المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة القياس في نظر الأصوليين] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٧

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْقِيَاسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَة الْقِيَاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتِمَالُ النُّصُوصِ عَلَى الْفُرُوعِ الْمُلْحَقَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَوْضُوعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْقِيَاسُ يُعْمَلُ بِهِ قَطْعًا]

- ‌[مَسْأَلَة التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَصُّ الشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَال الْقِيَاسُ إذَا عُدِمَ النَّصُّ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمُرْسَلُ وَالضَّعِيفُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ لِلْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي أَرْكَانِ الْقِيَاس] [

- ‌الرُّكْن الْأَوَّل الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَأْثِيرُ الْأَصْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْفَرْعُ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعِلَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمَعْلُولُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اقْتِصَارُ الشَّارِعِ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ فِي الْعِلَّة]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِلَّةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْصَافُهَا فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِي النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الِاسْتِدْلَال عَلَى عِلِّيَّةِ الْحُكْمِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسِبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ وَالْإِقْنَاعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرُ وَالْمُلَاءَمَةُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّادِسُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّابِعُ الشَّبَهُ]

- ‌[حُكْم قِيَاس الشَّبَه]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ الدَّوَرَانُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ الطَّرْدُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ]

- ‌[الِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[الْأَوَّلُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ النَّقْضُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْكَسْرُ]

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ الْعَكْسِ]

- ‌[الرَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ التَّأْثِيرِ]

- ‌[الْخَامِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْقَلْبُ]

- ‌[حَقِيقَتِهِ الْقَلْبُ]

- ‌[اعْتِبَارِهِ الْقَلْب]

- ‌[هَلْ الْقَلْب قَادِحٌ أَمْ لَا]

- ‌[أَقْسَام الْقَلْبُ]

- ‌[السَّادِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْفَرْقُ وَيُسَمَّى سُؤَالَ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوط الْفَرْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَوَابِ الْفَرْقِ]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الِاسْتِفْسَارُ]

- ‌[التَّاسِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]

- ‌[الْعَاشِرُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الْوَضْعِ]

- ‌[الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْمَنْعُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات التَّقْسِيمُ]

- ‌[الثَّالِث عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات اخْتِلَافُ الضَّابِطِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ اخْتِلَافُ حُكْمَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[وُجُوهٍ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْتِيبِ الْأَسْئِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حِيَلِ الْمُتَنَاظِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقِ بِمُنَاقَضَاتِ الْخُصُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ]

الفصل: ‌[مسألة القياس في نظر الأصوليين]

لِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ بِلَازِمِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ تَعْرِيفِهِ الْحَدِّيِّ. وَرَدَّهُ الْأَصْفَهَانِيُّ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِاللَّازِمِ شَرْطُهُ اللُّزُومُ الْبَيِّنُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَازِمٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الدَّوْرُ.

وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ الْقِيَاسُ الذِّهْنِيُّ، وَثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ الذِّهْنِيِّ أَوْ الْخَارِجِيِّ لَيْسَ فَرْعًا لَهُ. وَرَدَّهُ الْأَصْفَهَانِيُّ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ حُكْمِ الْفَرْعِ الذِّهْنِيِّ فَرْعُ الْقِيَاسِ الذِّهْنِيِّ، لِأَنَّ نَتِيجَتَهُ ذِهْنًا، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ لِلْقِيَاسِ الْخَارِجِيِّ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ.

وَأَجَابَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَأْخُذْ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ إلَّا الْإِثْبَاتَ لَا الثُّبُوتَ، وَالْمُتَفَرِّعُ عَنْ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ لَا الْإِثْبَاتُ، وَالْحَقُّ أَنَّ الثُّبُوتَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا النَّاشِئُ بِالْقِيَاسِ اعْتِقَادُ الْمُسَاوَاةِ أَوْ الثُّبُوتِ مُسْتَنِدًا إلَى الْعِلَّةِ لَا مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْإِنْصَافُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَيْسَ بِحَدٍّ وَلَا مَطْمَعٍ فِي الْحَدِّ بِمَا يَتَرَكَّبُ مِنْ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحُكْمِ وَالْجَامِعِ.

[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ]

حَاصِلُ الْقِيَاسِ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِحُكْمِ شَيْءٍ عَلَى آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ، وَيُسَمِّيهِ قَوْمٌ " التَّمْثِيلَ ". وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ: فَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِحُكْمِ الْعَامِّ عَلَى حُكْمِ الْخَاصِّ، وَيَرْجِعُ إلَى الْمُقَدِّمَاتِ وَالنَّتَائِجِ. قَالَ الْإِبْيَارِيُّ: وَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ الْمَدْلُولِ

ص: 11

اللُّغَوِيِّ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ:" كُلُّ نَبِيذٍ مُسْكِرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " يُنْتَجُ: " كُلُّ نَبِيذٍ حَرَامٌ " لَيْسَ فِيهِ اعْتِبَارٌ بِحَالٍ وَإِنَّمَا النَّبِيذُ أَحَدُ الصُّوَرِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ الْعُمُومِ. قُلْت: بَلْ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ، لِأَنَّهُ تَسْوِيَةُ حُكْمِ الْخَاصِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ، وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ لَفْظَ الْقِيَاسِ قَدْ يُتَجَوَّزُ بِإِطْلَاقِهِ فِي النَّظَرِ الْمَحْضِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ فَرْعٍ وَأَصْلٍ فَيَقُولُ الْمُفَكِّرُ: قِسْت الشَّيْءَ إذَا تَفَكَّرَ فِيهِ. وَنَازَعَهُ الْإِبْيَارِيُّ. وَلَا مَعْنَى لِنِزَاعِهِ، لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيهِ وَهُوَ الِاعْتِبَارُ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي أَسَاسِ الْقِيَاسِ: وَأَمَّا نَحْوُ " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ " أُنْتِجَ " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " هَذَا لَا تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ قِيَاسًا، وَإِنَّمَا يُسَمِّيهِ ذَلِكَ الْمَنْطِقِيُّونَ، وَهُوَ ظُلْمٌ مِنْهُمْ عَلَى الِاسْمِ وَخَطَأٌ عَلَى الْوَضْعِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي وَضْعِ اللِّسَانِ يَسْتَدْعِي مَقِيسًا وَمَقِيسًا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ حَمْلُ فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا خَطَأٌ.

مَسْأَلَةٌ [لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكٌ]

وَقَالَ " الْغَزَالِيُّ " أَيْضًا: لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ تَارَةً عَلَى الرَّأْيِ الْمَحْضِ الْمُقَابِلِ لِلتَّوْقِيفِ حَتَّى يُقَالَ: الشَّرْعُ إمَّا تَوْقِيفٌ أَوْ قِيَاسٌ. وَهَذَا الَّذِي نُنْكِرُهُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِتَشْنِيعِ الظَّاهِرِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ، وَيُطْلَقُ تَارَةً بِمُقَابِلِ التَّعَبُّدِ حَتَّى يُقَالَ: الشَّرْعُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَإِلَى تَعَبُّدٍ. كَرَمْيِ الْجِمَارِ. وَكِلَاهُمَا تَوْقِيفٌ، لَكِنْ يُسَمَّى مَا عُقِلَ مَعْنَاهُ قِيَاسًا لِمَا انْقَدَحَ فِيهِ مِنْ الْمَعْقُولِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَحَدُ نَوْعَيْ التَّوْقِيفِ وَلَيْسَ مُقَابِلًا لَهُ

ص: 12

مَسْأَلَةٌ [يُسَمَّى الْقِيَاسُ اسْتِدْلَالًا]

فِي " الْمُعْتَمَدِ " لِأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه يُسَمِّي الْقِيَاسَ اسْتِدْلَالًا، لِأَنَّهُ فَحْصٌ وَنَظَرٌ، وَيُسَمِّي الِاسْتِدْلَالَ قِيَاسًا، لِوُجُودِ التَّعْلِيلِ فِيهِ.

وَحَكَى صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْقِيَاسَ وَالِاجْتِهَادَ وَاحِدٌ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ:" أَجْتَهِدُ رَأْيِي " وَالْمُرَادُ الْقِيَاسُ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ إلْكِيَا: يَمْتَازُ الْقِيَاسُ عَنْ الِاجْتِهَادِ بِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ سَوَاءٌ طُلِبَ مِنْ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ " إنَّ الْقِيَاسَ الِاجْتِهَادُ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ، فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ أَعَمُّ مِنْ الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ أَخَصُّ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الِاجْتِهَادُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مُسْتَعْمَلًا فِي تَعْرِيفِ مَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ، وَعِنْدَهُ أَنَّ طَرِيقَ تَعَرُّفِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَنْ يُحْمَلَ الْفَرْعُ عَلَى الْأَصْلِ فَقَطْ، وَذَلِكَ قِيَاسٌ عِنْدَهُ. وَالِاجْتِهَادُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مَا اقْتَضَى غَلَبَةَ الظَّنِّ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا خَطَأُ الْمُجْتَهِدِ وَيُقَالُ فِيهَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَالْقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هَلْ الْقِيَاسُ وَالِاجْتِهَادُ مُتَّحِدَانِ أَوْ مُخْتَلِفَانِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ، وَنَسَبَ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ

ص: 13

الرِّسَالَةِ "، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، أَنَّ الِاجْتِهَادَ غَيْرُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَفْتَقِرُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَهُوَ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ، وَلَيْسَ الِاجْتِهَادُ يَفْتَقِرُ إلَى الْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَكُونُ بِالنَّظَرِ فِي الْعُمُومَاتِ وَسَائِرِ طُرُقِ الْأَدِلَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ.

مَسْأَلَةٌ [مَا وُضِعَ لَهُ الْقِيَاسُ]

اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ اسْمُ " الْقِيَاسِ " عَلَى قَوْلَيْنِ: " أَحَدُهُمَا " أَنَّهُ اسْتِدْلَالُ الْمُجْتَهِدِ وَفِكْرُهُ الْمُسْتَنْبَطُ، " وَالثَّانِي " أَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ فِي أَصْلِ الشَّيْءِ وَفَرْعِهِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَمَنْ فَرَّ مِنْهُ فَإِنَّمَا فَرَّ لِشُبْهَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقِيَاسِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ، فَإِنْ كَانَ أَصْلًا فَقَدْ وَجَبَ وُجُودُهُ فِي كُلِّ مَا يُسَمَّى بِهِ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْإِلْحَاقِ، وَإِنْ كَانَ فَرْعًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى غَيْرِهِ، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ يُسْتَنْبَطُ بِهِ. ثُمَّ الْكَلَامُ فِي أَصْلِهِ كَالْكَلَامِ فِيهِ لِنَفْسِهِ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَسْتَشْكِلُ عَلَى الْقَائِلِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُجْتَهِدُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالنَّظَرِ وَالْإِلْحَاقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الطَّلَبُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَادِثَةِ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا ثُمَّ يَعُودُ مَا سَبَقَ. وَمَهْمَا كَانَ جَوَابُهُ فَهُوَ جَوَابُنَا.

مَسْأَلَةٌ [الَّذِي يُثْبِتُهُ الْقِيَاسُ]

وَاخْتَلَفُوا كَمَا قَالَهُ الْمُقْتَرِحُ فِي الَّذِي أَثْبَتَهُ الْقِيَاسُ، هَلْ هُوَ حُكْمٌ وَاحِدٌ

ص: 14