المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الباب الخامس ما يجري فيه القياس] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٧

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْقِيَاسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَة الْقِيَاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتِمَالُ النُّصُوصِ عَلَى الْفُرُوعِ الْمُلْحَقَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَوْضُوعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْقِيَاسُ يُعْمَلُ بِهِ قَطْعًا]

- ‌[مَسْأَلَة التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَصُّ الشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَال الْقِيَاسُ إذَا عُدِمَ النَّصُّ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمُرْسَلُ وَالضَّعِيفُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ لِلْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي أَرْكَانِ الْقِيَاس] [

- ‌الرُّكْن الْأَوَّل الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَأْثِيرُ الْأَصْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْفَرْعُ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعِلَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمَعْلُولُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اقْتِصَارُ الشَّارِعِ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ فِي الْعِلَّة]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِلَّةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْصَافُهَا فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِي النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الِاسْتِدْلَال عَلَى عِلِّيَّةِ الْحُكْمِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسِبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ وَالْإِقْنَاعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرُ وَالْمُلَاءَمَةُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّادِسُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّابِعُ الشَّبَهُ]

- ‌[حُكْم قِيَاس الشَّبَه]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ الدَّوَرَانُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ الطَّرْدُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ]

- ‌[الِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[الْأَوَّلُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ النَّقْضُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْكَسْرُ]

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ الْعَكْسِ]

- ‌[الرَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ التَّأْثِيرِ]

- ‌[الْخَامِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْقَلْبُ]

- ‌[حَقِيقَتِهِ الْقَلْبُ]

- ‌[اعْتِبَارِهِ الْقَلْب]

- ‌[هَلْ الْقَلْب قَادِحٌ أَمْ لَا]

- ‌[أَقْسَام الْقَلْبُ]

- ‌[السَّادِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْفَرْقُ وَيُسَمَّى سُؤَالَ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوط الْفَرْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَوَابِ الْفَرْقِ]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الِاسْتِفْسَارُ]

- ‌[التَّاسِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]

- ‌[الْعَاشِرُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الْوَضْعِ]

- ‌[الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْمَنْعُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات التَّقْسِيمُ]

- ‌[الثَّالِث عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات اخْتِلَافُ الضَّابِطِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ اخْتِلَافُ حُكْمَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[وُجُوهٍ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْتِيبِ الْأَسْئِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حِيَلِ الْمُتَنَاظِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقِ بِمُنَاقَضَاتِ الْخُصُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ]

الفصل: ‌[الباب الخامس ما يجري فيه القياس]

[الْبَابُ الْخَامِسُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ]

الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ وَفِيهِ مَسَائِلُ: مَسْأَلَةٌ

قَالَ ابْنُ عَبْدَانِ فِي شَرَائِطِ الْأَحْكَامِ: شَرْطُ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ حُدُوثُ حَادِثَةٍ تُؤَدِّي الضَّرُورَةُ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهِمَا، لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَالْأَوَّلُ يَأْبَاهُ وَضْعُ الْأَئِمَّةِ الْكُتُبَ الطَّافِحَةَ بِالْمَسَائِلِ الْقِيَاسِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْحَادِثَةِ، وَالثَّانِي غَرِيبٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُنَاظِرِينَ فِي مَقَامِ الْجَدَلِ قُلْت: وَكَأَنَّهُ جَرَى عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ مُعَاذٍ فَإِنَّهُ يُفْهِمُ عَدَمَ مَشْرُوعِيَّةِ الْقِيَاسِ عِنْدَ وِجْدَانِ النَّصِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: الْأَصْلُ قُرْآنٌ وَسُنَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا. لَكِنَّ هَذَا فِي الْعَمَلِ بِهِ لَا فِي صِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي " التَّقْوِيمِ ": قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ حَادِثَةً فِيهَا نَصٌّ فَيَزْدَادُ بِالْقِيَاسِ مَا كَانَ النَّصُّ سَاكِتًا عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ، لِأَنَّ الْكَلَامَ وَإِنْ ظَهَرَ مَعْنَاهُ يَحْتَمِلُ الْبَيَانَ الزَّائِدَ وَلَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ، فَيَبْطُلُ الْقِيَاسُ إذَا جَاءَ مُخَالِفًا. وَقَالَ إلْكِيَا: لَا يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَفَائِدَتُهُ تَشْحِيذُ الْخَاطِرِ. وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ.

مَسْأَلَةٌ

يَجُوزُ إثْبَاتُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا وَلَا إجْمَاعَ

ص: 67

بِالْقِيَاسِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسُلَيْمٌ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ. قَالَ: فَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِالْقِيَاسِ فَجَائِزٌ وِفَاقًا وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ أَصْحَابِهِمْ كَقَوْلِنَا، وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ: وَلَا يَقْطَعُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إلَّا مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ فِي السَّارِقِ وَيَتَّجِهُ أَنْ يُخَرَّجَ لَهُ فِي هَذِهِ قَوْلَانِ مِنْ اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ الْأَطْرَافَ وَأُرُوشَ الْجِرَاحَاتِ وَالْحُكُومَاتِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ: لَا يُضْرَبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الضَّرْبَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، لَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي النَّفْسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا لَا قَسَامَةَ وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْأَطْرَافِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُضْرَبُ عَلَيْهِمْ كَدِيَةِ النَّفْسِ قِيَاسًا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقَلُّ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْقِيَاسُ فِي الشَّرْعِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ النُّصُوصِ، فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ وَالْحُدُودُ فِي الْمَقَادِيرِ فَفِي جَوَازِ اسْتِخْرَاجِهَا بِالْقِيَاسِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ إذَا تَعَلَّقَ بِأَسْمَاءِ الْأَحْكَامِ كَتَسْمِيَةِ النَّبِيذِ خَمْرًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْخَمْرِ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ الْمَقَادِيرَ قِيَاسًا كَمَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرَهُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لِأَنَّ جَمِيعَهَا أَحْكَامٌ وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ اللُّغَةِ دُونَ الشَّرْعِ، وَمَعَانِي

ص: 68

الْحُدُودِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ وَالْمَقَادِيرُ مَشْرُوعَةٌ انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ لَكِنْ نُقِلَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَوْجَبَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةً فَوْقَ كَفَّارَةِ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ وَدُونَ كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ: قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى خَبَرٍ وَلَا إلَى أَثَرٍ وَلَا قِيَاسٍ، حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ، قَالَ صَاحِبُ " الذَّخَائِرِ " وَقَدْ حَكَى أَنَّهُ لَا وَقَصَ فِي النَّقْدَيْنِ فَيَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِالْمَاشِيَةِ. قَالَ: وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ سِيَّمَا عَلَى رَأْيِهِمْ فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي الْمُقَدَّرَاتِ مَمْنُوعٌ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا قُلْنَا: يَمْسَحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ بِالْمَاءِ، هَلْ يَتَقَدَّرُ مُدَّةُ الْمَسْحِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثَةٍ لِلْمُسَافِرِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِنَقْلٍ وَتَوْقِيفٍ وَلَمْ يَرِدْ، وَنَقَلَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " وَالشَّيْخُ فِي " اللُّمَعِ " عَنْ الْجُبَّائِيُّ مِثْلَ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ. قَالَا: وَقِيلَ: يَجُوزُ إثْبَاتُ ذَلِكَ بِالِاسْتِدْلَالِ دُونَ الْقِيَاسِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ: مَنَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ فِي الزَّكَاةِ وَالْحُدُودِ وَالْمَقَادِيرِ، وَرُبَّمَا أَلْحَقَ بِهَا الْكَفَّارَاتِ قَالَ: وَمَا مِنْ بَابٍ إلَّا وَلَهُمْ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ الْقِيَاسِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُمْ بِغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الْوَصْفِ إذَا ثَبَتَ بِغَيْرِ الْأَصْلِ، وَمَنَعُوهُ فِي الْإِيجَابِ، وَجَوَّزُوهُ فِي التَّرْكِ. انْتَهَى وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إثْبَاتُ الْحُدُودِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، قَالَ: فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ فِي " اللُّمَعِ " بِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَجَازَ إثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَبْطُلُ بِالنَّسْخِ وَقَدْ صَارَ الْمُزَنِيّ إلَى أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ مِثْلُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلْيَكُنْ أَقَلُّهُ مَعَ أَقَلِّهِ

ص: 69

كَذَلِكَ، وَخَالَفَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالُوا أَقَلُّهُ سَاعَةٌ فَقَدْ خَالَفُوا الْأَصْلَ.

وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: مَنَعَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيّ لَا يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، وَلِهَذَا مَنَعَ مِنْ قَطْعِ النَّبَّاشِ بِالْقِيَاسِ، وَمَنَعَ مِنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى اللِّوَاطِ بِالْقِيَاسِ، وَمَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ بِإِيمَاءِ الْحَاجِبِ بِالْقِيَاسِ، وَمَنَعَ مِنْ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ بِالْقِيَاسِ قَالَ: وَلَا فَرْقَ فِي الْكَفَّارَاتِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْعُقُوبَاتِ وَبَيْنَ مَا لَا يَجْرِي مَجْرَى الْعُقُوبَاتِ، وَمَنَعَ أَيْضًا مِنْ إثْبَاتِ النُّصُبِ بِالْقِيَاسِ. قَالَ: وَلِهَذَا الْأَصْلِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْفُصْلَانِ وَصِغَارِ الْغَنَمِ. وَالْأَصَحُّ عَلَى مَذْهَبِنَا جَوَازُ الْقِيَاسِ فِي الْمَقَادِيرِ. وَمَنَعَ الْكَرْخِيّ أَيْضًا أَنْ يُعَلَّلَ مَا رُخِّصَ فِيهِ لِنَوْعِ مُسَاهَلَةٍ كَأُجْرَةِ الْحَمَّامِ، وَقَطْعِ السَّارِقِ، وَالِاسْتِصْنَاعِ عَلَى أُصُولِهِمْ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ مِثْلُ الْخِفَافِ وَالْأَوَانِي وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ تَتَبَّعَ الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَهُمْ وَأَبَانَ أَنَّهُمْ لَمْ يَفُوا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرُوهُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَّا الْحُدُودُ فَقَدْ كَثُرَتْ أَقْيِسَتُكُمْ فِيهَا تَعَدَّيْتُمُوهَا إلَى الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ فِي مَسْأَلَةِ شُهُودِ الزِّنَى فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْحَدَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَنَصُّوا أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ. وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَقَدْ قَاسُوا الْإِفْطَارَ بِالْأَكْلِ عَلَى الْإِفْطَارِ بِالْوِقَاعِ، وَقَاسُوا قَتْلَ الصَّيْدِ نَاسِيًا عَلَى قَتْلِهِ عَامِدًا مَعَ تَقْيِيدِ النَّصِّ بِالْعَمْدِ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] وَأَمَّا الْمُقَدَّرَاتُ فَقَاسُوا فِيهَا وَمِمَّا أَفْحَشُوا فِي ذَلِكَ تَقْدِيرُ عَدَدِ الدِّلَاءِ عِنْدَ وُقُوعِ الْفَأْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلُوا تَقْدِيرًا عَلَى تَقْدِيرٍ فَقَدَّرُوا لِلْحَمَامِ غَيْرَ تَقْدِيرِ الْعُصْفُورِ وَالْفَأْرَةِ، وَقَدَّرُوا الدَّجَاجَةَ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَمَامَةِ وَقَدَّرُوا الْخِرْصَ بِالْقُلَّتَيْنِ فِي الْعُشْرِ. وَأَمَّا الرُّخَصُ فَقَدْ قَاسُوا فِيهَا وَتَنَاهَوْا فِي الْقَصْدِ فَإِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِجْمَارِ مِنْ أَظْهَرِ الرُّخَصِ ثُمَّ اعْتَقَدُوا أَنَّ كُلَّ نَجَاسَةٍ نَادِرَةٍ أَوْ مُعْتَادَةٍ مَقِيسَةٌ عَلَى الْأَثَرِ اللَّاصِقِ بِمَحَلِّ النَّجْوِ، وَانْتَهَوْا فِي ذَلِكَ إلَى نَحْوِ نَفْيِ إيجَابِ اسْتِكْمَالِ الْأَحْجَارِ مَعَ قَطْعِ كُلِّ مُنْصِفٍ بِأَنَّ الَّذِينَ عَاصَرُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَهِمُوا هَذَا التَّخْفِيفَ مِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِشِدَّةِ الْبَلْوَى.

