: صَلَاةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا كَصَلَاةِ الْأَمْنِ. فَيَعْتَرِضُ أَنَّ كَوْنَهَا صَلَاةً لَا أَثَرَ لَهَا، لِأَنَّ الْحَجَّ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْوَصْفُ الْعَامُّ وَهُوَ كَوْنُهُ عِبَادَةً، فَيَنْكَسِرُ بِصَوْمِ الْحَائِضِ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ، بَلْ يُعْرِضُ عَنْ ذَلِكَ الَّذِي أَسْقَطَهُ بِالْكُلِّيَّةِ،
وَيَذْكُرُ صُورَةَ النَّقْضِ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ فِي الْمِثَالِ قَوْلَنَا: فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا، إذْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ بِدَلِيلِ الْحَائِضِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا الْقِسْمُ أَكْثَرُ وُقُوعِهِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالنَّقْضِ، كَقَوْلِنَا فِي بَيْعِ الْغَائِبِ مَثَلًا: بَيْعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ عَبْدًا. فَيَقُولُ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى: خُصُوصُ كَوْنِهِ بَيْعًا لَا أَثَرَ لَهُ، لِأَنَّ الْمَرْهُونَ كَذَلِكَ، فَبَقِيَ كَوْنُهُ عَقْدًا الَّذِي هُوَ وَصْفٌ يَعُمُّهُمَا، وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالنِّكَاحِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ بَيْعًا بِدَلِيلِ الْمَرْهُونِ، فَسَقَطَ هَذَا الْجُزْءُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَجْهُولَةُ الصِّفَةِ. . . آخِرُهُ. وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالنِّكَاحِ.
وَأَمَّا الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَعَرَّفَا الْكَسْرَ بِوُجُودِ الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ، فَالنَّقْضُ حِينَئِذٍ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ، وَالْكَسْرُ تَخَلُّفُهُ عَنْ حِكْمَتِهَا، فَهُوَ نَقْضٌ عَلَى مَعْنَى الْعِلَّةِ دُونَ لَفْظِهَا، أَيْ الْحِكْمَةِ دُونَ الْمَظِنَّةِ، بِخِلَافِ النَّقْضِ. كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ: مُسَافِرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَخَّصَ، كَالطَّائِعِ فِي سَفَرِهِ. وَيَتَبَيَّنُ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ السَّفَرِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فَيُقَالُ: مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الْحِكْمَةِ، وَهِيَ الْمَشَقَّةُ، مُنْتَقِضَةٌ بِمَشَقَّةِ الْحَمَّالِينَ وَأَرْبَابِ الصَّنَائِعِ الشَّاقَّةِ فِي الْحَضَرِ، وَلَا رُخْصَةَ لَهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَا بَعْدَ ذَلِكَ النَّقْضَ الْمَكْسُورَ وَهُوَ النَّقْضُ عَلَى بَعْضِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ. ثُمَّ قَالُوا: وَاخْتَلَفُوا فِي إبْطَالِهِمَا لِلْعِلِّيَّةِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ. وَأَمَّا صَاحِبُ " الْمِنْهَاجِ " فَذَكَرَ الْكَسْرَ فَقَطْ وَعَرَّفَهُ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ أَحَدَيْ الْمُرَكَّبِ الَّذِي ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّتَهُ وَنَقَضَ الْآخَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْمَحْصُولِ "، وَعَدُّوهُ مِنْ قَوَادِحِ الْعِلِّيَّةِ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ مَرْدُودٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ إلَّا إذَا بَيَّنَ الْخَصْمُ إلْغَاءَ الْقَيْدِ، وَنَحْنُ لَا نَعْنِي بِالْكَسْرِ إلَّا إذَا بُيِّنَ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيَّنْ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَرْدُودٌ، وَأَمَّا إذَا بُيِّنَ مَوْضِعُ النِّزَاعِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ قَادِحٌ. وَقَوْلُ الْآمِدِيَّ: وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى
أَنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ مَرْدُودٌ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " التَّلْخِيصِ ": اعْلَمْ أَنَّ الْكَسْرَ سُؤَالٌ مَلِيحٌ، وَالِاشْتِغَالَ بِهِ يَنْتَهِي إلَى بَيَانِ الْفِقْهِ وَتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ. وَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِفْسَادِ الْعِلَّةِ بِهِ، وَيُسَمُّونَهُ: النَّقْضَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَالْإِلْزَامَ مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ. وَأَنْكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ. قُلْت: وَابْنُ الصَّبَّاغِ - وَقَالُوا: لَا يُبْطِلُ الْعِلِّيَّةَ: لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ إلَّا بِأَنْ يُغَيِّرَ الْعِلَّةَ أَوْ يُبَدِّلَ لَفْظَهَا بِغَيْرِهِ، أَوْ يُسْقِطَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهَا. وَهَذَا لَا يَلْزَمُ، لِجَوَازِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا غَيَّرَهُ السَّائِلُ وَبَدَّلَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِلَّةَ شَرْعِيَّةٌ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَعْنًى عَلَى صِفَةِ عِلَّةٍ فِي حُكْمٍ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْكَسْرَ نَقْضٌ، وَلَا يُجْعَلُ عِلَّةً عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى، فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ.
قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْكَسْرَ نَقْضٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّقْضِ مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا أَوْجَدَهُ مِنْ الْمَعْنَى مِثْلُ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُوجِدُ دَلَّ عَلَى عَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي سُؤَالِ الْكَسْرِ مِنْ حَذْفِ وَصْفٍ مِنْ الْأَصْلِ، أَوْ إبْدَالِهِ بِغَيْرِهِ. كَمَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْغَائِبِ، فَإِنَّهُ حَذْفُ خُصُوصِ كَوْنِهِ بَيْعًا وَإِبْدَالُهُ فِي النِّكَاحِ، وَالنَّظَرُ فِي خُصُوصِ الْأَوْصَافِ وَحَذْفُ مَا حُذِفَ مِنْهَا وَإِبْدَالُهُ مَوْضِعُهُ الْفِقْهُ. وَعَلَى هَذَا فَلَا يَتَوَجَّهُ السُّؤَالُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَحْذُوفُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ حَذْفُهُ. وَإِذَا كَانَ الْحَذْفُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فَالْمَجْمُوعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ. وَإِذَا حَذَفَ وَصْفًا اعْتَقَدَهُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ لَمْ يَرِدْ النَّقْضُ إلَّا عَلَى الْبَاقِي.
قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: الْكَسْرُ سُؤَالٌ صَحِيحٌ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ. وَقَالَ
الْخُرَاسَانِيُّونَ: بَاطِلٌ وَقَالَ فِي " الْمَنْخُولِ ": قَالَ الْجَدَلِيُّونَ: الْكَسْرُ يُفَارِقُ النَّقْضَ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى إخَالَةٍ لَا عَلَى عِبَارَتِهِ، وَالنَّقْضُ يَرِدُ عَلَى الْعِبَارَةِ
(قَالَ) : وَعِنْدَنَا لَا مَعْنَى لِلْكَسْرِ، فَإِنَّ كُلَّ عِبَارَةٍ لَا إخَالَةَ فِيهَا فَهِيَ طَرْدٌ مَحْذُوفٌ، وَالْوَارِدُ عَلَى الْإِخَالَةِ نَقْضٌ. وَلَوْ أَوْرَدَ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ مَعَ كَوْنِهِمَا مُخَيَّلَيْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُقْبَلُ. نَعَمْ، تَرَدَّدَ الْقَاضِي فِي أَنَّ الْمُعَلِّلَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ عَنْ الْقِيَاسِ بِطَرْدٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَقْضٍ، وَلَوْ فَعَلَهُ اسْتَبَانَ بِهِ فَكَانَ أَحْسَنَ. وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْعِلَّةَ مُنْتَقِضَةٌ بِهِ، فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِرَازِ بِالطَّرْدِ.
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي " الْمُهَذَّبِ " فِيمَا لَوْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ كُلُّهَا وَالْفُرُوعُ زَكَّى بِحَوْلِ الْأُمَّهَاتِ. وَقَالَ الْأَنْمَاطِيُّ: يُشْتَرَطُ بَقَاءُ نِصَابٍ مِنْ الْأُمَّهَاتِ، فَلَوْ نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ انْقَطَعَتْ التَّبَعِيَّةُ (قَالَ) : وَمَا قَالَهُ يَنْكَسِرُ عَلَيْهِ بِوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ، أَيْ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ، لِثُبُوتِهِ لِلْأُمِّ، ثُمَّ يَسْقُطُ حَقُّ الْأُمِّ بِمَوْتِهَا، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْوَلَدِ، بَلْ يَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَمَا كَانَتْ الْأُمُّ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ.
وَقَالَ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْقِرَاضِ: إذَا مَاتَ الْمَالِكُ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ، فَلَوْ أَرَادَ الْوَارِثُ تَقْرِيرَ الْعَقْدِ وَالْبَاقِي نَاضٌّ جَازَ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا قَالَ
أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ الْقِرَاضُ فِي الْعُرُوضِ ابْتِدَاءً، وَهَذَا لَيْسَ بِابْتِدَاءٍ، بَلْ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْقِرَاضَ الْأَوَّلَ بَطَلَ بِالْمَوْتِ، وَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ يَنْكَسِرُ بِمَا لَوْ دَفَعَ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلُ فِيهِ عَامِلٌ، وَحَصَّلَ الْمَالَ عُرُوضًا ثُمَّ تَفَاسَخَا الْقِرَاضَ ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يَعْقِدَا الْقِرَاضَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا سَبَقَ.
الثَّانِي: قِيلَ: الْخِلَافُ فِي سُؤَالِ الْكَسْرِ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ، فَمَنْ جَوَّزَهُ قَبِلَ سُؤَالَ الْكَسْرِ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ لَمْ يَسْمَعْ الْكَسْرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ إذَا قَالَ: وَصْفُ السَّرِقَةِ كَانَ مُنَاسِبًا لِمَعْنَى كَذَا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي النَّبْشِ، فَيَكُونُ سَبَبًا، فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي خَاصَّةٍ بَيْنَ النَّبْشِ وَالسَّرِقَةِ يُفَارِقُهَا غَيْرُهَا فِيهَا صَحَّ الْجَمِيعُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ خَاصَّةً فَقَالَ: يَبْطُلُ بِالزِّنَى وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي وُجِدَ فِي السَّرِقَةِ وُجِدَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَى الزَّجْرِ، وَلَمْ يَنْتَهِضْ سَبَبًا لِمِثْلِ حُكْمِ السَّرِقَةِ، فَيَحْتَاجُ الْمُسْتَدِلُّ أَنْ يَذْكُرَ بَيْنَ النَّبْشِ وَالسَّرِقَةِ خَاصَّةً تَجْمَعُهُمَا، فَكَأَنَّ صِحَّةَ الْكَسْرِ مَوْضُوعَةٌ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ، فَكُلُّ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُصَحِّحَ الْكَسْرَ وَلَا طَرِيقَ لِتَصْحِيحِ الْكَسْرِ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَبْنِ صِحَّةَ الْكَسْرِ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهُ.