الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْبَيْعِ. قَالَ: إلْكِيَا: وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِحُكْمَيْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، لِاسْتِحَالَةِ حُصُولِ الْحُكْمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُهُمَا عِلَّتَيْنِ لِحُكْمَيْنِ مِثْلَيْنِ فِي شَيْئَيْنِ. فَأَمَّا كَوْنُهُمَا عِلَّةً لِحُكْمَيْنِ مِثْلَيْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَمُحَالٌ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا يَصِحُّ فِيهَا الزَّائِدُ، وَإِنَّمَا تَتَمَاثَلُ الْأَحْكَامُ وَتُعَلَّلُ بِعِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي أَحْوَالٍ، كَقَطْعِ الْيَدِ قِصَاصًا وَسَرِقَةً فَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْآثَارِ وَإِنْ تَمَاثَلَا فِي الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]
[الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً]
مَسَالِكُ الْعِلَّةِ أَيْ الطُّرُقُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعِلَّةِ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي الْقِيَاسِ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْجَامِعِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يَشْهَدُ لَهُ فِي الِاعْتِبَارِ. وَالْأَدِلَّةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: إجْمَاعٌ، وَنَصٌّ، وَاسْتِنْبَاطٌ وَمِنْهُمْ مَنْ أَضَافَ إلَيْهِ دَلِيلَ الْعَقْلِ. [وَجَعَلَهُ] الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ وَجْهًا. وَالْمَشْهُورُ طَرِيقَةُ السَّمْعِ فَقَطْ.
[الْمَسْلَكُ] الْأَوَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً
وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الرُّتْبَةِ عَلَى الظَّوَاهِرِ مِنْ النُّصُوصِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ
احْتِمَالُ النَّسْخِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى النَّصِّ، لِشَرَفِهِ.
وَهُوَ نَوْعَانِ: إجْمَاعٌ عَلَى عِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، كَتَعْلِيلِ وِلَايَةِ الْمَالِ بِالصِّغَرِ. وَإِجْمَاعٌ عَلَى أَصْلِ التَّعْلِيلِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ، كَإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الرِّبَا فِي الْأَوْصَافِ الْأَرْبَعَةِ مُعَلِّلٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعِلَّةَ مَاذَا؟ . وَمِثَالُ الْقِيَاسِ فِيهِ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبَوَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ فِي الْمِيرَاثِ، لِامْتِزَاجِ النَّسَبَيْنِ، فَقِيَاسٌ عَلَيْهِ وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَغَيْرُهَا فَإِنَّهَا أَثَّرَتْ فِي الْإِرْثِ إجْمَاعًا وَلَكِنْ فِي غَيْرِهِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ. وَمِنْ ذَلِكَ: إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ الْغَصْبَ هُوَ عِلَّةُ ضَمَانِ الْأَمْوَالِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ السَّارِقُ وَجَمِيعُ الْأَيْدِي الْغَاصِبَةِ، وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ مُوَلًّى عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ، فَقَاسَ عَلَيْهَا أَبُو حَنِيفَةَ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» وَقَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا عِلَّةٌ تَعُودُ عَلَى أَصْلِهَا بِالتَّعْمِيمِ إلَّا هَذَا الْمِثَالُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. وَقَدْ سَبَقَ تَعَدِّي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْجَامِدِ الْقَالِعِ مِنْ النَّصِّ عَلَى الْأَحْجَارِ، نَظَرًا لِمَعْنَى الْإِزَالَةِ. وَمَثَّلَهُ غَيْرُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي السَّوَادِ، لَوْ قَسَمْته بَيْنَكُمْ لَصَارَتْ دُوَلًا بَيْنَ أَغْنِيَائِكُمْ. وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ. وَقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فِي شَارِبِ الْخَمْرِ: إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُفْتَرِي. وَلَمْ يُخَالَفْ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْقِيَاسَ عَلَى أَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَى حُكْمِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى الصَّحَابَةِ، إذْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعُهُمْ لِنُطْقٍ خَاصٍّ، أَوْ لِمَعْنًى لَا يَتَعَدَّى. وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْجَوَازِ طَرْدًا أَوْجَبَ دَلِيلَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ إذَا ظَهَرَ التَّسَاوِي فِي الْمُنَاسَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَجَانَسْ الْحُكْمَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَعَلَّهُ شَطْرُ الْمَسَائِلِ الْقِيَاسِيَّةِ عِنْدَهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ مِنْ طُرُقِ الْعِلَّةِ، حَكَاهُ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ عَنْ مُعْظَمِ الْأُصُولِيِّينَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا، فَإِنَّ الْقَائِسِينَ لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِقَوْلِهِمْ ثُمَّ رَدَّدَ الْقَاضِي جَوَابَهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ فَقَالَ لَوْ جَعَلْنَا الْقَائِسِينَ أَمَارَةً لِخَبَرِ غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي الْمَقَايِيسِ لَكَانَ مُحْتَمَلًا، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ: إنَّهُ يُفْضِي إلَى الْقَطْعِ. وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ رُجُوعُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ عَنْ الْإِنْكَارِ، ثُمَّ يُجْمِعُ الْكَافَّةُ عَلَى عِلَّةٍ فَتَثْبُتُ حِينَئِذٍ قَطْعًا. وَرَدَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ هَذَا بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ لَيْسُوا مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَلَا حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ مُعْظَمَ الشَّرِيعَةِ صَدَرَتْ عَنْ الِاجْتِهَادِ، وَالنُّصُوصُ لَا تَفِي بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ. وَحَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَجْهًا ثَالِثًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْرَفْ النَّصُّ الَّذِي أَجْمَعُوا لِأَجْلِهِ وَهَاهُنَا أُمُورٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا، بَلْ يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ.
ثَانِيهَا: أَنَّهُ إذَا كَانَ قَطْعِيًّا امْتَنَعَ وُرُودُهُ فِي الطَّرْدِيِّ، فَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا وَرَدَ فِيهِ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ.
ثَالِثُهَا: أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ إذَا قَاسَ عَلَى عِلَّةٍ إجْمَاعِيَّةٍ فَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِ تِلْكَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا فِي الْفَرْعِ، فَإِنَّ تَأْثِيرَهَا فِي الْفَرْعِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِهَا فِي الْفَرْعِ فَلِاطِّرَادِ الْمُطَالَبَةِ فِي كُلِّ قِيَاسٍ، إذْ الْقِيَاسُ هُوَ تَعْدِيَةُ حُكْمِ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ بِالْجَامِعِ الْمُشْتَرَكِ. وَمَا مِنْ قِيَاسٍ إلَّا وَيَتَّجِهُ عَلَيْهِ سُؤَالُ الْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ عَلَى الْمُعْتَرِضِ، فَيُقَالُ مَثَلًا: إنَّا قَدْ نُثْبِتُ الْعِلَّةَ مُؤَثِّرَةً فِي الْأَصْلِ بِالِاتِّفَاقِ وَيَثْبُتُ وُجُودُهَا