المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[السابع من الاعتراضات الفرق ويسمى سؤال المعارضة] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٧

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْقِيَاسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَة الْقِيَاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتِمَالُ النُّصُوصِ عَلَى الْفُرُوعِ الْمُلْحَقَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَوْضُوعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْقِيَاسُ يُعْمَلُ بِهِ قَطْعًا]

- ‌[مَسْأَلَة التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَصُّ الشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَال الْقِيَاسُ إذَا عُدِمَ النَّصُّ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمُرْسَلُ وَالضَّعِيفُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ لِلْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي أَرْكَانِ الْقِيَاس] [

- ‌الرُّكْن الْأَوَّل الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَأْثِيرُ الْأَصْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْفَرْعُ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعِلَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمَعْلُولُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اقْتِصَارُ الشَّارِعِ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ فِي الْعِلَّة]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِلَّةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْصَافُهَا فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِي النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الِاسْتِدْلَال عَلَى عِلِّيَّةِ الْحُكْمِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسِبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ وَالْإِقْنَاعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرُ وَالْمُلَاءَمَةُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّادِسُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّابِعُ الشَّبَهُ]

- ‌[حُكْم قِيَاس الشَّبَه]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ الدَّوَرَانُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ الطَّرْدُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ]

- ‌[الِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[الْأَوَّلُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ النَّقْضُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْكَسْرُ]

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ الْعَكْسِ]

- ‌[الرَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ التَّأْثِيرِ]

- ‌[الْخَامِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْقَلْبُ]

- ‌[حَقِيقَتِهِ الْقَلْبُ]

- ‌[اعْتِبَارِهِ الْقَلْب]

- ‌[هَلْ الْقَلْب قَادِحٌ أَمْ لَا]

- ‌[أَقْسَام الْقَلْبُ]

- ‌[السَّادِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْفَرْقُ وَيُسَمَّى سُؤَالَ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوط الْفَرْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَوَابِ الْفَرْقِ]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الِاسْتِفْسَارُ]

- ‌[التَّاسِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]

- ‌[الْعَاشِرُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الْوَضْعِ]

- ‌[الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْمَنْعُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات التَّقْسِيمُ]

- ‌[الثَّالِث عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات اخْتِلَافُ الضَّابِطِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ اخْتِلَافُ حُكْمَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[وُجُوهٍ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْتِيبِ الْأَسْئِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حِيَلِ الْمُتَنَاظِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقِ بِمُنَاقَضَاتِ الْخُصُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ]

الفصل: ‌[السابع من الاعتراضات الفرق ويسمى سؤال المعارضة]

فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِمْ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ: يُسَابَقُ عَلَيْهَا فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، كَالْإِبِلِ. فَيَقُولُ: مُسَلَّمٌ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ. وَدَلِيلُكُمْ إنَّمَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَالثَّانِي: كَقَوْلِنَا فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ فِي الْمُثَقَّلِ: الْمُتَفَاوِتُ فِي الْوَسِيلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ، كَالتَّفَاوُتِ فِي الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ وَهُوَ الْقَتْلُ، فَإِنَّهُ لَوْ ذَبَحَهُ أَوْ ضَرَبَ عُنُقَهُ أَوْ طَعَنَهُ لَمْ يَمْنَعْ الْقِصَاصَ. وَهَذَا فِيهِ إبْطَالُ مَذْهَبِ الْخَصْمِ، إذْ الْحَنَفِيُّ يَرَى أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآلَةِ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: تَسْلِيمُ التَّفَاوُتِ فِي الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ الْمَنْعِ لِلْقِصَاصِ ثُبُوتُهُ، بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ مِنْ وُجُودِ مُقْتَضِيهِ وَهُوَ السَّبَبُ الصَّالِحُ لِإِثْبَاتِهِ، وَالنِّزَاعِ فِيهِ. وَجَوَابُهُ بِأَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ لُزُومَ الْحُكْمِ مَحَلَّ النِّزَاعِ بِوُجُودِ نَقِيضِهِ بِمَا ذُكِرَ فِي دَلِيلِهِ إنْ أَمْكَنَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ فِي الْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ: يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ التَّفَاوُتِ فِي الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ وُجُودُ مُقْتَضَى الْقِصَاصِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْمَانِعِ وَعَدَمَهُ قِيَامُ الْمُقْتَضِي، إذْ لَا يَكُونُ الْوَصْفُ تَابِعًا بِالْفِعْلِ إلَّا لِمُعَارَضَةِ الْمُقْتَضِي، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي وُجُودَهُ.