ص: 70

ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمِنْ شَنِيعِ مَا قَالُوا فِي الرُّخَصِ، إثْبَاتُهُمْ لَهَا عَلَى خِلَافِ وَضْعِ الشَّرْعِ فِيهَا فَإِنَّهَا شُرِعَتْ تَخْفِيفًا وَإِعَانَةً عَلَى مَا يُعَانِيهِ الْمَرْءُ فِي سَفَرِهِ مِنْ كَثْرَةِ أَشْغَالٍ قَاسُوهَا فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. فَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ يَزِيدُ عَلَى الْقِيَاسِ إذْ الْقِيَاسُ تَقْدِيرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ قَرَارُهُ، وَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَوْضُوعِ الْمَنْصُوصِ فِي الرُّخَصِ الْكُلِّيَّةِ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَلَيْسَ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِيهَا بَلْ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ جَازَ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى مُخَيَّلٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فَإِنَّهُ مُعَلَّلٌ، وَمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا لَا يُعَلَّلُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْحُدُودِ أَوْ الْكَفَّارَاتِ. ثُمَّ قَدْ تَنْقَسِمُ الْعِلَلُ أَقْسَامًا، فَقِسْمٌ يُعَلَّلُ جُمْلَتُهُ لَا تَفْصِيلُهُ وَهُوَ كُلُّ مَا يُمْكِنُ إبْدَاءُ مَعْنًى مِنْ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، وَقِسْمٌ يُعَلَّلُ جُمْلَتُهُ وَتَفْصِيلُهُ لِعَدَمِ اطِّرَادِ التَّعْلِيلِ فِي التَّفَاصِيلِ، وَقِسْمٌ آخَرُ لَا تُعَلَّلُ جُمْلَتُهُ، لَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ جُمْلَتِهِ تُعَلَّلُ تَفَاصِيلُهُ، كَالْكِتَابَةِ وَالْإِجَازَةِ وَفُرُوعِ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ. وَقَدْ يُوجَدُ قِسْمٌ لَا يَجْرِي التَّعْلِيلُ فِي جُمْلَتِهِ وَتَفَاصِيلِهِ، كَالصَّلَاةِ وَمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِ وَرُبَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَقَادِيرُ الْأَنْصِبَةِ وَالْأَوْقَاصُ انْتَهَى.

وَقَالَ إلْكِيَا: نُقِلَ عَنْ زُعَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ امْتِنَاعُ الْقِيَاسِ فِي التَّقْدِيرَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالرُّخَصِ، وَلِذَلِكَ مَنَعُوا إثْبَاتَ حَدِّ السَّارِقِ فِي الْمُخْتَلِسِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ لِهَذَا الْمُحْصَرِ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ وَقَالَ: إنَّهُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ عِبَادَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَكَانَ يَقُولُ: إنَّ النُّصُبَ لَا يَصِحُّ أَنْ تُبْتَدَأَ بِقِيَاسٍ وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِذَلِكَ اعْتَدَّ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي الْفَصِيلِ، وَكَانَ يُجَوِّزُ أَنْ يَعْمَلَ الْقِيَاسُ فِي نُصُبِ مَا قَدْ يَثْبُتُ الزَّكَاةُ فِيهَا، كَمَا يُجَوِّزُ أَنْ يَعْمَلَ الْقِيَاسُ فِي صِفَةِ الْعِبَادَةِ مِنْ وُجُوبٍ وَغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ قَبِلُوا خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي إثْبَاتِ النِّصَابِ فِيمَنْ زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ، وَفِي وُجُوبِ الْوَتْرِ. فَقِيلَ لَهُمْ: تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْحُدُودِ وَالْأَيْمَانِ بِالْقِيَاسِ، فَأَجَابُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِأَجْلِ

ص: 71

إثْبَاتِ حَدٍّ بِهِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمُوا لِبَيَانِ الشُّبَهِ الْمُسْقِطَةِ لَهُ مَعَ تَحَقُّقِ إثْبَاتِهَا، وَسُقُوطُ الْحَدِّ لَيْسَ بِحَدٍّ فَيَصِحُّ الْقِيَاسُ. وَأَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْقَتْلِ قِيَاسًا عَلَى الْمُجَامِعِ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ، وَعَلَى الْمُجَامِعِ نَاسِيًا فِي الْإِحْرَامِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ خَطَأً وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ نَصٍّ وَلَا عُمُومٍ وَلَا إجْمَاعٍ. فَأَجَابُوا بِأَنَّ هَذَا لَمْ نَعْلَمْهُ قِيَاسًا بَلْ اسْتِدْلَالًا بِالْأُصُولِ عَلَى الْأَحْكَامِ مُغَايِرٌ لِلْقِيَاسِ لِنَحْوِ السِّرِّ. وَهَذَا كُلُّهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا غَيْرُ الْقِيَاسِ. ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ وَأَطَالَ، وَقَالَ: الَّذِي يَسْتَقِيمُ مَذْهَبًا لِلْمُحَصِّلِ عَلَى مَا يَرَاهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي إجْرَاءِ الْقِيَاسِ فِي أُصُولِ الْكَفَّارَاتِ وَأُصُولِ الْحُدُودِ كَإِلْحَاقِ الرِّدَّةِ، وَالْقَذْفِ بِالْقَتْلِ فِي الْكَفَّارَةِ وَكَإِلْحَاقِ مَنْ يُكَاتِبُ وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى عَوْرَاتِنَا بِالسَّارِقِ مِنْ حَيْثُ إنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ فِي عَلَائِقِ غَيْبٍ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ فَانْعَدَمَ طَرِيقُ الْقِيَاسِ. فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الَّذِي يُكَاتِبُ الْكُفَّارَ وَإِنْ زَادَ ضَرَرُ فِعْلِهِ عَلَى ضَرَرِ السَّارِقِ الْوَاحِدِ فَهُوَ بِالْإِضَافَةِ إلَى سَارِقٍ وَاحِدٍ، أَمَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجِنْسِ فَلَا مِنْ حَيْثُ إنَّ السَّرِقَةَ مِمَّا يَتَشَوَّفُ إلَيْهَا الرَّعَاعُ بِخِلَافِ مُكَاتَبَةِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهَا لَا تَكَادُ تُوجَدُ، أَوْ لَا يَظْهَرُ اسْتِوَاءُ السَّبَبِ، فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ. تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: أَشَارَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله إلَى أَنَّ الْجَارِيَ فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ لَيْسَ قِيَاسًا بَلْ هُوَ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ وَكَذَلِكَ فِي الْأَسْبَابِ، وَنَازَعَهُ الْعَبْدَرِيّ فِي الْأَسْبَابِ، وَقَالَ: هِيَ تَخْرِيجٌ، لَا تَنْقِيحٌ.

الثَّانِي: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِجَرَيَانِهِ فِي الْحُدُودِ زِيَادَةُ عُقُوبَةٍ فِي الْحَدِّ،

ص: 72

لِوُجُودِ عِلَّةٍ تَقْتَضِي الزِّيَادَةَ، كَزِيَادَةِ التَّعْزِيرِ فِي حَقِّ الشُّرْبِ وَتَبْلِيغِهِ إلَى ثَمَانِينَ، قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ. أَمَّا إنْشَاءُ حَدٍّ بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدٍّ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ.

