الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُوجِبِهَا، فَشَرَطَ فِيهَا النِّيَّةَ كَالتَّيَمُّمِ. وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي الشَّبَهِ. انْتَهَى. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَعْرِيفِهِ.
[حُكْم قِيَاس الشَّبَه]
الْمَقَامُ الثَّانِي: فِي حُكْمِهِ
وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيهِ إذَا تَعَذَّرَتْ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى مَذَاهِبَ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ حُجَّةً، وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ شَارِحُ الْعُنْوَانِ: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاطِعِ: إنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِهِ، مِنْهَا قَوْلُهُ فِي إيجَابِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ كَالتَّيَمُّمِ: طَهَارَتَانِ فَكَيْفَ تَفْتَرِقَانِ. وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْأُمِّ فِي بَابِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَالْقِيَاسُ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ، فَذَاكَ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافًا.
وَالثَّانِي أَنْ يُشْبِهَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ مِنْ أَصْلٍ، وَيُشْبِهَ مِنْ أَصْلٍ غَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَوْضِعُ الصَّوَابِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ: فَأَيُّهُمَا كَانَ أَوْلَى بِشَبَهِهِ صِيرَ إلَيْهِ، فَإِنْ اشْتَبَهَ أَحَدُهُمَا فِي خَصْلَتَيْنِ، وَالْآخَرُ فِي خَصْلَةٍ أَلْحَقَهُ بِاَلَّذِي أَشْبَهَ فِي خَصْلَتَيْنِ. انْتَهَى.
حَكَى هَذَا النَّصَّ الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِهِمْ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ. قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قَوْلَهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِكَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهَا عِلَّةً لِحُكْمٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا حُكِمَ بِتَرْجِيحِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ فِي الْفَرْعِ بِكَثْرَةِ الشَّبَهِ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ " فَمَوْضِعُ الصَّوَابِ. . . " إلَى آخِرِهِ، يُرِيدُ إذَا كَانَتْ كُلُّ خَصْلَةٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا مُسْتَغْنِيَةً عَنْ صَاحِبَتِهَا مِثْلَ الْأَخِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كَالْأَبِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ كَابْنِ الْعَمِّ، وَهُوَ يُشْبِهُ الْأَبَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مَحْرَمٌ لَهُ بِالْقَرَابَةِ، وَيُشْبِهُ ابْنَ الْعَمِّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَسُقُوطِ النَّفَقَةِ، وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مَعَهُمَا، وَجَرَيَانِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِلْحَاقُهُ بِابْنِ الْعَمِّ حَتَّى لَا يُعْتَقَ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ أَوْلَى. وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ الْقَوْلَ بِالشَّبَهِ بِطَرِيقِ تَمَسُّكِهِمْ بِهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَلَعَلَّ أَكْثَرَ أَقْيِسَةِ الْفُقَهَاءِ قِيَاسُ الشَّبَهِ. قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: طَهَارَتَانِ فَأَنَّى تَفْتَرِقَانِ؟ فَإِنَّهُ يُوهِمُ الِاجْتِمَاعَ فِي مُنَاسِبٍ، وَهُوَ مَأْخَذُ الشَّبَهِ وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ الْمُنَاسِبِ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَسْحُ الرَّأْسِ لَا يَتَكَرَّرُ وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ لَا يَتَكَرَّرُ، قِيَاسًا عَلَى الْخُفِّ. وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي: قِيَاسُ الشَّبَهِ عِنْدَنَا حُجَّةٌ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْمَعْنَوِيَّ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً لِأَنَّهُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، وَالشَّبَهُ يُفِيدُهَا أَيْضًا. وَمَنْ أَنْكَرَهَا فِي الشَّبَهِ كَانَ مُنْكَرُهَا فِي قِيَاسِ الْمَعْنَى. انْتَهَى. وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ نِسْبَةَ الْقَوْلِ بِالشَّبَهِ إلَى الشَّافِعِيِّ، مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، كَمَا حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: لَا يَكَادُ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِالشَّبَهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَعَ عُلُوِّ رُتْبَتِهِ فِي الْأُصُولِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ فِي اللُّمَعِ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ مُتَأَوَّلٌ
مَحْمُولٌ عَلَى قِيَاسِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّهُ يُرَجِّحُ بِكَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ وَيَجُوزُ تَرْجِيحُ الْعِلَلِ بِكَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ. قُلْت: وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الرِّسَالَةِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَرَّمَ الشَّيْءَ مَنْصُوصًا، أَوْ أَحَلَّ لِمَعْنًى، فَإِذَا وَجَدْنَا ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيمَا لَمْ يَنُصَّ فِيهِ بِعَيْنِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ أَحْلَلْنَاهُ أَوْ حَرَّمْنَاهُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. أَوْ تَجِدُ الشَّيْءَ يُشْبِهُ مِنْهُ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا نَجِدُ شَيْئًا أَقْرَبَ مِنْهُ شَبَهًا مِنْ أَحَدِهِمَا فَنُلْحِقُهُ بِأَوْلَى الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ، كَمَا قُلْنَا فِي الصَّيْدِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْقِيَاسُ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ وَلَا يَخْتَلِفُ الْقِيَاسُ فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ لَهُ الْأُصُولُ أَشْبَاهًا بِذَلِكَ، فَيُلْتَحَقُ بِأَوْلَاهَا بِهِ وَأَكْثَرِهَا شَبَهًا بِهِ. وَقَدْ يَخْتَلِفُ الْقَائِسُونَ فِي هَذَا. انْتَهَى.
