المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أمثلة للقياس في الرخص] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٧

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْقِيَاسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَة الْقِيَاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتِمَالُ النُّصُوصِ عَلَى الْفُرُوعِ الْمُلْحَقَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَوْضُوعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْقِيَاسُ يُعْمَلُ بِهِ قَطْعًا]

- ‌[مَسْأَلَة التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَصُّ الشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَال الْقِيَاسُ إذَا عُدِمَ النَّصُّ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمُرْسَلُ وَالضَّعِيفُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ لِلْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي أَرْكَانِ الْقِيَاس] [

- ‌الرُّكْن الْأَوَّل الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَأْثِيرُ الْأَصْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْفَرْعُ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعِلَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمَعْلُولُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اقْتِصَارُ الشَّارِعِ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ فِي الْعِلَّة]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِلَّةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْصَافُهَا فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِي النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الِاسْتِدْلَال عَلَى عِلِّيَّةِ الْحُكْمِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسِبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ وَالْإِقْنَاعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرُ وَالْمُلَاءَمَةُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّادِسُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّابِعُ الشَّبَهُ]

- ‌[حُكْم قِيَاس الشَّبَه]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ الدَّوَرَانُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ الطَّرْدُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ]

- ‌[الِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[الْأَوَّلُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ النَّقْضُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْكَسْرُ]

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ الْعَكْسِ]

- ‌[الرَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ التَّأْثِيرِ]

- ‌[الْخَامِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْقَلْبُ]

- ‌[حَقِيقَتِهِ الْقَلْبُ]

- ‌[اعْتِبَارِهِ الْقَلْب]

- ‌[هَلْ الْقَلْب قَادِحٌ أَمْ لَا]

- ‌[أَقْسَام الْقَلْبُ]

- ‌[السَّادِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْفَرْقُ وَيُسَمَّى سُؤَالَ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوط الْفَرْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَوَابِ الْفَرْقِ]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الِاسْتِفْسَارُ]

- ‌[التَّاسِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]

- ‌[الْعَاشِرُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الْوَضْعِ]

- ‌[الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْمَنْعُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات التَّقْسِيمُ]

- ‌[الثَّالِث عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات اخْتِلَافُ الضَّابِطِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ اخْتِلَافُ حُكْمَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[وُجُوهٍ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْتِيبِ الْأَسْئِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حِيَلِ الْمُتَنَاظِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقِ بِمُنَاقَضَاتِ الْخُصُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ]

الفصل: ‌[أمثلة للقياس في الرخص]

يَكُونَ الْمَنْعُ عَنْهُ لِأَنَّ عِلَّتَهُ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ، لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ رُخْصَةً. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلرُّخْصَةِ مَعْنًى فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا وَبَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ فَيُقَاسُ، وَيَنْزِلُ الْخِلَافُ عَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ. وَرَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا فَيَجُوزُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادًا فَلَا. فَحَصَلَ مَذَاهِبُ.

[أَمْثِلَةٌ لِلْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ]

وَقَدْ اسْتَعْمَلَ أَصْحَابُنَا الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ فِيمَا سَبَقَ فَلْنُشِرْ إلَى ذَلِكَ أَدْنَى إشَارَةٍ، فَإِنَّهُ يَعِزُّ اسْتِحْضَارُهُ:

وَمِنْهَا: أَنَّ السَّلَمَ رُخْصَةٌ وَرَدَ مُقَيَّدًا بِالْأَجَلِ وَجَوَّزَهُ أَصْحَابُنَا حَالًّا، لِأَنَّهُ إذَا جَازَ مُؤَجَّلًا مَعَ الْغَرَرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ حَالًّا أَوْلَى لِقِلَّةِ الْغَرَرِ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي كَوْنِهِ هَذَا قِيَاسًا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ دَلَالَةِ الْفَحْوَى، أَيْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَفِي كَوْنِهَا قِيَاسًا خِلَافٌ. عَلَى أَنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْمُسْتَصْفَى أَبْدَى فِي كَوْنِ السَّلَمِ رُخْصَةً احْتِمَالَيْنِ لَهُ.

