الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الثَّانِي) : قَالَ ابْن عَبَّاس: وَكَانَ ذَلِكَ أول (ظِهَار) جَرَى فِي الْإِسْلَام، كَمَا سَاقه الطَّبَرَانِيّ بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ السالف (عَنهُ)، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي «سنَنه» من حَدِيث: الْأَصَم [نَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد] ، ثَنَا [عبيد الله] بن مُوسَى، ثَنَا أَبُو حَمْزَة (الثمالِي) ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:«وَكَانَ أوَّل مَنْ ظاهَرَ فِي الْإِسْلَام: أَوْس» فَذكره.
الثَّالِث: اللمم: طرق من الْجُنُون، قَالَه ابْن الْأَثِير فِي «جَامعه» ، وَنقل النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» عَن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْمروزِي: أَن المُرَاد باللمم: الْإِلْمَام بِالنسَاء وَشدَّة الشوق إلَيْهِنَّ.
الحَدِيث الثَّانِي
قَالَ الرَّافِعِيّ: تَعْلِيق الظِّهَار صَحِيح، وَاحْتج لَهُ بِمَا رُوي:«أَن (سَلمَة) بن صَخْر رضي الله عنه جعل امْرَأَته عَلَى نَفسه كظهْر أُمِّه إِن غشيها حَتَّى ينْصَرف رمضانُ، فَذكر ذَلِكَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أعْتِقْ رَقَبَة» .
هَذَا الحَدِيث كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ هُنَا، وَرَوَاهُ بعد ذَلِكَ بِلَفْظ: «أَن سَلمَة بن صَخْر ظاهَرَ مِنِ امْرَأتِهِ حَتَّى يَنْسَلِخ رمضانُ، ثمَّ وَطئهَا فِي
المدَّةِ، فَأمره النَّبِي صلى الله عليه وسلم بتحرير رقبةٍ» وَهُوَ حَدِيث جيدٌ مذكورٌ باللفظين المذكورَيْن:
أما الأوَّل: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، وَأبي سَلمَة:«أَن سَلمَة بن صَخْر البياضي جعل امْرَأَته عَلَيْهِ كظهْر أُمِّه إِن غشيها حَتَّى يمْضِي رمضانُ، فلمَّا مَضَى النِّصْفُ من رَمَضَان سمنت المرأةُ وتربعت، فأعْجَبَتْهُ، فغشيها لَيْلًا، ثمَّ أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكر ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أعْتِقْ رَقَبَة. فَقَالَ: لَا أجد. فَقَالَ: صُمْ شَهْرَيْن مُتَتَابعين. قَالَ: لَا أَسْتَطِيع. قَالَ: أطعِمْ سِتِّينَ مِسْكينا [قَالَ: لَا أجد] . قَالَ: فأُتي النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعرق فِيهِ خَمْسَة عشر صَاعا أَو سِتَّة عشر صَاعا، فَقَالَ: تصدَّقْ بِهَذَا عَلَى سِتِّينَ مِسْكينا» .
وَأما اللَّفْظ الثَّانِي: فَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار، عَن سَلمَة بن صَخْر البياضي قَالَ: «كنتُ امْرَءًا أُصيبُ من النِّسَاء مَا لَا يُصيب غَيْرِي، فلمَّا دخل شهرُ رَمَضَان خِفْتُ أَن أُصيبَ مِنِ امْرَأَتي شَيْئا تتايع بِي حَتَّى أصبح، فظاهرتُ مِنْهَا حَتَّى يَنْسَلِخ شَهْرُ رَمَضَان، فَبينا هِيَ تخدمني ذَات لَيْلَة (إِذا
تكشف) لي مِنْهَا شَيْء، فَمَا لَبِثت أَن نزوتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أصبحتُ خرجتُ إِلَى قومِي فأخبرتُهُم الخَبَرَ، قَالَ: فقلتُ: امْشُوا معي إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَالُوا: لَا واللهِ. فانطلقتُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه. فَقَالَ: أَنْت بِذَاكَ يَا سَلمَة؟ قلت: أَنا بِذَاكَ يَا رَسُول الله - مرَّتَيْنِ - وَأَنا صابرٌ لأمْر الله، فاحْكُمْ فيَّ بِمَا أَرَاك الله. قَالَ: حَرِّرْ رَقَبَة. قلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ؛ مَا أَمْلُكُ رَقَبَة غَيرهَا، وضربتُ صفحةَ رقبتي. قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْن مُتَتَابعين. قَالَ: وَهل أصبتُ الَّذِي أصبتُ إِلَّا من الصّيام. قَالَ: فأطعمْ وَسْقاً من تمرٍ بَين سِتِّينَ مِسْكينا. قلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ؛ لقد بتنا (وحشين)، مَا أمْلِكُ لنا طَعَاما. قَالَ: فانْطَِقْ إِلَى صَاحب صَدَقَة بني زُرَيْق، فليدفَعْهَا إِلَيْك. قَالَ: فأطعمْ سِتِّينَ مِسْكينا وَسْقًا من تمرٍ، وكُلْ أَنْت وعيالُك بَقِيَّتَهَا. فرجعتُ إِلَى قومِي فقلتُ: وجدتُ عنْدكُمْ الضيقَ وسوءَ الرَّأْي، ووجدتُ عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم السعَة وحُسْنَ الرَّأْي، (و) قد أَمرنِي - أَو - أَمر لي بصدقتكم» .
