الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِجْمَاعَ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: لَا يُقَاسُ عَلَى خَاصٍّ مُنْتَزَعٍ مِنْ عَامٍّ كَالْمُصَرَّاةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَا يُقَاسُ عَلَى مَخْصُوصٍ، وَلَا مَنْصُوصٍ عَلَى مَنْصُوصٍ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْمَخْصُوصِ إبْطَالٌ، وَفِي قِيَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ إبْطَالُ الْمَنْصُوصِ. وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ فَقَالَ: الْقِيَاسُ عَلَى الْمَخْصُوصِ يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَاسَ مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ عَلَى الْمُوضِحَةِ فِي تَحَمُّلِ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ التَّخْصِيصُ بِإِلْحَاقِ الْأَمْوَالِ بِهَا، فَأَمَّا إذَا أَلْحَقَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا فَلَا إذَنْ. انْتَهَى.
[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ]
ِ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ هَلْ ثَبَتَ بِالْعِلَّةِ أَوْ بِالنَّصِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَحَكَى فِي " الْمُسْتَصْفَى " وَجْهًا ثَالِثًا بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً فَيَجُوزُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهَا فِي مَحَلِّ النَّصِّ كَالسَّرِقَةِ مَثَلًا، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ غَرِيبٌ. وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ بِالنَّصِّ وَالْعِلَّةِ جَمِيعًا فَقَالَ: وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَا يُضَافُ إلَى النَّصِّ. قُلْنَا: يُضَافُ، فَيُقَالُ: النَّصُّ يُفِيدُ هَذَا الْحُكْمَ، وَالْعِلَّةُ أَيْضًا مُفِيدَةٌ لَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى دَلِيلَانِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: ثُبُوتُهُ بِالنَّصِّ لَا يَمْنَعُ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى الْعِلَّةِ، فَنَحْنُ نَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَنَقُولُ: الْحُكْمُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا، وَيَجُوزُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى دَلِيلَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ بِعِلَّتَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَقَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ: إنَّ حَقِيقَةَ الْقَوْلِ فِي مُوجِبِ الْحُكْمِ
الْكَشْفُ عَنْ الدَّلِيلِ الْمُبَيِّنِ لَهُ، قَالُوا: وَلَهُ فِي الْأَصْلِ دَلِيلَانِ.
أَحَدُهُمَا: النَّصُّ، وَلَهُ حُكْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَيَانُ الشَّرِيعَةِ، وَالثَّانِي: بَيَانُ الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ. وَفِي الْفَرْعِ دَلِيلٌ وَاحِدٌ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مَدْرَكَ حُكْمِهِ بِوُجُوهٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ. ثُمَّ يَعْرِفُ حُكْمَ غَيْرِهِ بِبَعْضِ أَدِلَّتِهِ وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ: الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ ثَبَتَ بِالْعِلَّةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا النَّصُّ، وَحَظُّ النَّصِّ فِيهَا التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْإِبْيَارِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَعَنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِذَا اسْتَنْبَطَ مِنْ مَحَلِّ عُمُومِ عِلَّةٍ خَاصَّةٍ تَخْصِيصَ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ بِمَثَابَةِ اسْتِنْبَاطِ الْإِسْكَارِ مِنْ آيَةِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّبِيذِ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّبِيذِ هُوَ الْمُسْتَنِدُ إلَى الْعِلَّةِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْخَمْرِ فَيَسْتَنِدُ إلَى اللَّفْظِ الْعَامِّ.
