المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[هل القلب قادح أم لا] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٧

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْقِيَاسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَة الْقِيَاس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتِمَالُ النُّصُوصِ عَلَى الْفُرُوعِ الْمُلْحَقَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَوْضُوعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[مَسْأَلَة الْقِيَاسُ يُعْمَلُ بِهِ قَطْعًا]

- ‌[مَسْأَلَة التَّعَبُّد بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَصُّ الشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتِعْمَال الْقِيَاسُ إذَا عُدِمَ النَّصُّ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمُرْسَلُ وَالضَّعِيفُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ لِلْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي أَرْكَانِ الْقِيَاس] [

- ‌الرُّكْن الْأَوَّل الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَأْثِيرُ الْأَصْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقِيَاسُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْفَرْعُ]

- ‌[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعِلَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمَعْلُولُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ الْعِلَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اقْتِصَارُ الشَّارِعِ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ فِي الْعِلَّة]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعِلَّةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْصَافُهَا فِي الْقِيَاسِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّانِي النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الِاسْتِدْلَال عَلَى عِلِّيَّةِ الْحُكْمِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ الْمُنَاسَبَةُ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسِبِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمُنَاسِبِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ وَالْإِقْنَاعِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ التَّأْثِيرُ وَالْمُلَاءَمَةُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّادِسُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ السَّابِعُ الشَّبَهُ]

- ‌[حُكْم قِيَاس الشَّبَه]

- ‌[الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ الدَّوَرَانُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ الطَّرْدُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الْعَاشِرُ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ]

- ‌[الِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[الْأَوَّلُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ النَّقْضُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْكَسْرُ]

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ الْعَكْسِ]

- ‌[الرَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات عَدَمُ التَّأْثِيرِ]

- ‌[الْخَامِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْقَلْبُ]

- ‌[حَقِيقَتِهِ الْقَلْبُ]

- ‌[اعْتِبَارِهِ الْقَلْب]

- ‌[هَلْ الْقَلْب قَادِحٌ أَمْ لَا]

- ‌[أَقْسَام الْقَلْبُ]

- ‌[السَّادِسُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْفَرْقُ وَيُسَمَّى سُؤَالَ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوط الْفَرْقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَوَابِ الْفَرْقِ]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الِاسْتِفْسَارُ]

- ‌[التَّاسِعُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]

- ‌[الْعَاشِرُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ فَسَادُ الْوَضْعِ]

- ‌[الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات الْمَنْعُ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات التَّقْسِيمُ]

- ‌[الثَّالِث عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَات اخْتِلَافُ الضَّابِطِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ اخْتِلَافُ حُكْمَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ]

- ‌[الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[وُجُوهٍ الْمُعَارَضَةِ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْتِيبِ الْأَسْئِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِانْتِقَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حِيَلِ الْمُتَنَاظِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَلُّقِ بِمُنَاقَضَاتِ الْخُصُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ]

الفصل: ‌[هل القلب قادح أم لا]

وَالْجُمْهُورُ عَلَى إمْكَانِهِ. وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْحُكْمَيْنِ غَيْرُ مُتَنَافِيَيْنِ لِذَاتِهِمَا، فَلَا جَرَمَ يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْأَصْلِ، لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْفَرْعِ، فَإِذَا أَثْبَتَ الْقَالِبُ الْحُكْمَ الْآخَرَ فِي الْفَرْعِ بِالرَّدِّ إلَى الْأَصْلِ وَشَهَادَةِ اعْتِبَارِهِ امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فِيهِ. وَأَحَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إشْعَارَ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ بِحُكْمَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ، فَمَنَعَ الشَّارِحُ الْإِبْيَارِيُّ التَّنَاقُضَ بَيْنَ حُكْمَيْ الْعِلَّةِ وَقَلْبِهَا فِي الثَّانِي، وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ التَّنَاقُضِ بِاجْتِمَاعِ الْحُكْمَيْنِ فِي الْأَصْلِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَالصَّوَابُ مَنْعُ الْإِمَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَوَاضِعِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْقَالِبِ، لِأَنَّهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْفَرْعِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ عَنْهُ، فَهِيَ مُنَاقَضَةٌ بِالْمُوَاضَعَةِ، لَا بِالْحَقِيقَةِ. لَكِنْ لَا أُصَوِّبُ قَوْلَهُ: إنَّ الْوَصْفَ الْوَاحِدَ لَا يُشْعِرُ بِمُتَنَاقِضَيْنِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُشْعِرُ بِهِمَا، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219] غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْحُكْمَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ، فَتَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا بِالتَّرْجِيحِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] فَنَبَّهَ عَلَى رُجْحَانِ الْمَفْسَدَةِ.