وَمِنْهَا: ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالتَّمْرِ ثُمَّ وَرَدَ التَّرْخِيصُ فِي " الْعَرَايَا " وَهِيَ بَيْعُ

ص: 76

الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ مُفَسَّرًا مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ، وَأَلْحَقَ أَصْحَابُنَا بِهِ الْعِنَبَ بِجَامِعِ أَنَّهُ زَكَوِيٌّ يُمْكِنُ خَرْصُهُ وَيُدَّخَرُ بِالسَّنَةِ، فَكَانَ كَالرُّطَبِ وَإِنْ لَمْ يَشْمَلْهُ الِاسْمُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي " الْأُمِّ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الرُّطَبُ، وَالْعِنَبُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ فِي " الْحَاوِي " حَكَى خِلَافًا فَقَالَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، هَلْ جَازَتْ الرُّخْصَةُ فِي الْكَرْمِ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ إنَّهَا نَصٌّ فَرَوَوْا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا»

وَالْعَرَايَا: بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ إنَّهَا جَازَتْ قِيَاسًا عَلَى النَّخْلِ لِبُرُوزِ ثَمَرَتِهَا وَإِمْكَانِ الْخَرْصِ فِيهِمَا وَتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِمَا. قُلْت: وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ. وَمَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُونَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ غَيْرُ ثَابِتٍ بَلْ الْمَعْرُوفُ عَنْهُ خِلَافُهُ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخَّصْ فِي غَيْرِهِ» ، وَمِنْ تَوَابِعِ ذَلِكَ أَنَّهُ هَلْ يَلْتَحِقُ بِهِمَا مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْأَشْجَارِ؟ قَوْلَانِ، مَدْرَكُهُمَا جَوَازُ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ. وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّلَاةَ تَحْرُمُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَاسْتُثْنِيَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ، يُسْتَثْنَى بَاقِي الْأَوْقَاتِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ كَوَقْتِ الِاسْتِوَاءِ تَخْصِيصًا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَتَفْضِيلًا لَهُ، " وَأَصَحُّهُمَا " الْمَنْعُ، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ وَرَدَتْ فِي وَقْتِ الِاسْتِوَاءِ خَاصَّةً، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ لِقُوَّةِ عُمُومِ النَّهْيِ.

وَمِنْهَا: الرُّخْصَةُ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَرَدَتْ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الضَّرُورَةِ فَلَا يُلْحَقُ بِهَا الْجُرْمُوقُ عَلَى الْجَدِيدِ - لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ فَلَا تَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِهِ. وَاسْتَشْكَلَ هَذَا بِتَجْوِيزِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الزُّجَاجِ وَالْخَشَبِ وَالْحَدِيدِ.

ص: 77

وَمِنْهَا: لَوْ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ كَفَى وَهُوَ الْأَكْمَلُ، لِوُرُودِهِ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَسْفَلِ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْوَارِدِ. وَمِنْهَا: التَّيَمُّمُ لِلْفَرْضِ رُخْصَةً لِلضَّرُورَةِ، وَفِي جَوَازِهِ لِلنَّافِلَةِ خِلَافٌ. وَمِنْهَا: النِّيَابَةُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ عَنْ الْمَعْضُوبِ رُخْصَةٌ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ. وَلَوْ اسْتَنَابَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ جَازَ فِي الْأَصَحِّ. وَمِنْهَا: أَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِيمَنْ أَقَامَ بِبَلَدٍ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. لَكِنْ هَلْ يَتَعَدَّى هَذَا الْحُكْمُ لِبَاقِي الرُّخْصِ مِنْ الْجَمْعِ وَالْفِطْرِ وَالْمَسْحِ وَغَيْرِهَا؟ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ، وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ فِي الرُّخْصَةِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ. وَيُحْتَمَلُ مَنْعُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّا مَنَعْنَا الزِّيَادَةَ عَلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَصْرِ مَعَ وُرُودِ أَصْلِهِ فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ رُخَصُ مَا لَمْ يَرِدْ أَصْلُهُ أَوْلَى.

