الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْخَمْرِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ، وَالْقَوْلُ فِي بُطْلَانِهِ ظَاهِرٌ فِي الشَّرْعِ أَوَّلًا، وَفِي اللُّغَةِ، لِأَنَّ فَهْمَ مَوْضِعِ الِاشْتِقَاقِ لَا يَمْنَعُ إمْكَانَ تَخْصِيصِ الِاسْمِ.
[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ]
إذَا أُضِيفَ حُكْمٌ إلَى سَبَبٍ وَعُلِمَتْ فِيهِ عِلَّةُ السَّبَبِ فَإِذَا وُجِدَتْ فِي وَصْفٍ آخَرَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ سَبَبًا؟ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ فَنُقِلَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ وَغَيْرِهِ الْمَنْعُ. وَقَالُوا: الْحُكْمُ يَتْبَعُ الْعِلَّةَ دُونَ حِكْمَةِ الْعِلَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ اللِّوَاطُ سَبَبًا لِلْحَدِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الزِّنَى، وَلَا النَّبْشُ سَبَبًا لِلْقَطْعِ قِيَاسًا عَلَى السَّرِقَةِ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ شَارِحُ " الْمَحْصُولِ " إنَّهُ الْأَظْهَرُ. لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَصْحَابِنَا جَوَازُهُ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَإِلْكِيَا وَعِبَارَتُهُ: " مُعْتَقَدُنَا جَوَازُ اعْتِبَارِ السَّبَبِ بِالسَّبَبِ بِشَرْطِ ظُهُورِ عَدَمِ تَفَاوُتِ السَّبَبَيْنِ فِي الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ، ثُمَّ فِي وَضْعِ الْأَسْبَابِ ثُمَّ صُورَةِ الْأَسْبَابِ لَا يُرَاعَى عِنْدَ ظُهُورِ التَّفَاوُتِ فِي مَضْمُونِ السَّبَبَيْنِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ الْقِيَاسَ فِي الْأَسْبَابِ، وَعِنْدَنَا يُسَوَّغُ كَمَا إذَا ثَبَتَ لَنَا أَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ لِزَجْرِ الْقَاتِلِ، وَثَبَتَ أَنَّ الْقَتْلَ
صَارَ سَبَبًا لِمَكَانِ الْحِكْمَةِ لَا لِصُورَتِهِ، فَيَجُوزُ اعْتِبَارُ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْقَتْلِ بِالْقَتْلِ وَإِنْ ثَبَتَ لَنَا أَنَّهُ غَيْرُ قَاتِلٍ قَالَ: وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ الْمُسَاقَاةَ بِالْقِرَاضِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مَقْصُودِ التُّجَّارِ وَمَصْلَحَةِ الْمُتَعَامِلِينَ وَهُمَا سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَى الْقِرَاضِ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ، لَكِنَّ جَوَابَهُ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ كَانَتْ أَعَمَّ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُمْ قَوْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهُ اعْتِبَارُ الشَّافِعِيِّ الشَّهَادَةَ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ يَظْهَرُ إفْضَاؤُهَا إلَى الْقَتْلِ كَالْإِكْرَاهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْإِكْرَاهِ مَزِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلِلشَّهَادَةِ مَزِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ. وَمِنْهُ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا الْحَجُّ إذَا وَجَدَتْ نِسْوَةً ثِقَاتٍ يَقَعُ الْأَمْنُ بِمِثْلِهِنَّ إلْحَاقًا لَهُنَّ بِالْمُحْرِمِ وَالزَّوْجِ فَقَاسَ أَحَدَ سَبَبَيْ الْأَمْنِ عَلَى الثَّانِي قَالَ: وَكَذَلِكَ يَجْرِي فِي مِثْلِهِنَّ فِي الشُّرُوطِ وَقَدْ نَفَى الشَّافِعِيُّ رحمه الله اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ فِي الْإِحْصَانِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْجَلْدِ فَقَالَ: الْجَلْدُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ ثُمَّ اسْتَوَى فِيهِ إنْكَارُ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ فَالرَّجْمُ كَذَلِكَ وَهُوَ حَسَنٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ نَظِيرٌ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. فَلِهَذَا لَمْ يَلْحَقْ الْمَرَضُ بِالسَّفَرِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ نَظِيرًا لَهُ فِي الْحَاجَةِ، وَهَذَا وَاضِحٌ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: التَّقَابُضُ شَرْطٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ قِيَاسًا عَلَى النَّقْدَيْنِ وَصَحَّ هَذَا الْقِيَاسُ لِلشَّافِعِيِّ بِلَا مُدَافِعٍ انْتَهَى. وَأَمَّا صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " فَنَقَلَ الْمَنْعَ فِي أَصْلِ تَرْجَمَةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ قَالَ: وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِيهِ بِشُرُوطِهِ وَجَبَ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ قِيَاسًا عَلَى التَّيَمُّمِ: طَهَارَتَانِ فَأَنَّى يَفْتَرِقَانِ. انْتَهَى.