قَالَ ابْنُ النَّفِيسِ فِي " الْإِيضَاحِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ ثُبُوتَهُ بِالْعِلَّةِ فَظَنُّ أَنَّ ثُبُوتَهُ بِالنَّصِّ لِأَجْلِ الْعِلَّةِ لَا لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْمُوجِبَةُ لَهُ بِدُونِ النَّصِّ. وَلَا أَنَّهَا جُزْءُ الْمُوجِبِ، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا، وَكَذَا زَعَمَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى، لِأَنَّ النَّصَّ لَا شَكَّ أَنَّهُ الْمُعَرِّفُ لِلْحُكْمِ أَيْ ثَبَتَ عِنْدَنَا بِهِ الْحُكْمُ. وَالْمَعْنَى عِنْدَ مَنْ يُفْسِدُهُ بِالْبَاعِثِ هُوَ الَّذِي اقْتَضَى الْحُكْمَ، فَمَنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ أَيْ عُرِفَ بِهِ فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ وَلَا يُنَازَعُ فِيهِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْمُقْتَضَى وَالْبَاعِثَ هُوَ الْمَعْنَى فَلَا يُنَازِعُهُ الْآخَرُ فِيهِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَلَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ. أَمَّا أَصْلُهُ فَيَرْجِعُ إلَى تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ: فَعَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ، فَحُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِهَا، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ الْغَزَالِيِّ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ بِجَعْلِ اللَّهِ. وَأَمَّا مَنْ يُفَسِّرُهَا بِالْبَاعِثِ فَمَعْنَى أَنَّهُ شُرِعَ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ مَشْرُوعِيَّتَهُ وَبَعَثَتْ عَلَيْهِ فَفِي الْقَاصِرَةِ فَائِدَةُ مَعْرِفَةِ الْبَاعِثِ وَأَمَّا مَنْ يُفَسِّرُهَا بِالْمُعَرِّفِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهَا تُعَرِّفُ حُكْمَ الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِهَا، وَقَدْ تَجْتَمِعُ هِيَ وَالنَّصُّ فَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ مُعَرِّفَيْنِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُمَا فِي حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ مُعَرِّفَيْنِ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِالْعِلَّةِ، وَأَنَّ نِسْبَةَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ إلَى الْعِلَّةِ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا فَرْعُهُ فَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ، فَمَنْ جَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِهَا قَالَ: الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ بِالْعِلَّةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا فَائِدَةٌ، وَلِهَذَا فِي التَّعْدِيَةِ لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْمُقَايَسَةِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ. وَذَكَرَ الْإِبْيَارِيُّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ " مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ تَحْرِيمَ قَلِيلِ النَّبِيذِ وَكَثِيرِهِ كَالْخَمْرِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمْ لَا يَحْرُمُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ، وَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ قَلِيلَهُ بِعِلَّةِ الْإِسْكَارِ وَحُرْمَةِ النَّبِيذِ، وَالْفَرْعُ ثَابِتٌ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ وَهِيَ الْإِسْكَارُ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا فَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ قَدْرٌ لَا يُسْكِرُ.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: هَذَا الْخِلَافُ فِي النَّصِّ ذِي الْعِلَّةِ. أَمَّا التَّعَبُّدِيُّ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْقِيَاسِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ هُنَاكَ ثَابِتٌ بِالْعِلَّةِ، وَظَنَّ الْهِنْدِيُّ أَنَّ كَلَامَ أَصْحَابِنَا عَلَى إطْلَاقِهِ فَرَدَّدَ الْقَوْلَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
الثَّانِي: صَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: " ثَابِتٌ عِنْدَ الْعِلَّةِ " لَا " بِهَا " وَكَأَنَّ الشَّارِعَ
قَالَ: مَهْمَا وُجِدَ الْوَصْفُ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْحُكْمَ الْفُلَانِيَّ حَاصِلٌ فِي ذَلِكَ التَّمْثِيلِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ مَعْنَى الْعِلَّةِ مَا قَضَى الشَّارِعُ بِالْحُكْمِ عِنْدَ الْحِكْمَةِ، لَا أَنَّهَا صِفَةٌ زَائِدَةٌ. الثَّالِثُ:
بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَنْحَلُّ إشْكَالٌ أَوْرَدَهُ نُفَاةُ الْقِيَاسِ وَهُوَ: كَيْفَ ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ بِغَيْرِ ثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ؟ وَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ. كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَحُكْمَ الْفَرْعِ ثَابِتٌ بِالْإِلْحَاقِ كَتَحْرِيمِ النَّبِيذِ، فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ، وَالطَّرِيقُ مُخْتَلِفٌ، فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا؟ وَجَوَابُهُ: أَنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْحُكْمَ فِي مَحَلِّ النَّصِّ بِالْعِلَّةِ، لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ هَذَا السُّؤَالُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَعْنَى الْإِسْكَارِ فِي الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ. وَمَنْ أَثْبَتَ فِي الْأَصْلِ بِالنَّصِّ قَالَ: الْمَقْصُودُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لَا تَعْيِينُ طَرِيقِهِ بِكَوْنِهِ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا، أَوْ نَصًّا فِي الْأَصْلِ قِيَاسًا فِي الْفَرْعِ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ وَسِيلَةٌ وَالْحُكْمَ مَقْصِدٌ، وَمَعَ حُصُولِ الْمَقْصِدِ لَوْ قُدِّرَ عَدَمُ الْوَسَائِلِ لَمْ يَضُرَّ، فَضْلًا عَنْ اخْتِلَافِهَا، وَهَذَا كَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْبِلَادِ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ دَخَلَهَا.