المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في ذكر أمور اشترطت في العلة] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٧

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْقِيَاسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَة الْقِيَاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتِمَالُ النُّصُوصِ عَلَى الْفُرُوعِ الْمُلْحَقَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَوْضُوعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْقِيَاسُ يُعْمَلُ بِهِ قَطْعًا]

- ‌[مَسْأَلَة التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَصُّ الشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَال الْقِيَاسُ إذَا عُدِمَ النَّصُّ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمُرْسَلُ وَالضَّعِيفُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ لِلْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي أَرْكَانِ الْقِيَاس] [

- ‌الرُّكْن الْأَوَّل الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَأْثِيرُ الْأَصْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْفَرْعُ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعِلَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمَعْلُولُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اقْتِصَارُ الشَّارِعِ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ فِي الْعِلَّة]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِلَّةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْصَافُهَا فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِي النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الِاسْتِدْلَال عَلَى عِلِّيَّةِ الْحُكْمِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسِبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ وَالْإِقْنَاعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرُ وَالْمُلَاءَمَةُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّادِسُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّابِعُ الشَّبَهُ]

- ‌[حُكْم قِيَاس الشَّبَه]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ الدَّوَرَانُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ الطَّرْدُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ]

- ‌[الِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[الْأَوَّلُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ النَّقْضُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْكَسْرُ]

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ الْعَكْسِ]

- ‌[الرَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ التَّأْثِيرِ]

- ‌[الْخَامِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْقَلْبُ]

- ‌[حَقِيقَتِهِ الْقَلْبُ]

- ‌[اعْتِبَارِهِ الْقَلْب]

- ‌[هَلْ الْقَلْب قَادِحٌ أَمْ لَا]

- ‌[أَقْسَام الْقَلْبُ]

- ‌[السَّادِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْفَرْقُ وَيُسَمَّى سُؤَالَ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوط الْفَرْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَوَابِ الْفَرْقِ]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الِاسْتِفْسَارُ]

- ‌[التَّاسِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]

- ‌[الْعَاشِرُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الْوَضْعِ]

- ‌[الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْمَنْعُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات التَّقْسِيمُ]

- ‌[الثَّالِث عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات اخْتِلَافُ الضَّابِطِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ اخْتِلَافُ حُكْمَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[وُجُوهٍ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْتِيبِ الْأَسْئِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حِيَلِ الْمُتَنَاظِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقِ بِمُنَاقَضَاتِ الْخُصُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ]

الفصل: ‌[فصل في ذكر أمور اشترطت في العلة]

[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ]

فَصْلٌ

فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا مِنْهَا: شَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ تَعَدِّي الْعِلَّةِ مِنْ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى حُكْمِ النَّصِّ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي غَيْرِهِ كَتَعْلِيلِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْقَاصِرَةَ إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا صَحَّ التَّعْلِيلُ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ بَرْهَانٍ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ نَقَلَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْصُوصَةً أَوْ مُسْتَنْبَطَةً؛ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً فَهِيَ مَحْضُ الْخِلَافِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَنَقَلَهُ فِي " الْحَاوِي " عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الْمَنْعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ فِي " الِاصْطِلَامِ "، لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا جَذَبَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ إلَى فَرْعِهِ. وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ فَقَالَ: مَنْ يُنْشِئُ النَّظَرَ لَا يَدْرِي أَيَقَعُ عَلَى عِلَّةٍ قَاصِرَةٍ أَوْ مُتَعَدِّيَةٍ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِصِفَةِ الْعِلَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ حَالَةَ إنْشَاءِ النَّظَرِ، فَيَجِبُ النَّظَرُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا قَلِيلُ النَّيْلِ، فَإِنَّ الْخَصْمَ لَا يُنْكَرُ. وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا تَحَقَّقَ قُصُورُهُ، فَمَا قَوْلُ هَذَا الشَّيْخِ إذَا انْكَشَفَ النَّظَرُ وَالْعِلَّةُ قَاصِرَةٌ انْتَهَى.

وَأَصَحُّهُمَا: وَنَصَرَهُ فِي " الْقَوَاطِعِ " تَبَعًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: إنَّهَا عِلَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ حُكْمَ الْأَصْلِ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ أَحْمَدَ، لَكِنْ أَبُو الْخَطَّابِ حَكَى عَنْ أَصْحَابِهِمْ مُقَابِلَهُ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْوَجِيزِ ": كَانَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ الْغُلَاةِ فِي تَصْحِيحِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، وَيَقُولُ: هِيَ أَوْلَى مِنْ الْمُتَعَدِّيَةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ

ص: 200

وُقُوفَهَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْأَصْلِ، كَمَا أَوْجَبَ تَعَدِّيهَا ثُبُوتَ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي غَيْرِهِ، فَصَارَ وُقُوفُهَا مُؤَثِّرًا فِي النَّفْيِ، كَمَا كَانَ تَعَدِّيهَا مُؤَثِّرًا فِي الْإِثْبَاتِ فَاسْتُفِيدَ بِوُقُوفِهَا وَتَعَدِّيهَا حُكْمُ غَيْرِ الْأَصْلِ، فَعَلَى هَذَا ثُبُوتُ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْمَعْنَى دُونَ الِاسْمِ.

وَيَخْرُجُ مِمَّا سَبَقَ حِكَايَةُ مَذْهَبٍ ثَالِثٍ: وَهُوَ الْجَوَازُ فِي الْمَنْصُوصَةِ دُونَ الْمُسْتَنْبَطَةِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَحَكَاهُ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا. وَلِهَذَا فَوَائِدُ:

مِنْهَا: مَعْرِفَةُ الْبَاعِثِ الْمُنَاسِبِ:

وَمِنْهَا: عَدَمُ إلْحَاقِ غَيْرِهَا. وَقَوْلُهُمْ: " هَذِهِ الْفَائِدَةُ عُلِمَتْ مِنْ النَّصِّ " مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يُفِدْ إلَّا إثْبَاتَ الْحُكْمِ خَاصَّةً، وَخَصَّهُ الْقَاضِي بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهَا، وَجَوَّزْنَا اجْتِمَاعَ عِلَّتَيْنِ فَبِاطِّلَاعِنَا عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ نَزْدَادُ عِلْمًا كُنَّا غَافِلِينَ عَنْهُ وَالْعِلْمُ بِالشَّيْءِ أَعْظَمُ فَائِدَةً، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا تُشَوَّقُ إلَيْهِ النُّفُوسُ الزَّكِيَّةُ، ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا طَابَقَتْ النَّصَّ زَادَهُ قُوَّةً وَيَتَعَاضَدَانِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْفَاعِلَ يَفْعَلُ الْفِعْلَ لِأَجْلِهَا فَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ قَصْدِ الْفِعْلِ وَالِامْتِثَالِ وَأَجْرُ قَصْدِ الْفِعْلِ لِأَجْلِهَا، وَهَذَانِ الْقَصْدَانِ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا فَيَفْعَلُ الْمَأْمُورَ لِكَوْنِهِ أُمِرَ بِفِعْلِهِ. ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَمِنْهَا: إذَا حَدَثَ هُنَاكَ فَرْعٌ يُشَارِكُهُ فِي الْمَعْنَى عُلِقَ عَلَى الْعِلَّةِ وَأُلْحِقَ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " الْحَاوِي " فِي بَابِ الرِّبَا وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ

ص: 201

وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي الْقَاصِرَةِ، وَمَتَى حَدَثَ فَرْعٌ يُشَارِكُهَا فِي الْمَعْنَى خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ قَاصِرَةً. وَقَدْ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ فَائِدَتَهَا أَنَّا إذَا عَلَّلْنَا تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ فِي النَّقْدَيْنِ بِالنَّقْدِيَّةِ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا التَّحْرِيمُ فِي الْفُلُوسِ إذَا جَرَتْ نُقُودًا، قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا خَرَفٌ مِنْ قَائِلِهِ وَخَبْطٌ عَلَى الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ جَرَيَانِ الرِّبَا فِي الْفُلُوسِ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ نُقُودًا فَإِنَّ النَّقْدِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْمَطْبُوعَاتِ، وَالْفُلُوسُ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا قِيلَ لِصَاحِبِهِ: إنْ دَخَلَتْ الْفُلُوسُ تَحْتَ الدَّرَاهِمِ بِالنَّصِّ فَالْعِلَّةُ بِالنَّقْدِيَّةِ قَائِمَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ فَالْعِلَّةُ مُتَعَدِّيَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْقَاصِرَةِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهَا تُفِيدُ بِعَكْسِهَا، فَإِذَا ثَبَتَ (النَّقْدِيَّةُ) عِلَّةً فِي النَّقْدَيْنِ فَعَدَمُ النَّقْدِيَّةِ مُشْعِرٌ بِانْتِفَاءِ تَحْرِيمِ الرِّبَا، وَالنَّصُّ عَلَى اللَّقَبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ. وَرَدَّهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الِانْعِكَاسَ لَا يَتَحَتَّمُ فِي الْعِلَلِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ مَتَى زَالَتْ الصِّفَةُ عَنْهُ زَالَ الْحُكْمُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " (قَالَ) : وَيَجِبُ عَلَى هَذَا تَخْصِيصُ الْقَاصِرَةِ بِاَلَّتِي ثَبَتَتْ تَارَةً وَتَزُولُ أُخْرَى وَإِلَّا بَطَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ. قُلْت: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَصْفَانِ قَاصِرٌ وَمُتَعَدٍّ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ أَنَّ الْقَاصِرَةَ عِلَّةٌ، هَلْ يَمْتَنِعُ التَّعْلِيلُ بِالْمُتَعَدِّيَةِ أَمْ لَا، فَعِنْدَنَا يَمْتَنِعُ إنْ مَنَعْنَا اجْتِمَاعَ عِلَّتَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِغَلَبَةِ الْوَصْفِ الْقَاصِرِ.

وَمِنْ فَوَائِدِهِ: إذَا عُورِضَتْ عِلَّةُ الْأَصْلِ بِوَصْفٍ قَاصِرٍ لِيَقْطَعَ الْقِيَاسَ فَاحْتَاجَ إلَى دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ، فَهَلْ يَكْفِي فِي إفْسَادِ الْوَصْفِ قُصُورُهُ أَوْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مُفْسِدًا؟ وَهَذَا هُوَ وَجْهُ جَعْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْبُرْهَانِ "(الْقُصُورَ) مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْفَاسِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ، إذْ الْقُصُورُ يُنَافِي الْقِيَاسَ، ثُمَّ اخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ

ص: 202

الشَّرْعِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا يَتَأَتَّى تَأْوِيلُهُ وَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ حَمْلِهِ عَلَى الْكَثِيرِ مَثَلًا دُونَ الْقَلِيلِ، فَإِذَا نَتَجَتْ عِلَّةٌ تُوَافِقُ ظَاهِرَهُ فَهِيَ تُعْصَمُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى لَا تَرْقَى رُتْبَتُهَا عَلَى الْمُسْتَنْبَطَةِ الْقَاصِرَةِ، فَالْعِلَّةُ فِي مَحَلِّ الظَّاهِرِ كَأَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي مُقْتَضَى النَّصِّ مِنْهُ، مُتَعَدِّيَةٌ إلَى مَا اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيهِ مِنْ حَيْثُ عِصْمَتُهُ مِنْ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ، وَكَانَ ذَلِكَ إفَادَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا حَقِيقِيًّا.

ص: 203

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ زَعَمَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي نُكَتِهِ عَلَى الْمُسْتَصْفَى " أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَتَوَارَدْ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ. قَالَ: وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا صَحِيحَةٌ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، بَاطِلَةٌ بِاعْتِبَارِ الْفَرْعِ. وَقَالَ ابْنُ رَحَّالٍ: إذَا فُسِّرَ اللَّفْظُ زَالَ الْخِلَافُ، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: ثُبُوتُ الْحُكْمِ لِأَجْلِ الْوَصْفِ الْقَاصِرِ صَحِيحٌ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: نَصْبُ الْوَصْفِ الْقَاصِرِ أَمَارَةً بَاطِلٌ، وَهَذَا أَيْضًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ التَّعْلِيلِ يُطْلَقُ تَارَةً عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِأَجْلِ الْوَصْفِ وَتَارَةً عَلَى نَصْبِهِ، فَهَذَا الِاشْتِرَاكُ هُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ.

الثَّانِي أَنَّ كَلَامَ أَصْحَابِنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْقَاصِرَةِ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِانْتِفَاءِ التَّعْدِيَةِ، بَلْ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْقَوَاطِعِ "، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لَمَا تُصُوِّرَ وُقُوعُ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّعَارُضَ فَرْعُ اجْتِمَاعِهِمَا، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَعَارَضَا، فَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ الْمُتَعَدِّيَةَ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: الْقَاصِرَةُ، وَتَوَقَّفَ قَوْمٌ.

