الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِيَةُ: قَبْلَ طَلَبِ نُصُوصٍ لَا يَعْرِفُهَا مَعَ رَجَاءِ الْوُجُودِ أَوْ طَلَبِهَا فَطَرِيقُهُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَفُقَهَاءِ الْحَدِيثِ: لَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا جَعَلُوا الْقِيَاسَ ضَرُورَاتٍ بِمَنْزِلَةِ التَّيَمُّمِ، لَا يَعْدِلُ إلَيْهِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْمَاءِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ: وَمَا تَصْنَعُ بِالْقِيَاسِ وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُغْنِيك عَنْهُ؟ ، وَلَهَا شَبَهٌ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ وُجُودَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ إذَا خَافَ الْفَوْتَ عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يَيْأَسُ مِنْ النَّصِّ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُهُ، فَهَاهُنَا يَجُوزُ قَطْعًا، وَقَدْ سَبَقَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَالنَّاسِخِ، وَأَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ وَلَمْ يَجِدْ الْمُعَارِضَ عَمِلَ بِهِ، وَيَزِيدُ هُنَا أَنَّهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ؟ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: لَا لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِثُبُوتِهِ، وَخَالَفَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ " وَهُوَ الْأَظْهَرُ، كَمَا يَجِبُ أَنْ يَقْضِيَ بِظَاهِرِهِ وَهُوَ فَرْعٌ غَرِيبٌ.
[مَسْأَلَة الْمُرْسَلُ وَالضَّعِيفُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ]
حَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخَبَرَ الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ، وَلَا يَحِلُّ الْقِيَاسُ مَعَ وُجُودِهِ، قَالَ: وَالرِّوَايَةُ عَنْ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ مَعَ نَصِّ الْقُرْآنِ أَوْ خَبَرٍ مُسْنَدٍ صَحِيحٍ، وَأَمَّا عِنْدَ
عَدَمِهِمَا فَإِنَّ الْقِيَاسَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ حُكْمٍ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْقَاضِي وَأَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ، الْمَالِكِيَّانِ: الْقِيَاسُ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُسْنَدِ وَالْمُرْسَلِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَمَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مُسْلِمٍ يَرَى قَبُولَ خَبَرِ الْوَاحِدِ قَبْلَهُمَا. وَحَكَى الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِ " الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ " عَنْ الْقَاضِي ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْوَفَاءِ بْنَ عَقِيلٍ فِي رِحْلَتِهِ إلَى الْعِرَاقِ يَقُولُ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّ ضَعِيفَ الْأَثَرِ خَيْرٌ مِنْ قَوِيِّ النَّظَرِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذِهِ وَهْلَةٌ مِنْ أَحْمَدَ لَا تَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ، فَإِنَّ ضَعِيفَ الْأَثَرِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مُطْلَقًا. وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ: هَذَا مَا حَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِهِ. وَمُرَادُهُ بِالضَّعِيفِ غَيْرُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ، بَلْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ قِسْمَانِ: صَحِيحٌ وَضَعِيفٌ، وَالضَّعِيفُ مَا انْحَطَّ عَلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ حَسَنًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يُعْمَلُ بِهِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فِي صُوَرٍ:
مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ النَّصُّ عَامًّا وَالْقِيَاسُ خَاصًّا، وَقُلْنَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ: إنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ، فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْقِيَاسِ ثَبَتَ بِنَصٍّ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ الْمُعَارِضِ وَقَطَعَ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى النَّصِّ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ النَّصُّ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الْقِيَاسَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَحَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا.