الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنه لَا يوبخها وَلَا يعيرها وَهَذَا مَا رَجحه غَيره. ثَانِيهمَا: لَا يُبَالغ فِي جلدهَا حَتَّى يدميها. وَهَذَا مَأْخُوذ من الثريب - بالثاء الْمُثَلَّثَة - وَهُوَ يتحتم يَعْنِي (الْإِيذَاء) أَي لَا تبالغ فِي الضَّرْب (بِحَيْثُ) يَنْتَهِي (إِلَى التثريب) قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم يتَعَرَّض عليه الصلاة والسلام فِي حَقّهَا للتغريب بل قَالَ: فليجلدها الْحَد» وَلم يتَعَرَّض) لغيره، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ
«أنَّه صلى الله عليه وسلم أَمر بالغامدية فرجمت، وصلَّى عَلَيْهَا، ودفنت» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» ، من حَدِيث بُرَيْدَة رضي الله عنه وَهَذَا لَفظه:«ثمَّ أَمر بهَا فَصَلى عَلَيْهَا، ودفنت» .
فَائِدَة: قَوْله: «فَصَلى عَلَيْهَا» (قَالَ القَاضِي عِيَاض) : هُوَ بِفَتْح الصَّاد وَاللَّام عِنْد جَمَاهِير رُوَاة مُسلم. قَالَ: وَعند الطَّبَرَانِيّ بِالضَّمِّ، قَالَ: وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة، وَأبي دَاوُد. قَالَ: وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فَأَمرهمْ أَن يصلوا عَلَيْهَا» قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَصْحَابه أَن يصلوا عَلَى الجهنيَّة.
قلت: الَّذِي جَاءَ فِي قصَّتهَا «أَنه صلى الله عليه وسلم َ صَلَّى (عَلَيْهَا) أَيْضا صَرِيحًا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل، وَهَذَا لفظ مُسلم من حَدِيث عمرَان بن الْحصين رضي الله عنه: «ثمَّ أَمر بهَا فرجمت ثمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، قَالَ عمر: أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقد زنت؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: لقد تابت تَوْبَة لَو قسمت بَين سبعين من أهل الْمَدِينَة لوسعتهم» . وَلَو ذكر الرَّافِعِيّ هَذَا عَلَى الْعَكْس لَكَانَ (الْعَكْس) أصوب لما تقدم من الِاخْتِلَاف فِي الأول. هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ من الْأَحَادِيث فِي الْبَاب، وَذكر الرَّافِعِيّ بعد الحَدِيث الثَّالِث عشر أَن الْخَبَر ورد بِنَفْي المخنثين، قَالَ: وَهُوَ تَعْزِير. وَهُوَ كَمَا قَالَ (
…
بِكَسْر النُّون عَلَى الْأَفْصَح وَيجوز فتحهَا) وَهَذَا الْخَبَر أخرجه البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» ، من حَدِيث ابْن عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ:«لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء، والمتشبهات (من النِّسَاء بِالرِّجَالِ) » . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لعن النَّبِي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرِّجَال، (والمترجلات) من النِّسَاء، وَقَالَ: (أخرجوهن) من بُيُوتكُمْ. (قَالَ) : فَأخْرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فلَانا، وَأخرج (عمر) (فُلَانَة) » . وَفِي
رِوَايَة (لَهُ) : « (أخرجوهنَّ) من بُيُوتكُمْ. وَأخرج فلَانا، وَأخرج (فلَانا) » وَأخرجه مُسلم فِي «صَحِيحه» من حَدِيث أم سَلمَة: «لَا يدخلن هَؤُلَاءِ عَلَيْكُم» وَمن حَدِيث عَائِشَة: «لَا يدخلن عليكن. قَالَت: فحجبوه» . وَفِي البُخَارِيّ أَن اسْمه «هيت» وَأخرجه أَبُو دَاوُد، من حَدِيث أبي يسَار الْقرشِي، عَن أبي هَاشم، عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بمخنثٍ قد خضب يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: مَا بَال هَذَا؟ فَقيل: يَا رَسُول الله، يتشبه بِالنسَاء. فَأمر بِهِ فنفي إِلَى النقيع. قَالُوا: يَا رَسُول الله، أَلا نَقْتُلهُ. قَالَ: إِنِّي نهيت عَن قتل الْمُصَلِّين» . قَالَ أَبُو أُسَامَة: و «النقيع» بالنُّون: نَاحيَة عَن الْمَدِينَة، وَلَيْسَ بِالبَقِيعِ.
