الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاطِّرَادَ وَالِانْعِكَاسَ مِنْ بَابِ الْأَشْبَاهِ الظَّاهِرَةِ وَمِنْ قَبِيلِ تَنْبِيهِ الشَّرْعِ عَلَى نَصْبِهِ ضَابِطًا لِخَاصَّةٍ فَعُلِّقَتْ بِهِ. وَمِمَّا يُتَنَبَّهُ لَهُ أَنَّ مَا يُوجَدُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهَا وَيَنْعَدِمُ بِعَدَمِهَا، كَالْإِحْصَانِ، فَلَيْسَ بِتَعْلِيلٍ اتِّفَاقًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّرْدَ وَالْعَكْسَ إنَّمَا كَانَ تَعْلِيلًا لِلْإِشْعَارِ بِاجْتِمَاعِ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي مَعْنًى مُؤَثِّرٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ، فَكَانَ الِاطِّرَادُ مِنْ الشَّارِعِ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُودِ مَعْنًى جُمَلِيٍّ اقْتَضَى الِاجْتِمَاعَ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّ الْإِيهَامَ لَا مِيزَانَ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى الْمُصَرَّحِ بِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَتَجَرَّدَ الْوَصْفُ، فَأَمَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ سَبْرٌ وَتَقْسِيمُ قَالَ فِي " الْمُسْتَصْفَى ": يَكُونُ حِينَئِذٍ حُجَّةً، كَمَا لَوْ قَالَ: هَذَا الْحُكْمُ لَا بُدَّ [لَهُ] مِنْ عِلَّةٍ، لِأَنَّهُ حَدَثَ بِحُدُوثِ حَادِثٍ، وَلَا حَادِثَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّلَ بِهِ إلَّا كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَطَلَ الْكُلُّ إلَّا هَذَا فَهُوَ الْعِلَّةُ. وَمِثْلُ هَذَا السَّبْرِ حُجَّةٌ فِي الطَّرْدِ الْمَحْضِ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْعَكْسُ.
فَائِدَةٌ:
الدَّوْرُ يَسْتَلْزِمُ الْمَدَارَ وَالدَّائِرَ، فَالْمَدَارُ هُوَ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتُهُ، كَالْقَتْلِ الْمَوْصُوفِ، وَالدَّائِرُ هُوَ الْمُدَّعَى مَعْلُولِيَّتُهُ كَوُجُوبِ الْقِصَاصِ.
[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ الطَّرْدُ]
ُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ كَوْنَ الْعِلَّةِ لَا تَنْتَقِضُ فَذَاكَ مَقَالُ الْعَكْسِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ لَا تَكُونَ عِلَّتُهُ مُنَاسِبَةً وَلَا مُؤَثِّرَةً. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّوَرَانِ أَنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُقَارَنَةِ وُجُوبًا وَعَدَمًا. وَهَذَا مُقَارِنٌ فِي الْوُجُودِ دُونَ الْعَدَمِ. وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ - فِيمَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْهُ فِي تَعْلِيقِهِ: الطَّرْدُ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَهُوَ حَمْلُ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ بِغَيْرِ أَوْصَافِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَكُونَ لِذَلِكَ الْوَصْفِ تَأْثِيرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ، كَقَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ: عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ وَتُشَطَّرُ بِعُذْرِ السَّفَرِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ كَالصَّلَاةِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلشَّطْرِ بِعُذْرِ السَّفَرِ فِي إثْبَاتِ النِّيَّةِ. وَكَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ: مُعَلَّقٌ مَنْكُوسٌ، فَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ دَلِيلُهُ الدَّبُّوسُ. أَوْ قَالُوا: طَوِيلٌ مَشْقُوقٌ، فَلَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّهِ كَالْقَلَمِ وَالْبُوقِ. قَالَ: وَهَذَا سُخْفٌ يَتَحَاشَى الطِّفْلُ عَنْ ذِكْرِهِ، فَضْلًا عَنْ الْفَقِيهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هُوَ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ الْحُكْمَ وَلَا يُشْعِرُ بِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ: هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِلْمُنَاسِبِ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى الطَّرْدِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ حَاصِلًا مَعَهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ حُصُولِهِ غَيْرَ صُورَةِ النِّزَاعِ، فَإِنْ حَصَلَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ كَانَ دَوَرَانًا. قَالَ الْهِنْدِيُّ: هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، بَلْ يَكْفِي فِي عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الطَّرْدِيِّ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُقَارِنًا لَهُ وَلَوْ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ حُجَّةً، وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الطَّرْدَ [وَ] الْعَكْسَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فَفِي كَوْنِ الطَّرْدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، فَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِحُجِّيَّةِ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي حُجِّيَّةِ الطَّرْدِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ وَقَالَ بِحُجِّيَّتِهِ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. وَالْمُعْتَبَرُونَ مِنْ النُّظَّارِ عَلَى أَنَّ التَّمَسُّكَ بِهِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْهَذَيَانِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَتَنَاهَى الْقَاضِي فِي تَغْلِيطِ مَنْ يَعْتَقِدُ رَبْطَ حُكْمِ اللَّهِ عز وجل بِهِ، وَنَقَلَهُ إلْكِيَا عَنْ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، لِأَنَّهُ يَجِبُ تَصْحِيحُ الْعِلَّةِ فِي نَفْسِهَا أَوَّلًا ثُمَّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ ثَمَرَةُ الْعِلَّةِ، فَالِاسْتِثْمَارُ بَعْدَ التَّصْحِيحِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَا حَقُّهُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ عَلَمًا عَلَى ثُبُوتِ الْأَصْلِ. قَالَ: وَقَدْ رَأَيْنَا فِي الطَّرْدِ صُوَرًا لَا يَتَخَيَّلُ عَاقِلٌ صِحَّتَهَا، كَتَشْبِيهِ الصَّلَاةِ بِالطَّوَافِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ " عَنْ الْمُحَصِّلِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ - فِيمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي " تَعْلِيقِهِ " عَنْهُ: - لَا يَجُوزُ أَنْ يُدَانَ اللَّهُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ ": الطَّرْدُ جَرَيَانُ الْعِلَّةِ فِي مَعْلُولَاتِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ أَصْلٍ يَرُدُّهَا وَيَنْفِيهَا. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا. وَذَهَبَ طَوَائِفُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَمَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ، وَجَزَمَ بِهِ الْبَيْضَاوِيُّ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيُّ: وَحَكَاهُ الشَّيْخُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ ذَاكَ فِي الِاطِّرَادِ الَّذِي هُوَ الدَّوَرَانُ. وَقَالَ الْكَرْخِيّ: هُوَ مَقْبُولٌ جَدَلًا، وَلَا يَسُوغُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ عَمَلًا، وَلَا الْفَتْوَى بِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: ذَهَبَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعِلِّيَّةِ، وَاقْتَدَى بِهِ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْعِرَاقِ، فَصَارُوا يَطْرُدُونَ الْأَوْصَافَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ وَيَقُولُونَ. إنَّهَا قَدْ صَحَّتْ، كَقَوْلِهِمْ فِي مَسِّ الذَّكَرِ: مَسُّ آلَةِ الْحَرْثِ فَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ، كَمَا إذَا مَسَّ الْفَدَّانَ. وَإِنَّهُ طَوِيلٌ مَشْقُوقٌ فَأَشْبَهَ الْبُوقَ. وَفِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: إنَّهُ سَعْيٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَلَا يَكُونُ رُكْنًا فِي الْحَجِّ. كَالسَّعْيِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ بِنَيْسَابُورَ. وَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ هَذَا سُخْفٌ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَسَمَّى أَبُو زَيْدٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الطَّرْدَ
حُجَّةً، وَالِاطِّرَادَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْعِلِّيَّةِ " حَشْوِيَّةَ أَهْلِ الْقِيَاسِ " قَالَ: وَلَا يُعَدُّ هَؤُلَاءِ مِنْ جُمْلَةِ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَيَجُوزُ لِلشَّارِعِ نَصْبُ الطَّرْدِ عَلَمًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ عِلَّةً بَلْ تَقْرِيبٌ لِلْحُكْمِ وَتَحْدِيدٌ لَهُ. قَالَ: وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الِاطِّرَادَ زِيَادَةُ دَعْوَى عَلَى دَعْوَى، وَالدَّعْوَى لَا تَثْبُتُ بِزِيَادَةِ دَعْوَى، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ قَدْ يَطَّرِدُ، وَلَوْ كَانَ الِاطِّرَادُ دَلِيلَ صِحَّةِ الْعِلِّيَّةِ لَمْ يَقُمْ هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى الْأَقْيِسَةِ الْفَاسِدَةِ الْمُطَّرِدَةِ، مِثْلُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ: مَائِعٌ لَا تُبْنَى عَلَيْهِ الْقَنَاطِرُ، وَلَا يُصَادُ مِنْهُ السَّمَكُ، فَأَشْبَهَ الدُّهْنَ وَالْمَرَقَةَ. وَفِي الْمَضْمَضَةِ: اصْطِكَاكُ الْأَجْرَامِ الْعُلْوِيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْقُضَ الطَّهَارَةَ، كَالرَّعْدِ وَلَا يَلْزَمُ الضُّرَاطُ لِأَنَّهُ اصْطِكَاكُ الْأَجْرَامِ السُّفْلِيَّةِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَعَ سُخْفِهِ يَنْتَقِضُ بِمَا لَوْ صَفَعَ امْرَأَتَهُ وَصَفَعَتْهُ. وَالِاشْتِغَالُ بِهَذَا هُزْأَةٌ وَلَعِبٌ فِي الدِّينِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْكَرْخِيّ: هُوَ مَقْبُولٌ جَدَلًا، وَلَا يَسُوغُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ عَمَلًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ. وَقَالَ: إنَّهُ رَأْيُ الْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَالَ: هُوَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُنَاظِرِ فِي حَقِّ مَنْ أَثْبَتَ الشَّبَهَ وَرَآهُ مُعْتَمَدًا، بَلْ لَا طَرِيقَ سِوَاهُ، فَإِمَّا أَنْ يُصَارَ إلَى إبْطَالِ الشَّبَهِ رَأْسًا، وَقَصْرِ الْجَامِعِ عَلَى الْمُخَيَّلِ، وَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَ مِنْ الْمُنَاظِرِ الْجَمِيعَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَهَاهُنَا أُمُورٌ ذَكَرَهَا إلْكِيَا:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي غَيْرِ الْمَحْسُوسَاتِ. أَمَّا الْمَحْسُوسَاتُ فَقَدْ تَكُونُ صَحِيحَةً مِثْلُ مَا نَعْلَمُهُ أَنَّ الْبَرْقَ يَسْتَعْقِبُ صَوْتَ الرَّعْدِ فَلِهَذَا اطَّرَدَ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بِهِ
الثَّانِي: أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ، فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُنْكِرُهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ، وَأَحَدًا لَا يَتَّبِعُ كُلَّ وَصَفٍّ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ، وَإِنْ أَحَالُوا اطِّرَادًا لَا يَنْفَكُّ عَنْ غَلَبَةِ الظَّنِّ.
الثَّالِثُ: إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فَهَلْ يَجُوزُ التَّعَلُّقُ بِهِ لِدَفْعِ النَّقْضِ
أَمْ لَا؟ قَالَ إلْكِيَا: فِيهِ تَفْصِيلٌ: فَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ مَا قُيِّدَ الْكَلَامُ بِهِ إلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بِحُكْمِهَا فَالْكَلَامُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ التَّقْيِيدُ كَمَا قُيِّدَ بِهِ تَقْيِيدًا بِمَا يَظْهَرُ تَقَيَّدَ مِنْ الشَّرْعِ الْحُكْمُ بِهِ. وَصُورَةُ النَّقْضِ آيِلَةٌ إلَى اسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّخْصِيصِ كَمَا إذَا عُلِّلَ إيجَابُ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ فَنُقِضَ بِالْأَبِ فَلَا يُمْنَعَ مِنْ هَذَا التَّخْصِيصِ، وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ إلَّا اللُّغَةَ وَذَلِكَ الْمَعْنَى صَالِحٌ لَأَنْ يُجْعَلَ وَصْفًا وَمَنَاطًا لِلْحُكْمِ، فَيَجُوزُ دَفْعُ النَّقْضِ بِهِ، كَقَوْلِنَا: مَا لَا يَتَجَزَّأُ فِي الطَّلَاقِ فَذِكْرُ بَعْضِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ، فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا النِّكَاحُ، فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ يُنْبِئُ فِي الشَّرْعِ عَنْ خَصَائِصَ وَمَزَايَا فِي الْقُوَّةِ لَا يُلْغَى فِي غَيْرِهِ فَيَنْدَفِعُ النَّقْضُ.