أَوْ يُبَيِّنُ الْمُسْتَدِلُّ أَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ اعْتِرَاضٍ مِنْ الْمُعْتَرِضِ بِدَلِيلٍ. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا فَرَضْنَا الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ، لَا فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَيَسْتَدِلُّ عَلَى ذَلِكَ.

[السَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْفَرْقُ وَيُسَمَّى سُؤَالَ الْمُعَارَضَةِ]

السَّابِعُ: الْفَرْقُ وَيُسَمَّى (سُؤَالَ الْمُعَارَضَةِ) وَ (سُؤَالَ الْمُزَاحَمَةِ)، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَلْقَابٍ. وَهُوَ: إبْدَاءُ وَصْفٍ فِي الْأَصْلِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً لِلْحُكْمِ أَوْ جُزْءَ عِلَّةٍ، وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْفَرْعِ، سَوَاءٌ كَانَ مُنَاسِبًا أَوْ شَبَهًا إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ شَبِيهَةً

ص: 378

بِأَنْ يَجْمَعَ الْمُسْتَدِلُّ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِأَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، فَيُبْدِي الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا فَارِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْعِ. وَقَدْ اشْتَرَطُوا فِيهِ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَرْقٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَإِلَّا لَكَانَ هُوَ هُوَ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْأَصْلُ مِنْ الْأَوْصَافِ يَكُونُ مُؤَثِّرًا مُقْتَضِيًا لِلْحُكْمِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُلْغًى بِالِاعْتِبَارِ بِغَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْفَارِقُ قَادِحًا

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَاطِعًا لِلْجَمْعِ، بِأَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْ الْجَمْعِ لِيُقَدَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ مِثْلَهُ لِيُعَارِضَهُ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: اخْتَلَفَ الْجَدَلِيُّونَ فِي حَدِّهِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ، وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ: إنَّ حَقِيقَةَ الْفَرْقِ قَطْعُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ إذْ اللَّفْظُ أَشْعَرَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُقْصَدُ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ: حَقِيقَتُهُ الْمَنْعُ مِنْ الْإِلْحَاقِ بِذِكْرِ وَصْفٍ فِي الْفَرْعِ أَوْ فِي الْأَصْلِ.

وَيَنْبَنِي عَلَى هَذِهِ الْخِلَافِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْفَارِقَ إذَا ذَكَرَ فَرْقًا فِي الْأَصْلِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْكِسَهُ فِي الْفَرْعِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَمَا عَلَيْهِ الْحُذَّاقُ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْجَمْعِ، وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ الْجَمْعُ إذَا عَكَسَهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْفَرْقُ، وَالِافْتِرَاقُ لَهُ رُكْنَانِ:(أَحَدُهُمَا) وُجُودُ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ، وَ (الثَّانِي) انْتِفَاؤُهُ فِي الْفَرْعِ، لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَقُولُ:

ص: 379

وُجُودُ مَعْنًى آخَرَ لَا يَضُرُّنِي، لِأَنَّهُ يُؤَكِّدُ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعْلِيلِي، وَصَارَ غَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ عَكْسُهُ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ وَصْفُ كَذَا، فَإِذَا أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ امْتَنَعَ التَّعْلِيلُ فِي الْأَصْلِ بِهِ، وَإِذَا امْتَنَعَ التَّعْلِيلُ امْتَنَعَتْ التَّعْدِيَةُ.

وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِهِ وَقَدْحِهِ فِي الْعِلَّةِ عَلَى مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: - أَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ، لِأَنَّ الْجَامِعَ لَمْ يَلْتَزِمْ بِجَمْعِهِ مُسَاوَاةَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي جَمِيعِ الْقَضَايَا، وَإِنَّمَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي وَجْهٍ، وَلَا يَتَضَمَّنُ الْجَمْعَ بَيْنَ أَسْئِلَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ ذَكَرَ مَعْنًى فِي جَانِبِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعْلِيلَ الْمُعَلِّلِ بِجَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، وَحَكَاهُ فِي " الْبُرْهَانِ " عَنْ طَوَائِفَ مِنْ الْجَدَلِيِّينَ وَالْأُصُولِيِّينَ (قَالَ) : وَإِنَّمَا يَسْتَمِرُّ هَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِرَدِّ الْمُعَارَضَةِ فِي جَانِبِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ جَمِيعًا (قَالَ) : وَهُوَ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ سَاقِطٌ مَرْدُودٌ.