قلت: وَأَبُو يسَار هَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول. وَاعْتَرضهُ صَاحب «الْمِيزَان» فَقَالَ: رَوَى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث، وَهَذَا شيخ لَيْسَ بضعيف، وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق مفضَّل بن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَنهُ، والمفضَّل هَذَا كُوفِي مَاتَ شابًّا، تفرد بِهَذَا، وَقد وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم. قلت: لَكِن أَبُو هَاشم الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة نكرَة لَا يعرف كَمَا نصَّ عَلَيْهِ هُوَ. وَقيل: إِنَّه ابْن عمّ أبي هُرَيْرَة وَفِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» ، (من
حَدِيث) ابْن إِسْحَاق، عَن يزِيد، عَن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة قَالَ:«كَانَ المخنثون عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة: ماتع، وَهدم، وهيت، وَكَانَ ماتع لفاختة بنت عَمْرو بن عَائِذ خَالَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَمَنعه عليه السلام من الدُّخُول عَلَى نِسَائِهِ وَلَا الْمَدِينَة، ثمَّ اسْتثْنى لَهُ يَوْمًا فِي الْجُمُعَة يسْأَل ثمَّ يذهب، فَلم يزل كَذَلِك عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم و (أبي) بكر، وَعَلَى عهد عمر، وَنفي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَاحبه هدم، وَالْآخر هيت» . وفيهَا أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: أخرجُوا المخنثين من بُيُوتكُمْ فَأخْرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مخنثًا، وَأخرج عمر مخنثًا» . قَالَ: وأبنا معمر، عَن أَيُّوب، عَن عِكْرِمَة قَالَ:«أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِرَجُل من المخنثين فَأخْرج من الْمَدِينَة، وَأمر أَبُو بكر بِرَجُل مِنْهُم فَأخْرج أَيْضا» .
فَائِدَة: الْأَشْهر كَمَا قَالَ القَاضِي أَن اسْم المخنث السالف هيت بِالتَّاءِ فِي آخِره وَقبلهَا مثناة تَحت، وَقيل: صَوَابه بنُون ثمَّ بَاء مُوَحدَة. قَالَه ابْن درسْتوَيْه، وَقَالَ: إِن مَا سواهُ تَصْحِيف. قَالَ: والهنب: الأحمق. وَقيل: ماتع بِالْمُثَنَّاةِ فَوق، وَجَاء فِي حَدِيث أَنه غربه مَعَ هيت إِلَى الْحمى، ذكره الْوَاقِدِيّ، وَذكره أَبُو مَنْصُور الرَّمَادِي بِنَحْوِ هَذِه الْحِكَايَة عَن مخنث كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ: أنّه، وَذكر أنَّه صلى الله عليه وسلم نَفَاهُ إِلَى حَمْرَاء
الْأسد، وَحَكَى الْمُنْذِرِيّ عَن بَعضهم أَن هيتًا وماتعًا وأنّه أَسمَاء لثَلَاثَة من المخنثين كَانُوا عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَلم يَكُونُوا يرْمونَ بالفاحشة الْكُبْرَى، وَإِنَّمَا (كَانَ) بهم لين فِي القَوْل، وخضاب فِي الْأَيْدِي والأرجل. قلت: وَفِي الطَّبَرَانِيّ أَيْضا أَنه نَفَى الخنِّثية، رَوَاهُ من حَدِيث عَنْبَسَة بن سعيد - وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، ضعفه ابْن معِين، وَأَبُو حَاتِم، وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد - عَن حَمَّاد مولَى بني أُميَّة - وَقد تَركه الْأَزْدِيّ - عَن جنَاح مولَى الْوَلِيد، عَن وَاثِلَة قَالَ:«لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرِّجَال، والمترجلات من النِّسَاء، وَقَالَ: أخروجهم من بُيُوتكُمْ. فَأخْرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم الخنثية، وَأخرج (عمر) فلَانا» .