الْمَذْهَبُ الثَّانِي:
أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَنْ ادَّعَى التَّحْقِيقَ مِنْهُمْ، وَصَارَ إلَيْهِ أَبُو زَيْدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَذَهَبَ إلَيْهِ أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ انْتَهَى. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَالشِّيرَازِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، كَمَا نُقِلَ فِي الْبَحْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَالْقَاضِي ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ، لَكِنْ هُوَ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ صَالِحٌ لَأَنْ يُرَجَّحَ بِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي بَابِ " تَرْجِيحِ الْعِلَلِ " مِنْ كِتَابِ التَّقْرِيبِ. وَقَالَ إلْكِيَا: وَرُبَّمَا تَرَدَّدَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي تَصَانِيفِهِ فِي إبْطَالِ الشَّبَهِ فَقَالَ: إنْ لَمْ يُبَيِّنْ مُسْتَنَدَ ظَنِّهِ كَانَ مُتَحَكِّمًا، وَإِنْ بَيَّنَ كَانَ مُخَيِّلًا. وَرُبَّمَا قَالَ: الْإِشْبَاهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَسْتَنِدَ إلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ. قَالَ: وَقَدْ بَيَّنَّا تَصَوُّرَهَا لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِحُجِّيَّتِهِ فِي أَنَّهُ بِمَاذَا يُعْتَبَرُ، عَلَى مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا.
وَالثَّانِي: بِشَرْطِ ذَهَابِ الصُّورَةِ إلَى الْحُكْمِ فِي وَاقِعَةٍ لَا يُوجَدُ مِنْهَا إلَّا الْوَصْفُ الشَّبَهِيُّ.
وَالثَّالِثُ: بِشَرْطِ أَنْ يَجْتَذِبَ الْفَرْعَ أَصْلَانِ، وَلَيْسَ أَصْلٌ سِوَاهُمَا، فَيُلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ. حَكَاهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ السَّابِقِ.
وَالرَّابِعُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلْحُكْمِ عِلَّةٌ بِعَيْنِهِ، وَإِلَّا كَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهَا أَوْلَى مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَشْبَاهٍ وَصِفَاتٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهَا عِلَّةً لِلْحُكْمِ. حَكَاهُ الْقَاضِي وَقَالَ: إنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الَّذِي قَبْلَهُ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْأَشْبَاهِ الَّتِي يَغْلِبُ بِهَا، عَلَى مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: الْمُعْتَبَرُ الْمُشَابَهَةُ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ دُونَ الصُّورَةِ، وَحَكَاهُ الرَّازِيَّ وَالْبَيْضَاوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَلِهَذَا أَلْحَقَ الْعَبْدَ الْمَقْتُولَ بِسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ فِي لُزُومِ قِيمَتِهِ عَلَى الْقَاتِلِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُبَاعُ وَيُشْتَرَى. وَحَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا، كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ مَرْدُودٌ إلَى النِّكَاحِ فِي شَرْطِ الْحَدِّ، وَوُجُوبِ الْمَهْرِ بِشُبْهَةٍ، بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ فِي الْأَحْكَامِ.