وَأَمَّا ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ: وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ أَضْعَفُ سُؤَالٍ يُذْكَرُ، وَلَيْسَ مِمَّا يَمَسُّ الْعِلَّةَ الَّتِي نَصَبَهَا الْمُعَلِّلُ بِوَجْهٍ مَا، لَكِنَّ نِهَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْفَارِقَ يَدَّعِي مَعْنًى فِي الْأَصْلِ مَعْدُومًا فِي الْفَرْعِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَعْنَى الَّذِي نَصَبَهُ الْمُعَلِّلُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْلُولًا بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ وَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْفَرْعِ وَعُدِمَتْ الْأُخْرَى، وَإِحْدَاهُمَا كَافِيَةٌ لِوُجُوبِ الْحُكْمِ، وَانْتِفَاءُ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ حُكْمِهَا إذَا خَلَفَتْهَا عِلَّةٌ أُخْرَى.

وَالثَّانِي: - قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْفَرْقَ لَيْسَ سُؤَالًا عَلَى حِيَالِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنَى مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ بِمَعْنًى، وَمُعَارَضَةُ الْعِلَّةِ الَّتِي نَصَبَهَا الْمُسْتَدِلُّ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُعَارَضَةُ.

ص: 380

وَالثَّالِثُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَارْتَضَاهُ كُلُّ مَنْ يَنْتَمِي إلَى التَّحْقِيقِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ:" إنَّهُ صَحِيحٌ مَقْبُولٌ، وَهُوَ إنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَعْنَى مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ وَعَلَى مُعَارَضَةِ عِلَّةِ الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُعَارَضَةَ، بَلْ مُنَاقَضَةُ الْجَمْعِ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهُ أَقْوَى الِاعْتِرَاضَاتِ وَأَجْدَرُهَا بِالِاعْتِنَاءِ بِهِ. هَكَذَا حَكَاهُ فِي " الْمَنْخُولِ " عَنْ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " الْمُلَخَّصِ ": إنَّهُ أَفْقَهُ شَيْءٍ يَجْرِي فِي النَّظَرِ، وَبِهِ يُعْرَفُ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعِلَّةِ خُلُوُّهَا عَنْ الْمُعَارَضَةِ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ الْمُعَلِّلَ لَا يَسْتَقِرُّ مَا لَمْ يُبْطِلْ بِمَسْلَكِ السَّبْرِ كُلُّ مَا عَدَا عِلَّتِهِ مِمَّا يُقَدَّرُ التَّعْلِيلُ بِهِ، فَإِذَا عَلَّلَ وَلَمْ يَسْبُرْ فَعُورِضَ بِمَعْنًى فِي الْأَصْلِ، فَكَأَنَّهُ طُولِبَ بِالْوَفَاءِ بِالسَّبْرِ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى التَّعْلِيلِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ اسْتَدَلَّ عَلَى قَبُولِهِ بِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَجْمَعُونَ وَيُفَرِّقُونَ، وَيَتَعَلَّقُونَ بِالْفَرْقِ كَمَا يَتَعَلَّقُونَ بِالْجَمْعِ، كَمَا فِي قَضِيَّةِ الْجَارِيَةِ الْمُرْسِيَةِ الَّتِي أَجْهَضَتْ الْجَنِينَ وَقَدْ أَرْسَلَ إلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُهَدِّدُهَا، فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه اسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: إنَّمَا أَنْتَ مُؤَدِّبٌ، وَلَا أَرَى عَلَيْك شَيْئًا. وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إنْ لَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ غَشَّك، وَإِنْ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَخْطَأَ، أَرَى عَلَيْك الْغُرَّةَ.

وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ حَاوَلَ تَشْبِيهَ تَأْدِيبِهِ بِالْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا تُعَقَّبَ

ص: 381

ضَمَانًا، وَجَعَلَ الْجَامِعَ أَنَّهُ فَعَلَ مَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَاعْتَرَضَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِالْفَرْقِ، وَأَبَانَ أَنَّ الْمُبَاحَاتِ الْمَضْبُوطَةِ النِّهَايَاتِ لَيْسَتْ كَالتَّعْزِيرَاتِ الَّتِي يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا دُونَ مَا يُؤَدِّي إلَى الْإِتْلَافِ قَالَ: وَلَوْ تَتَبَّعْنَا مُعْظَمَ مَا يَخُوضُ فِيهِ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ.

