المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تقسيم المناسبة من حيث التأثير والملاءمة] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٧

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْقِيَاسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَة الْقِيَاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتِمَالُ النُّصُوصِ عَلَى الْفُرُوعِ الْمُلْحَقَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَوْضُوعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْقِيَاسُ يُعْمَلُ بِهِ قَطْعًا]

- ‌[مَسْأَلَة التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَصُّ الشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَال الْقِيَاسُ إذَا عُدِمَ النَّصُّ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمُرْسَلُ وَالضَّعِيفُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ لِلْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي أَرْكَانِ الْقِيَاس] [

- ‌الرُّكْن الْأَوَّل الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَأْثِيرُ الْأَصْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْفَرْعُ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعِلَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمَعْلُولُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اقْتِصَارُ الشَّارِعِ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ فِي الْعِلَّة]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِلَّةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْصَافُهَا فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِي النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الِاسْتِدْلَال عَلَى عِلِّيَّةِ الْحُكْمِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسِبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ وَالْإِقْنَاعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرُ وَالْمُلَاءَمَةُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّادِسُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّابِعُ الشَّبَهُ]

- ‌[حُكْم قِيَاس الشَّبَه]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ الدَّوَرَانُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ الطَّرْدُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ]

- ‌[الِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[الْأَوَّلُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ النَّقْضُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْكَسْرُ]

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ الْعَكْسِ]

- ‌[الرَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ التَّأْثِيرِ]

- ‌[الْخَامِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْقَلْبُ]

- ‌[حَقِيقَتِهِ الْقَلْبُ]

- ‌[اعْتِبَارِهِ الْقَلْب]

- ‌[هَلْ الْقَلْب قَادِحٌ أَمْ لَا]

- ‌[أَقْسَام الْقَلْبُ]

- ‌[السَّادِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْفَرْقُ وَيُسَمَّى سُؤَالَ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوط الْفَرْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَوَابِ الْفَرْقِ]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الِاسْتِفْسَارُ]

- ‌[التَّاسِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]

- ‌[الْعَاشِرُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الْوَضْعِ]

- ‌[الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْمَنْعُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات التَّقْسِيمُ]

- ‌[الثَّالِث عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات اخْتِلَافُ الضَّابِطِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ اخْتِلَافُ حُكْمَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[وُجُوهٍ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْتِيبِ الْأَسْئِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حِيَلِ الْمُتَنَاظِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقِ بِمُنَاقَضَاتِ الْخُصُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ]

الفصل: ‌[تقسيم المناسبة من حيث التأثير والملاءمة]

الْمَالِكِيَّةِ بِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ يَكْتَفُونَ بِمُطْلَقِ الْمُنَاسَبَةِ، وَلَا مَعْنَى لِلْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ إلَّا ذَلِكَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ أَسَاسِ الْقِيَاسِ ": قَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ اسْتِيلَادَ الْأَبِ جَارِيَةَ الِابْنِ سَعْيًا لِنَقْلِ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وُرُودِ نَصٍّ فِيهِ، وَلَا وُجُودِ أَصْلٍ مُعَيَّنٍ يَشْهَدُ بِنَقْلِ الْمِلْكِ،

وَالْقَدْرِ الْمُصْلِحِ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ الْإِعْفَافِ عَلَى وَلَدِهِ

، وَقَدْ مَسَّتْ حَاجَتُهُ إلَيْهِ فَيَنْقُلُ مِلْكَهُ إلَيْهِ. وَهَذَا كَأَنَّهُ اتِّبَاعُ مَصْلَحَةٍ مُرْسَلَةٍ. وَكَذَا قَالَ فِي الْغَاصِبِ تَكْثُرُ تَصَرُّفَاتُهُ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ أَنَّ لِمَالِكِهِ إجَازَةَ تَصَرُّفَاتِهِ

إذْ يُعْتَبَرُ اتِّبَاعُ مَصْلَحَةٍ

وَكَذَا قَالَ فِي الْعَامِلَيْنِ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَالْإِجَازَةُ عِنْدَ بُطْلَانِهِ مِنْ الْفُضُولِيِّ، وَلَكِنْ إذَا كَثُرَتْ التَّصَرُّفَاتُ وَظَهَرَ الْعُسْرُ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ ذَلِكَ.

[تَقْسِيمُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرُ وَالْمُلَاءَمَةُ]

الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ [تَقْسِيمُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرُ، وَالْمُلَاءَمَةُ]

الْمُنَاسِبُ إمَّا مُؤَثِّرٌ أَوْ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَيْرُ الْمُؤَثِّرِ إمَّا مُلَائِمٌ أَوْ غَيْرُ مُلَائِمٍ، وَغَيْرُ الْمُلَائِمِ إمَّا غَرِيبٌ أَوْ مُرْسَلٌ أَوْ مَلْغِيٌّ.

الْأَوَّلُ: [الْمُؤَثِّرُ] : وَهُوَ أَنْ يَدُلَّ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً بِشَرْطِ دَلَالَتِهَا عَلَى تَأْثِيرِ غَيْرِ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، أَوْ نَوْعِهِ فِي نَوْعِهِ، بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى ": هُوَ تَقْسِيمٌ حَاصِرٌ. وَسُمِّيَ مُؤَثِّرًا لِظُهُورِ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ فَالنَّصُّ كَمَسِّ الْمُتَوَضِّئِ ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ عَيْنَ مَسِّ الْمُتَوَضِّئِ ذَكَرَهُ فِي عَيْنِ الْحَدَثِ بِنَصِّهِ عَلَيْهِ. وَالْإِجْمَاعُ: كَالصِّغَرِ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ عَيْنَهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ. ثُمَّ قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ: قَدْ يَكُونُ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا، كَالصِّغَرِ الْمُنَاسِبِ لِلْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا، كَخُرُوجِ الْمَنِيِّ لِإِيجَابِ الْغُسْلِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ:

ص: 275

إنَّمَا يَتِمُّ بِالْمُنَاسَبَةِ أَوْ التَّغَيُّرِ. وَهَذَا الْقِسْمُ أَقَلُّ الْأَقْسَامِ، وَلِهَذَا قَبِلَهُ أَبُو زَيْدٍ دُونَ أَنْوَاعِ الْمُنَاسَبَاتِ، كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحَاتِ. وَقَالَ صَاحِبُ جَنَّةِ النَّاظِرِ ": إطْلَاقُ لَفْظِ الْعَيْنِ هُنَا تَجَوُّزٌ، لِأَنَّ الْأَعْيَانَ هِيَ الْمُشَخَّصَاتُ، وَهِيَ لَا تَقْبَلُ التَّعْدَادَ لِيُمْكِنَ وُجُودُهَا فِي مَحَلَّيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالْعَيْنِ هَاهُنَا مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْجِنْسِ، كَالنَّوْعِ وَالصِّنْفِ.

الثَّانِي: [الْمُلَائِمُ] : وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّارِعُ عَيْنَهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِ النَّصِّ، لَا بِنَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ. سُمِّيَ مُلَائِمًا لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِمَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ. وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ عَنْهَا لِبُعْدِ مَرْتَبَةِ النَّوْعِ بِدَرَجَةٍ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمَرْتَبَةُ لَهُ أَمْكَنَ الْمُزَاحَمَةُ، كَتَعْلِيلِ الْوَصْفِ بِعَيْنِهِ، وَإِذَا كَثُرَ الْمُزَاحِمُ ضَعْفُ الظَّنُّ.

الثَّالِثُ: [الْغَرِيبُ] : وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ عَيْنَهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، فَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ وَفْقَ الْوَصْفِ فَقَطْ، وَلَا يُعْتَبَرُ عَيْنُ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَلَا عَيْنُهُ وَلَا جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، كَالْإِسْكَارِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ عَيْنُ الْإِسْكَارِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِتَرْتِيبِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْإِسْكَارِ فَقَطْ، وَمَنَعَ السُّهْرَوَرْدِيّ فِي التَّنْقِيحَاتِ وُجُودَ الْمُنَاسِبِ الْغَرِيبِ وَرَدَّ أَمْثِلَتَهُ إلَى الْمُلَائِمِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْغَزَالِيُّ فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ " وَقَالَ: قَلَّمَا يُوجَدُ فِي الشَّرْعِ اعْتِبَارُ مَصْلَحَةٍ خَاصَّةٍ إلَّا وَلِلشَّرْعِ الْتِفَاتٌ إلَى جِنْسِهَا، وَعَلَى الْأُصُولِيِّ التَّقْسِيمُ، وَعَلَى الْفَقِيهِ الْأَمْثِلَةُ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ: هَذَا لَا يَحْسُنُ جَعْلُهُ قِسْمًا بِرَأْسِهِ، بَلْ إنْ شَهِدَ لَهُ أَصْلٌ بِعَيْنِهِ دَخَلَ فِيمَا سَبَقَ، وَإِلَّا كَانَ مُرْسَلًا. وَمَثَّلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِنَظَرِ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ رضي الله عنهما فِي التَّفْضِيلِ فِي الْعَطَاءِ.