وَالثَّانِي: اعْتِبَارُ الْمُشَابَهَةِ فِي الصُّورَةِ، كَقِيَاسِ الْخَيْلِ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَسُقُوطِ الزَّكَاةِ بِصُورَةِ شَبَهٍ، أَوْ كَقِيَاسِ الْخَيْلِ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي حُرْمَةِ اللَّحْمِ لِقَوْلِ الْقَائِلِ: ذُو حَافِرٍ أَهْلِيٍّ، حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ مُعْتَلًّا بِوُجُودِ الشَّبَهِ قَالَ: وَإِذَا جَازَ تَعْلِيلُ الْأَصْلِ بِصِفَةٍ مِنْ ذَاتِهِ جَازَ تَعْلِيلُهُ بِصِفَةٍ
مِنْ صِفَاتِهِ، وَلِأَنَّ الْعِلَلَ أَمَارَاتٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّبَهُ فِي الصُّورَةِ أَمَارَةً عَلَى الْحُكْمِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّبَهُ فِي الْمَعْنَى أَوْ فِي الْحُكْمِ أَمَارَةً عَلَى الْحُكْمِ. قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّ مُجَرَّدَ الشَّبَهِ فِي الصُّورَةِ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِ، لِأَنَّ التَّعْلِيلَ مَا كَانَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُفِيدُ قُوَّةً فِي الظَّنِّ حَتَّى يُوجِبَ حُكْمًا. انْتَهَى. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ إلَى اعْتِبَارِ الْمُشَابَهَةِ فِي الصُّورَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَصَمِّ، وَلِهَذَا زَعَمَ أَنَّ تَرْكَ الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا يَضُرُّ، كَالْجِلْسَةِ الْأُولَى. وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ. وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا فِي إلْحَاقِهِ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي فِي الْوُجُوبِ. وَاخْتَارَ إلْكِيَا اعْتِبَارَ الشَّبَهِ فِي الصُّورَةِ إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ، كَالْمُعْتَبَرِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ قَالَ: وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَنْوَاعِ إذْ لَا يُعْرَفُ لَهُ نَظِيرٌ. قَالَ: وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ دَلَالَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: الْعَبْدُ أَشْبَهُ بِالْحُرِّ فِي الْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ لِلْحُرْمَةِ، وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ مِثْلُهُ. فَإِنْ أَوْجَبَ لِاحْتِرَامِ الْمَحَلِّ وَالشَّبَهِ فِي الْمَقْصُودِ، كَاعْتِبَارِ خِيَارِ الشَّرْطِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ إذَا ثَبَتَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْمَقْصُودِ، وَهُوَ دَفْعُ الْغَبَنِ فَمُعْتَبَرَانِ. وَاعْلَمْ أَنْ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ الشَّبَهَ فِي مَوَاضِعَ:
(مِنْهَا) إلْحَاقُ الْهِرَّةِ الْوَحْشِيَّةِ بِالْإِنْسِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، دُونَ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ، لِاخْتِلَافِ أَلْوَانِ الْوَحْشِيَّةِ كَالْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ فَإِنَّهَا أَلْوَانُهَا مُتَّحِدَةٌ دُونَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّ أَلْوَانَهَا مُخْتَلِفَةٌ.
وَ (مِنْهَا) حَيَوَانَاتُ الْبَحْرِ: الصَّحِيحُ حِلُّ أَكْلِهَا مُطْلَقًا. وَقِيلَ: مَا أُكِلَ شَبَهَهُ مِنْ الْبَرِّ أُكِلَ شَبَهَهُ مِنْ الْبَحْرِ، فَصَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ اعْتَبَرَ الشَّبَهَ
الصُّورِيَّ. وَعَلَى هَذَا فَقَالَ الْبَغَوِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا: حِمَارُ الْبَحْرِ لَا يُؤْكَلُ، فَأَلْحَقُوهُ بِشَبَهِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ دُونَ الْوَحْشِيِّ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي حَيَوَانِ الْبَحْرِ الْحِلُّ (وَمِنْهَا) جَزَاءُ الصَّيْدِ كَإِيجَابِ الْبَقَرَةِ الْإِنْسِيَّةِ فِي الْوَحْشِيَّةِ.