وَذكر فِيهِ من الْآثَار عشرَة آثَار:
أَحدهَا: سُئِلَ عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن الْأمة هَل تحصن الْحر؟ قَالَ: نعم، قيل: عَمَّن؟ قَالَ: أدركنا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ ذَلِك» .
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقين: أَحدهمَا: من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة قَالَ: «سَأَلَ عبد الْملك بن مَرْوَان عبد الله بن عتبَة عَن الْأمة هَل تحصن الْحر؟ قَالَ: نعم. قَالَ: (عمَّن) تروي هَذَا؟ قَالَ: أدركنا أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ ذَلِك» .
الثَّانِي: من طَرِيق ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب «أَنه سمع عبد الْملك يسْأَل عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة
…
» فَذكره (مثل) الأول سَوَاء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَلغنِي عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى أَنه قَالَ: وجدت الْأَوْزَاعِيّ قد تَابع يُونُس فهما إِذا أولَى.
الْأَثر الثَّانِي: «أَن أمة لِابْنِ عمر زنت فجلدها وغربها إِلَى فدك» .
وَهَذَا الْأَثر ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فَقَالَ: رَوَى ابْن الْمُنْذر صَاحب «الخلافيات» عَن (عبد الله) بن عمر «أَنه حد مَمْلُوكَة لَهُ فِي الزِّنَا ونفاها إِلَى فدك» .
فَائِدَة: فَدَك بِفَتْح الْفَاء وَالدَّال الْمُهْملَة، قَرْيَة بِنَاحِيَة الْحجاز قَالَه المطرزي فِي «الْمغرب» قَالَ الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» : وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة يَوْمَانِ. وَأطَال فِي تَعْرِيفهَا بِمَا هُوَ لَائِق بمحله، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هِيَ مَدِينَة بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مرحلتان، وَقيل: ثَلَاث.
الْأَثر الثَّالِث: «أَن عمر رضى الله عَنهُ غرب إِلَى الشَّام» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ، وَهَذَا لَفظه: «وَكَانَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه
يَنْفِي من الْمَدِينَة إِلَى الْبَصْرَة» وأصل تغريبه ثَابت فِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» ، و «سنَن النَّسَائِيّ» و «مُسْتَدْرك الْحَاكِم» من رِوَايَة ابْن عمر رضي الله عنه «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ضرب وَغرب، وَأَن أَبَا بكر ضرب وَغرب، وَأَن عمر رضي الله عنه ضرب وَغرب» هَذَا لفظ إِحْدَى روايتي التِّرْمِذِيّ، وَلم يذكر الْحَاكِم أَبَا بكر، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: إِسْنَاده مَا فِيهِ من يسْأَل عَنهُ لثقتهم وشهرتهم، وَعِنْدِي أَنه صَحِيح. قَالَ ذَلِك بعد قَول الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب عَن ابْن عمر فِي هَذَا الحَدِيث أَن أَبَا بكر وَلَيْسَ فِيهِ ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
الْأَثر الرَّابِع: «أَن عُثْمَان رضي الله عنه غرب إِلَى مصر» .
وَهَذَا غَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ.
الْأَثر الْخَامِس: أَن عليًّا رضي الله عنه قَالَ: «يرْجم اللوطي» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن فعل عَلّي رضي الله عنه من طرق «أَنه رجم لوطيًّا» . وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه كَانَ مُحصنا» . قَالَ ابْن الطلاع: وَيروَى «أَنه هدم عَلَيْهِمَا حَائِطا» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحِيم [الجوبري] فِي «فَوَائده» عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: سمع عَمْرو - يَعْنِي ابْن دِينَار - سعيد بن الْمسيب يَقُول: «ذكر الزِّنَا بِالشَّام فَقَالَ رجل: قد زَنَيْت البارحة. فَقَالُوا: مَا تَقول؟ فَقَالَ: أَو حرمه الله! مَا علمت أنَّ اللَّه حرَّمَه. فَكتب إِلَى عمر (فَكتب) : إِن كَانَ علم أَن الله حرمه فحدوه، وَإِن لم يكن علم فعلِّموه، فَإِن عَاد فحدوه» وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح إِلَيْهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ من رِوَايَة بكر بن عبد الله عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه «أَنه كتب إِلَيْهِ فِي رجل قيل لَهُ: مَتى عَهْدك بِالنسَاء؟ فَقَالَ: البارحة. قيل: بِمن؟ قَالَ: أم مثواي. فَقيل لَهُ: قد هَلَكت. قَالَ: مَا علمت (أَن الله) حرم الزِّنَا. (فَكتب عمر رضي الله عنه أَن يسُتحلف مَا علم أَن الله حرم الزِّنَا) ثمَّ يُخلى سَبيله» . (و) قَوْله: أم مثواي يَعْنِي ربة الْمنزل.
الْأَثر السَّابِع: «أَن عمر رضي الله عنه قطع عبدا لَهُ سرق» .
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا هشيم، أبنا ابْن (أبي لَيْلَى) عَن نَافِع «أَن غُلَاما لِابْنِ عمر أبق فَسرق
فِي إباقه فَأتي بِهِ ابْن عمر، فَقَالَ لَهُ ابْن عمر:(لن ينجيك) إباقك من حد من حُدُود الله. قَالَ: فَقَطعه» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن نَافِع «أَن عبدا لِابْنِ عمر سرق وَهُوَ آبق، فَأرْسل بِهِ عبد الله إِلَى سعيد بن الْعَاصِ - وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة - لتقطع يَده، فَأَبَى سعيد أَن تقطع يَده، وَقَالَ: لَا تقطع يَد (الْآبِق) إِذا سرق. فَقَالَ لَهُ ابْن عمر: فِي أَي كتاب الله وجدت هَذَا؟ ! فَأمر بِهِ ابْن عمر فَقطعت يَده» . وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» عَن معمر، عَن أَيُّوب (السّخْتِيَانِيّ) عَن نَافِع «أَن عمر قطع يَد غُلَام لَهُ سرق، وَجلد عبدا لَهُ زنا من غير أَن يرفعهما» . قَالَ: وثنا (عبيد الله) بن عمر بن (حَفْص) بن عَاصِم، عَن نَافِع قَالَ:«أبق غُلَام لِابْنِ عمر، فَمر عَلَى غلمة لعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، فَسرق مِنْهُم جرابًا فِيهِ تمر وَركب حمارا لَهُم فَأتي بِهِ ابْن عمر، فَبعث بِهِ إِلَى ابْن الْعَاصِ - وَهُوَ أَمِير عَلَى الْمَدِينَة - فَقَالَ سعيد: لَا تقطع (يَد) آبق. فَأرْسلت إِلَيْهِ عَائِشَة: إِن غلمتي غلمتك، وَإِنَّمَا جَاع وَركب الْحمار ليتبلغ عَلَيْهِ فَلَا تقطعه. فَقَطعه ابْن عمر» .
الْأَثر الثَّامِن: «أَن عَائِشَة رضي الله عنها قطعت أمة لَهَا سرقت» .
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ لكنهما قَالَا:«غُلَاما لبني عبد الله بن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه» بدل «أمة» وَهَذَا لَفْظهمَا: عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن أَنَّهَا قَالَت:«خرجت عَائِشَة رضي الله عنها إِلَى مَكَّة وَمَعَهَا مولاتان، وَمَعَهَا غُلَام لبني عبد الله بن أبي بكر الصّديق [فَبعثت] مَعَ المولاتين ببردٍ مراجل قد خيط عَلَيْهِ (خرقَة خضراء) قَالَت: فَأخذ الْغُلَام الْبرد (ففتق) عَنهُ واستخرجه وَجعل مَكَانَهُ لبدًا أَو فَرْوَة وخاط عَلَيْهِ، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة رفعنَا ذَلِك إِلَى أَهله (فَلَمَّا) فتقوا عَنهُ وجدوا فِيهِ اللبد وَلم يَجدوا الْبرد، فَكَلَّمُوا المولاتين فكلمتا عَائِشَة - أَو كتب إِلَيْهَا - واتهما العَبْد، فَسئلَ العَبْد عَن ذَلِك فاعترف، فَأمرت بِهِ عَائِشَة فَقطعت يَده، وَقَالَت عَائِشَة: الْقطع فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا» .