الثَّالِثُ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْخِلَافُ فِي بُطْلَانِهَا لَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ظَنِّ كَوْنِهَا حِكْمَةً فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، بَلْ عَلَى خُرُوجِهَا عَنْ مُتَعَلَّقِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ إذَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ فَائِدَةٌ تَزِيدُ عَلَى مُقْتَضَى النَّصِّ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى صِحَّتِهَا، لِصِحَّةِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهَا، وَلِمُسَاوَاتِهَا لِلْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ فِي اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَالْقُصُورِ،

ص: 204

إذْ مَا مِنْ مُتَعَدِّيَةٍ إلَّا وَهِيَ قَاصِرَةٌ مِنْ وَجْهٍ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُطَابَقَةُ النَّصِّ لَهَا، وَذَلِكَ مِمَّا يُؤَيِّدُهَا لَا مِمَّا يُبْطِلُهَا، كَمُطَابَقَةِ الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ، وَكَمُطَابَقَةِ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَاضِدَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ مَوْضِعَ التَّعَبُّدِ بِالتَّعْلِيلِ هَلْ هُوَ لِإِفَادَةِ مَا لَمْ يُفِدْهُ النَّصُّ أَوْ بِمُجَرَّدِ إنَاطَةِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ؟ وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّأْثِيرِ فِي الْعِلَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْإِخَالَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَمَعْنَى التَّأْثِيرِ: اعْتِبَارُ الشَّرْعِ جِنْسَ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعَهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي وَقَالَ إلْكِيَا: الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ عِلَّةَ الشَّرْعِ هَلْ تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ أَمْ لَا؟ وَقَالَ الدَّبُوسِيُّ: هُوَ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ عِنْدَنَا: تَعَدِّي حُكْمِ النَّصِّ إلَى الْفَرْعِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: تَعَلَّقَ الْحُكْمُ فِي النَّصِّ الْمَعْلُولِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ لَا التَّعَدِّي.

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى كَوْنِهَا هَلْ هِيَ مَأْمُورٌ بِهَا؟ وَمَعْنَى صِحَّتِهَا: مُوَافَقَتُهَا لِلْأَمْرِ، وَمَعْنَى فَسَادِهَا: عَدَمُ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ: لَا يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فَرْعِيَّةٌ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّا إنْ رَدَدْنَاهَا فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ إفَادَتِهَا، وَإِنْ قَبِلْنَاهَا فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهَا لَا يَتَعَدَّى بِهَا حُكْمُهَا، وَالنَّصُّ فِي الْأَصْلِ مُغْنٍ عَنْهَا فَرَجَعَ ثَبَاتُهَا إلَى الْفَوَائِدِ الْعِلْمِيَّةِ لَا الْعَمَلِيَّةِ، إلَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى الْتِزَامِ اتِّحَادِ الْعِلَلِ وَصَحَّحْنَا الْقَاصِرَةَ، وَجَعَلْنَاهَا مُقَاوِمَةً لِلْمُتَعَدِّيَةِ فَيَنْبَنِي حِينَئِذٍ قَبُولُهَا فَائِدَةً عَمَلِيَّةً لِأَنَّهَا قَدْ تُعَارِضُ مُتَعَدِّيَةً بِتَعَطُّلِ الْعَمَلِ بِهَا. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: لَا يَتَحَرَّرُ الْخِلَافُ فِي رَدِّهَا، لِأَنَّ الْعِلَّةَ إمَّا الْبَاعِثُ أَوْ الْعَلَامَةُ، فَإِنْ فَسَّرْنَا بِالْبَاعِثِ وَهُوَ الْحَقُّ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَنُصَّ بِالشَّرْعِ عَلَى الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهِ حَتَّى لَا يُبْقِيَ مِنْ مَحَالِّهِ مَسْكُوتًا عَنْهُ، وَيَنُصُّ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْبَاعِثِ وَلَا يَتَخَيَّلُ عَاقِلٌ خِلَافَ ذَلِكَ، وَإِنْ فَسَّرْنَاهَا بِالْعَلَامَةِ وَعَلَيْهِ بَنَى الرَّازِيَّ كَلَامَهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ عَلَامَةً وَالْوَصْفُ عَلَامَةً، فَيَجْتَمِعُ عَلَى الْحُكْمِ عَلَامَتَانِ كَمَا يَجْتَمِعُ عَلَى

ص: 205

الْحُكْمِ نَصَّانِ مَعًا وَظَاهِرَانِ مَعًا، أَوْ نَصٌّ وَظَاهِرٌ، أَوْ نَصٌّ وَقِيَاسٌ. وَهَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا مَحَلَّ لِلْخِلَافِ.

وَمِنْهَا: مَنَعَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ مِنْ التَّعْلِيلِ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ، كَمَا لَوْ عَلَّلْنَا كَوْنَ النَّقْدَيْنِ رِبَوِيَّيْنِ بِكَوْنِ اسْمِهِمَا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَحَكَى فِيهِ الِاتِّفَاقَ، وَاعْتَرَضَ النَّقْشَوَانِيُّ بِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا فُسِّرَتْ بِالْمُعَرِّفِ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِ الِاسْمِ عِلَّةً؟ فَإِنَّ فِيهِ تَعْرِيفًا، وَقَوَّاهُ الْقَرَافِيُّ بِمَا إذَا قُلْنَا: إنَّ مُجَرَّدَ الطَّرْدِ كَافٍ فِي الْعِلَّةِ، وَيَصْعُبُ مَعَ اشْتِرَاطِ الْمُنَاسِبِ. وَمَا ادَّعَى الْإِمَامُ فِيهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ تَبِعَهُ فِيهِ الْهِنْدِيُّ فِي النِّهَايَةِ.

وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَوْا، فَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ، وَهِيَ وُجُوهٌ لِأَصْحَابِنَا:

أَحَدُهَا: الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَهُوَ رَأْيُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَنَقَلَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ فِي التَّقْرِيبِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا: وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَقُّ كَقَاتِلٍ وَسَارِقٍ، وَالِاسْمِ الَّذِي هُوَ لَقَبٌ كَحِمَارٍ وَفَرَسٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ: لِأَنَّهُ بَوْلٌ فَشَابَهُ بَوْلَ الْآدَمِيِّ (انْتَهَى) وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْقَائِسِينَ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ لِأَنَّهُ كَلْبٌ، قِيَاسًا عَلَى الْكَلْبِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْمَنْعِ مِنْ ضَمِّ الْقُطْنِيَّةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَوَاتِ: إنَّهَا حُبُوبٌ مُنْفَرِدَةٌ بِأَسْمَاءٍ مَخْصُوصَةٍ. وَقَاسَهَا عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، فَإِذَا جَعَلَ افْتِرَاقَهَا فِي الِاسْمِ عِلَّةً

ص: 206

لِافْتِرَاقِهَا فِي الْحُكْمِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ اتِّفَاقُهَا فِي الِاسْمِ عِلَّةً، لِاتِّفَاقِهَا فِي الْحُكْمِ، وَقَالَ أَهْلُ الرَّأْيِ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ: إنَّهُ مَسْحٌ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي زَكَاةِ الْعَوَامِلِ: إنَّهَا تَعُمُّ قِيَاسًا عَلَى السَّائِمَةِ (انْتَهَى) وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ.

وَ (الثَّانِي) الْمَنْعُ لَقَبًا وَمُشْتَقًّا. وَ (الثَّالِثُ) التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمُشْتَقِّ فَيَجُوزُ، وَبَيْنَ اللَّقَبِ فَلَا، حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي التَّبْصِرَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ فِي التَّقْرِيبِ. وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي بَابِ الرِّبَا فِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الرِّبَوِيِّ الطُّعْمُ: الْحُكْمُ مَتَى عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنْ مَعْنًى يَصِيرُ مَوْضِعُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً. وَحَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ وَجْهًا أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِشَرْطِ الْإِخَالَةِ وَالْمُنَاسَبَةِ، وَنَسَبَهُ لِلْحَنَفِيَّةِ. وَهَذَا يَقْتَضِي (مَذْهَبًا رَابِعًا) وَهُوَ التَّفْصِيلُ فِي الْمُشْتَقِّ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ ": إنْ كَانَ الِاسْمُ يُفِيدُ مَعْنًى فِي الْمُسَمَّى جَازَ التَّعْلِيلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَقَبًا فَفِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهِ قَوْلَانِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي أَدَبِ الْجَدَلِ: إنْ كَانَ الْوَصْفُ اسْمًا مُشْتَقًّا فَلَا شَكَّ فِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ اسْمَ جِنْسٍ، كَبَغْلٍ وَحِمَارٍ وَدَابَّةٍ وَدَارٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ الْجَوَازَ. وَ (الثَّانِي) الْمَنْعُ كَالْوَصْفِ مِنْ اسْمٍ وَلَقَبٍ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَفِي الْأُمِّ: فِي بَوْلِ الْحَيَوَانِ تَعْلِيقُ حُكْمٍ بِاسْمٍ (قَالَ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ لَكَانَ جَائِزًا، فَإِذَا اسْتَنْبَطَهُ الْمُعَلِّلُ فَكَذَلِكَ (انْتَهَى) وَهَذَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْخِلَافِ بِالْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ. أَمَّا الْمَنْصُوصَةُ مِنْ الشَّارِعِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بُيُوعِ الْحَاوِي: يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِالِاسْمِ الْمُشْتَقِّ، كَعَاقِلٍ وَقَاتِلٍ وَوَارِثٍ، وَبِالِاسْمِ إذَا عَبَّرَ بِهِ عَنْ الْجِنْسِ، كَمَا جَازَ التَّعْلِيلُ بِالصِّفَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ فِي نَجَاسَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ: لِأَنَّهُ بَوْلٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا قِيَاسًا عَلَى بَوْلِ الْآدَمِيِّ.