وَقَدْ بَالَغَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَقَالَ: قَوْلُهُ: شَرْطُ صِحَّةِ الْعِلَّةِ خُلُوُّهَا عَنْ الْمُعَارَضَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ إنَّمَا تَقْدَحُ فِي حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، أَمَّا إذَا ذُكِرَتْ عِلَّتَانِ بِحُكْمٍ وَاحِدٍ فَلَا يَقْدَحُ، وَلَا يُسَمَّى مُعَارَضَةً. وَقَوْلُهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْمُعَلِّلِ مَا لَمْ يَبْطُلْ كَلَامُهُ مَا عَدَا عِلَّتِهِ يُقَالُ: مَنْ قَالَ هَذَا؟ وَلِأَيِّ مَعْنًى يَجِبُ؟ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَخِيلَةً فِي الْحُكْمِ مُنَاسِبَةً لَهُ إذَا وُجِدَ فِيهَا أَلْحَقَهُ بِالْأَصْلِ الَّذِي اسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْعِلَّةَ. وَأَمَّا السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ وَإِبْطَالُ مَا عَدَا الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ (قَالَ) : وَقَدْ نُسِبَ هَذَا إلَى الْبَاقِلَّانِيِّ رحمه الله (قَالَ) : وَكُلُّ مَنْ كَلَّفَ الْمُعَلِّلَ هَذَا أَوْ رَامَ تَصْحِيحَ الْعِلَّةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَقَدْ أَعْلَمَنَا مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ الْفِقْهَ لَيْسَ مِنْ بَابِهِ وَلَا مِنْ شَأْنِهِ، وَأَنَّهُ دَخِيلٌ فِيهِ مُدَّعٍ لَهُ. (قَالَ) : وَقَدْ بَانَ بُطْلَانُ طَرِيقِ السَّبْرِ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ الْتِزَامٌ كَذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فِي تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ الْتِزَامُ إبْطَالِ كُلِّ عِلَّةٍ سِوَى عِلَّتِهِ، فَهَذِهِ مِنْ التُّرَّهَاتِ وَالْخُرَافَاتِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ تَعْلِيلَ الْأَصْلِ بِعِلَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ.

قُلْت: وَلَمْ يَتَوَارَدْ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، لِأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ مَنَعَ اجْتِمَاعَ عِلَّتَيْنِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ يُجَوِّزُهُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَأَمَّا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ ابْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ فَقَدْ حَاوَلَ شَيْئًا بَعِيدًا، لِأَنَّ الْفَرْقَ وَالْجَمْعَ عَلَى الَّذِي يَخُوضُ فِيهِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانُوا يَتَّبِعُونَ التَّأْثِيرَاتِ. وَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَعْنًى صَحِيحٌ، وَاَلَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي مَعْنَى الضَّمَانِ أَلْطَفُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُبَاحُ لَهُ التَّأْدِيبُ وَلَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالسَّلَامَةِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَيْسَ بِحَتْمٍ

ص: 382

بَلْ يَجُوزُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، فَيُطْلَقُ فِعْلُهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. (قَالَ) : وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْفَرْقِ وَالْجَمْعِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ بِشَيْءٍ، فَلَا يُدْرَى كَيْفَ وَقَعَ هَذَا الْخَبْطُ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ.

وَإِنْ وَقَعَ الْفَرْقُ فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ الْفَرْقَ بِالْمَعَانِي الْمُؤَثِّرَةِ وَتَرْجِيحِ الْمَعْنَى عَلَى الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي شَيْءٍ وَرَاءَ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْمُعَلِّلَ لَمَّا ذَكَرَ عِلَّةً قَامَ لَهُ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهَا، فَفَرَّقَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِمَعْنًى، فَإِنْ كَانَ فَرْقًا لَا يَقْدَحُ فِي التَّأْثِيرِ الَّذِي لِوَصْفِ الْمُعَلِّلِ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فَرْقٌ صُورَةً، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَإِنْ فَرَّقَ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ فَغَايَتُهُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّتَيْنِ. وَإِنْ بَيَّنَ الْفَارِقُ مَعْنًى مُؤَثِّرًا فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَالْقَادِحُ بَيَانُ مَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي الْفَرْعِ يُفِيدُ خِلَافَ الْحُكْمِ الَّذِي أَفَادَهُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، فَلَا بُدَّ لِهَذَا مِنْ إسْنَادِهِ إلَى أَصْلٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُعَارَضَةً، وَلَا يَكُونُ الْفَرْقُ الَّذِي يُقْصَدُ بِالسُّؤَالِ، وَنَحْنُ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعَارَضَةَ قَادِحَةٌ. (انْتَهَى)

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ فِي الْفَرْعِ لَا تُسَمَّى فَرْقًا، وَيَصِيرُ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا. وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ. وَنَقَلَ إلْكِيَا مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي اسْتِدْلَالِ الْقَاضِي عَنْ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ عِنْدَنَا أَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا يَقْدَحُ إذَا كَانَ أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الْعِلَلِ، فَإِذْ ذَاكَ يَتَبَيَّنُ بِهِ فَسَادُ الْجَمْعِ، إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ ابْتِدَاءً تَعْلِيلٌ فِي الْأَصْلِ، وَعَكْسُهُ فِي الْفَرْقِ. وَرُبَّ فَرْقٍ يَظْهَرُ فَتَخْرُجُ عِلَّةُ الْمُعَلِّلِ عَنْ اعْتِبَارِهَا شَرْعًا، وَحِينَئِذٍ فَيَلْحَقُ تَعْلِيلُ الْمُعَلِّلِ بِالطَّرْدِ، فَإِنَّهُ أَخَصُّ مِنْ الْجَمْعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ مَثَلًا لِلْفَرْقِ أَوْ أَخَصَّ فَلَا نُبَالِي بِهِ، كَقَوْلِ الْمَالِكِيِّ فِي الْهِبَةِ: عَقْدُ تَمْلِيكٍ تَرَتَّبَ عَلَى صِحَّةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيهَا الْمِلْكُ بِالْمُعَاوَضَةِ، فَيَقُولُ الْفَارِقُ: الْمُعَاوَضَةُ يَتَضَمَّنُهَا النُّزُولُ عَنْ الْعِوَضِ وَالرِّضَا بِالْمُعَوَّضِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالْهِبَةُ قَدْ عَارَتْ بِهَا. فَالْمُعَلِّلُ يَقُولُ: تِلْكَ الصِّيغَةُ مُطْرَحَةٌ فَيَضْطَرِبُ النَّظَرُ فِيهَا.

ص: 383

قَالَ) وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ نُكْتَةَ الْفَرْقِ كَوْنُهُ أَخَصَّ مِنْ الْجَمْعِ، وَالْجَمْعُ أَعَمُّ، فَإِذًا فِي الْفَرْقِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا أَنَّ الْفَرْقَ يَرْجِعُ إلَى قَطْعِ الْجَمْعِ مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصِيَّةُ.

وَ (الثَّانِي) إبْطَالُ الْفَرْقِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُعَارَضَةً فِي جَانِبِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَالْمُعَارَضَةُ بَاطِلَةٌ.

وَ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَقْبُولٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ قَدْحًا فِي غَرَضِ الْجَمْعِ. وَهَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْقَ إمَّا أَنْ يَلْحَقَ الْجَامِعَ بِوَصْفٍ طَرْدِيٍّ، أَوْ لَا.

وَ (الْأَوَّلُ) مَقْبُولٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَمِنْ عَلَامَتِهِ أَنْ يُقَيِّدَ الْفَارِقُ جَمْعَ الْجَامِعِ وَيَزِيدَ فِيهِ مَا يُوَضِّحُ بُطْلَانَ أَثَرِهِ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: مُعَاوَضَةٌ عَنْ تَرَاضٍ فَتُفِيدُ الْمِلْكَ، كَالصَّحِيحِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ جَرَتْ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ فَنَقَلَتْ الْمِلْكَ بِالشَّرْعِ، بِخِلَافِ الْمُعَاوَضَةِ الْفَاسِدَةِ.

وَ (الثَّانِي) هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، كَقَوْلِ الْمَالِكِيِّ فِي الْهِبَةِ، يَحْصُلُ فِيهَا الْمِلْكُ فِيهِ بِالصِّيغَةِ بِلَا قَبْضٍ، لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمَلُّكٍ، فَيَحْصُلُ الْمِلْكُ فِيهِ بِالصِّيغَةِ كَالْبَيْعِ، فَيَقُولُ الْفَارِقُ: الْمُعَاوَضَةُ تَتَضَمَّنُ النُّزُولَ عَنْ الشَّيْءِ بِعِوَضٍ، فَتَضَمَّنَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ نُزُولٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبْضِ لِيَدُلَّ عَلَى الرِّضَا. فَهَذَا النَّوْعُ هُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ. فَمَنْ رَدَّ الْمُعَاوَضَةَ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ أَوْ أَحَدِهِمَا رَدَّهُ. وَقِيلَ بِقَبُولِهِ عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ، وَالْمُخْتَارُ قَبُولُهُ لِحَاجَةٍ. وَهِيَ مُنَاقَضَةٌ فِقْهِيَّةٌ لِلْجَمْعِ.