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ قُلْنَا: إنَّ الْأَسْبَابَ وَالْمَوَانِعَ وَالشُّرُوطَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ جَرَى فِيهَا الْقِيَاسُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَفِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِيهَا نَظَرٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله: وَالْأَوْلَى جَرَيَانُهُ، لِأَنَّا عَقَلْنَا أَنَّ الزِّنَى إنَّمَا نُسِبَ
سَبَبًا لِلرَّجْمِ لِعِلَّةِ كَذَا، وَوَجَدْنَاهَا فِي اللِّوَاطِ مَثَلًا، فَيَلْزَمُ نَصْبُ سَبَبِهَا. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي السَّرِقَةِ حَتَّى يَلْحَقَ بِهَا نَبْشُ الْقَبْرِ وَأَخْذُ الْأَكْفَانِ فَهَذَا إذَا تَمَّ عَلَى شُرُوطِهِ قِيَاسٌ صَحِيحٌ انْتَهَى.
وَقَدْ أَلْزَمُوا الْمَانِعَ مَنْعَ حَمْلِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ خُصُوصَ وَصْفِ الْمَحَلِّ لَوْ اعْتَبَرَ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَاقْتَضَى مَنْعَ تَوْسِيعِ الْحُكْمِ، وَفِي مَنْعِ تَوْسِيعِهِ رَفْعُ الْقِيَاسِ أَصْلًا. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ سَبَبُ حُكْمٍ قِيَاسًا عَلَى سَبَبٍ آخَرَ، فَإِذَا حَكَمَ اللَّهُ بِرَجْمِ الزَّانِي جَازَ أَنْ يَطْلُبَ سَبَبَ ذَلِكَ حَتَّى يَقِفَ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الزِّنَى، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزِّنَى عِلَّةُ الرَّجْمِ صَحَّ أَنْ يُعَلِّلَهُ بِعِلَّةِ تَعَدِّيهَا إلَى غَيْرِ الزِّنَى، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّلَ الْحُكْمَ الثَّابِتَ عَلَى زَيْدٍ وَيُعَدَّى إلَى عَمْرٍو عِنْدَ فَهْمِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّعْدِيَةِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا مَا قَبْلَهُ. وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَقَالَ: الْحُكْمُ يَتْبَعُ السَّبَبَ دُونَ حِكْمَةِ السَّبَبِ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ ثَمَرَةٌ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: جُعِلَ الْقِيَاسُ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ لِلزَّجْرِ وَالرَّدْعِ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى شُهُودِ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَى الزَّجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْقَتْلُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ.
قَالَ الْإِبْيَارِيُّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ ": وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى تَوْقِيفٍ ثَابِتٍ يَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَتْبَعُ وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا عُمُومُ شَرْعِيَّةِ الْقِيَاسِ عِنْدَ فَهْمِ الْمَعَانِي فَهَذَا يَجُرُّ أَنْوَاعًا مِنْ الْخَيَالِ، وَيَقْتَضِي مَنْعَ الْقِيَاسِ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ، وَقَلَّ أَنْ يُصَادَفَ ذَلِكَ بِحَالٍ. وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا: إنَّ تَعْلِيلَ الْأَسْبَابِ يَفُوتُ بِهِ حَقِيقَةُ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْعِ الْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ تَقْرِيرَهَا أُصُولًا، وَفِي تَقْرِيرِ الْأَسْبَابِ مَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا أَسْبَابًا قَالَ: وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مُعْتَمَدُ الْقَوْمِ.
وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّا إذَا قُلْنَا: الزِّنَى عِلَّةُ الرَّجْمِ وَاسْتَنْبَطْنَا مِنْهُ إيلَاجَ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ قَطْعًا إلَى تَمَامِ الْقِيَاسِ، وَاعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فَقَدْ أَبَانَ آخِرًا أَنَّ الزِّنَى
لَمْ يَكُنْ عِلَّةً، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ أَمْرٌ أَعَمُّ مِنْ الزِّنَى فَقَدْ عَلَّلَ الزِّنَى فِي كَوْنِهِ [سَبَبًا] بِعِلَّةٍ أَخْرَجَتْ الزِّنَى عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا. وَيُمْنَعُ تَعْلِيلُ الْأُصُولِ بِمَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا أُصُولًا. هَذَا أَعْظَمُ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ فِي مَنْعِ تَعْلِيلِ الْأَسْبَابِ، وَقَدْ تَحَيَّرَ الْأَصْحَابُ فِي الْجَوَابِ، وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَنْقِيحِ مَنَاطِ الْحُكْمِ دُونَ تَخْرِيجِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْإِنْصَافُ يَقْتَضِي مُسَاعَدَتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَزَعَمَ أَنَّ الْجَارِيَ فِي تَعْلِيلِ الْأَصْحَابِ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ دُونَ تَخْرِيجِهِ وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ، وَقَالَ: لَا وَجْهَ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ الْحَقُّ.
وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ الِاعْتِرَافُ بِامْتِنَاعِ إجْرَاءِ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ، لَا لِخُصُوصٍ فِي التَّعَبُّدِ، وَلَا لِتَعَذُّرِ فَهْمِ الْمَعْنَى، وَلَكِنْ لِاسْتِحَالَةِ وِجْدَانِ الْأَصْلِ عِنْدَ التَّعْلِيلِ إذْ يَفُوتُ الْقِيَاسُ لِفَوَاتِ بَعْضِ أَرْكَانِهِ وَلَا يَبْقَى لِلْقِيَاسِ حَقِيقَةٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الصَّحِيحُ إجْرَاءُ الْقِيَاسِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي الْأَسْبَابِ، وَلَا فَرْقَ فِي تَصَوُّرِ الْقِيَاسِ بَيْنَ تَعْلِيلِ الْأَسْبَابِ وَتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ. وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّهُ إذَا حَرُمَتْ الْخَمْرَةُ فَهَلْ حَرُمَتْ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ وَصْفِهَا وَهُوَ الْخَمْرِيَّةُ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى النَّبِيذِ بِحَالٍ، أَوْ حَرُمَتْ الْخَمْرُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مُزِيلَةً لِلْعَقْلِ وَهُوَ الْوَصْفُ الْأَعَمُّ؟ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهَا، وَقَدْ بَانَ لَنَا أَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ اشْتِدَادِهَا وَإِسْكَارِهَا فَكَذَلِكَ إذَا جَعَلْنَا الزِّنَى عِلَّةَ الرَّجْمِ فَيُقَالُ: هَلْ هُوَ عِلَّةٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ زِنًى أَوْ مِنْ جِهَةِ عِلَّةٍ أُخْرَى أَعَمَّ مِنْ هَذَا، أَوْ لَا عِلَّةَ وَهُوَ بَاطِلٌ فَهَذَا هُوَ الْمُنَاقِضُ. أَمَّا إذَا جُعِلَ عِلَّةً مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً مُطْلَقًا. هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ تَعْلِيلُ الْأَسْبَابِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ فِي الْأُصُولِ السَّابِقَةِ.
قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَسَائِلِ الْأُصُولِ فَقَدْ زَلَّ فِيهَا الْجَمَاهِيرُ
وَأَثْبَتُوا الْقِيَاسَ فِي الْأَسْبَابِ عَلَى وَجْهٍ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْقِيَاسِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: صُورَةُ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَامَ عَلَى أَنَّ الزِّنَى سَبَبٌ فِي الرَّجْمِ، وَالنَّصُّ أَوْمَأَ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ نَقِيسَ عَلَيْهِ اللِّوَاطَ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ السَّبَبِيَّةِ لَهُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلرَّجْمِ، أَوْ لَا؟ هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ. وَمِنْهُ قِيَاسُ النَّبْشِ عَلَى السَّرِقَةِ وَلِلْمَانِعِينَ مَسْلَكَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِحِكْمَةِ السَّبَبِ، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْأَوْصَافِ. قَالُوا: وَالْحِكَمُ خَفِيَّةٌ لَا تَنْضَبِطُ، وَالْأَوْصَافُ ظَاهِرَةٌ مُنْضَبِطَةٌ، وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِمَا لَا يَنْضَبِطُ، فَلَوْ فَرَضْنَا انْضِبَاطَ الْحِكَمِ فَفِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا خِلَافٌ، فَإِنْ أَجَزْنَاهُ فَلَا يُقَاسُ فِي الْأَسْبَابِ بَلْ نَقِيسُ الْفَرْعَ بِالْحِكْمَةِ الْمُنْضَبِطَةِ، وَيُسْتَغْنَى عَنْ تَوْسِيطِ السَّبَبِ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ بَطَلَ الْقِيَاسُ فِي السَّبَبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْأَسْبَابِ يُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى أَصَالَتِهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْأَحْكَامِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْأَحْكَامِ يُقَرِّرُ الْأَصْلَ أَصْلًا وَيَلْحَقُ بِهِ فَرْعًا، وَالْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ يُبْطِلُ كَوْنَ السَّبَبِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ سَبَبًا، وَيُحَقِّقُ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ أَمْرٌ أَعَمُّ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ، وَيُؤَوَّلُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ وَلَا فَرْعَ فَلَا قِيَاسَ، فَقِيَاسُ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ لَمْ يُغَيِّرْ حُكْمَ الْأَصْلِ، وَلَا إضَافَةَ التَّحْرِيمِ إلَيْهَا، وَقِيَاسُ اللِّوَاطِ عَلَى الزِّنَى غَيَّرَ كَوْنَ الزِّنَى سَبَبًا وَصَيَّرَ السَّبَبَ (الْإِيلَاجَ) الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ، فَيَصْدُقُ عَلَى الزِّنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ إنْ فَرَضْنَاهُ سَبَبًا.
وَأَمَّا الْمُجَوِّزُونَ فَاحْتَجُّوا بِأَمْرٍ جَلِيٍّ وَهُوَ انْسِحَابُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ اسْتَرْسَلُوا فِي الْأَقْيِسَةِ، وَلَوْ ذَهَبْنَا نَشْتَرِطُ فِي كُلِّ صُورَةٍ إجْمَاعًا خَاصًّا بِهَا لَاسْتَحَالَ، فَالْقِيَاسُ فِي السَّبَبِ كَالْقِيَاسِ فِي الْإِجَارَةِ مَثَلًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجْمَاعٍ خَاصٍّ (قَالَ) : وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ
الْأَسْبَابَ لَا تَنْتَصِبُ بِالِاسْتِنْبَاطِ، وَإِنَّمَا تَنْتَصِبُ بِإِيمَاءِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَإِذَا فَرَضْنَا الْقِيَاسَ فِي الْأَسْبَابِ فَلَا بُدَّ أَنْ نَفْرِضَ فِيهَا جِهَةً عَامَّةً كَالْإِيلَاجِ، وَجِهَةً خَاصَّةً لِكَوْنِهِ فَرْجًا لِآدَمِيَّةٍ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى زِنًى بِلَفْظِ السَّبَبِ، وَيَتَنَاوَلُ أَمْرَيْنِ أَعَمَّ وَأَخَصَّ، وَلَا يَنْتَظِمُ الْقِيَاسُ إلَّا بِحَذْفِ الْأَخَصِّ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ لِيَتَغَيَّرَ الْأَعَمُّ، إذْ لَوْ كَانَ الْأَخَصُّ بَاقِيًا عَلَى تَقْيِيدِهِ لَاسْتَحَالَ الْقِيَاسُ، وَإِذَا حُذِفَ الْأَخَصُّ عَنْ كَوْنِهِ مُرَادَ اللَّفْظِ بَقِيَ الْأَعَمُّ وَهُوَ مُرَادُ النَّصِّ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ تَنْقِيحَ مَنَاطٍ، وَتَنْقِيحُ الْمَنَاطِ، حَاصِلُهُ تَأْوِيلٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِ الْمَسْلَكِ الَّذِي سَمَّاهُ مَنْ سَمَّاهُ قِيَاسًا فِي الْأَسْبَابِ، لِاتِّفَاقِنَا عَلَى قَبُولِ تَأْوِيلِ الظَّاهِرِ بِالدَّلِيلِ، فَلَا حَجْرَ فِي التَّسْمِيَةِ، وَلَا مَنْعَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا، لِأَنَّ فِيهِ صُورَةَ النُّطْقِ فِي مَوْضِعٍ وَالسُّكُوتَ فِي مَوْضِعٍ، وَوُجُودُ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ سَبَبُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ، غَيْرَ أَنَّ امْتِيَازَ الْمَحَلَّيْنِ نُطْقًا وَسُكُوتًا إنَّمَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي قَامَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، فَلِهَذَا تَكَدَّرَتْ التَّسْمِيَةُ وَالْخَطْبُ يَسِيرٌ.
مَسْأَلَةٌ
كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَمْكَنَ تَعْلِيلُهُ يَجْرِي الْقِيَاسُ فِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُ جَمِيعِ الشَّرْعِيَّاتِ بِالْقِيَاسِ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ، وَقَدْ سَبَقَتْ.
مَسْأَلَةٌ
ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ إلَّا عَنْ أَمَارَةٍ، وَلَا يَجُوزُ عَنْ دَلَالَةٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِهَا، حَكَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي " الْمِيزَانِ " وَهُوَ غَرِيبٌ. وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ الْإِجْمَاعِ عَنْ دَلَالَةٍ.
مَسْأَلَةٌ
ذَهَبَ أَبُو هَاشِمٍ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا يَجُوزُ فِي تَعْيِينِ مَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ فَيُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ تَفْصِيلُهُ، كَوُرُودِ النَّصِّ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَبِجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَبِتَحْرِيمِ الرِّبَا فَيَجُوزُ أَنْ يُعْرَفَ بِالْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَصِفَةِ الْمِثْلِ فِي الْجَزَاءِ، وَتَفْصِيلِ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الِاسْمِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ النَّصُّ. وَأَمَّا إثْبَاتُ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَرِدْ فِيهَا النَّصُّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَدَأَ إلْحَاقُهَا بِالْقِيَاسِ وَلِهَذَا لَمَّا ثَبَتَ بِالنَّصِّ مِيرَاثُ الْأَخِ جَازَ إثْبَاتُ إرْثِهِ مَعَ الْجَدِّ بِالْقِيَاسِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ جَوَازُ الْقِيَاسِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا كَقِيَاسِ الصَّلَاةِ عَلَى الزَّكَاةِ وَالْعَكْسِ، وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ فِي أَنْوَاعِ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ إلْكِيَا: مَا قَالَهُ أَبُو هَاشِمٍ هُوَ عَيْنُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَأَبْطَلْنَاهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ أَنَّ الْأَوَّلِينَ أَثْبَتُوا قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِالْقِيَاسِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَصٌّ عَلَى وَجْهِ الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى:{لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] أَمَارَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَلَا يُفِيدُ حُكْمُهُ إذَا وَقَعَ التَّحْرِيمُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: عَلِمُوا أَصْلًا غَابَ عَنَّا فَيُقَالُ: رَأَيْنَاهُمْ يَتَشَرَّفُونَ لِلْقِيَاسِ بِاتِّبَاعِ الْأَوْصَافِ الْمُخَيِّلَةِ الْمُؤَثِّرَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى جُمَلٍ.