الْأَثر التَّاسِع: «أَن حَفْصَة رضي الله عنها قتلت أمة لَهَا سحرتها» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة أَنه بلغه «أَن حَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم قتلت جَارِيَة لَهَا سحرتها - وَكَانَت قد دبرتها - (فَأمرت) بهَا فقتلت» . وَرَوَاهُ عبد
الرَّزَّاق عَن عبد الله [أَو] عبيد الله بن عمر [عَن](نَافِع) عَن ابْن عمر قَالَ: «إِن جَارِيَة لحفصة سحرتها فَاعْترفت بذلك فَأمرت بهَا عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب فَقَتلهَا، فَأنْكر ذَلِك (عَلَيْهَا) عُثْمَان بن عَفَّان، فَقَالَ لَهُ ابْن عمر: مَا تنكر عَلَى أم الْمُؤمنِينَ؟ امْرَأَة سحرت وَاعْتَرَفت» .
الْأَثر الْعَاشِر: «أَن فَاطِمَة رضي الله عنها جلدت أمة لَهَا زنت» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَلّي «أَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حدت جَارِيَة لَهَا زنت» وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن وهب، عَن ابْن جريج، أَن عَمْرو بن دِينَار أخبرهُ «أَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله كَانَت تجلد وليدتها خمسين إِذا زنت» .
كتاب حد الْقَذْف
كتاب حد الْقَذْف
ذكر فِيهِ رحمه الله حَدِيثا وأثرين:
أما الحَدِيث: فَهُوَ مَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: «اجتنبوا السَّبع الموبقات. قيل: وَمَا هن يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الشّرك بِاللَّه، وَالسحر، وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأكل مَال الْيَتِيم، وَالزِّنَا، والتولي يَوْم الزَّحْف، وَقذف الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات» . قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى أَنه عليه السلام قَالَ: «من أَقَامَ (الصَّلَوَات) الْخمس، واجتنب السَّبع الْكَبَائِر نُودي يَوْم الْقِيَامَة، ليدْخل من أَي أَبْوَاب الْجنَّة شَاءَ» وَذكر من السَّبع قذف الْمُحْصنَات.
قلت: هَذِه الرِّوَايَة قد أخرجهَا بِنَحْوِ ذَلِك الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» عَن أَحْمد بن دَاوُد الْمَكِّيّ، ثَنَا الْعَبَّاس بن الْفضل الْأَزْرَق، ثَنَا حَرْب بن شَدَّاد، عَن يَحْيَى بن (أبي) كثير، عَن عبد الحميد بن سِنَان أَنه حَدثهُ (عبيد) بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حجَّة الْوَدَاع: «إِن أَوْلِيَاء الله المصلون، وَمن يقم الصَّلَوَات الْخمس الَّتِي كتبهن الله عَلَى عباده، ويصوم رَمَضَان، ويحتسب صَوْمه،
ويؤتي الزَّكَاة طيبَة بهَا نَفسه محتسبًا، ويجتنب الْكَبَائِر الَّتِي نهَى الله عَنْهَا، فَقَالَ رجل من أَصْحَابه: وَكم الْكَبَائِر يَا رَسُول الله؟ (قَالَ) : هِيَ (سَبْعَة) ، أعظمهن الْإِشْرَاك بِاللَّه، وَقتل الْمُؤمن بِغَيْر حق، والفرار (من) الزَّحْف، وَقذف (الْمُحْصنَات) ، وَالسحر، وَأكل مَال الْيَتِيم، وَأكل الرِّبَا، وعقوق الْوَالِدين الْمُسلمين، وَاسْتِحْلَال الْبَيْت الْحَرَام قبلتكم أَحيَاء وأمواتًا، لَا يَمُوت رجل لم يعْمل هَؤُلَاءِ الْكَبَائِر، وَيُقِيم الصَّلَاة، ويؤتي الزَّكَاة إِلَّا رافق مُحَمَّدًا (فِي بحبوحة جنَّة أَبْوَابهَا مصاريع الذَّهَب» .
وَالْعَبَّاس بن الْفضل الْمُتَقَدّم قَالَ البُخَارِيّ: ذهب حَدِيثه، وَفِي «سنَن النَّسَائِيّ» نَحوه أَيْضا إِلَّا أَنه لم يذكر فِيهِ «قذف الْمُحْصنَات» وَلَا «أَن الْكَبَائِر سبعا» هَذَا لَفظه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ:«من جَاءَ يعبد الله (لَا) يُشْرك بِهِ شَيْئا، وَيُقِيم الصَّلَاة، ويؤتي الزَّكَاة، ويجتنب الْكَبَائِر كَانَ لَهُ الْجنَّة. فَسَأَلُوهُ عَن الْكَبَائِر، فَقَالَ: الْإِشْرَاك بِاللَّه، وَقتل النَّفس الْمسلمَة، والفرار يَوْم الزَّحْف» .
وَأما الْأَثر الأول فَهُوَ: عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة قَالَ: «أدْركْت أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان، وَمن بعدهمْ من الْخُلَفَاء، فَلم أرهم يضْربُونَ الْمَمْلُوك إِذا قذف إِلَّا أَرْبَعِينَ سَوْطًا» .
وَهُوَ أثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور لكنه لم يذكر أَبَا بكر، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق آخر كَمَا ذكره المُصَنّف، وَرُوِيَ عَن عَلّي مثل ذَلِك بِإِسْنَادِهِ.
وَأما الْأَثر الثَّانِي فَهُوَ: أَنه رُوِيَ «أَنه شهد عِنْد عمر عَلَى الْمُغيرَة بن شُعْبَة بِالزِّنَا، أَبُو بكرَة وَنَافِع ونفيع وَلم يُصَرح بِهِ زِيَاد - وَكَانَ رابعهم - فجلد عمر الثَّلَاثَة، وَكَانَ بِمحضر من الصَّحَابَة وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد» .
هَذَا الْأَثر إِيرَاده هَكَذَا غَرِيب؛ فَإِن نفيعًا هُوَ اسْم أبي بكرَة، وَصَوَابه مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق (قسَامَة) بن زُهَيْر قَالَ: «لما كَانَ من شَأْن أبي بكرَة والمغيرة مَا كَانَ
…
» وَذكر الحَدِيث قَالَ: «فَدَعَا الشُّهُود فَشهد أَبُو بكرَة وشبل بن معبد وَأَبُو عبد الله نَافِع، فَقَالَ عمر رضي الله عنه حِين شهد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، شقّ عَلَى عمر شَأْنه، فَلَمَّا (قَامَ) زِيَاد قَالَ: إِن تشهد إِن شَاءَ الله إِلَّا بِحَق. قَالَ زِيَاد: أما الزِّنَا فَلَا أشهد بِهِ، وَلَكِن رَأَيْت أمرا قبيحًا. فَقَالَ عمر: الله أكبر، حدوهم (فجلدهم) قَالَ: فَقَالَ أَبُو بكرَة بَعْدَمَا ضربه: أشهد أَنه زَان. فهم عمر رضي الله عنه أَن يُعِيد عَلَيْهِ الْحَد، فَنَهَاهُ عَلّي
رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقَالَ: إِن جلدت فارجم صَاحبك. فَتَركه وَمَا جلده» . وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن سعيد (عَن) قَتَادَة «أَن أَبَا بكرَة وَنَافِع بن الْحَارِث بن كلدة وشبل بن معبد شهدُوا عَلَى الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَنهم رَأَوْهُ يولجه ويخرجه، وَكَانَ زِيَاد رابعهم وَهُوَ الَّذِي أفسد (عَلَيْهِم) وَأما الثَّلَاثَة فَشَهِدُوا بذلك، فَقَالَ أَبُو (بكرَة) وَالله لكَأَنِّي ثَائِر فِي فَخذهَا. فَقَالَ عمر حِين رَأَى زيادًا: إِنِّي لأرَى