[هَلْ الْقَلْب قَادِحٌ أَمْ لَا]

الثَّالِثُ - فِي أَنَّهُ قَادِحٌ أَمْ لَا:

وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقِيلَ: هُوَ إفْسَادُ الْعِلَّةِ مُطْلَقًا، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَنَقَلَ تَسْلِيمَ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْجَامِعَ دَلِيلٌ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْمُسْتَدِلِّ أَوْ عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ مَنْ يُسَمِّيهِ (مُعَارَضَةً) ، فَإِنَّ الْمُعَارَضَةَ لَا تُفْسِدُ الْعِلَّةَ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْ التَّعَلُّقِ بِهَا حَتَّى يَثْبُتَ رُجْحَانُهَا مِنْ خَارِجٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقِيلَ: إنَّهُ تَسْلِيمٌ لِلصِّحَّةِ، عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ.

ص: 364

وَظَاهِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَازِمٌ جَدَلًا لَا دَيْنًا، وَلِهَذَا قَالَ: تَلْتَبِسُ فِيهِ الْحُظُوظُ الْمَعْنَوِيَّةُ بِالْمَرَاسِمِ الْجَدَلِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهَا مُنَاقَضَةٌ دَيْنًا وَجَدَلًا. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حُجَّةٌ قَادِحَةٌ فِي الْعِلَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مِنْ أَلْطَفِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ النَّاظِرُ. وَسَمِعْت الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقَلْبَ إنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا حَيْثُ اسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بِقَوْلِهِ عليه السلام: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فِي مَسْأَلَةِ السَّاحَةِ، قَالَ: فِي هَدْمِ الْبِنَاءِ ضَرَرٌ بِالْغَاصِبِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُنَا: وَفِي مَنْعِ صَاحِبِ السَّاحَةِ مِنْ سَاحَتِهِ، إضْرَارٌ. فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ مِثْلَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ سُؤَالُ الْقَلْبِ. قَالَ: وَهُوَ شَاهِدُ زُورٍ، يَشْهَدُ لَكَ وَيَشْهَدُ عَلَيْك، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا فَرْضُ مَسْأَلَةٍ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ، وَلَيْسَ لِلسَّائِلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْقَالِبَ عَارَضَ الْمُسْتَدِلَّ بِمَا لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَلِيلِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَارَضَهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَقِيلَ: هُوَ بَاطِلٌ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْأَوْصَافِ الطَّرْدِيَّةِ.

وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: الْقَلْبُ سُؤَالٌ صَحِيحٌ يُوقِفُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْعِلَّةِ وَيُفْسِدُهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَشَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ يَقُولَانِ: هُوَ مُعَارَضَةٌ وَأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ. قَالَ: وَعِنْدِي فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْقَلْبَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَلْبٌ بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ. فَهَذَا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ الْمَقُولَ بِهَا، لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلَّةِ تَعَلُّقٌ بِالْحُكْمِ الَّذِي تَعَلَّقَ عَلَيْهَا وَاخْتِصَاصٌ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ الضِّدِّ بِهَا، فَإِذَا بَيَّنَ السَّائِلُ صِحَّةَ أَنْ يُعَلِّقَ عَلَيْهَا ضِدَّهُ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً، كَقَوْلِنَا فِي أَنَّ الْخِيَارَ فِي الْمَبِيعِ يُورَثُ، فَإِنَّ الْمَوْتَ مَعْنًى يُزِيلُ التَّكْلِيفَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُبْطِلَ الْخِيَارَ،

ص: 365

كَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ. فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: أَقْلِبُ هَذِهِ الْعِلَّةَ فَأَقُولُ: إنَّ الْمَوْتَ مَعْنًى يُبْطِلُ التَّكْلِيفَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْقُلَ الْخِيَارَ إلَى الْوَارِثِ، كَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ.

ثَانِيهِمَا: الْقَلْبُ بِبَعْضِ الْأَوْصَافِ: فَهَذَا هُوَ مُعَارَضَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا لِأَنَّ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا جَعَلْتُ الْعِلَّةَ جَمِيعَ الْأَوْصَافِ، فَإِذَا قَلَبَ بِبَعْضِهَا فَلَمْ تَفْسُدْ الْعِلَّةُ إنَّمَا جِئْتُ بِأُخْرَى. كَقَوْلِ الْمَالِكِيِّ فِي ضَمِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ: مَالَانِ زَكَاتُهُمَا رُبُعُ الْعُشْرِ بِكُلِّ حَالٍ، فَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ، كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ، فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: أَقْلِبُ الْعِلَّةَ وَأَقُولُ: مَالَانِ زَكَاتُهُمَا رُبُعُ الْعُشْرُ بِكُلِّ حَالٍ فَلَمْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْقِيمَةِ، كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ.

وَنُقِلَ فِي " الْمَنْخُولِ " عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ مَرْدُودٌ وَلَيْسَ مُعَارَضَةً، فَإِنَّ شَرْطَهُمَا التَّعَارُضُ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ نَوْعُ مُعَارَضَةٍ، إذْ مُحَالٌ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ مِنْ جِهَتَيْنِ، لِاشْتِرَاكِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَلِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ هِيَ أَبَدًا مَعْنًى فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ، أَوْ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ يَقْتَضِي خِلَافَ مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ. وَهَذَا الْوَصْفُ كَذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَمْنَعَ حُكْمَ الْقَالِبِ فِي الْأَصْلِ، وَأَنْ يَقْدَحَ فِي الْعِلَّةِ بِالنَّقْضِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ إذَا أَمْكَنَهُ. وَفِي جَوَازِ قَلْبِ قَلْبِهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا، حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ:

أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ، فَإِذَا قَلَبَهُ عَلَى الْقَالِبِ صَارَ شَاهِدًا لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَلِلْقَالِبِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، وَرَجَّحَهُ الْبَاجِيُّ، لِأَنَّهُ نَقْضٌ، وَالنَّقْضُ لَا يَصِحُّ أَنْ

ص: 366

يُنْقَضَ، وَكَذَلِكَ الْقَلْبُ لَا يُقْلَبُ. وَرَجَّحَ فِي " الْمَحْصُولِ " الْجَوَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُنَاقِضًا لِلْحُكْمِ، لِأَنَّ قَلْبَ الْقَالِبِ إذَا فَسَدَ بِالْقَلْبِ سَلِمَ أَصْلُ الْقِيَاسِ مِنْ الْقَلْبِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِمُعَارَضَةٍ بَلْ هُوَ إفْسَادُ الْعِلَّةِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى قَلْبِهِ بِكُلِّ مَا لِلْقَالِبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي النَّقْضِ. نَعَمْ، يَفْتَرِقُ الْقَلْبُ وَالْمُعَارَضَةُ فِي صُوَرٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْقَلْبَ مُعَارَضَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى إجْمَاعِ الْخَصْمَيْنِ، سَوَاءٌ انْضَمَّ إلَيْهِمَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَمْ لَا. وَالْمُنَاقَضَةُ فِي الْمُعَارَضَةِ حَقِيقِيَّةٌ، وَفِي الْقَلْبِ وَضْعِيَّةٌ. أَيْ تَوَاضُعُ الْخَصْمَانِ أَوْ الْمُجْمِعُونَ عَلَى الْمُنَاقَضَةِ.