ص: 207

وَقَالَ فِي الْقَوَاطِعِ: وَأَمَّا جَعْلُ الِاسْمِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: إنَّ الِاسْمَ ضَرْبَانِ: اسْمُ اشْتِقَاقٍ، وَاسْمُ لَقَبٍ. فَأَمَّا الْمُشْتَقُّ فَضَرْبَانِ:

(أَحَدُهُمَا) مَا اُشْتُقَّ مِنْ فِعْلٍ كَالضَّارِبِ وَالْقَاتِلِ، اُشْتُقَّ مِنْ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ، فَيَجُوزُ جَعْلُهُ عِلَّةً فِي قِيَاسِ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْأَفْعَالَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِلَلًا لِلْأَحْكَامِ.

وَ (ثَانِيهِمَا) مَا اُشْتُقَّ مِنْ صِفَةٍ كَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ، مُشْتَقٌّ مِنْ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، فَهَذَا مِنْ بَابِ الشَّبَهِ الصُّورِيِّ. فَمَنْ جَعَلَهُ حُجَّةً جَوَّزَ التَّعْلِيلَ. وَقَدْ قَالَ عليه السلام:«فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ» فَجَعَلَ السَّوَادَ عِلَّةً لِإِبَاحَةِ الْقَتْلِ، فَأَمَّا اللَّقَبُ فَضَرْبَانِ:

(أَحَدُهُمَا) مُسْتَعَارٌ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَلَا يَدْخُلُهُ حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقُلُ اسْمَ زَيْدٍ إلَى عَمْرٍو وَعَمْرٍو إلَى زَيْدٍ، فَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهَذَا الِاسْمِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ وَجَوَازِ انْتِقَالِهِ. وَ (ثَانِيهِمَا) لَازِمٌ كَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ. وَقَدْ حَكَى الْأَصْحَابُ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا وَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي امْتِنَاعُ التَّعْلِيلِ بِالْأَسَامِي مُطْلَقًا، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الطَّرْدَ. وَأَمَّا الْأَسَامِي الْمُشْتَقَّةُ فَالتَّعْلِيلُ بِمَوْضِعِ الِاشْتِقَاقِ لَا بِنَفْسِ الِاسْمِ (انْتَهَى) وَهُوَ تَفْصِيلٌ لَا مَزِيدَ عَلَى حَسَنِهِ. فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ لِلْإِمَامِ سَلَفٌ فِي دَعْوَاهُ الِاتِّفَاقَ؟ قُلْتُ: رَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ مَا نَصُّهُ: اتَّفَقُوا عَلَى فَسَادِ الْعِلَّةِ إذَا اقْتَصَرْت بِهَا عَلَى الِاسْمِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ إذَا ضَاقَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ تَعَلَّقَ بِهِ،