ص: 276

وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ: إذَا ظَهَرَتْ الْمَعَانِي فَيَبْعُدُ أَنْ لَا يُوجَدَ لَهُ نَظِيرٌ وَلَا مَدَارٌ، بَلْ لَا يَكَادُ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ يَنْفَكُّ عَنْ نَظَرٍ بِحَالٍ. وَقَدْ قُلْت أَمْثِلَةَ الْغَرِيبِ، وَمِنْهَا تَوْرِيثُ الْمَبْتُوتَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، إلْحَاقًا بِالْقَاتِلِ الْمَمْنُوعُ مِنْ الْمِيرَاثِ، تَعْلِيلًا بِالْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْقَصْدِ، فَإِنَّ الْمُنَاسَبَةَ ظَاهِرَةٌ. لَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَمْ يُعْهَدْ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْخَاصِّ، فَكَانَ غَرِيبًا لِذَلِكَ. هَكَذَا قَالَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ: ثُمَّ اخْتَارَ تَفْصِيلًا، وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيه مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ الْغَرِيبَ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ اُعْتُبِرَ، كَالْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَفَصْلِ الْخُصُومَاتِ وَالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَظْهَرَ - وَهِيَ الْعِبَادَاتُ - قَالَ: فَلَا تَعْلِيلَ بِهَا، كَالْمَعَانِي الْغَرِيبَةِ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً، لِأَنَّا لَمْ نَعْتَمِدْ عَلَى نَفْسِ الْمَعْنَى، بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ. هَذَا كُلُّهُ فِيمَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ. فَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ نُظِرَ: فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إلْغَائِهِ لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِلَّا فَهُوَ الْمُرْسَلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَسَّمَهُ إلَى غَرِيبٍ وَمُلَائِمٍ، وَقَبِلَهُ مَالِكٌ مُطْلَقًا، وَصَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِقَبُولِهِ أَيْضًا مَعَ تَشْدِيدِهِ الْإِنْكَارَ عَلَى مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ، لَكِنَّهُ شَرَطَ فِي اعْتِبَارِ الْقَطْعِ فِيهِ كَوْنَ الْمَصْلَحَةِ ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لِأَصْلِ الْقَوْلِ بِهِ قَالَ: وَالظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْ الْقَطْعِ كَالْقَطْعِ، وَتَابَعَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ ". وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مَرْدُودٌ مُطْلَقًا. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى رَدِّ الْمُرْسَلِ غَيْرِ الْمُلَائِمِ الَّذِي لَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّرْعُ. وَفَصَّلَ قَوْمٌ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ وَلَا نَرَى التَّعَلُّقَ بِكُلِّ مَصْلَحَةٍ، وَلَمْ يَرَ

ص: 277

ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ: وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ بِمَالِكٍ فَقَدْ أَخْطَأَ.

وَيَتَحَصَّلُ فِي أَقْسَامِ الْمُنَاسِبَاتِ أَنْ يُقَالَ: إنْ الْمُؤَثِّرَ - وَهُوَ مَا دَلَّ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ عَلَى اعْتِبَارِهِ - مَقْبُولٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى الْقِيَاسِ، وَمَا دَلَّ عَلَى الْغَايَةِ مَرْدُودٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا لَمْ يَشْهَدْ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهِ وَلَا إلْغَائِهِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: الْمَنْعُ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، إذْ لَا تَدُلُّ عَلَيْهَا دَلَالَةُ الْعُقُولِ، وَلَا يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهَا رَدَّ الشَّرِيعَةِ إلَى السِّيَاسَةِ.

وَالثَّانِي: يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ.

وَالثَّالِثُ: تُقْبَلُ مَا لَمْ يُصَادِفْهَا أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ، طَرْدًا لِدَلِيلِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ. وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَضَّدَهُ بِأَنْ قَالَ: الْأُصُولُ مُنْحَصِرَةٌ، وَالْأَحْكَامُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ، وَلَمَّا كَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَسْتَرْسِلُونَ فِي الْأَحْكَامِ اسْتِرْسَالَ مَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْأُصُولَ احْتِفَاءً، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مَرَدٍّ، وَلَا مَرَدَّ إلَّا إلَى صَحِيحِ اسْتِدْلَالٍ، وَصَارَ هَؤُلَاءِ فِي ضَبْطِ مَا يَصِحُّ بِهِ الِاسْتِدْلَال إلَى أَنَّهُ كُلُّ مَعْنَى مُنَاسِبٌ لِلْمَحَلِّ مُطَّرِدٌ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ لَا يَرُدُّهُ أَصْلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مُوَافَقَةَ مَالِكٍ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَسْتَجِيزُ التَّأَنِّي وَالْإِفْرَادَ فِي الْبُعْدِ، وَإِنَّمَا يَسُوغُ تَعْلِيقُ الْأَحْكَامِ بِمَصَالِحَ يَرَاهَا شَبِيهَةً بِالْمَصَالِحِ الْمُعْتَبَرَةِ، وِفَاقًا بِالْمَصَالِحِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى أَحْكَامٍ ثَابِتَةِ الْأُصُولِ، فَإِنَّهُ فِي الشَّرِيعَةِ وَاجِبٌ. وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَحْوَهُ.