الثَّالِثُ: ذَكَرَ فِي " الْمَحْصُولِ " تَبَعًا لِلشَّيْخِ فِي " اللُّمَعِ " أَنَّ الْعَادَاتِ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِيهَا وَمَثَّلَهُ بِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِتَمْثِيلِ الْمَاوَرْدِيِّ رحمه الله السَّابِقِ، لِأَنَّهُ مَثَّلَ بِهِ لِلْمَقَادِيرِ وَقَدْ خَطَّأَ مَنْ قَاسَ فِي الْعِبَادَاتِ بِأَنَّ هَذِهِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْمَوْجُودِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَفَاسِدٌ، لِأَنَّ الْأُمُورَ الْوُجُودِيَّةَ لَا تَطَّرِدُ عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا حِينَئِذٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ: فَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ مَوْجُودَةً فِي هَذَا الْفَرْعِ أَثْبَتْنَا الْحُكْمَ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْفَرْعِ حِينَئِذٍ فِي سَبَبِ الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ وُجُودُهُ فَالْحُكْمُ مُثْبِتٌ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ سَبَبَ وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الرَّأْي وَالتَّقْلِيلُ مِنْ التَّوْقِيفِ وَالْأَحَادِيثِ، فَتَبَرَّأَ أَصْحَابُهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنْ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي قَاسَ فِيهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ. قُلْت: وَكَذَلِكَ مَنَعَهُمْ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ فَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّا أَقْوَلُ بِالْقِيَاسِ مِنْهُمْ.

الْخَامِسُ: سَبَقَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَنَعَ الْقِيَاسَ فِي الْكَفَّارَاتِ ثُمَّ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُفْطِرِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَالشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْهُ جَوَازُ الْقِيَاسِ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي غَيْرِ الْوِقَاعِ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: مَا أَجْدَرَ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ أَنْ يَنْتَحِلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبَ صَاحِبِهِ، يَعْنِي: أَنَّ قِيَاسَ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ فِي الْكَفَّارَاتِ عَدَمُ تَخْصِيصِهَا بِالْوِقَاعِ دُونَ سَائِرِ الْمُفْطِرَاتِ،

ص: 73

وَقِيَاسُ عَدَمِ الْقِيَاسِ عَدَمُ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي غَيْرِ الْوِقَاعِ. وَهَذَا الْقَوْلُ جَهْلٌ بِمَدَارِكِ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ أَثْبَتُوا بِالْحَدِيثِ الْمَأْمُورَ بِهِ بِالْكَفَّارَةِ بِمُطْلَقِ الْإِفْطَارِ فَهَذَا الْمُطْلَقُ هُوَ الْمُقَيَّدُ بِالْجِمَاعِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُبْنَى الْخِلَافُ فِي الْقِيَاسِ فِي الْكَفَّارَاتِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْبَحْثُ عَنْ كُلِّ مَسْأَلَةٍ هَلْ يَجْرِي الْقِيَاسُ فِيهَا أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَدِلَّةَ الْقِيَاسِ عَامَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى آحَادِ الْمَسَائِلِ؟ وَأَنَّ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي صُورَةِ الْخِلَافِ الْخَاصَّةِ صَحِيحَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَخَلِيَّةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ؟ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَى هَذَا الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ فِي " الْمَحْصُولِ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ فِيمَا سَبَقَ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي " الْبُوَيْطِيِّ " عَلَى امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ، فَقَالَ فِي أَوَائِلِهِ: لَا يُتَعَدَّى بِالرُّخْصَةِ مَوَاضِعُهَا وَقَالَ فِي " الْأُمِّ ": لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إنْ حَرَّمَ جُمْلَةً وَأَحَلَّ بَعْضَهَا. وَكَذَلِكَ إنْ فَرَضَ شَيْئًا رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّخْفِيفَ فِي بَعْضِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا كَانَ لَهُ حُكْمٌ مَنْصُوصٌ ثُمَّ كَانَتْ لِرَسُولِهِ سُنَّةٌ بِتَخْفِيفٍ فِي بَعْضِ الْفَرْضِ دُونَ بَعْضٍ عُمِلَ بِالرُّخْصَةِ فِيمَا رَخَّصَ فِيهِ دُونَ مَا سِوَاهَا وَلَمْ نَقِسْ مَا سِوَاهَا عَلَيْهَا. وَهَكَذَا مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُكْمٍ عَامٍّ لِشَيْءٍ ثُمَّ سَنَّ فِيهِ سُنَّةً تُفَارِقُ حُكْمَ الْعَامِّ، كَمَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَالْعَرَايَا " هَذَا لَفْظُهُ، وَذَكَرَ فِي " الرِّسَالَةِ " مِثْلَهُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ " الْأُمِّ ":

