الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحدهمَا أَن كل وَاحِد مِنْهُم يحلف خمسين يَمِينا، وأصحهما أَن الْأَيْمَان توزع عَلَيْهِم عَلَى قدر مواريثهم؛ لِأَنَّهُ عليه السلام قَالَ:«يحلفُونَ خمسين يَمِينا» فَلم يُوجب عَلَى الْجَمَاعَة إِلَّا الْخمسين. هَذَا آخر كَلَامه وَالِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث عَجِيب؛ لِأَن الْوَارِث إِنَّمَا هُوَ أَخُو الْقَتِيل وَهُوَ أَخُو عبد الرَّحْمَن بن سهل، وحويصة ومحيصة أَعْمَامه، والحالف إِنَّمَا هُوَ الْوَارِث، إِنَّمَا عبر عليه السلام بقوله «تحلفون» لِأَن الْحلف وَإِن صدر من وَاحِد لَكِن بعد اتِّفَاق العمين فِي الْعَادة فَإِنَّهُمَا حضرا مَعَهُمَا فِي الْقِصَّة فَعبر عَن اتِّفَاقهم (عَلَى الْحلف وَأَن صدر من وَاحِد) مجَازًا، وَهُوَ مجَاز شَائِع، والغريب أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ قد نبه عَلَى هَذَا كُله وَقد كَانَ يكثر من نَظِير كَلَامه.
الحَدِيث الثَّانِي
رُوِيَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْبَيِّنَة عَلَى من ادَّعَى وَالْيَمِين عَلَى من أنكر إِلَّا فِي الْقسَامَة» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُسلم (بن) خَالِد الزنْجِي، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. وَلم يضعفاه، وَمُسلم هَذَا فِيهِ مقَال. وَثَّقَهُ قوم وضعَّفه آخَرُونَ، لَا جرم قَالَ ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» بعد أَن أخرجه من هَذِه الطَّرِيق: فِي إِسْنَاده لين.
قلت: وَثمّ عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن ابْن جريج لم يسمع من عَمْرو بن شُعَيْب كَمَا قَالَه البُخَارِيّ فِيمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي «سنَنه» فِي «بَاب وجوب (الْفطْرَة) عَلَى أهل الْبَادِيَة» . وَعلة أُخْرَى وَهِي أَن مُسلم بن خَالِد قد خُولِفَ فِيهِ، فَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق و [حجاج] ، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو مُرْسلا، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا وَاخْتلف فِيهِ عَلَى مُسلم أَيْضا، فَرَوَاهُ عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الرَّازِيّ عَنهُ، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة، مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ (أَيْضا) فِي «سنَنه» وَابْن عدي من هَذِه الطَّرِيق، ثمَّ قَالَ: هَذَانِ الإسنادان - يَعْنِي هَذَا وَالَّذِي قبله - يعرفان بِمُسلم بن خَالِد. وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي الْبَاب عَن «التَّتِمَّة» : أَنه لَو وجد قَتِيل بَين قريتين أَو قبيلتين وَلم يعرف بَينه وَبَين (وَاحِد مِنْهُم) عَدَاوَة فَلَا يَجْعَل قربه من إِحْدَاهمَا لوثًا؛ لِأَن (الْعَادة) جرت بِأَن يبعد الْقَاتِل الْقَتِيل عَن (فنائه) وينقله إِلَى بقْعَة أُخْرَى دفعا للتُّهمَةِ عَن نَفسه وَمَا
رُوِيَ فِي الْخَبَر والأثر عَلَى خلاف مَا ذَكرْنَاهُ، فَإِن الشَّافِعِي لم يثبت إِسْنَاده. هَذَا كَلَامه، وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى حَدِيث أبي إِسْرَائِيل، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:«وجد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَتِيلا بَين قريتين فَأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (فذرع) مَا بَينهمَا قَالَ: فَكَأَنِّي انْظُر إِلَى شبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم» . (رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَفظه: «أَن قَتِيلا وجد بَين حيَّين، فَأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يُقَاس إِلَى أَيَّتهمَا أقرب، فَوجدَ أقرب إِلَى أحد الْحَيَّيْنِ بشبر، فَقَالَ أَبُو سعيد: فَكَأَنِّي أنظر إِلَى شبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم) فَألْقَى دِيَته عَلَيْهِم» . ترْجم عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» «بَاب مَا رُوِيَ فِي الْقَتِيل يُوجد بَين قريتين» وَلَا يَصح. ثمَّ قَالَ بعد إِيرَاده: تفرد بِهِ أَبُو إِسْرَائِيل، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، وَكِلَاهُمَا لَا يحْتَج (بروايته) . وَأما الْأَثر فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن مَنْصُور، عَن الشّعبِيّ، أَن عمر بن الْخطاب:«كتب فِي قَتِيل وجد بَين (قريتين) - خيوان ووداعة - أَن يُقَاس مَا بَين القريتين فَإلَى أَيَّتهمَا (كَانَ) أقرب أخرج إِلَيْهِ مِنْهُم خمسين رجلا حَتَّى (يوافونه) مَكَّة فأدخلهم الحِجْر فأحلفهم، ثمَّ قَضَى عَلَيْهِم بِالدِّيَةِ، وَقَالُوا: مَا وَقت أَمْوَالنَا أَيْمَاننَا وَلَا أَيْمَاننَا أَمْوَالنَا. قَالَ عمر: كَذَلِك الْأَمر» . قَالَ الشَّافِعِي:
لَيْسَ بِثَابِت، إِنَّمَا رَوَاهُ الشّعبِيّ، عَن الْحَارِث الْأَعْوَر وَهُوَ مَجْهُول.
قلت: عَجِيب هُوَ مَعْرُوف، لكنه مِمَّن اخْتلف فِيهِ. وَقَالَ الشّعبِيّ: كَانَ الْحَارِث كذابا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق، عَن عمر، ومجالد غير مُحْتَج بِهِ. وَرُوِيَ عَن مطرف، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث بن الأزمع، عَن عمر، وَأَبُو إِسْحَاق لم يسمعهُ من الْحَارِث. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ، عَن أبي زيد، عَن شُعْبَة قَالَ: سَمِعت أَبَا إِسْحَاق يحدث حَدِيث الْحَارِث بن الأزمع: «أَن قَتِيلا وجد بَين ودَاعَة وخيوان» فَقلت: يَا أَبَا إِسْحَاق من حَدثَك؟ قَالَ: حَدثنِي مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن الْحَارِث بن الأزمع فَعَادَت رِوَايَة (أبي) إِسْحَاق إِلَى حَدِيث مجَالد، وَاخْتلف فِيهِ عَلَى مجَالد فِي إِسْنَاده، (ومجالد) غير مُحْتَج بِهِ.
قلت: وَعَن الْعقيلِيّ الْحَافِظ: أَن حَدِيث «إِذا وجد الْقَتِيل بَين قريتين ضمن أقربهما» لَيْسَ لَهُ أصل.