ص: 278

وَالرَّابِعُ: يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ الْحُكْمِ بِهَا وَصَلَاحِيَّتُهَا لِلِاعْتِبَارِ؟ وَأَرَادَ آخَرُونَ انْضِمَامَ السَّبَبِ إلَيْهَا فِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِهَا، إذْ لَا يَمْتَنِعُ مُسَاوَقَتُهَا لَمُنَاسِبٍ آخَرَ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مَنْ مَنَعَ التَّعْلِيلَ بِعِلَّتَيْنِ.

وَالْخَامِسُ: يَمْتَنِعُ فِي الْعِبَادَاتِ، دُونَ مَا عَدَاهُ.

تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: قَالَ الصَّفِيُّ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي نُكَتِهِ: أَعْلَى الْأَقْسَامِ مَا يَكُونُ الْأَصْلُ شَاهِدًا بِاعْتِبَارِ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَجِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ يَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَالِ، لِأَنَّهُ يُفِيدُ الظَّنَّ بِالْحُكْمِ، فَإِذَا تَقَوَّى بِوَجْهَيْ الِاعْتِبَارِ كَانَ اعْتِبَارُهُ أَحْرَى، وَذَلِكَ كَاعْتِبَارِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ وَالْعَبْدِ فَإِنَّ عَيْنَهُ مُعْتَبَرَةٌ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْحُرِّ، وَهُوَ مَشْهُودٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ جِنْسِ الْجِنَايَةِ فِي جِنْسِ الْعُقُوبَةِ. وَيَلِيه: مَا يُعْتَبَرُ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، كَتَعْلِيلِ تَحْرِيمِ السُّكْرِ بِالْإِسْكَارِ. وَيَلِيه: مَا تُؤَثِّرُ عَيْنُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، كَتَأْثِيرِ الصِّغَرِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، لِظُهُورِ تَأْثِيرِ الصِّغَرِ فِي جِنْسِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَهُوَ وِلَايَةُ الْمَالِ. وَيَلِيه: مَا يُؤَثِّرُ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، كَتَعْلِيلِ نَفْيِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْحَائِضِ بِعِلَّةِ الْحَرَجِ. وَيَلِيه: الْمُنَاسِبُ الْغَرِيبُ، كَالْمُطَلَّقَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ. وَلَيْسَ بَعْدَهُ إلَّا الْمُنَاسِبُ الْعَارِي عَنْ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْمُرْسَلُ، هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ - وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا. انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُنَاسَبَةُ مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ: أَمَّا فِي جَانِبِ الْحُكْمِ فَأَعَمُّ مَرَاتِبِ

ص: 279

الْحُكْمُ كَوْنُهُ حُكْمًا، ثُمَّ يَنْقَسِمُ إلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَغَيْرِهِمَا. ثُمَّ الْوَاجِبُ مِنْهَا إلَى عِبَادَةٍ، وَغَيْرِهَا، ثُمَّ الْعِبَادَةُ إلَى: بَدَنِيَّةٍ، وَغَيْرِهَا. ثُمَّ الْبَدَنِيَّةُ إلَى: الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. ثُمَّ الصَّلَاةُ إلَى: فَرْضِ عَيْنٍ، وَإِلَى فَرْضِ كِفَايَةٍ. فَمَا ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ أَخَصُّ مِمَّا ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي مُطْلَقِ الْفَرْضِ. وَمَا ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي مُطْلَقِ الْفَرْضِ أَخَصُّ مِمَّا ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي جِنْسِ الْفَرْضِ - وَهُوَ الصَّلَاةُ - وَمَا ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي الصَّلَاةِ أَخَصُّ مِمَّا ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي جِنْسِهَا - وَهُوَ الْعِبَادَةُ - وَمَا ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي جِنْسِهَا - وَهُوَ الْوَاجِبُ - أَخَصُّ مِمَّا ظَهَرَ فِي جِنْسِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ.