ثُمَّ أَتَى الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ جَامِعٍ فَقَالَ: الْفَرْعُ وَالْجَمْعُ إنْ ازْدَحَمَا عَلَى أَصْلٍ وَفَرْعٍ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَالْمُخْتَارُ فِيهِ عِنْدَنَا اتِّبَاعُ الْإِحَالَةِ. فَإِنْ كَانَ الْفَرْقُ أَصْلًا عَلَّلَ الْجَمْعَ وَعَكْسَهُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ هُنَا بِالْعِلَّتَيْنِ الْمُتَنَاقِضَتَيْنِ وَإِذَا بَنَيْنَا عَلَى صِيغَةِ التَّسَاوِي أَمْكَنَ أَنْ يُقَدَّمَ الْجَمْعَ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ

ص: 384

الْفَرْقِ بَعْدَهُ غَيْرَ مُنَاقِضٍ لَهُ (قَالَ) : وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْفَرْقُ لَا يُحِيطُ فِيهِ الْجَمْعُ بِالْكُلِّيَّةِ. فَإِنْ أَبْطَلَهُ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الْجَمْعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَيَكُونُ مَقْبُولًا قَطْعًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَبَانَ الْفَرْقُ أَنَّ الْجَامِعَ طَرْدِيٌّ فَلَا خِلَافَ فِي قَبُولِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِرَدِّ الطَّرْدِيِّ. وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَفِيهِ مَذْهَبَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَرْدُودٌ مُطْلَقًا. وَ (ثَانِيهُمَا) أَنَّهُ مَقْبُولٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ: فَقِيلَ: لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ فَرْقًا، بَلْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُعَارَضَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْمُعَارَضَةَ.

ثُمَّ قِيلَ: هُوَ أَضْعَفُ سُؤَالٍ يُذْكَرُ، وَحَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْئِلَةِ.

ثُمَّ قِيلَ: هُوَ سُؤَالَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سُرَيْجٍ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مُعَارَضَةِ عِلَّتِهِ لِلْأَصْلِ بِعِلَّةٍ، ثُمَّ مُعَارَضَةُ عِلَّتِهِ لِلْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ فِي جَانِبِ الْفَرْعِ. وَالْمُخْتَارُ - كَمَا قَالَهُ فِي " الْمَنْخُولِ " - أَنَّهُ سُؤَالٌ وَاحِدٌ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْفَرْقُ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْإِشْعَارَ بِمَنْعِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَدَعْوَى عِلَّةٍ أُخْرَى فِيهِ وَمُعَارَضَةٍ فِي الْفَرْعِ بِعَكْسِ الْمُدَّعِي فِي الْأَصْلِ. إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْفَارِقُ وَصْفًا آخَرَ فِي جَانِبِ الْفَرْعِ عِنْدَ عَكْسِهِ فَيَكُونُ مُعَارِضًا وَتَتَعَدَّدُ.

وَالْمُخْتَارُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَى أُصُولٍ مُتَعَدِّدَةٍ، قَبُولُ فُرُوقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، إذْ قَدْ لَا يُسَاعِدُ الْفَارِقَ فِي الْفَرْقِ الْإِتْيَانُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مُتَنَاوِلٍ لِجَمِيعِ الْأُصُولِ. وَقَدْ ذَكَرَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي قَبُولِ الْفَرْقِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَنْبَطَتَيْنِ. فَمَنْ جَوَّزَهُ قَالَ: لَا يَقْدَحُ الْفَرْقُ فِي الْعِلِّيَّةِ فَلَا يَفْسُدُ قِيَاسُهُ وَلَا جَمْعُهُ بِعِلِّيَّةِ الْفَرْقِ لِجَوَازِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى. وَمَنْ مَنَعَهُ فَهُوَ قَائِلٌ بِالْعَكْسِ فَيَقْدَحُ الْفَرْقُ حِينَئِذٍ وَيَبْطُلُ الْقِيَاسُ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْقَائِلُ بِأَنَّ الْحُكْمَ يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا عَنْ الْفَرْقِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ عَدَمَ إشْعَارِهِ بِإِثَارَةِ الْفَرْقِ وَيُرَجِّحَ مَسْلَكَ الْجَامِعِ مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ.