وَمِنْهَا: أَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمَطَرِ وَأَلْحَقُوا بِهِ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ إنْ كَانَا يَذُوبَانِ، وَقِيلَ: لَا يُرَخَّصَانِ اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْمَطَرِ. وَمِنْهَا: قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ تَأْخِيرًا، وَكَذَا تَقْدِيمًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ الْجُمُعَةَ رُخْصَةٌ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ. وَمِنْهَا: أَنَّ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لَا تَخْتَصُّ بِالْقِتَالِ، بَلْ لَوْ رَكِبَ الْإِنْسَانُ سَيْلًا يَخَافُ الْغَرَقَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْقِتَالِ. وَأَجَابَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " النِّهَايَةِ " إذْ قَالَ: مِنْ أَصْلِكُمْ أَنَّ الرُّخَصَ لَا تُتَعَدَّى مَوَاضِعُهَا وَلِذَلِكَ لَمْ يُثْبِتُوا رُخَصًا فِي حَقِّ الْمَرِيضِ بِوَجْهَيْنِ:

ص: 78

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا بِالنَّصِّ وَهُوَ عُمُومٌ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ} [البقرة: 239] وَالثَّانِي: أَنَّا نُجَوِّزُ الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ، وَالْإِجْمَاعُ يَمْنَعُ مِنْ إجْرَاءِ رُخَصِ السَّفَرِ فِي الْمَرَضِ. وَمِنْهَا: أَنَّ صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَجُوزُ فِي الْجَدِيدِ، وَيَجُوزُ فِي الْقَدِيمِ لِلْمُتَمَتِّعِ إذَا عُدِمَ الْهَدْيُ، وَفِي جَوَازِهِ لِغَيْرِهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ وَالرُّخْصَةُ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ. وَمِنْهَا: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ، وَالْكَرْمِ فِي مَعْنَاهُ. وَفِي " الْكِفَايَةِ " قِيلَ: إنَّ الشَّافِعِيَّ قَاسَ عَلَى النَّخْلِ وَقِيلَ: أَخَذَهُ مِنْ النَّصِّ.

وَمِنْهَا: الْمَبِيتُ بِمِنًى لِلْحَاجِّ وَاجِبٌ وَقَدْ رُخِّصَ فِي تَرْكِهِ لِلرُّعَاةِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ، فَهَلْ يَلْتَحِقُ بِهِمْ الْمَعْذُورُ كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَرِيضٌ مَنْزُولٌ بِهِ مُحْتَاجٌ لِتَعَهُّدِهِ، أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ، أَوْ لَهُ بِمَكَّةَ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ:(أَصَحُّهُمَا) : نَعَمْ قِيَاسًا عَلَى الْعُذْرِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، وَالرُّخْصَةُ وَرَدَتْ لَهُمْ خَاصَّةً.

قَالَ فِي " الْبَحْرِ ": فَلَوْ عَمِلَ أَهْلُ الْعَبَّاسِ أَوْ غَيْرُهُمْ فِي غَيْرِ سِقَايَتِهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا، وَالثَّانِي: نَعَمْ، قِيَاسًا عَلَيْهِمْ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي " الْأَوْسَطِ " عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرِكُهُ بَاقِي السِّقَايَاتِ وَبِهَذَا يَعْتَرِضُ عَلَى تَصْحِيحِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْجَوَازَ.

الْقِيَاسُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ: مِيقَاتُ الْمُحْرِمِ مِنْ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ كَبَاقِي الْمَوَاقِيتِ أَوْ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ؟

ص: 79

فِيهِ وَجْهَانِ، صَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الثَّانِيَ، وَهُوَ نَصُّ الْإِمَامِ فِي " الْأُمِّ " وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ الْأَوَّلَ كَمَا قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " وَلَوْ جَاءَ الْغَرِيبُ مِنْ نَاحِيَةٍ لَا يُحَاذِي فِي طَرِيقِهِ مِيقَاتًا لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ إلَّا مَرْحَلَتَانِ، قِيَاسًا عَلَى قَضَاءِ عُمَرَ فِي تَأْقِيتِ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الشَّرْقِ. قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَفَقُّهًا، وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ.