ص: 208

كَالرَّجُلِ يَسْأَلُ عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ فَيُقَالُ: لِأَنَّهُ كَلْبٌ قِيَاسًا عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، أَوْ عَلَى الْقُصُورِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ خِلَافًا بَعْدُ. هَذَا لَفْظُهُ مَعَ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ حَكَى وَجْهَيْنِ فِي التَّعْلِيلِ بِالِاسْمِ. فَإِنْ قُلْت: فَمَا تَحْمِلُ كَلَامَ الْإِمَامِ، عَلَى الْمُشْتَقِّ أَوْ اللَّقَبِ؟ قُلْت: أَحْمِلُهُ عَلَى اللَّقَبِ، لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ إذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِالِاسْمِ الْمُشْتَقِّ كَانَ مُعَلَّلًا بِمَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ هُنَا مُرَادُهُ الِاسْمُ الَّذِي لَيْسَ بِمُشْتَقٍّ. نَعَمْ الْخِلَافُ جَارٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَقًّا.

وَ (مِنْهَا) أَنْ لَا يَكُونَ وَصْفُهَا حُكْمًا شَرْعِيًّا عِنْدَ قَوْمٍ لِأَنَّهُ مَعْلُولٌ فَكَيْفَ يَكُونُ عِلَّةً. وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَقَوْلِنَا: حَرُمَ الِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ فَيَبْطُلُ بَيْعُهُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَدُورُ مَعَ الْحُكْمِ الْآخَرِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَالدَّوَرَانُ يُفِيدُ ظَنَّ الْعِلِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُجْعَلَ حُكْمٌ مُعَرِّفًا لِحُكْمٍ آخَرَ بِأَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: رَأَيْتُمُونِي أُثْبِتُ الْحُكْمَ الْفُلَانِيَّ فِي الصُّورَةِ الْفُلَانِيَّةِ، فَاعْلَمُوا أَنِّي أُثْبِتُ الْحُكْمَ الْفُلَانِيَّ فِيهَا أَيْضًا. وَنَقَلَهُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ إنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْأُصُولِيِّينَ، وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ (قَالَ) وَقَدْ قَاسَ الشَّافِعِيُّ رَقَبَةَ الظِّهَارِ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْقَتْلِ، وَفِي أَنَّ الْإِيمَانَ شَرْطٌ فِيهِمَا، بِأَنَّ

ص: 209

كُلَّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ بِالْعِتْقِ، وَقَالَ فِي زَكَاةِ مَالِ الْيَتِيمِ: لِأَنَّهُ مَالِكٌ تَامُّ الْمِلْكِ، وَقَالَ فِي الذِّمِّيِّ: يَصِحُّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ كَالْمُسْلِمِ، وَقَاسَ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي النِّيَّةِ بِأَنَّهُمَا طُهْرَانِ عَنْ حَدَثٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ فِطْرٍ مَعْصِيَةٌ فِيهَا الْكَفَّارَةُ كَالْفِطْرِ بِالْوَطْءِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: الْمَنِيُّ نَجِسٌ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْبَدَنِ كَالْبَوْلِ (انْتَهَى) .

وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ حُكْمُ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً كَقَوْلِنَا: حَرُمَ الرِّبَا لِأَنَّهُ رِبًا، حَرُمَ الْأَكْلُ لِأَنَّهُ أَكْلٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ هَذَا فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ هَذَا تَحْرِيمَ غَيْرِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: الْعِلَّةُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَاطِئِ إيجَابُهَا عَلَى الْقَاتِلِ وَتَحْرِيمُ الْقَتْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا: مِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ. وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِيمَا يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ، لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا حُكْمٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ وَرَدَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] وَالظُّلْمُ هُوَ اسْمُ حُكْمٍ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنِيرِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ عِلَّةً وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ الْمُلَازَمَةُ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ تَقْتَضِي حُكْمَيْنِ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا اسْتَدْلَلْنَا بِوُجُودِهِ عَلَى وُجُودِهَا ثُمَّ عَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ ضَرُورَةُ تَلَازُمِ الثَّلَاثَةِ.

وَقَالَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الشَّرْعِيَّ يَكُونُ عِلَّةً شَرْعِيَّةً بِمَعْنَى (الْأَمَارَةِ) لَا فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ بَلْ فِي غَيْرِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: إذَا عَرَفْتُمْ أَنِّي حَكَمْت بِإِيجَابِ كَذَا فَاعْلَمُوا أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى (الْبَاعِثِ) ، فَإِنْ كَانَ بَاعِثًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ كَتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ

ص: 210

لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ فَلَا، وَتَابَعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَهُوَ تَحَكُّمٌ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ، فَلَمَّا يُخَصَّصُ بِالْمَصْلَحَةِ دُونَ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ؟

تَنْبِيهٌ

الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْحَقِيقِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَقَوْلِنَا فِي إثْبَاتِ الْحَيَاةِ فِي الشَّعْرِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِالطَّلَاقِ وَيَحِلُّ بِالنِّكَاحِ فَيَكُونُ حَيًّا كَالْيَدِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِلَّةِ الْمُعَرِّفُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ الْحَقِيقِيِّ فَأَمَّا إذَا فَسَّرْنَاهَا بِالْمُوجِبِ وَالدَّاعِي امْتَنَعَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ بِالْمُوجِبِ فَصَحِيحٌ لَكِنْ لَا نَرْتَضِيهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا فَبَاطِلٌ، وَكَلَامُ الْعَبْدَرِيِّ يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ وَالْمُسْتَنْبَطِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُقَالُ لِلْمَانِعِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ: إنْ أَرَدْت بِهِ الْحُكْمَ الَّذِي يَسْتَنْبِطُهُ الْمُجْتَهِدُ فَقَوْلُك صَحِيحٌ وَلَسْنَا نَنْفِيهِ، وَإِنْ أَرَدْت الْحُكْمَ الَّذِي صَدَرَ عَنْ الشَّارِعِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْكُمَ الشَّرْعُ بِحُكْمٍ ثُمَّ يَجْعَلُ ذَلِكَ الْحُكْمَ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ كَثِيرًا بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ بِالْمُوجِبِ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ فِي الْمَحْصُولِ: يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْأَوْصَافِ الْعُرْفِيَّةِ وَهِيَ الشَّرَفُ وَالْخِسَّةُ، وَالْكَمَالُ وَالنَّقْصُ وَلَكِنْ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوصًا مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُطَّرِدًا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، وَإِلَّا لَجَازَ أَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ الْمُعَرِّفُ حَاصِلًا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ.

ص: 211

وَ (مِنْهَا) شَرَطَ قَوْمٌ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَصْفٍ، كَالْإِسْكَارِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ. وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ تَعَدُّدِ الْوَصْفِ وَوُقُوعِهِ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْقِصَاصِ. وَنَسَبَهُ الْهِنْدِيُّ لِلْمُعْظَمِ، وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ إجْمَاعَ الْقَيَّاسِينَ وَصَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِالْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقْلِيَّةِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: لَا يَجُوزُ تَرْكِيبُهَا مِنْ وَصْفَيْنِ فَأَكْثَرَ (قَالَ) : وَأَجَازَهُ الْبَاقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا (قَالَ) : وَكَذَلِكَ الْحُدُودُ امْتَنَعَ مِنْ تَرْكِيبِهَا الْأَشْعَرِيُّ وَأَجَازَهُ الْبَاقُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّرْكِيبِ فَقِيلَ لَا يَتَعَدَّى خَمْسَةً، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ الْحَنَفِيِّ، وَنَصَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِ شَرْحِ التَّرْتِيبِ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ زَادُوا فِي الْعِلَّةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْصَافٍ، بَلْ إذَا بَلَغَتْ خَمْسَةً اسْتَثْقَلُوهَا وَلَمْ يُتَمِّمُوهَا وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: أَقْوَاهَا مَا تَرَكَّبَ مِنْ وَصْفَيْنِ ثُمَّ يَلِيهِ الثَّلَاثَةُ، ثُمَّ الْأَرْبَعَةُ، ثُمَّ الْخَمْسَةُ وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ زِيَادَةً عَلَيْهِ.

وَيَخْرُجُ ذَلِكَ عَنْ الْأَقْسَامِ وَالضَّبْطِ إذَا كَثُرَتْ الْأَوْصَافُ. وَحَكَى فِي الْمَحْصُولِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّهُ حَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ زِيَادَتُهَا عَلَى سَبْعَةٍ لَكِنْ نَقَلَ فِي رِسَالَتِهِ " الْبَهَائِيَّةِ " عَنْهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى خَمْسَةٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ. نَعَمْ، قَوْلُ عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى السَّبْعَةِ مَحْكِيٌّ أَيْضًا، حَكَاهُ ابْنُ الْفَارِضِ فِي كِتَابِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ، قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ: وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا أَعْرِفُ لَهُ حُجَّةً. وَقَالَ صَاحِبُ

ص: 212