ص: 385

مَسْأَلَةٌ

إذَا فَرَّقَ الْمُفَرِّقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعْكِسَ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى وَبِغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَجُوزُ ثُبُوتُهُ بِعِلَّتَيْنِ، قَالَ أَبُو الْخَيْرِ بْنُ جَمَاعَةَ الْمَقْدِسِيُّ فِي " الْفُرُوقِ " وَمَثَّلَهُ بِقِيَاسِ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، حَتَّى قَالُوا: ذِكْرٌ لَا يُجْهَرُ بِهِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ فَلَمْ يَجِبْ، كَتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا: التَّسْبِيحُ يُشْرَعُ فِي رُكْنٍ هُوَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، فَلِهَذَا كَانَ وَاجِبًا.

مَسْأَلَةٌ

وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ " الْفَرْقَ مُعَارَضَةٌ أَوْ مَقْبُولٌ لِنَفْسِهِ " أَنَّهُ إذَا أَبْدَى الْفَارِقُ مَعْنًى فِي الْأَصْلِ مُغَايِرًا لِمَعْنَى الْمُعَلِّلِ وَعَكْسِهِ فِي الْفَرْعِ، وَرَبَطَ بِهِ الْحُكْمَ مُنَاقِضًا لِحُكْمِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ. فَفِي اشْتِرَاطِ رَدِّ مَعْنَى الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ أَقْوَالٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَرُدَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ إلَى الْأَصْلِ، وَعِلَّةَ الْفَرْعِ إلَى أَصْلٍ. وَذَهَبَ إلَيْهِ طَوَائِفُ مِنْ الْجَدَلِيِّينَ. وَنُقِلَ عَنْ الْأُسْتَاذِ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ فَيَنْبَغِي اشْتِمَالُهَا عَلَى عِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَعَلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ الْمُرْسَلَ مَرْدُودٌ. فَقَالَ الْقَاضِي: مَذْهَبِي قَبُولُ الِاسْتِدْلَالِ، وَلَوْ كُنْت مِنْ الْقَائِلِينَ بِإِبْطَالِ الِاسْتِدْلَالِ لَقَبِلْته عَلَى أَنَّهُ فَرْقٌ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُقْبَلُ لِخَاصِّيَّتِهِ وَهُوَ الْمُنَاقَضَةُ، وَهَذَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ إلَى أَصْلٍ. وَمَا أَظْهَرَهُ الْفَارِقُ لَا أَصْلَ لَهُ.

ص: 386

وَالثَّانِي: لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، لَا فِي الْأَصْلِ وَلَا فِي الْفَرْعِ، وَنُسِبَ لِلْجُمْهُورِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَبَنَاهُ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْجَمْعِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، وَبَنَاهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ الْمُرْسَلَ مَقْبُولٌ، وَنَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ فِي تَفَاصِيلَ ذَكَرَهَا فِي " الْمَنْخُولِ ".

وَالثَّالِثُ: يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي عِلَّةِ الْفَرْعِ دُونَ الْأَصْلِ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، أَيْ إنْ كَانَ الْفَرْقُ بِذِكْرِ وَصْفٍ فِي الْفَرْعِ انْقَطَعَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَصْلٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ إذَا عَكَسَهُ فِي الْفَرْعِ انْقَطَعَ الْجَمْعُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ الظَّنُّ.

وَالرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَرِدَ الْفَرْقُ عَلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قِيَاسِ الْمَعْنَى احْتَاجَ إلَيْهِ.

وَالْخَامِسُ: أَنَّ الْفَرْقَ فِي الْفَرْعِ إنْ كَانَ يُخِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى أَصْلٍ، وَإِنْ لَمْ يُخِلَّ افْتَقَرَ إلَى أَصْلٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَرُدَّ كُلًّا مِنْهَا إلَى أَصْلٍ كَانَ مُدَّعِيًا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ عِلَّتَيْنِ وَاقِفَتَيْنِ، وَمُسَلِّمًا لِعِلَّةِ الْمَسْئُولِ، وَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ، وَالْمُتَعَدِّيَةُ أَوْلَى مِنْ الْوَاقِفَةِ، فَكَأَنَّهُ عَارَضَ الْمُسْتَدِلَّ بِدُونِ دَلِيلِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي الْمُعَارَضَةِ، لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَوْ رَجَحَ دَلِيلُهُ عَلَى مُعَارَضَةِ السَّائِلِ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ التَّرْجِيحِ لَحُكِمَ لَهُ بِالسَّبْقِ. وَمِمَّنْ حَكَى هَذِهِ الْمَذَاهِبَ الْبَاجِيُّ وَأَبُو الْخَيْرِ بْنُ جَمَاعَةَ فِي كِتَابِهِ " الْوَسَائِلِ ".