فَصْلٌ
سَاقَ الْغَزَالِيُّ فِي " شِفَاءِ الْعَلِيلِ " مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ هُنَا أَمْرًا حَسَنًا يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ الْإِحَاطَةُ بِهِ فَقَالَ: قِيَاسُ الطَّرْدِ صَحِيحٌ، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ، وَقَالَ بِهِ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَمَنْ شَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ الْقَرِيبِ كَأَبِي زَيْدٍ وَأُسْتَاذِي إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، فَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ، إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يُعَبِّرُ عَنْ الطَّرْدِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ بِ (الشَّبَهِ) وَيَقُولُ: الطَّرْدُ بَاطِلٌ وَالشَّبَهُ صَحِيحٌ، وَأَبُو زَيْدٍ يُعَبِّرُ عَنْ الطَّرْدِ بِ (الْمُخَيَّلِ) ، وَعَنْ الشَّبَهِ بِ (الْمُؤَثِّرِ)، وَيَقُولُ: الْمُخَيَّلُ بَاطِلٌ وَالْمُؤَثِّرُ صَحِيحٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا بِأَصْلِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُؤَثِّرِ مَا أَرَدْنَاهُ بِالْمُخَيَّلِ، وَسَنُبَيِّنُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالشَّبَهِ الْمُنْكِرِينَ لِلطَّرْدِ مُرَادُهُمْ بِالشَّبَهِ مَا أَرَدْنَاهُ بِالطَّرْدِ، وَأَنَّ الْوَصْفَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: مُنَاسِبٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ حُجَّةٌ وِفَاقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلَقِّبُهُ بِالْمُؤَثِّرِ وَيُنْكِرُ الْمُخَيَّلَ. وَغَيْرُ الْمُنَاسِبِ أَيْضًا حُجَّةٌ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلَقِّبُهُ بِالشَّبَهِ، حَتَّى يُخَيَّلَ أَنَّهُ غَيْرُ الطَّرْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (قَالَ) : وَلَقَدْ عَزَّ عَلَى بَسِيطِ الْأَرْضِ مَنْ يُحَقِّقُ الشَّبَهَ.
ثُمَّ قَالَ: فَنَقُولُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ، وَالشَّبَهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِهِمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ الْقَوْلُ بِهِمَا جَمِيعًا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِالشَّبَهِ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْقَوْلِ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ. (قَالَ) : وَقَدْ عَلَّلَ [بِهِ] الْفُقَهَاءُ كَافَّةً سُقُوطَ التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ، وَشَرْعِيَّتِهِ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي مَسْحِ الرَّأْسِ: إنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يَكُونُ كَمَسْحِ الْخُفِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ فَكُرِّرَ كَالْغَسْلِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا طَرْدٌ مَحْضٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: طَهَارَتَانِ فَأَنَّى تَفْتَرِقَانِ؟
(قَالَ) : وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَذْهَبْ فِي التَّعْلِيلِ مَسْلَكَ الْإِخَالَةِ فَصْلٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ " الرِّسَالَةِ "، وَقَدْ نَقَلْنَاهُ بِلَفْظِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] الْآيَةَ «وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هِنْدًا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا» ، فَكَانَ الْوَلَدُ مِنْ الْوَالِدِ، فَأُجْبِرَ عَلَى صَلَاحِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يُغْنِي فِيهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَكَانَ الْأَبُ إذَا بَلَغَ أَنْ لَا يُغْنِيَ عَنْ نَفْسِهِ بِكَسْبٍ وَلَا مَالٍ فَعَلَى وَلَدِهِ صَلَاحُهُ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ، قِيَاسًا عَلَى الْوَالِدِ، وَلَمْ يَضَعْ شَيْئًا هُوَ مِنْهُ، كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَالِدِ ذَلِكَ، وَالْوَالِدُ وَإِنْ بَعُدَ، وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَقُلْنَا: يُنْفِقُ عَلَى كُلِّ مُحْتَاجٍ مِنْهُمْ غَيْرِ مُحْتَرِفٍ، وَلَهُ النَّفَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ الْمُحْتَرِفِ.
وَذَكَرَ «حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ» فَقَالَ: وَكَأَنَّ الْغَلَّةَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ فِي الثَّمَنِ، فَكَانَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ فَاتَ فِيهِ الْعَقْدُ فَاتَ فِي مَالِهِ، فَدَلَّ أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهَا لَهُ لِأَنَّهُ حَادِثَةٌ فِي مِلْكِهِ وَضَمَانِهِ، فَقُلْنَا كَذَلِكَ فِي ثَمَرِ النَّخِيلِ وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ وَصُوفِهَا وَأَوْلَادِهَا وَوَلَدِ الْجَارِيَةِ وَكُلِّ مَا حَدَثَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانِهِ. وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْأَمَةِ الثَّيِّبِ وَخِدْمَتِهَا.
«وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ» ، فَلَمَّا حَرَّمَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام هَذِهِ الْأَصْنَافَ الْمَأْكُولَةَ الَّتِي يَشِحُّ النَّاسُ عَلَيْهَا حِينَ بَاعُوهَا كَيْلًا لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُبَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ بِمِثْلِهِ دَيْنًا، وَالْآخَرُ: زِيَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ نَقْدًا، كَانَ كَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا، فَحَرَّمْنَا قِيَاسًا عَلَيْهِمَا، فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أُكِلَ مِمَّا اُبْتِيعَ مَوْزُونًا، وَالْوَزْنُ وَالْكَيْلُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَذَلِكَ كَالْعَسَلِ وَالزَّبِيبِ وَالسَّمْنِ وَالسُّكَّرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَيُبَاعُ مَوْزُونًا، وَلَمْ يُقَسْ الْمَوْزُونُ عَلَى الْمَوْزُونِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، لَأَنْ يَجُوزَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ نَقْدًا عَسَلًا وَسَمْنًا إلَى أَجَلٍ، وَلَوْ قِيسَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا يَدًا بِيَدٍ، كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَيُقَاسُ بِهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ يُعْتَادُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: هَذَا كُلُّهُ نَقَلْنَاهُ مِنْ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ فَلْيَتَأَمَّلْ الْمُنْصِفُ لِيَعْرِفَ كَيْفَ عَلَّلَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ [مَا] لَا يُنَاسِبُ، ذَاهِبًا إلَى أَنَّ الْمُشَارِكَ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي مَعْنَاهُ غَيْرَ مُعَرِّجٍ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ وَالْإِيمَاءِ.
وَنَقَلَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ مِنْ لَفْظِ ابْنِ سُرَيْجٍ، فِي سِيَاقِ كَلَامٍ لَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّعْلِيلِ بِالِاطِّرَادِ وَالسَّلَامَةِ عَنْ النَّوَاقِضِ فَصْلًا وَهُوَ قَوْلُهُ: قُلْت: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إذَا ادَّعَيْتُمْ أَنَّ الْعِلَلَ تُسْتَخْرَجُ وَتَصِحُّ بِالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ وَالِاطِّرَادِ فِي مَعْلُولَاتِهَا، فَإِنْ عَارَضَهَا أَصْلٌ يَدْفَعُهَا عُلِمَ فَسَادُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَارِضْهَا أَصْلٌ صَحَّتْ فَأَخْبِرُونِي: إذَا انْتَزَعْتُمْ عِلَّةً مِنْ أَصْلٍ، فَانْتَزَعَ مُخَالِفُوكُمْ عِلَّةً أُخْرَى
فَخَبِّرُونَا: مَا جَعَلَ عِلَّتَكُمْ أَوْلَى؟ فَإِنْ أَحَلْتُمْ ذَلِكَ أَرَيْنَاكُمْ زَعَمَ الْعِرَاقِيُّ عِلَّةَ الْبُرِّ أَنَّهُ مَكِيلٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُنْكَرُ، وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا الْأَكْلُ دُونَ الْكَيْلِ، فَنَقُولُ: إنَّا تَرَكْنَا جَعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ عِلَّةً لِأَنَّهُ يُخْرِجُنَا مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ الَّذِي احْتَجْنَا إلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَكْلِ، وَالْعِرَاقِيَّ عَلَى الْكَيْلِ، فَرَجَّحْنَا هَذِهِ عَلَى تِلْكَ، فَإِنَّا وَجَدْنَا الْكَيْلَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْوَزْنِ، وَوَجَدْنَا مَا حُرِّمَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَوْزُونَاتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الذَّهَبَ لَا يَجُوزُ بِالْوَرِقِ نَسِيئَةً، وَيَجُوزُ الذَّهَبُ بِالْمَوْزُونَاتِ نَسِيئَةً، وَقَرَّرَ هَذَا الْكَلَامَ ثُمَّ قَالَ: دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ حَرَامٌ لِمَعْنًى فِيهِ، كَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَأَنَّهَا أَصْلُ النَّقْدَيْنِ وَقِيَمُ الْمُسْتَهْلَكَاتِ وَمِنْهُمَا فَرْضُ الزَّكَوَاتِ، فَلَمْ يَحْرُمَا لِأَنَّ هَاهُنَا أَمْرًا يُعْرَفُ بِهِ مِقْدَارُهُمَا وَهُوَ الْوَزْنُ، بَلْ لِمَا فِيهِمَا مِنْ مَنَافِعِ النَّاسِ الَّتِي يُعَدُّ لَهُمَا [فِيهَا شَيْءٌ] سِوَاهُمَا مِنْ التَّقَلُّبِ وَالنَّقْدِ الَّذِي إلَيْهِ تَرْجِعُ الْمُعَامَلَةُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ النَّاسِ. وَكَذَلِكَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ إنَّمَا حُرِّمَا لِأَنَّهُمَا الْأَقْوَاتُ وَالْمَعَاشُ وَالْغِذَاءُ وَالطَّعَامُ. ثُمَّ جُرِّدَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الْأَكْلُ كَانَ أَعَمَّ الْأُمُورِ. وَقَدْ ضُمَّ إلَيْهَا فِي قَوْلٍ لِأَصْحَابِنَا أَجْزَاءُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ " الْبُيُوعِ الْقَدِيمِ ": وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا رِبًا إلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ وَمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي هَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَهَذَا جُمْلَةُ مَا أَرَدْنَا نَقْلَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ لِنُبَيِّنَ أَنَّ أَرْبَابَ الْمَذَاهِبِ بِأَجْمَعِهِمْ ذَهَبُوا إلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى إيمَاءٍ وَنَصٍّ وَمُنَاسَبَةٍ: (قَالَ) : وَالْفَرْضُ الْآنَ أَنْ نُبَيِّنَ نَقْلًا عَنْ عُلَمَاءِ الشَّرْعِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ رحمهم الله الْقَوْلَ بِالْوَصْفِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ، وَتَسْمِيَتَهُمْ ذَلِكَ عِلَّةً. وَكَذَلِكَ تَعْلِيلُ النَّقْدَيْنِ بِالنَّقْدِيَّةِ الْقَاصِرَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى التَّشْبِيهِ، إذْ التَّشْبِيهُ إنَّمَا يَقُومُ مِنْ فَرْعٍ وَأَصْلٍ، وَلَا فَرْعَ لِهَذَا الْأَصْلِ.