الْقِيَاسُ فِي الْكَفَّارَاتِ:

مِنْهَا: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالْعُدْوَانِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوهَا قِيَاسًا.

وَمِنْهَا: لَوْ رَأَى مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ يَغْرَقُ أَوْ غَيْرُهُ وَكَانَ فِي تَخْلِيصِهِ الْإِفْطَارُ لَزِمَهُ وَيَقْضِي. وَفِي الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا: الْوُجُوبُ قِيَاسًا عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ. وَمِنْهَا: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ: مَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَوْقِيفٌ.

الْقِيَاسُ فِي الْجَوَابِرِ:

عَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ بِالْقِيَاسِ فَإِنَّ أَفْعَالَ الْمُتَمَتِّعِ أَكْثَرُ مِنْ أَفْعَالِ الْقَارِنِ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ فَلَأَنْ يَجِبَ عَلَى الْقَارِنِ

ص: 80

أَوْلَى، وَهُوَ دَمُ حُرْمَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ لَا نُسُكٍ. وَدَمُ فَوَاتِ الْحَجِّ كَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ دَمَ الْمُتَمَتِّعِ إنَّمَا وَجَبَ لِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالنُّسُكُ الْمَتْرُوكُ فِي صُورَةِ الْفَوَاتِ أَعْظَمُ. وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَفْهُومِ الْأَوْلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ.

الْقِيَاسُ فِي الْأَحْدَاثِ:

قَالَ فِي " الْبُرْهَانِ " لَا يَجْرِي فِي الطَّهَارَاتِ وَالْأَحْدَاثِ لِعَدَمِ اطِّلَاعِنَا عَلَى ضَبْطِ أَهْلِهَا. قَالَ الْقَاضِي: وَكَمَا لَا تَثْبُتُ الْأَحْدَاثُ بِالْقِيَاسِ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ أَيْضًا فِي الْأَحْدَاثِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ كَمَا لَا يَهْتَدِي لِتَأْقِيتِ الطَّهَارَةِ لَا يَهْتَدِي لِنَفْيِ إثْبَاتِهَا، وَقَالَ فِي " الْقَوَاطِعِ ": قِيلَ: إنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِي الْأَحْدَاثِ وَتَفَاصِيلِهَا وَالْوُضُوءِ وَتَفَاصِيلِهِ بَلْ يَتْبَعُ مَحْضَ النَّصِّ وَقِيلَ: إنَّ الْوُضُوءَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِالتَّنْظِيفِ وَالتَّنْقِيَةِ، وَقِيلَ: الصَّلَاةُ يُعْقَلُ فِيهَا الْخُشُوعُ وَالِاسْتِكَانَةُ، قُلْت: وَمِنْ فُرُوعِهِ لَوْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِدُبُرِ غَيْرِهِ. قَالَ الْإِمَامُ فِي " النِّهَايَةِ " لَا يَنْتَقِضُ، وَفِي الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ، لِأَنَّهُ مَسَّهُ بِالْآلَةِ الَّتِي تَمَسُّ بِهَا هَذَا الْمَحَلَّ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَقْيَسُ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ لَا تُثْبِتُ قِيَاسًا وَلَمْ يَرِدْ إلَّا فِي الْيَدِ كَمَا أَنَّا لَمْ نُعَدِّهِ إلَّا فِي الْأَمْرَدِ، وَإِنْ وُجِدَ الْمَعْنَى، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَقَالُوا: أَصْلُهَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَهُوَ الثِّقَةُ وَحُصُولُ الظَّنِّ وَالْغَفْلَةُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسْوَةِ لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِنَّ مِنْ الذُّهُولِ وَالْغَفْلَةِ، وَأَمَّا أَصْلُ عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ فَمَعْقُولُ الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ فِيهَا أَنْوَاعًا مِنْ التَّعَبُّدَاتِ فَلَزِمَ اتِّبَاعُهَا وَلَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهَا وَتَعَدِّيهَا انْتَهَى.

ص: 81