مَسْأَلَةٌ حَكَى سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعُمُومَ إذَا خُصَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ إذَا خُصَّ صَارَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِقَرِينَةٍ، فَإِذَا اُسْتُنْبِطَ الْمَعْنَى مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ اجْتِمَاعُ الْمَعْنَى مَعَ تِلْكَ الْقَرِينَةِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالْقَرِينَةَ تَقْتَضِي الْخُصُوصَ فَلَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا، قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا خُصَّ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ فَبَقِيَ الْبَاقِي ثَابِتًا بِاللَّفْظِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْحُكْمَ لِلْبَاقِي وَرَدَ ابْتِدَاءً، فَجَازَ اسْتِنْبَاطُ الْمَعْنَى مِنْهُ.
مَسْأَلَةٌ
الْقِيَاسُ الْجُزْئِيُّ إذَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَلَى وَفْقِهِ مَعَ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ خَرَّجَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَيْنِ كَانَ الْخِلَافُ فِي ضَمَانِ الدَّرْكِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ الْجُزْئِيَّ يَقْتَضِي مَنْعَهُ، لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَلَكِنَّ عُمُومَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِمُعَامَلَةِ الْغُرَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ يَقْتَضِي جَوَازَهُ وَلَمْ يُنَبِّهْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ فَمَنَعَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ، وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَا قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ جَوَازَهُ مُطْلَقًا لِأَصْلِ الْحَاجَةِ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْبُرْهَانِ " عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى أَقْسَامِ الْمُنَاسَبَةِ: إنَّ مَا ابْتَنَى عَلَى الْحَاجَةِ كَالْإِجَارَةِ لَا خِلَافَ فِي جَرَيَانِ قِيَاسِ الْجُزْءِ مِنْهُ عَلَى الْجُزْءِ، فَأَمَّا اعْتِبَارُ غَيْرِ ذَلِكَ الْأَصْلِ مَعَ جَامِعِ الْحَاجَةِ فَهَذَا امْتَنَعَ مِنْهُ مُعْظَمُ الْقِيَاسِيِّينَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى جَوَازِهِ وَقَالَ: فَإِذَنْ الْقِيَاسُ عَلَى الْإِجَارَةِ إذَا اسْتَجْمَعَ الشَّرَائِطَ لَا يَضُرُّ.
وَالِاسْتِصْلَاحُ
الْجُزْئِيُّ فِي مُقَابَلَةِ الْوُجُودِ بِالْمَوْجُودِ، وَهَذَا كَقِيَاسِ النِّكَاحِ مَثَلًا فِي وَجْهِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ عَلَى الْإِجَارَةِ.
مَسْأَلَةٌ
التَّمَسُّكُ بِقِيَاسٍ جُزْئِيٍّ فِي مُصَادَمَةِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ مَرْدُودٌ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قِيَاسُ الْأَقَارِيرِ السَّابِقَةِ فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ الْآنَ، عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ، فِي أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْآنَ فَهَذَا قِيَاسٌ جُزْئِيٌّ فِي مُقَابَلَةِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ بِذَلِكَ فَمَا كَانَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَقَارِيرِ فَائِدَةٌ، وَالْحُجَّةُ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ سَاعَةٍ، قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ " اقْتِنَاصِ السَّوَانِحِ ".
مَسْأَلَةٌ
يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ مَا طَرِيقُهُ الْقَطْعُ فِي الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ بِالْقِيَاسِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهِ عَلَيْهِ دُونَ مَا لَا يُقْطَعُ بِصِحَّتِهِ. مِثَالُهُ فِي الْفُرُوعِ، قَوْلُنَا: إنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ فِي كُلِّ سُورَةٍ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ بِلَا تَغْيِيرٍ، مَتْلُوٌّ بِلَا نَكِيرٍ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْقُرْآنِ. فَهَذَا قِيَاسٌ مَدْلُولٌ عَلَى صِحَّتِهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى كِتَابَتِهِ فِي الْمُصْحَفِ وَتِلَاوَتِهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِصِحَّتِهِ. وَمِثَالُهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ، لِأَنَّهُ وُجِدَ إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ فَكَانَ حُجَّةً، دَلِيلُهُ إذَا انْقَرَضَ الْعَصْرُ عَلَيْهِ.