الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَبده لِئَلَّا يتَوَهَّم بِعَدَمِ الرّقّ مَانِعا، ذكره صَاحب «الْمُنْتَقَى» فِي «أَحْكَامه» فَقَالَ: أَكثر أهل الْعلم عَلَى أَن السَّيِّد لَا يقتل بِعَبْدِهِ، وتأولوا هَذَا الحَدِيث عَلَى ذَلِك. وَقد رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده:«أَن رجلا قتل عَبده مُتَعَمدا فجلده النَّبِي صلى الله عليه وسلم ونفاه سنة ومحى سَهْمه من الْمُسلمين، وَلم يقده بِهِ، وَأمره أَن يعْتق رَقَبَة» . وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة إِسْمَاعِيل (بن) عَيَّاش إِذْ هُوَ حجَّة فِيمَا رَوَى عَن أهل الشَّام (وَقد رَوَى) هَذَا الحَدِيث عَن الْأَوْزَاعِيّ وَهُوَ من عُلَمَاء أهل الشَّام. ثَالِثهَا: أَنه مَنْسُوخ بِحَدِيث: «من حُرق بالنَّار أَو مُثل بِهِ فَهُوَ حر، وَهُوَ مولَى لله وَرَسُوله» . قَالَه ابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه) .
الحَدِيث الثَّامِن
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا (يُقَاد) الْوَالِد بِالْوَلَدِ» .
هَذَا الحَدِيث مرويٌ من طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: «لَا يُقَاد الْوَالِد بِالْوَلَدِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث (عَمْرو بن) شُعَيْب، عَن (أَبِيه، عَن جده، عَنهُ)(رَوَاهُ) ابْن مَاجَه
أَيْضا وعلته الْحجَّاج بن أَرْطَاة (وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : رَوَاهُ حجاج بن أَرْطَاة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «حضرت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم[يُقيد] الْأَب من ابْنه وَلَا يُقيد الابْن من أَبِيه) .
ثَانِيهَا: من حَدِيث سراقَة بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: «حضرت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (يُقيد) الْأَب من ابْنه وَلَا يُقيد الابْن من أَبِيه» . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا، من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَنهُ بِهِ. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه من حَدِيث سراقَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِصَحِيح، رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش (و) الْمثنى بن الصَّباح، والمثنى يضعف فِي الحَدِيث.
قلت: وَإِسْمَاعِيل (هَذَا) ضَعِيف عَن غير الشاميين، وَهُوَ هَا هُنَا رَوَى عَن الْمثنى بن الصَّباح وَلَيْسَ بشامي. قَالَ: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن الْحجَّاج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عمر، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. ثمَّ سَاق الحَدِيث السالف، ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو بن شُعَيْب مُرْسلا، وَهَذَا حَدِيث فِيهِ اضْطِرَاب.
ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَفعه:«لَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد، وَلَا يقتل الْوَالِد بِالْوَلَدِ» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه بِهَذَا الْإِسْنَاد مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم، وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم من قبل حفظه.
قلت: وَقد تَابعه عَلَى رِوَايَته الْحسن بن عبيد الله الْعَنْبَري، عَن عَمْرو بن دِينَار، أَفَادَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، و «مَعْرفَته» قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أهل الْعلم أَن الْأَب إِذا قتل ابْنه لَا يقتل بِهِ، وَإِذا قذفه لَا يُحد. وَقَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه) : هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا معلولة لَا يَصح مِنْهَا شَيْء. وبيَّن ذَلِك ابْن الْقطَّان كَمَا بَيناهُ.
رَابِعهَا: (من) حَدِيث ابْن لَهِيعَة، ثَنَا عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا:«لَا يُقَاد وَالِد من وَلَده، وَيَرِث المَال من يَرث الْوَلَاء» . رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده) من هَذَا الْوَجْه عَن ابْن لَهِيعَة بِالتَّحْدِيثِ، وَقد قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لم يسمع ابْن لَهِيعَة من عَمْرو بن شُعَيْب شَيْئا.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «الْأَفْرَاد» من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر (اليمامي) ، عَن يَعْقُوب بن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن (عَمْرو) . وَمُحَمّد وَيَعْقُوب لَا يحْتَج بهما.
قلت: وَلِحَدِيث (عمر) السالف طَرِيق آخر، رَوَاهُ أَحْمد، عَن أسود بن عَامر، أَنا جَعْفَر الْأَحْمَر، عَن مطرف، عَن الحكم، عَن مُجَاهِد قَالَ:«حذف رجل ابْنا لَهُ بِسيف فَقتله فرُفع إِلَى عمر فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَا يُقَاد الْوَالِد من وَلَده. لقتلتك قبل أَن تَبْرَح» . وَطَرِيق آخر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مطرف بن طريف، عَن الحكم بن عتيبة، عَن رجل يُقَال لَهُ: عرْفجَة، عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعت رَسُول (يَقُول: «لَيْسَ عَلَى (الْوَالِد) قَود من وَلَده» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب «أَن رجلا من بني (مُدْلِج) يُقَال لَهُ: قَتَادَة، حذف ابْنه بِسيف فَأصَاب سَاقه، فنزا فِي جرحه فَمَاتَ، فَقدم سراقَة بن جعْشم عَلَى عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ عمر: أعدد لي عَلَى قديد عشْرين وَمِائَة بعير حَتَّى أقدم عَلَيْهِ. فَلَمَّا قدم عمر أَخذ
من تِلْكَ الْإِبِل ثَلَاثِينَ حقة وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَأَرْبَعين خلفة، ثمَّ قَالَ: أَيْن أَخ الْمَقْتُول؟ قَالَ: هَا أَنا ذَا. قَالَ: خُذْهَا فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ لقَاتل شَيْء» . قَالَ الشَّافِعِي: وَقد حفظته عَن عدد من أهل الْعلم لقيتهم أَن لَا يقتل الْوَالِد بِالْوَلَدِ، وَبِذَلِك أَقُول. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع، فأكده الشَّافِعِي بِأَن عددا من أهل الْعلم يَقُول بِهِ. (قَالَ) : وَقد رُوِيَ مَوْصُولا فساقه من حَدِيث مُحَمَّد بن عجلَان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ:«نحلت لرجل من بني مُدْلِج جَارِيَة فَأصَاب مِنْهَا ابْنا، فَكَانَ يستخدمها، فَلَمَّا شب الْغُلَام دَعَاهَا يَوْمًا فَقَالَ: اصنعي كَذَا وَكَذَا. (فَقَالَ) : لَا تَأْتِيك حَتَّى مَتى (تستأمي) أُمِّي. قَالَ: فَغَضب فَحَذفهُ بِسيف فَأصَاب رجله، فنزف الْغُلَام فَمَاتَ، فَانْطَلق فِي رهطٍ من قومه إِلَى عمر رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا عَدو نَفسه، أَنْت الَّذِي قتلت ابْنك، لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَا يُقَاد الْأَب من ابْنه. لقتلتك، هَلُمَّ دِيَته. فَأَتَاهُ بِعشْرين أَو ثَلَاثِينَ وَمِائَة بعير، فَخير مِنْهَا مائَة فَدَفعهَا إِلَى ورثته وَترك أَبَاهُ» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة) (إِسْنَاده) صَحِيح. وَنقل هَذِه القولة عَن الْبَيْهَقِيّ أَيْضا صَاحب «الْإِلْمَام» وَأقرهُ عَلَيْهَا.