ص: 74

وَلَا يُقَاسُ إلَّا مَا عَقَلْنَا مَعْنَاهُ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا عِمَامَةٌ وَلَا بُرْقُعٌ وَلَا قُفَّازَانِ وَكَذَلِكَ الْقَسَامَةُ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالْمَرَضِ، وَالتَّحَلُّلُ رُخْصَةٌ فَلَا يُتَعَدَّى بِهَا مَوَاضِعُهَا. كَمَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ رُخْصَةٌ فَلَمْ يُقَسْ عَلَيْهِ مَسْحُ الْعِمَامَةِ. انْتَهَى.

وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا عَلَى الرُّخَصِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهَا تَكُونُ مَعْدُولًا بِهَا عَنْ الْأَصْلِ وَمَا عَدَا مَحَلِّ الرُّخْصَةِ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ ": لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِي الرُّخَصِ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ ثُمَّ رُخِّصَ فِي مَحَلِّ الْخُفِّ الْمَسْحُ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَسْحُ الْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِالْإِحْرَامِ لَا يَنْقَضِي عَنْهُ إلَّا بِالْإِتْمَامِ، وَرُخِّصَ لِلْمُحْصَرِ بِالْعَدْوِ فِي التَّحَلُّلِ، ثُمَّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْمَصْدُودُ بِالْمَرَضِ. وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمَيِّتُ. فَأَوْجَبَ الْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ لَا عَلَى الْقِيَاسِ ثُمَّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ سَائِرُ الرُّخَصِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْجِنَايَةَ تُوجِبُ عَلَى الْجَانِي فَاسْتَثْنَى مِنْهُ جِنَايَةَ الْخَطَأِ ثُمَّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا.

وَقَالَ إلْكِيَا: إنَّمَا نَمْنَعُ الْقِيَاسَ عَلَى الرُّخَصِ إذَا كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى حَاجَاتٍ خَاصَّةٍ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ فَيَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ لِعَدَمِ الْجَامِعِ كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ يُعْتَبَرُ بِالْمُسَافِرِ فِي رُخَصِ السَّفَرِ إذْ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ تَخْصِيصِ الشَّرْعِ. وَقَدْ يَمْتَنِعُ أَيْضًا مَعَ شُمُولِ الْحَاجَةِ إذَا لَمْ يَبِنْ عِنْدَنَا اسْتِوَاءُ السَّبَبَيْنِ فِي الْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى شَرْعِ الْقَصْرِ مَعَ أَنَّ الْمَرِيضَ خُفِّفَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ ذَلِكَ فِي الرُّخْصَةِ سَدًّا لِحَاجَتِهِ، كَالْقُعُودِ فِي الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ تَخْفِيفٌ فِي الْأَرْكَانِ مُقَابِلٌ لِلتَّخْفِيفِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ. انْتَهَى. وَأَلْحَقَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْقِيَاسَ عَلَى الرُّخَصِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَخْصُوصِ وَسَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ

ص: 75