الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ تَقْبَلُ التَّرْجِيحَ، كَالدَّلِيلِ الْمُبْتَدَأِ، وَالْمَنْعُ لَا يَقْبَلُ التَّرْجِيحَ.
[أَقْسَام الْقَلْبُ]
الرَّابِعُ - فِي أَقْسَامِهِ: أَحَدُهَا: قَلْبُ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ: وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى تَصْحِيحِ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ، مَعَ إبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ. إمَّا صَرِيحًا كَقَوْلِنَا فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ: عَقْدٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ فَلَا يَصِحُّ، كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَيَقُولُ: الْخَصْمُ: عَقْدٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ فَيَصِحُّ، كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ: بِالْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ الْعَاقِدِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ رحمه الله: وَهَذَا عَلَى أَقْسَامِ الْقَلْبِ.
وَإِمَّا ضِمْنًا كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الِاعْتِكَافِ: لُبْثٌ فَلَا يَكُونُ بِنَفْسِهِ قُرْبَةً، كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَغَرَضُهُ اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ أَصْلًا يُلْحِقُهُ بِهِ فَيَقُولُ: لُبْثٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ، كَالْوُقُوفِ.
وَجَوَابُهُ إمَّا بِمَنْعِ صِحَّةِ الْقَلْبِ إنْ كَانَ لَا يَقْبَلُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ بِكُلِّ مَا يَتَكَلَّمُ عَلَى الْعِلَلِ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ الْمَنْعِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالنَّقْضِ عَلَى مَا سَبَقَ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ. وَكَذَا الْقَلْبُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَيَقُولُ: هَذِهِ الْأَوْصَافُ الَّتِي ذَكَرْت فِيهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي حُكْمِ الْقَلْبِ، وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِي حُكْمِ عِلَّتِي، أَوْ يَقُولُ: هَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تَصْلُحُ لِلْحُكْمِ الَّذِي عُلِّقَتْ عَلَيْهَا وَتَصْلُحُ لِلْحُكْمِ الَّذِي عُلِّقَتْ عَلَيْهَا فَيَقُولُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ: هَذِهِ الْأَوْصَافُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي حُكْمِ عِلَّتِك، لِأَنَّك لَوْ اقْتَصَرْت عَلَى قَوْلِك: عَقْدٌ عَقَدَهُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ
فَيَصِحُّ، لَمْ يُنْقَضْ، أَوْ يَقُولُ: هَذِهِ الْأَوْصَافُ الَّتِي ذَكَرْتَهَا تَقْتَضِي إفْسَادَ الْبَيْعِ وَقَدْ عَلَّقْت عَلَيْهَا صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَهَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى الْعِلَّةِ لَمْ يَصِحَّ.
الثَّانِي: مَا يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ: -
- إمَّا صَرِيحًا، كَقَوْلِهِمْ: مَسْحُ الرَّأْسِ رُكْنٌ فَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، كَالْوَجْهِ. فَيُقَالُ: فَلَا يَتَقَدَّرُ بِالرُّبُعِ، كَالْوَجْهِ. - وَإِمَّا بِالِالْتِزَامِ، كَقَوْلِهِمْ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: صَحِيحٌ، كَنِكَاحِ الْغَائِبِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَنَقُولُ: فَلَا تَثْبُتُ الرُّؤْيَةُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ، قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ، بِالْجَامِعِ الْمَذْكُورِ.
وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ: قَلْبُ التَّسْوِيَةِ، لِتَضَمُّنِهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَصْلِ حُكْمَانِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَالْآخَرُ مُنَازَعٌ فِيهِ، فَإِذَا أَرَادَ إثْبَاتَهُ فِي الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ اُعْتُرِضَ بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ. فَيَلْزَمُ عَدَمُ ثُبُوتِهِ فِيهِ، كَقَوْلِهِمْ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ: مُكَلَّفٌ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ، كَالْمُخْتَارِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَقَعَ طَلَاقُهُ ضِمْنًا، وَلِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ إقْرَارِهِ وَإِيقَاعِهِ، وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِالِاتِّفَاقِ، فَيَكُونُ إيقَاعُهُ أَيْضًا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ. كَقَوْلِهِمْ فِي الْوُضُوءِ: طَهَارَةٌ بِالْمَائِعِ، فَلَا تَجِبُ فِيهَا النِّيَّةُ، كَالنَّجَاسَةِ. فَنَقُولُ: فَيَسْتَوِي جَامِدُهَا وَمَائِعُهَا كَالنَّجَاسَةِ فِي النِّيَّةِ.
وَفِي قَبُولِ هَذَا النَّوْعِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ. لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالتَّسْوِيَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْقَالِبَ يُرِيدُ فِي الْأَصْلِ غَيْرَ مَا يُرِيدُ فِي الْفَرْعِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ حُكْمُ الشَّيْءِ مِنْ ضِدِّهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَطَائِفَةٌ
مِمَّنْ قَبِلَ أَصْلَ الْقَلْبِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّصْرِيحُ فِيهِ بِحُكْمِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ الْحَاصِلَ فِي الْأَصْلِ نَفْيٌ، وَفِي الْفَرْعِ إثْبَاتٌ.
وَالثَّانِي: وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ رحمه الله وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّ الشَّارِعَ لَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: أَقْصِدُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْإِيقَاعِ كَانَ صَحِيحًا. وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَسْتَنْبِطَ وَيُعَلِّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ.
وَجَوَابُهُ: إمَّا بِإِمْكَانِ صِحَّةِ الْقَلْبِ أَوْ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ بِمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى الْعِلَلِ الْمُبْتَدَأَةِ فَنَقُولُ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ لَا تَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ. أَلَا تَرَى أَنَّ عِنْدَك الْمَائِعَ فِي الْوُضُوءِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ، فَلَا يُمْكِنُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا.
وَقِيلَ: مِنْ أَجْوِبَتِهِ: أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْته مُصَرَّحٌ بِهِ، وَاَلَّذِي عَارَضْتَنِي بِهِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ.
الثَّالِثُ: الْقَلْبُ الْمَكْسُورُ
وَهُوَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الْمُسْتَدِلِّ، كَاسْتِدْلَالِ الْمَالِكِيِّ عَلَى صِحَّةِ ضَمِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُمَا مَالَانِ زَكَاتُهُمَا رُبُعُ الْعُشْرِ بِكُلِّ حَالٍ فَضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ. فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: أَقْلِبُ هَذِهِ الْعِلَّةَ فَأَقُولُ: مَالَانِ زَكَاتُهُمَا رُبُعُ الْعُشْرِ، وَهُمَا مِنْ وَصْفٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْقِيمَةِ، كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ
الرَّابِعُ الْقَلْبُ الْمُبْهَمُ
وَهُوَ أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ تَسْوِيَةً، كَقَوْلِهِمْ فِي الْكُسُوفِ: صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فَلَا يُثَنَّى فِيهَا الرُّكُوعُ، كَالْعِيدَيْنِ. فَيَقْلِبُهُ وَيَقُولُ: صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ تَخْتَصُّ بِزِيَادَةٍ، كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ. مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِخُصُوصِ الزِّيَادَةِ هَلْ هِيَ رُكُوعٌ أَوْ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَوْ تَعَرَّضَ لِخُصُوصِهَا فِي الرُّكُوعِ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ.