الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب السُّكْنَى للمعتدة
ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث (فسبعة) :
الحَدِيث الأول
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن سعد بن إِسْحَاق، عَن عمته زَيْنَب، عَن الفريعة.
وَأحمد عَن يَحْيَى بن سعيد عَن سعد بِهِ. وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي، وَالتِّرْمِذِيّ، عَن مُحَمَّد بن بشار، عَن يَحْيَى بن سعيد بِهِ،
وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى، عَن (معن) ، عَن مَالك بِهِ.
وَالنَّسَائِيّ، عَن قُتَيْبَة، عَن اللَّيْث.
وَمن طَرِيق آخر عَن سعد بن إِسْحَاق.
وَابْن مَاجَه، عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر، عَن سعد بِهِ.
وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَلّي بن عبد الْعَزِيز، وَأبي مُسلم الْكشِّي، عَن القعْنبِي، عَن مَالك، وَلما رَوَاهُ عبد الْغَنِيّ بن سعيد من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن يزِيد بن مُحَمَّد، عَن سعد بن إِسْحَاق، قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث يزِيد بن مُحَمَّد لَا أعلم حدَّث بِهِ عَنهُ إِلَّا يزِيد بن أبي حبيب.
قلت: وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن إِسْحَاق، وَأَبُو بَحر البكراوي، عَن سعد كَذَلِك، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن زيد، عَن إِسْحَاق بن سعد، وَقيل: عَن حَمَّاد، عَن سعد بن إِسْحَاق، وَإِسْحَاق من رِوَايَة حَمَّاد أشهر، وَسعد
من رِوَايَة (غَيره أشهر) كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، قَالَ: وَزعم مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي - فِيمَا يرَى - أَنَّهُمَا اثْنَان.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَإِن لم يَكُونَا اثْنَيْنِ فسعد بن إِسْحَاق أولَى لموافقته سَائِر الروَاة عَن سعد، قَالَ: والْحَدِيث مَشْهُور بِسَعْد بن إِسْحَاق، وَقد رَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : قَول من قَالَ عَن سعد بن إِسْحَاق هُوَ الصَّحِيح. وسياقة الحَدِيث لمَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأبي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، عَن سعد بن إِسْحَاق بن كَعْب بن عجْرَة، عَن عمته زَيْنَب بنت كَعْب بن عجْرَة «أَن الفريعة بنت مَالك بن سِنَان - وَهِي أُخْت أبي سعيد الْخُدْرِيّ - أخْبرتهَا أَنَّهَا جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أَن ترجع إِلَى أَهلهَا فِي بني خُدرة؛ فَإِن زَوجهَا خرج فِي طلب أعبد لَهُ أَبقوا حَتَّى إِذا كَانُوا بِطرف الْقدوم لحقهم فَقَتَلُوهُ، قَالَت: فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن أرجع إِلَى أَهلِي فِي بني خدرة فَإِن زَوجي لم يتركني فِي مسكن يملكهُ وَلَا نفقةٍ، قَالَت: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قَالَت: فَانْصَرَفت حَتَّى إِذا كنت فِي (الْحُجْرَة) ناداني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو أمَر بِي فنوديت، فَقَالَ: كَيفَ قلت؟ فَرددت عَلَيْهِ الْقِصَّة الَّتِي ذكرت لَهُ من (شَأْن) زَوجي، فَقَالَ: أبيتي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله. قَالَت: فاعتددت فِيهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، قَالَت: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان بن عَفَّان أرسل إليّ فَسَأَلَنِي عَن ذَلِكَ، فَأَخْبَرته فَاتبعهُ وَقَضَى بِهِ» .
وَفِي لفظٍ «أَن زَوجهَا خرج فِي طلب أعلاج لَهُ [فَقَتَلُوهُ] وَكَانَت فِي دارٍ قاصية فَجَاءَت وَمَعَهَا أَخَوَاهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكرُوا [لَهُ] فَرخص لَهَا حَتَّى إِذا رجعت دَعَاهَا، فَقَالَ: اجلسي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله» . وسياقة ابْن مَاجَه أَن الفريعة بنت مَالك قَالَت: «خرج زَوجي فِي طلب أعْلاج لَهُ فأدركهم بِطرف الْقدوم فَقَتَلُوهُ، فجَاء نعي زَوجي وَأَنا فِي دارٍ من دور الْأَنْصَار شاسعة عَن دَار أَهلِي [فَأتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّه جَاءَ نعي زَوجي وَأَنا فِي دَار شاسعة عَن دَار أَهلِي] وَدَار إخوتي (وَلم يدع) مَالا ينْفق عليّ، وَلَا مَالا ورثته، وَلَا دَارا يملكهَا، فَإِن رَأَيْت أَن تَأذن [لي] فَألْحق بدار أَهلِي وَدَار إخوتي فَإِنَّهُ أحبُّ إِلَيّ وأَجْمَع لي فِي بعض أَمْرِي، قَالَ: فافعلي (مَا) شِئْت. قَالَت: فَخرجت قريرة عَيْني لما قَضَى الله لي عَلَى لِسَان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم -
حَتَّى إِذا كنت فِي الْمَسْجِد أَو فِي (بعض) الْحُجْرَة دَعَاني، فَقَالَ: كَيفَ زعمت؟ قَالَت: فقصصت عَلَيْهِ، فَقَالَ: امكثي فِي بَيْتك الَّذِي جَاءَ فِيهِ نعي زَوجك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله. قَالَت: فاعتددت فِيهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا» .
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح كَمَا أسلفناه. وَقد أخرجه مَعَ من تقدم أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من الطَّرِيق الْمَذْكُور.
وَلم يذكر ابْن حبَان فِي أحد طريقيه إرْسَال عُثْمَان وَذكره فِي الْأُخْرَى، ثمَّ قَالَ: رَوَى هَذَا الْخَبَر الزُّهْرِيّ عَن مَالك، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد من طَرِيق حَمَّاد بن زيد، عَن إِسْحَاق بن سعد، عَن زَيْنَب، وَمن طَرِيق يَحْيَى بن سعيد، عَن سعد بن إِسْحَاق (عَن زَيْنَب، عَن فريعة. قَالَ: وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن سعد) ، عَن زَيْنَب عَنْهَا، قَالَ مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي: هَذَا حَدِيث صَحِيح ومحفوظ وهما اثْنَان: سعد بن إِسْحَاق وَهُوَ أشهرهما، وَإِسْحَاق بن سعد بن كَعْب، وَقد رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، فقد ارْتَفَعت عَنْهُمَا جَمِيعًا الْجَهَالَة. وَخَالف أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ فِي «محلاه» : حَدِيث فريعة هَذَا (فِيهِ) زَيْنَب بنت كَعْب بن عجْرَة وَهِي
مَجْهُولَة لَا تعرف، وَلَا رَوَى عَنْهَا أحد غير (سعد) بن إِسْحَاق، وَهُوَ غير مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ عَلَى أَن النَّاس أخذُوا عَنهُ هَذَا الحَدِيث لغرابته، وَلِأَنَّهُ لم يُوجد عِنْد أحد سواهُ [فسفيان] يَقُول سعيد، وَمَالك وَغَيره يَقُولُونَ سعد، وَالزهْرِيّ يَقُول عَن ابْن كَعْب بن عجْرَة (فَبَطل) الِاحْتِجَاج بِهِ؛ إِذْ لَا يحل أَن يُؤْخَذ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَا لَيْسَ فِي إِسْنَاده مَجْهُول وَلَا ضَعِيف. وَنقل هَذَا التَّعْلِيل عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» عَن ابْن حزم مُخْتَصرا، وَأقرهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: قَالَ عَلّي بن أَحْمد: زَيْنَب هَذِه مَجْهُولَة لم يرو حَدِيثهَا غير سعد بن إِسْحَاق بن كَعْب وَهُوَ غير مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ. مَالك يَقُول: فِيهِ إِسْحَاق بن سعد، وسُفْيَان يَقُول: سعيد. وَاعْتَرضهُ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: كَأَن عبد الْحق ارتضى هَذَا القَوْل من ابْن حزم وَصَححهُ عَلَى قَول ابْن عبد الْبر إِنَّه حَدِيث مَشْهُور. قلت: وَعِنْدِي أَنه لَيْسَ كَمَا ذهب إِلَيْهِ، بل الحَدِيث صَحِيح فَإِن سعد بن إِسْحَاق ثِقَة، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَزَيْنَب (كَذَلِك) ثِقَة، وَفِي (تَصْحِيح) التِّرْمِذِيّ توثيقها وتوثيق (سعد بن إِسْحَاق، وَلَا يضر الثِّقَة أَلا يروي عَنهُ إِلَّا وَاحِد. قَالَ: وَأما قَول ابْن حزم) إِسْحَاق بن سعد فَكَذَا وَقع فِي
نسخ (صَحِيحَة) وَهُوَ خطأ وَصَوَابه سعد بن إِسْحَاق، قَالَ: وَالْأَمر فِيهِ بَين.
قلت: وتخطئته فِي ذَلِكَ لَيْسَ بجيد، فقد أسلفنا عَن الذهلي الْحَافِظ أَنَّهُمَا اثْنَان، وَقَول ابْن حزم: لم يرو عَن زَيْنَب غير سعد بن إِسْحَاق لَيْسَ كَذَلِك، وَكَأَنَّهُ تَابع فِي ذَلِكَ عليّ بن الْمَدِينِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لم يرو عَنْهَا غَيره، وَقد رَوَى عَنْهَا إِسْحَاق بن سعد كَمَا سلف، وَسعد بن إِسْحَاق - كَمَا سلف أَيْضا إِن كَانَ آخر - وَابْن أَخِيهَا سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن كَعْب بن عجْرَة، رَوَى حَدِيثه الإِمَام أَحْمد، أَنبأَنَا بِهِ غير وَاحِد عَن الْفَخر بن البُخَارِيّ، أبنا حَنْبَل، أبنا ابْن الْحصين، أبنا ابْن الْمَذْهَب، أبنا الْقطيعِي، أَنبأَنَا عبد الله بن أَحْمد، حَدَّثَني أبي، حَدَّثَني يَعْقُوب (ثَنَا أبي) ، عَن ابْن إِسْحَاق، حَدَّثَني عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن معمر بن حزم، عَن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن كَعْب بن عجْرَة، عَن عمته زَيْنَب بنت كَعْب بن عجْرَة - وَكَانَت عِنْد أبي سعيد الْخُدْرِيّ - عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:«اشْتَكَى النَّاس عليًّا فَقَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا فَسَمعته يَقُول: أَيهَا النَّاس لَا تَشكوا عليًّا فوَاللَّه (إِنَّه) لأخشين فِي ذَات الله أَو فِي سَبِيل الله» .
قلت: وَأما زَيْنَب فقد أسلفنا ثقتها فِي كَلَام ابْن الْقطَّان، وَمِمَّنْ وثقها ابْن حبَان فَإِنَّهُ ذكرهَا فِي «ثقاته» بل ذكرهَا ابْن فتحون وَأَبُو
إِسْحَاق بن الْأمين فِي جملَة (الصَّحَابَة) فصح الحَدِيث وَللَّه الْحَمد.
فَائِدَة: الفُرَيعة بِضَم الْفَاء وَفتح الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة، وَيُقَال أَيْضا الفارعة، وَهِي خدرية أنصارية أُخْت أبي سعيد لِأَبِيهِ وَأمه، وَأمّهَا أنيسَة بنت أبي خَارِجَة (عَمْرو) بن قيس بن مَالك، قَالَه ابْن سعد، وَقَالَ غَيره: اسْمهَا حَبِيبَة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وَلم يحك (الْمزي) فِي «تهذيبه» غَيره. شهِدت الفريعة بيعَة الرضْوَان.
فَائِدَة ثَانِيَة: الفريعة يجوز أَن تكون تصغيرًا للفرعة بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء مَفْتُوحَة وساكنة اسْم (للقملة) وَهُوَ مَا (اقْتصر) عَلَيْهِ الْجَوْهَرِي، وَيجوز أَن يكون من قَوْلهم: فُلَانَة فرعت قَومهَا فَهِيَ فارعتهم إِذا كَانَت أجمل (مَا) فيهم، ثمَّ حذفت الْألف لتصغيره تَصْغِير التَّرْخِيم.
فَائِدَة ثَالِثَة: الْقدوم الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ بتَخْفِيف الدَّال كَذَا قَيده الْحَازِمِي فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن، قَالَ: وَهُوَ جبل بالحجاز (قرب) الْمَدِينَة قَالَ: وَهُوَ بتَخْفِيف الدَّال أَيْضا قَرْيَة كَانَت عِنْد حلب، وَقيل: كَانَ اسْم مجْلِس إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام بحلب.
وَفِي الحَدِيث «اختتن إِبْرَاهِيم بالقدوم» أَرَادَ بِهِ الْموضع كَذَا جَاءَ مُفَسرًا فِي الحَدِيث، قَالَ: وَقَول أَحْمد بن يَحْيَى الْقدوم - بتَشْديد الدَّال - اسْم مَوضِع، إِن أَرَادَ أحد هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا يُتَابع عَلَى ذَلِكَ (لِاجْتِمَاع)(أهل) النَّقْل عَلَى خلاف ذَلِكَ، وَإِن أَرَادَ موضعا ثَالِثا صَحَّ. قلت: وَكَذَا جزم ابْن حبَان بِأَن الْقدوم الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ الْمَذْكُور فِي الاختتان، فَقَالَ فِي «صَحِيحه» عقب هَذَا الحَدِيث: الْقدوم مَوضِع بالحجاز، قَالَ: وَهُوَ الْموضع الَّذِي رُوِيَ فِي بعض الْأَخْبَار أَن إِبْرَاهِيم اختتن بالقدوم.
وَوَقع فِي الْمطلب لِابْنِ الرّفْعَة أَن الْقدوم (فِي) هَذَا الحَدِيث يشدد ويخفف وَأَنه عَلَى سِتَّة أَمْيَال من الْمَدِينَة وَتَبعهُ الشَّيْخ نجم الدَّين البالسي فِي شَرحه للتّنْبِيه. فليحذر التَّشْدِيد.
فَائِدَة رَابِعَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: من قَالَ: أَنه لَا سُكْنى للمعتدة من الْوَفَاة، قَالَ: قَوْله أمكثي فِي بَيْتك (ندب) لَهَا إِلَى الِاعْتِدَاد فِي ذَلِكَ الْبَيْت وَالْمَذْكُور أَولا بَيَان أَنه لَا سُكْنى لَهَا، و [ذهب] كثير من الْأَصْحَاب إِلَى بِنَاء الْقَوْلَيْنِ [عَلَى التَّرَدُّد] فِي [أَن] حَدِيث فريعة منزل (عَلَى) هَذَا التَّنْزِيل (أَو) الأول بِأَنَّهُ حكم بِأَنَّهُ لَا سُكْنى لَهَا،