التَّنْبِيهُ الثَّانِي:

حَيْثُ أَطْلَقُوا اعْتِبَارَ الْجِنْسِ فِي الْحُكْمِ وَفِي الْوَصْفِ فَلَا يُرِيدُونَ بِهِ جِنْسَ الْأَجْنَاسِ، وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ مَصْلَحَةً، وَكَوْنُ الْحُكْمِ خِطَابًا. وَلَوْ أَرَادُوا ذَلِكَ لَكَانَ كُلُّ وَصْفٍ مَشْهُودًا لَهُ، فَعَلَى هَذَا جِنْسُ الْأَجْنَاسِ لَا يُعْتَبَرُ، وَنَوْعُ الْأَنْوَاعِ لَا يُشْتَرَطُ، وَالْمُعْتَبَرُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ نَعَمْ الشَّأْنُ فِي ضَبْطِ ذَلِكَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: مَنْ مَارَسَ الْفِقْهَ وَتَرَقَّى عَنْ رُتْبَةِ الشَّادِّينَ فِيهِ وَنَظَرَ فِي مَسَائِلِ الِاعْتِبَارِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُخَيَّلُ لَا يَعُمُّ وُجُودُهُ الْمَسَائِلَ، بَلْ لَوْ قِيلَ: لَا يَطَّرِدُ عَلَى الْإِخَالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عُشْرُ الْمَسَائِلِ لَمْ يَكُنْ الْقَائِلُ مُجَازِفًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ الْمُنَاسَبَةُ هَلْ تَنْخَرِمُ بِالْمُعَارَضَةِ؟

هَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ:

ص: 280

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْتِيَ بِمُعَارِضٍ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَصْلَحَةِ فَهُوَ قَادِحٌ بِلَا خِلَافٍ.

الثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ بِمُعَارِضٍ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ مَفْسَدَةٍ أَوْ فَوَاتِ مَصْلَحَةٍ تُسَاوِي الْمَصْلَحَةَ أَوْ تُرَجَّحُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ قِيلَ فِي مُعَارَضَةِ كَوْنِ الْوَطْءِ إذْلَالًا بِأَنَّ فِيهِ إمْتَاعًا وَمَدْفَعًا لِضَرَرِ الشَّبَقِ، فَهَلْ تَبْطُلُ الْمُنَاسَبَةُ؟ فِيهِ مَذْهَبَانِ:

أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، وَعُزِيَ لِلْأَكْثَرِينَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالصَّيْدَلَانِيُّ، لِأَنَّ دَفْعَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَلِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ، وَالْمَصْلَحَةَ إذَا عَارَضَهَا مَا يُسَاوِيهَا لَمْ تَعُدْ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ مَصْلَحَةً.

وَالثَّانِي: اخْتَارَهُ الرَّازِيَّ وَالْبَيْضَاوِيُّ - أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ فِي جَدَلِهِ، وَرُبَّمَا نَقَلَ عَنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ. وَالْمَعْنَى مِنْ انْخِرَامِهَا وَبُطْلَانِهَا هُوَ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ مُنَاسَبَتَهَا لِلْحُكْمِ إذْ ذَاكَ، فَلَا يَكُونُ لَهَا أَثَرٌ فِي اقْتِضَاءِ الْحُكْمِ، لَا أَنَّهُ يَلْزَمُ خُلُوُّ الْوَصْفِ عَنْ اسْتِلْزَامِ الْمَصْلَحَةِ وَذَهَابِهَا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُعَارِضًا. وَاعْلَمْ أَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي اخْتِلَالِ الْمُنَاسِبِ الْمَصْلَحِيِّ بِمُعَارِضَةِ مِثْلِهِ أَوْ أَرْجَحَ مِنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ، أَمَّا الْعَمَلُ بِهِ فَمَمْنُوعٌ مِمَّنْ أَثْبَتَ اخْتِلَالَ الْمُنَاسَبَةِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ تَصَرَّفَ فِي الْعَمَلِ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ بِالتَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا. وَالْوَاجِبُ هَاهُنَا امْتِنَاعُ الْعَمَلِ بِهِ لِلُزُومِ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ أَوْ الْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ، فَيَسْتَوِي الْفَرِيقَانِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ، لَكِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَأْخَذِ، فَالْأَوَّلُ يَتْرُكُهُ لِاخْتِلَالِ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ وَالْآخَرُ يَتْرُكُهُ لِمُعَارَضَةِ الْمُقَاوِمِ أَوْ الرَّاجِحِ، فَتَرْكُ الْعَمَلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ طَرِيقَهُ مُخْتَلِفٌ فِيهِ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَدْ حَقَّقَ الْأَصْفَهَانِيُّ الْخِلَافَ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ ذَاتَ الْوَصْفِ مُغَايِرَةٌ

ص: 281