الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِمَّا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ، كَإِلْحَاقِ الْمُصَرَّاةِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْعُيُوبِ فِي حُكْمِ الرَّدِّ وَعَدَمِهِ وَوُجُوبِ بَدَلِ لَبَنِهَا الْمَوْجُودِ فِي الضَّرْعِ، أَوْ كَانَ تَرْكِيبُهُ مُشْعِرًا بِنَقِيضِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ، وَإِنَّمَا يَنْقَدِحُ جَعْلُهُ اعْتِرَاضًا إذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ تَقْدِيمُ الْقِيَاسِ، وَعَنْ الْقَاضِي وُقُوفُ الِاسْتِدْلَالِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْقِيَاسُ فَاسِدَ الْوَضْعِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَجَوَابُهُ: لِلطَّعْنِ فِي مُسْتَنِدِهِ أَوْ مَنْعِ ظُهُورِهِ أَوْ التَّأْوِيلِ أَوْ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ أَوْ الْمُعَارَضَةِ بِنَصٍّ آخَرَ لِيَسْلَمَ الْقِيَاسُ أَوْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مِمَّا يَجِبُ تَرْجِيحُهُ عَلَى النَّصِّ بِوُجُوهِ التَّرْجِيحِ.
[الْعَاشِرُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الْوَضْعِ]
الْعَاشِرُ: فَسَادُ الْوَضْعِ
بِأَنْ لَا يَكُونَ الدَّلِيلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الصَّالِحَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ، كَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ مِنْ وَضْعٍ يَقْتَضِي ضِدَّهُ، كَالضِّيقِ مِنْ التَّوَسُّعِ، وَالتَّخْفِيفِ مِنْ التَّغْلِيظِ، وَالْإِثْبَاتِ مِنْ النَّفْيِ، كَقَوْلِهِمْ فِي النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ: لَفْظٌ يَنْعَقِدُ بِهِ غَيْرُ النِّكَاحِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ كَلَفْظِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ يَنْعَقِدُ بِهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ أَنْ يَنْعَقِدَ هُوَ بِهِ، لَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ
وَكُلُّ فَاسِدِ الْوَضْعِ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ، وَلَا يَنْعَكِسُ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُمَا
وَاحِدًا، وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: هُمَا سِيَّانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا وَقَالُوا: فَسَادُ الْوَضْعِ هُوَ أَنْ يُعَلِّقَ عَلَى الْعِلَّةِ ضِدَّ مَا يَقْتَضِيهِ. وَفَسَادُ الِاعْتِبَارِ هُوَ أَنْ يُعَلِّقَ عَلَى الْعِلَّةِ خِلَافَ مَا يَقْتَضِيهِ. (انْتَهَى) . وَقِيلَ: فَسَادُ الْوَضْعِ هُوَ إظْهَارُ كَوْنِ الْوَصْفِ مُلَائِمًا لِنَقِيضِ الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ. وَمِنْهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ تَعَدُّدِ الْجِهَاتِ لِتَنَزُّلِهَا مَنْزِلَةَ تَعَدُّدِ الْأَوْصَافِ، وَعَنْ تَرْكِ حُكْمِ الْعِلَّةِ بِمُجَرَّدِ مُلَاءَمَةِ الْوَصْفِ لِلنَّقِيضِ دُونَ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ، إذْ هُوَ عِنْدَ فَرْضِ اتِّحَادِ الْجِهَةِ خُرُوجٌ عَنْ فَسَادِ الْوَضْعِ إلَى الْقَدْحِ فِي الْمُنَاسَبَةِ. وَرُبَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ الْقَاضِي بِتَعْلِيقِ ضِدِّ الْمُقْتَضِي. وَقَالَ إلْكِيَا: هُوَ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى مَا يَجِبُ تَأَخُّرُهَا عَنْهُ، كَالْجَمْعِ فِي مَحَلٍّ فَرَّقَ الشَّرْعُ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ.
كَمَا يُقَالُ لِلْحَنَفِيَّةِ: جَمَعْتُمْ فِي مَحَلٍّ فَرَّقَ الشَّرْعُ، إذْ قِسْتُمْ النَّفَقَةَ عَلَى السُّكْنَى فِي وُجُوبِهَا لِلْمَبْتُوتَةِ مَعَ قَوْله تَعَالَى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُ:{وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فَفَرَّقَ وَجَمَعْتُمْ.
وَقَدْ عَدَّ الْقَاضِي هَذَا الِاعْتِرَاضَ مِنْ الْقَطْعِيَّاتِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: هُوَ يَجْرِي مِنْ الشَّهَادَةِ مَجْرَى فَسَادِ الْأَدَاءِ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَيُمْكِنُ إيرَادُهُ عَلَى الطُّرُودِ، وَيَضْطَرُّ بِهِ الْمُعَلِّلُ إلَى إظْهَارِ التَّأْثِيرِ وَإِذَا ظَهَرَ التَّأْثِيرُ بَطَلَ السُّؤَالُ وَهَذَا طَرِيقٌ سَلَكَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَوْرَدَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ. وَيَرِدُ عِنْدَهُ اخْتِلَافُ مَوْضُوعِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مَبْنِيًّا عَلَى التَّخْفِيفِ، كَالتَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ، وَيَكُونُ الْفَرْعُ مَبْنِيًّا عَلَى التَّغْلِيظِ، كَوُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَيَرُومُ الْقَائِسُ أَنْ يُثْبِتَ
فِي الْفَرْعِ حُكْمًا مُخَفَّفًا، وَقَدْ بَانَ مِنْ اخْتِلَافِ مَوْضُوعِ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ مِمَّا ذَكَرْنَا.
وَهُوَ مِثْلُ النَّقْضِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ بِهِ طَرْدَهُ بَعْدَ صِحَّةِ عِلَّتِهِ، كَالشَّهَادَةِ إنَّمَا يَشْتَغِلُ بِتَعْدِيلِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ صِحَّةِ الْأَدَاءِ.
وَهُوَ أَقْوَى مِنْ النَّقْضِ، لِأَنَّ الْوَضْعَ إذَا فَسَدَ لَمْ يَبْقَ إلَّا الِانْتِقَالُ. وَالنَّقْضُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى الطَّرْدِ، وَالطَّرْدُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ الَّتِي ظَهَرَ تَأْثِيرُهَا فَلَا يَرِدُ هَذَا السُّؤَالُ. وَنَحْنُ نَقُولُ: نَعَمْ، وَإِنْ كَانَ الطَّرْدُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِظْهَارُ التَّأْثِيرِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ السُّؤَالَ يَبْقَى، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ السَّائِلُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ، أَوْ يَقُولَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ تَأْثِيرٌ، فَلَا بُدَّ فِي الْجَوَابِ مِنْ نَقْلِ الْكَلَامِ إلَى ذَلِكَ وَبِأَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْعِلَّةِ. فَبِهَذَا الْوَجْهِ صَحَّحْنَا السُّؤَالَ. وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ ": فَسَادُ الْوَضْعِ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الدَّلِيلِ دَالًّا عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَمَنَعَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، إذْ لَا تَوَجُّهَ لَهُ، لِكَوْنِهِ خَارِجًا عَنْ الْمَنْعِ وَالْمُعَارَضَةِ.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَغَايُرِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَفَسَادِ الِاعْتِبَارِ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ بَيَانُ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ، وَالثَّانِي اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ عَلَى مُنَاقَضَةِ النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ أَعَمُّ وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُمَا لَيْسَ بِاعْتِرَاضَيْنِ زَائِدَيْنِ، فَإِنَّ الْمُنَاسَبَةَ لِلنَّقِيضِ إنْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ رَدَّ الِاسْتِشْهَادَ إلَى أَصْلِ
الْمُسْتَدِلِّ فَهُوَ (قَلْبٌ) ، وَإِنْ رَدَّهُ لِأَصْلٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَتْ جِهَتَا الْمُنَاسَبَةِ لِلنَّقِيضِ مُخْتَلِفَيْنِ فَهُوَ (مُعَارَضَةٌ) ، وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ فَهُوَ (قَدْحٌ فِي الْمُنَاسَبَةِ) . وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ الْمُعْتَرِضَ إلَى أَصْلٍ وَالْجِهَةُ مُخْتَلِفَةٌ فَهُوَ (مُعَارَضَةٌ لِمَعَانِي الْأُصُولِ بِالْمُرْسَلَاتِ) فَلَا تُسْمَعُ. وَأَمَّا فَسَادُ الِاعْتِبَارِ فَحَاصِلُهُ (مُعَارَضَةٌ) . فَإِنْ كَانَ التَّوْقِيفُ أَقْوَى أَوْ تَسَاوَيَا تَمَّتْ الْمُعَارَضَةُ، أَوْ أَضْعَفَ قُدِّمَ، عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ.
الثَّانِي: نَقْلُ خِلَافٍ فِي اسْتِعْمَالِ السُّؤَالِ عَلَى مُوَافَقَةِ النَّصِّ، هَلْ يَكُونُ فَسَادَ وَضْعٍ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: فَلَا حَاصِلَ عِنْدِي لِهَذَا الْخِلَافِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَ دَلِيلَيْنِ إلَّا عَلَى تَفْسِيرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ أَحَدَهُمَا، أَمَّا إذَا سَبَقَ إلَى الْفِكْرِ الظَّنُّ بِأَحَدِهِمَا اسْتَحَالَ أَنْ تَظُنَّ بِالْآخَرِ ظَنًّا آخَرَ مُجَامِعًا لِلْأُولَى. انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ طَرِيقَةِ النَّاسِ الْمَشْهُورَةِ وَأُوِّلَ إطْلَاقُ الْعُلَمَاءِ بِاجْتِمَاعِ الْعِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ كَفَى فِي حُصُولِ الْغَرَضِ.
الثَّالِثُ: قَدْ يُورَدُ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى قَوَاعِدِ أَصْحَابِنَا فِي قِيَاسِ الْعَامِدِ عَلَى النَّاسِي فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ، وَفِي جَبْرِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ، وَفِي قَضَائِهَا عِنْدَ التَّرْكِ، وَفِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَيُقَالُ: كَيْفَ يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ مَعَ أَنَّ الشَّرْعَ عَذَرَ النَّاسِيَ وَرَفَعَ التَّكْلِيفَ عَنْهُ، وَلَمْ يَعْذِرْ الْعَامِدَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إعْذَارِ النَّاسِي إعْذَارُ الْعَامِدِ. وَقَدْ كَثُرَ التَّشْنِيعُ عَلَيْنَا فِي هَذَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْعَمْدَ يُفَارِقُ النِّسْيَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْمِ وَعَدَمِهِ. فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ، أَوْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَالْإِيجَابِ وَعَدَمِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الطَّهَارَةَ عَمْدًا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَلِكَ نَاسِيًا. وَكَذَلِكَ تَرْكُ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَأْمُورَاتِ. وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا فِي الْمَنْهِيَّاتِ.
وَقَدْ يُورِدُ أَيْضًا قِيَاسَ الْمُخْطِئِ عَلَى الْعَامِدِ فِي إيجَابِ كَفَّارَةِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِهَا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: