الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: وَأَمَّا مُعَارَضَةُ الْفَاسِدِ بِالْفَاسِدِ فَهَلْ تَجُوزُ؟ إنْ أَمْكَنَهُ إيضَاحُ الْفَسَادِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا. وَمِثْلُهَا بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: لَا يَصِيرُ مُفْرِطًا بِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ، فَلَا يَلْزَمُ إخْرَاجُهَا إذَا تَلِفَ الْمَالُ أَوْ مَاتَ. فَيُقَالُ: وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِحَالٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِتَأْخِيرِهَا وَلَا تَرْكِهَا أَصْلًا
(قَالَ) : وَقَدْ يُعَارَضُ الْمُحَالُ بِالْمُحَالِ: كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ: مَا أَدْرَكَهُ الْمَأْمُومُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ. فَيُقَالُ لَهُ: لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ آخِرٌ بِلَا أَوَّلٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلٌ بِلَا آخِرٍ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَاءٌ لَا نَجِسٌ وَلَا طَاهِرٌ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَاءٌ نَجِسٌ وَطَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَابِلَ لِلضِّدَّيْنِ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا.
(قَالَ) : وَهَذَا النَّوْعُ لَيْسَ بِمُعَارَضَةٍ حَقِيقَةً وَلَكِنْ قُصِدَ بِهِ امْتِحَانُ الْمَذَاهِبِ. (انْتَهَى) . وَمَسْأَلَةُ مُعَارَضَةِ الدَّعْوَى بِالدَّعْوَى سَبَقَتْ فِي كَلَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ وَحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِيهَا. وَصَرَّحَ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ " الدَّلَائِلِ وَالْأَعْلَامِ " بِمَنْعِهَا، لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا، إذْ لَا يُلْزَمُ أَحَدٌ بِدَعْوَى الْآخَرِ. قَالَ الْإِمَامُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْرَجَ دَعْوَاهُ مَخْرَجَ الْحُجَّةِ فَيُعَارِضُ بِمِثْلِهَا. كَقَوْلِ الْمَالِكِيِّ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَسْتَظْهِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَقِيلَ لَهُ: فَمَا الْفَصْلُ بَيْنَك وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لَا تَسْتَظْهِرُ، أَوْ تَسْتَظْهِرُ بِيَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا فَالْقَوْلُ سَاقِطٌ.
[السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ]
السَّادِسَ عَشَرَ: سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ وَأَدْرَجَهُ الْهِنْدِيُّ فِي سُؤَالِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ، وَهِيَ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُعْتَرِضُ
فِي الْأَصْلِ مَعْنًى غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ، وَيُعَارِضُ بِهِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمُسْتَدِلِّ: مَا عَلَّلْتُ بِهِ وَإِنْ تَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَكَذَا مَا عَلَّلْتَ بِهِ يَتَعَدَّى إلَى فَرْعٍ آخَرَ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. كَقَوْلِنَا: بِكْرٌ فَجَازَ إجْبَارُهَا كَالصَّغِيرَةِ. فَيُقَالُ: وَالْبَكَارَةُ وَإِنْ تَعَدَّتْ لِلْبِكْرِ الْبَالِغِ فَالصِّغَرُ مُتَعَدٍّ إلَى الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ. وَهَذَا أَيْضًا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ سُؤَالِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ مَعَ زِيَادَةِ التَّسْوِيَةِ فِي التَّعْدِيَةِ. وَجَوَابُهُ إبْطَالُ مَا عَارَضَ بِهِ، وَحَذْفُهُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ، وَهَلْ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُعْتَرِضُ مِنْ التَّسْوِيَةِ فِي التَّعْدِيَةِ أَوْ لَا يَجِبُ؟
قَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يَجِبُ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الدَّارَكِيُّ رحمه الله: بَلْ لِلتَّسْوِيَةِ فِي التَّعْدِيَةِ أَثَرٌ فِي الْمُعَارَضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَرُّضِ لِإِبْطَالِهِ. وَلَخَّصَ الْإِبْيَارِيُّ شَارِحُ " الْبُرْهَانِ " سِرَّ التَّعْدِيَةِ فَحَمَلَ الْأَمْرَ إلَى أَنَّ سِرَّهَا التَّبَرِّي مِنْ عُهْدَةِ النِّسْبَةِ إلَى الْعِنَادِ بِإِيرَادِ وَصْفٍ لَا يُعْتَقَدُ اعْتِبَارُهُ، فَعَدَّاهُ الْمُعْتَرِضُ إلَى فُرُوعِهِ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ وَيُفَرِّعُهُ عَلَيْهِ. (قَالَ) : وَهَذَا أَمْرٌ أَجْنَبِيٌّ عَنْ غَرَضِ الْجَدَلِ، فَإِنَّ الِاعْتِنَاءَ بِهِ دَفْعٌ لِسُوءِ الِاعْتِقَادِ الَّذِي يَدْفَعُهُ ظَاهِرُ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ خَاصَّةٍ بِالْجَدَلِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَلَعَمْرِي إنَّهُ كَمَا قَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سِرٌّ سِوَى هَذَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ سِرُّهَا عِنْدَ وَاضِعِهَا أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إذَا عَارَضَ مَعْنَى الْأَصْلِ بِمَعْنًى أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمُسْتَدِلُّ: مَعْنَايَ أَوْلَى، لِأَنِّي قَدْ حَقَّقْت تَعْدِيَتَهُ إلَى الْفَرْعِ، وَإِنَّهُ يُفِيدُ حُكْمًا لَوْلَاهُ مَا اسْتَفَدْنَاهُ. وَغَايَةُ مَا صَنَعْت أَنَّك أَبْدَيْت مَعْنًى فِي الْأَصْلِ، فَلَعَلَّهُ
قَاصِرٌ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى فَرْعٍ يَتَحَقَّقُ بِهِ كَوْنُهُ مُفِيدًا، فَيُبَيِّنُ الْمُعْتَرِضُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يُسَاوِي الْمُسْتَدِلَّ. فَإِنْ عَدَّى مَعْنَاهُ إلَى فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِهِ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ مُفِيدًا مُتَعَدِّيًا. وَحَاصِلُ الْأَمْرِ طَلَبُ تَسَاوِي الِانْعِدَامِ بَيْنَ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ، وَدَفْعُ احْتِمَالِ الْقُصُورِ الَّذِي هُوَ إمَّا قَادِحٌ إنْ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ قَاصِرَةٌ مَرْدُودَةٌ، أَوْ مَرْجُوحٌ إنْ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَلَكِنَّ التَّعْدِيَةَ أَوْلَى.
مَسْأَلَةٌ
الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ وَالْمُعَارَضَةِ، وَالْقَلْبِ، وَالنَّقْضِ، وَالْمَنْعِ لَا يَخْتَصُّ بِالْقِيَاسِ، بَلْ يَتَوَجَّهُ عَلَى سَائِرِ الْأَدِلَّةِ مِنْ قِيَاسٍ وَغَيْرِهِ، إلَّا الْمَنْعَ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَتْنِ الْكِتَابِ. وَفَسَادِ الْوَضْعِ، وَالْفَرْقِ، وَالْمُطَالَبَةِ بِبَيَانِ التَّأْثِيرِ، وَالتَّرْكِيبِ، وَالْكَسْرِ، وَكَوْنِ مَحَلِّ النِّزَاعِ لَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ مُخْتَصٌّ بِالْقِيَاسِ.