وَ (مِنْهَا) إقْرَاضُ الْحَيَوَانِ، فَفِي رَدِّ بَدَلِهِ وَجْهَانِ أَشْبَهَهُمَا بِالْحَدِيثِ الْمِثْلُ، وَالْقِيَاسُ الْقِيمَةُ.
وَ (مِنْهَا) السُّلْتُ، وَهُوَ يُشَابِهُ الْحِنْطَةَ فِي صُورَتِهِ الشَّعِيرَ بِطَبْعِهِ، فَهَلْ يُلْحَقُ بِالْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ هُوَ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ؟ أَوْجُهٌ.
وَ (مِنْهَا) إذَا كَانَ الرِّبَوِيُّ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، فَيُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ، وَقِسْ عَلَى هَذَا نَظَائِرُهُ.
وَالثَّالِثُ: اعْتِبَارُهُ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ الْأَشْبَاهِ الرَّاجِعَةِ إلَى الصُّورَةِ
وَالرَّابِعُ: اعْتِبَارُهُ فِيهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ. حَكَاهُ الْقَاضِي.
وَالْخَامِسُ: اعْتِبَارُ حُصُولِ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مَنَاطُ الْحُكْمِ، بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِعِلَّةِ الْحُكْمِ، أَوْ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ. فَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ الْقِيَاسُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُشَابَهَةُ فِي الصُّورَةِ أَوْ الْمَعْنَى. وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيَّ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ (قَالَ) : وَكَانَ يُنْكِرُ الْقِيَاسَ عَلَى شَبَهٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، إمَّا تَعَيُّنًا لَا احْتِمَالَ فِيهِ وَلَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ، أَوْ تَعَيُّنًا ظَاهِرًا وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ غَيْرَهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَأَبْطَلَ الْقِيَاسَ عَلَى غَيْرِ عِلَّةٍ، وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الْقَفَّالَ قَالَ بِالْحُكْمِ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ، وَزَعَمَ أَنَّ الْأَشْبَاهَ تُنَظِّمُ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَوْصَافَ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا عِلَّةُ حُكْمِ الْفَرْعِ، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ، وَشَبَّهَ ذَلِكَ بِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَى الْمَائِعِ الطَّاهِرِ أَوْ النَّجَسِ، فَجَعَلَ مَا اخْتَلَطَ وَغَلَبَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ فِي الْفَرْعِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ لِمُشَارَكَتِهِ فِيمَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ
فِي الْأَصْلِ. وَهُوَ عَجِيبٌ، إذْ كَيْفَ يَجِبُ رَدُّ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا لَيْسَ عِلَّةً فِيهِ.
وَالسَّادِسُ: أَنْ لَا يُوجَدَ شَيْءٌ أَشْبَهَ بِهِ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إنْ تَمَسَّك بِهِ النَّاظِرُ، أَيْ الْمُجْتَهِدُ، كَانَ حُجَّةً فِي حَقِّهِ إنْ حَصَلَ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا الْمَنَاظِرُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى. وَقَدْ نَصَّ فِي الْقَوَاطِعِ الْقَوْلُ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَقَالَ: لَا يُنْكِرُهُ إلَّا مُعَانِدٌ. (ثُمَّ قَالَ) : وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّأْثِيرَ لَا بُدَّ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ التَّأْثِيرَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنًى، وَقَدْ يَكُونُ بِحُكْمٍ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَلَبَةِ شَبَهٍ، فَإِنَّهُ رُبَّ شَبَهٍ أَقْوَى مِنْ شَبَهٍ آخَرَ، وَأَوْلَى بِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهِ، لِقُوَّةِ أَمَارَتِهِ، وَالشَّبَهُ يُعَارِضُهُ شَبَهٌ آخَرُ، وَرُبَّمَا ظَهَرَ فَضْلُ قُوَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَرُبَّمَا يَخْفَى. وَيَجُوزُ رُجُوعُ الشَّبَهَيْنِ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَيَجُوزُ إلَى أَصْلَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قُوَّةِ نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي أُصُولِهِ: إنَّا لَا نَعْنِي بِقِيَاسِ الشَّبَهِ أَنْ يُشَبَّهَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ إلَّا وَهُوَ يُشْبِهُ شَيْئًا آخَرَ مِنْ وَجْهٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَجْهٍ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يُوجَدَ شَيْءٌ أَشْبَهَ بِهِ مِنْهُ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ الْوُضُوءِ بِالتَّيَمُّمِ، وَكَذَا الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ. وَهَذَا لِأَنَّ إلْحَاقَ الشَّيْءِ بِنَظَائِرِهِ وَإِدْخَالَهُ فِي سِلْكِهِ أَصْلٌ عَظِيمٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَشْبَهَ مِنْهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إلْحَاقِهِ بِهِ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ، تَقْرِيبٌ حَسَنٌ وَهُوَ عَائِدٌ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ: وَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ أَوَّلًا بِالْمَعَانِي، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ وَأَعْوَزَتْ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ السَّابِقَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَحَلُّ
وِفَاقٍ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ فِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
وَقَالَ إلْكِيَا: شَرَطُوا لِقِيَاسِ الشَّبَهِ شُرُوطًا:
مِنْهَا: أَنْ يَلُوحَ فِي الْأَصْلِ الْمَرْدُودِ إلَيْهِ مَعْنًى، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَقْطَعُ نِظَامَ الشَّبَهِ، وَغَايَةُ مَنْ يَدَّعِي الشَّبَهَ إيهَامُ اجْتِمَاعِ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي مَقْصُودِ الشَّارِعِ، فَإِذَا لَاحَ فِي الْأَصْلِ مَعْنًى انْقَطَعَ نِظَامُ الْجَمْعِ. قَالَ: هَكَذَا أَطْلَقُوهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا لَاحَ فِي أَحَدِهِمَا مَعْنًى جُزْئِيٌّ وَفُقِدَ فِي الثَّانِي، أَمَّا إذَا كَانَ اسْتِنَادُ الْأَصْلِ إلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ لَا يُتَصَوَّرُ اطِّرَادُهُ فِي آحَادِ الصُّوَرِ وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ سَبَقَ لِإِبَانَةِ الْمَحَلِّ، فَتَعْلِيلُ الْأَصْلِ لَا يَضُرُّ فِي مِثْلِهِ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدْ ضَرَبَ الشَّافِعِيُّ لَهُ مِثَالًا فَقَالَ: بَدَأَ عَلَيْهِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ فِي الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ، فَكَانَ فِيهِ خَيَالُ اللَّوْثِ، فَاخْتَصَّهَا بِتِلْكَ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الدَّعْوَيَيْنِ حَالَةَ اللَّوْثِ وَحَالَةَ عَدَمِهَا ظَاهِرَةً، وَلَكِنْ أَمْكَنَ فَهْمُ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ، أَمَّا عِنْدَ اللَّوْثِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ غَيْرُ تِلْكَ الْحَالَةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الشَّبَهَ إذَا لَاحَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مُبْطِلًا مَعَانِي الْخَصْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ خَاصًّا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يَكُونُ لِلْخَصْمِ فِي مُقَابَلَتِهِ إلَّا مَعْنًى عَامٌّ بِنَهْيٍ مِنْ الْأَصْلِ نَقْضًا لَهُ.
وَلَهُ نَظَائِرُ: (مِنْهَا) أَنَّ التَّيَمُّمَ إذَا صَارَ أَصْلًا فَالْمَعْنَى الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْقُوضٌ بِالتَّيَمُّمِ، وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ مَقْصُودًا فَلَمْ يَكُنْ عِبَادَةً. (انْتَهَى) .
وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا فِي الِاحْتِجَاجِ لِقِيَاسِ الشَّبَهِ. وَأَصَحُّ مَا ذَكَرُوهُ مَسَالِكُ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: «لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَهُ» وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَبَّهَ حَالَ هَذَا السَّائِلَ فِي نَزْعِ الْعِرْقِ مِنْ أُصُولِهِ بِنَزْعِ الْعِرْقِ مِنْ أُصُولِ الْفَحْلِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ قِيَاسَ الْمَعْنَى إنَّمَا صِيرَ إلَيْهِ لِإِفَادَتِهِ الظَّنَّ، وَهَذَا يُفِيدُهُ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ. وَاعْتَرَضَ الْإِبْيَارِيُّ:
أَوَّلًا: بِأَنَّهُ قِيَاسُ الْمَعْنَى فِي الْأُصُولِ فَلَا يُسْمَعُ.
وَثَانِيًا: بِمَنْعِ إفَادَةِ الظَّنِّ.