فَرْعٌ: فَإِنْ شَرَطْنَا رَدَّ مَعْنَى الْفَرْعِ فِي الْفَرْقِ إلَى أَصْلٍ، فَلَوْ أَبْدَاهُ فِي الْأَصْلِ فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى أَصْلٍ آخَرَ، فَيَحْتَاجُ الْفَرْعُ وَالْأَصْلُ إلَى أَصْلَيْنِ، لِأَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مُضَادَّةُ الْجَامِعِ فِيهِمَا كَالْمَعْنَى الْوَاحِدِ، وَلَوْ قُلْنَا بِالِاحْتِيَاجِ إلَى أَصْلٍ لَقَبِلْنَا

ص: 387

الْمُعَارَضَةَ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ بِأَصْلٍ آخَرَ وَيَسْتَمِرُّ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَهُوَ بَاطِلٌ. هَذَا إذَا أَبْدَى مَعْنًى فِي الْأَصْلِ وَعَكْسَهُ فِي الْفَرْعِ. فَلَوْ عَكَسَ الْفَارِقُ فِي الْفَرْعِ مَعْنَى الْأَصْلِ فَلَمْ يُنَاقِضْ فِقْهُ الْعَكْسِ فِقْهَ الْجَمْعِ، أَوْ نَاقَضَهُ عَلَى بُعْدٍ، فَاحْتَاجَ إلَى مَزِيدٍ فِي الْفَرْعِ، فَاخْتَلَفَ الْجَدَلِيُّونَ فِيهِ: فَمَنْ اعْتَقَدَ الْفَرْقَ مُعَارَضَةً لَمْ يَمْنَعْ الزِّيَادَةَ. وَمَنْ قَالَ: إنَّمَا هُوَ مَعْنًى يُضَادُّ الْجَامِعَ اكْتَفَى بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ وَنَفْيِهِ فِي الْفَرْعِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي الْفَرْعِ لَيْسَ لَهَا فِي جَانِبِ الْأَصْلِ ثُبُوتٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا.

مَسْأَلَةٌ

الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مِنْ الْقَوَادِحِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ مِنْ تَمَامِهِ وَلَوَازِمِهِ نَفْيُهُ عَنْ الْفَرْعِ أَمْ لَا؟ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى الْفَارِقِ، لِأَنَّ قَصْدَهُ افْتِرَاقُ الصُّورَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ: وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ: إنْ صَرَّحَ فِي إيرَادِ الْفَرْقِ بِالِافْتِرَاقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَفْيِهِ عَنْهُ، وَإِلَّا فَإِنْ قَصَدَ أَنَّ دَلِيلَهُ غَيْرُ قَائِمٍ فَلَا يَجِبُ.

هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ وَاحِدًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فَقِيلَ: يُمْنَعُ ذَلِكَ لِإِفْضَائِهِ إلَى انْتِشَارِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلتَّقْوِيَةِ. ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إذَا فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَبَيْنَ الْفَرْعِ هَلْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ أَمْ لَا بَلْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْفَرْعِ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ فَقِيلَ: يَكْفِيهِ ذَلِكَ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ إلْحَاقَ الْفَرْعِ بِتِلْكَ الْأُصُولِ بِأَسْرِهَا غَرَضُ الْمُسْتَدِلِّ، وَإِلَّا لَمْ يُعَدِّدْهُ، وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُلْحَقًا بِالْأَصْلِ الَّذِي فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْعِ. وَقِيلَ: لَا يَكْفِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ. وَالْقَائِلُونَ بِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَرْقُ وَاحِدًا لِئَلَّا يَنْتَشِرَ الْكَلَامُ أَمْ يَجُوزُ تَعَدُّدُهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: أُولَاهُمَا الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ فِي الْأَكْثَرِ فَيَلْزَمُ سَدُّ بَابِ

ص: 388