ثَانِيهَا: أَنَّ عِلَّةَ الْمُعَارَضَةِ وَأَصْلَهَا قَدْ يَكُونُ مُغَايِرًا لِعِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ وَأَصْلِهِ، بِخِلَافِ الْقَلْبِ فَإِنَّ عِلَّتَهُ وَأَصْلَهُ هُمَا عِلَّتَا الْمُسْتَدِلِّ وَأَصْلُهُ، ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ.

ثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ وَلَا إثْبَاتِ الْوَصْفِ. وَكُلُّ قَلْبٍ مُعَارَضَةٌ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ.

رَابِعُهَا: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الزِّيَادَةُ فِي الْعِلَّةِ وَفِي سَائِرِ الْمُعَارَضَاتِ يُمْكِنُ.

خَامِسُهَا: أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، لِأَنَّ أَصْلَ الْقَالِبِ وَفَرْعَهُ هُوَ أَصْلُ الْمُعَلَّلِ وَفَرْعُهُ. وَيُمْكِنُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْمُعَارَضَاتِ. ذَكَرَ هَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ صَاحِبُ " الْمَحْصُولِ "، وَتَبِعَهُ الْهِنْدِيُّ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْجَدَلِيِّينَ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقَلْبِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَبَيَّنُ فِيهِ

ص: 367

أَنَّ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ عَلَيْهِ، لَا لَهُ، هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاعْتِرَاضَاتِ، وَلَا يُتَّجَهُ فِي قَبُولِهِ خِلَافٌ. وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَمِثَالِ الِاعْتِكَافِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَبَيْعِ الْغَائِبِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، هَلْ هُوَ اعْتِرَاضٌ أَوْ مُعَارَضَةٌ؟ فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ، لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ يُعَارِضُ دَلَالَةَ الْمُسْتَدِلِّ بِدَلَالَةٍ أُخْرَى. (قَالَ) : وَلِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ:

مِنْهَا: أَنَّهُ إنْ قِيلَ: إنَّهُ مُعَارَضَةٌ جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ، فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، كَالنِّكَاحِ، وَإِنْ قِيلَ: هُوَ اعْتِرَاضٌ لَمْ تَجُزْ فِيهِ الزِّيَادَةُ. انْتَهَى. وَهَذَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ عَنْ " الْمَحْصُولِ ". وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُعَارَضَةَ كَدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ فَلَا يَتَعَذَّرُ بِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ، بِخِلَافِ الِاعْتِرَاضِ فَإِنَّهُ مَنْعٌ لِلدَّلِيلِ، فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَيَكُونُ كَالْكَذِبِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ حَيْثُ يَقُولُ مَا لَمْ يَقُلْ.

وَمِنْهَا: إنْ قُلْنَا: إنَّهُ مُعَارَضَةٌ جَازَ قَلْبُهُ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ كَمَا يُعَارِضُ الْعِلَّةَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى الشِّرَاءِ، فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: أَنَا أَقْلِبُ هَذَا الدَّلِيلَ وَأَقُولُ: تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ، فَلَا يَقَعُ لِمَنْ أَضَافَهُ إلَيْهِ، كَالشِّرَاءِ، فَإِنَّ الشِّرَاءَ يَصْلُحُ لِمَنْ أُضِيفَ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي لَهُ، بَلْ صَحَّ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْفُضُولِيُّ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ اعْتِرَاضٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَنْعٌ، وَالْمَنْعُ لَا يَمْنَعُ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ مُعَارَضَةٌ جَازَ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْمُعَارَضَةِ، لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهَا. وَإِنْ كَانَ اعْتِرَاضًا لَمْ يَجُزْ وَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الْمَنْعَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُعَارَضَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ مُعَارَضَةً قَبِلَ فِيهِ التَّرْجِيحَ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ اعْتِرَاضٌ

ص: 368