وَثَالِثًا: أَنَّهُ لَمْ تَخْلُ وَاقِعَةٌ مِنْ حُكْمٍ، قَالُوا: وَمَنْ مَارَسَ مَسَائِلَ الْفِقْهِ وَتَرَقَّى عَنْ رُتْبَةِ الْبَادِئِ فِيهَا عَلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُخَيَّلَ لَا يَعُمُّ الْمَسَائِلَ، وَكَثِيرٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ تَخْلُو مِنْ الْمَعَانِي خُصُوصًا فِي الْعِبَادَاتِ وَهَيْئَاتِهَا وَالسِّيَاسَاتِ وَمَقَادِيرِهَا، وَشَرَائِطِ الْمُنَاكَحَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ إلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ، وَلَا يَلْزَمُنَا الطَّرْدُ لِأَنَّا فِي غَنِيَّةٍ عَنْهُ إذْ هُوَ مُنْسَحِبٌ عَلَى جَمِيعِ الْحَوَادِثِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ دَاعٍ إلَيْهِ، فَوَضَحَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالشَّبَهِ عَنْ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، وَلَوْلَا الضَّرُورَاتِ لَمَا شُرِعَ أَصْلُ الْقِيَاسِ.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: بَنَى الْقَاضِي الْخِلَافَ فِي قِيَاسِ الشَّبَهِ عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ أَوْ كُلَّ
مُجْتَهِدٍ؟ فَإِنْ قُلْت: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ فَالْأَوْلَى بِك إبْطَالُ قِيَاسِ الشَّبَهِ، وَإِنْ قُلْت بِتَصْوِيبِهِمْ، فَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ حُكْمٌ مِنْ قَضِيَّةِ اعْتِبَارِ الشَّبَهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ قَطْعًا، وَوَافَقَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ عَلَى تَقْرِيرِ ثُبُوتِ كَوْنِهَا ظَنِّيَّةً، لَكِنْ خَالَفَ فِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ وَقَالَ: الْأَلْيَقُ بِمَا مَهَّدَهُ مِنْ الْأُصُولِ أَنْ يُقَالَ؛ كُلُّ مَا آلَ إلَى إثْبَاتِ دَلِيلٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ فَيُطْلَبُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَرُبَّمَا يَقُولُ: إنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُتَمَسِّكَ بِضَرْبٍ مِنْ الْقِيَاسِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ وَفِي الْحَادِثَةِ نَصٌّ لَمْ يَبْلُغْهُ فَهُوَ مَأْمُورٌ قَطْعًا بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي مُخَالِفِهِ مَرْدُودًا.
الثَّانِي:
قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَشْبَاهِ إنَّمَا تُقَوِّي أَحَدَ جَانِبَيْ الْقِيَاسِ إذَا أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْصَافِ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُمْ الْحُكْمُ إلَّا لِمَجْمُوعِ أَوْصَافٍ حَتَّى يَرُدَّ بِهَا إلَى أَصْلٍ، فَيُرَدَّ إلَى أَصْلٍ آخَرَ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَوْصَافِ فَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْوَاحِدِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ وَصْفًا آخَرَ سِوَى الْأَوْصَافِ الْمَجْمُوعَةِ فِيمَا سِوَاهُ، مِثْلُ عِلَّةِ الطُّعْمِ فِي الرِّبَا أَوْلَى مِنْ عِلَّةِ الْقُوتِ لِأَنَّهُ مَا مِنْ قُوتٍ إلَّا وَهُوَ طَعَامٌ، فَكَانَ مَنْ عَلَّلَ بِهِ عَلَّلَ الطَّعَامَ وَزِيَادَةً وَعِلَّةُ " الطَّعَامِ وَالْكَيْلِ " مُسْتَوِيَتَانِ، فَتَقَدُّمُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالتَّرْجِيحِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الْأَصْلُ الْمَرْدُودُ إلَيْهِ وَاحِدًا غَيْرَ أَنَّ أَحَدَ الْقِيَاسِيِّينَ يُرَدُّ الْفَرْعُ إلَيْهِ بِوَصْفٍ، وَالْآخَرُ يَرُدُّهُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْصَافِ، فَضَمُّهَا إلَيْهِ بِالْوَصْفِ الْوَاحِدِ أَوْلَى.
الثَّالِثُ:
هَلْ يُسْتَعْمَلُ " الشَّبَهُ " مُرْسَلًا كَمَا اُسْتُعْمِلَ الْمُنَاسِبُ مُرْسَلًا؟ قَالَ