غُلَاما كيسًا لَا يَقُول إِلَّا (جدًّا) وَلم يكن ليكتمني شَيْئا. فَقَالَ زِيَاد: لم أر مَا قَالَ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنِّي رَأَيْت رِيبَة وَسمعت نفسا عَالِيا. قَالَ: فجلدهم عمر رضي الله عنه وخلى عَن زِيَاد» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رَوَيْنَاهُ من وَجه آخر مَوْصُولا. قَالَ: وَفِي رِوَايَة (ابْن) زيد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة «أَن أَبَا بكرَة وزيادًا ونافعًا وشبل بن معبد كَانُوا فِي غرفَة والمغيرة فِي أَسْفَل الدَّار (فَهبت) ريح ففتحت الْبَاب وَرفعت السّتْر، فَإِذا الْمُغيرَة بَين رِجْلَيْهَا، فَقَالَ بَعضهم: قد ابتلينا
…
» فَذكر الْقِصَّة، قَالَ: «فَشهد أَبُو بكرَة وَنَافِع وشبل، وَقَالَ (زِيَاد) : لَا أَدْرِي نَكَحَهَا أم لَا. فجلدهم عمر رضي الله عنه إِلَّا زيدا، فَقَالَ أَبُو بكرَة: أَلَيْسَ (قد)
(جلدتموني) قَالَ: (بلَى. قَالَ) : فَأَنا أشهد بِاللَّه لقد فعل. فَأَرَادَ عمر أَن يجلده أَيْضا. فَقَالَ عَلّي: إِن كَانَت شَهَادَة أبي بكرَة بِشَهَادَة رجلَيْنِ فارجم صَاحبك، وَإِلَّا فقد جلدتموه - يَعْنِي لَا يجلد ثَانِيًا بِإِعَادَة الْقَذْف» . وَفِي رِوَايَة لِلْحَافِظِ أبي مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ:«شهد أَبُو بكرَة وَنَافِع - يَعْنِي ابْن عَلْقَمَة - وشبل بن معبد عَلَى الْمُغيرَة أَنهم نظرُوا كَمَا ينظرُونَ المرود فِي المكحلة، فجَاء زِيَاد، فَقَالَ عمر: رجل لَا يشْهد إِلَّا بِالْحَقِّ. فَقَالَ: رَأَيْت مَجْلِسا قبيحًا وابتهارًا فجلدهم عمر الْحَد» . قَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم: [هم] الْأَرْبَعَة الَّذين شهدُوا عَلَى الْمُغيرَة إخْوَة لأم اسْمهَا [سميَّة] وَرَأَيْت ذَلِك فِي «مَعْرفَته» فِي تَرْجَمَة شبْل بن معبد أَنهم أَرْبَعَة إخْوَة لأم، وَذكر الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» قصَّة الْمُغيرَة مستوفاة من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن أبي بكرَة وَذكر فِيهِ أَن الشُّهُود شبْل بن معبد ونافعًا وَأَبا بكرَة وزيادًا، كَمَا سلف فِي رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ، وَزَاد:«أَن الْمَرْأَة يُقَال لَهَا: أم جميل» . وَفِي البُخَارِيّ طَرِيق من هَذِه الْقِصَّة فِي الشَّهَادَات فَقَالَ:
«وَجلد عمر أَبَا بكرَة وشبل بن معبد ونافعًا» . كَمَا سلف فِي رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ، وَزَاد:«أَن الْمَرْأَة يُقَال لَهَا: أم جميل. فقذف الْمُغيرَة ثمَّ استتابهم، وَقَالَ: من تَابَ قبلت شَهَادَته» .
تَنْبِيه: الصَّحَابَة كلهم عدُول أَي مجردها كَافِيَة عَن عدالتهم إِنَّهَا من تحقق قيام الْمَانِع، والمغيرة كَانَ يرَى نِكَاح السِّرّ وَفعله فِي هَذِه الْقِصَّة بعد شَهَادَتهم قيل: وَمَا تفعل؟ قَالَ: أقيم الْبَيِّنَة أَنَّهَا زَوْجَتي.
كتاب حد السّرقَة