قَالَ ابْن إِدْرِيس: [وَبَنُو] بياضة بطن من (بني) زُرَيْق. هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَهُوَ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن عَمرو بن عَطاء، (عَن) سُلَيْمَان بن يسَار، عَن سَلمَة بن صَخْر بِهِ، وَلَفظ
التِّرْمِذِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن سلمَان بن صَخْر «أَنه جعل امْرَأَته عَلَيْهِ كَظهر أمه حَتَّى يمْضِي رَمَضَان، فَلَمَّا مَضَى نصف من رَمَضَان وَقع عَلَيْهَا لَيْلًا، فَأَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكر ذَلِكَ لَهُ
…
» . ثمَّ ذكر الْبَاقِي نَحوه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن. وَلَفظ ابْن مَاجَه [كطريق] أبي دَاوُد: «لما دخل رَمَضَان ظَاهَرت من امْرَأَتي حَتَّى يَنْسَلِخ رَمَضَان
…
» . وَالْبَاقِي نَحوه.
وَرِوَايَة أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه مُنْقَطِعَة، قَالَ البُخَارِيّ فِيمَا نَقله التِّرْمِذِيّ: سُلَيْمَان بن يسَار لم يسمع عِنْدِي من سَلمَة بن صَخْر. وَكَذَا نقل غَيره عَنهُ أَن سُلَيْمَان لم يدْرك سلمةَ، لَا جرم قَالَ عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» : إِنَّه مُنْقَطع. وَأما الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي «مُسْتَدْركه» من طَرِيق أبي دَاوُد وابْنِ مَاجَه، وَفِيه عنعنة ابْن إِسْحَاق أَيْضا، وَلم يذكر تأقِيْتَ الظِّهَار، بل قَالَ: «فلمَّا دخل رَمَضَان ظاهَرَ من امْرَأَته؛ مَخَافَة أَن يُصِيب مِنْهَا شَيْئا من اللَّيْل
…
» الحَدِيث إِلَى آخِره.
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. أَي: فِي الشواهد لَا فِي الْأُصُول؛ لِأَن مُسلما لم يحْتَج بابْنِ إِسْحَاق، (وَإِنَّمَا) ذكره مُتَابعَة، كَمَا نَبَّهنا عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ.
قَالَ الْحَاكِم: وَله شَاهد من حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بِهِ.
ثمَّ رَوَاهُ عَن ابْن خُزَيْمَة، أبنا هِشَام بن عليّ، ثَنَا عبد الله بن رَجَاء، ثَنَا حَرْب بن شَدَّاد، عَن ابْن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن:«أَن سَلْمان بن صَخْر الْأنْصَارِيّ جعل امْرَأَته كظهْر أُمِّه. .» . فَذكر الحديثَ بِنَحْوِهِ مِنْهُ، ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
تَنْبِيهَات: أَحدهَا: «سلمَان بن صَخْر» هُوَ «سَلمَة بن صَخْر» ، يُقَال فِيهِ هَذَا وَهَذَا، كَمَا سلف، وَقد نَصَّ عَلَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيّ وغيرُه، و «سَلمَة» أصح وَأشهر، كَمَا قَالَه ابْن الْأَثِير وَالنَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» وغَيْرُهما، وَهُوَ أَيْضا أنصاريّ خزرجيّ، وَيُقَال لَهُ:«بياضي» لِأَنَّهُ حَلِيف بني بياضة.
ثَانِيهَا: فِي (أَلْفَاظه) : قَوْله: «تتايع» هُوَ بمثناة تَحت قبل الْعين، فَقَالَ: تتايع فِي الْخَيْر وتتايع فِي الشَّرّ، قَالَ صَاحب «التنقيب» فِي كَلَامه عَلَى «المهذَّب» بعد أَن ضبط تتايع بِمَا (ضبطته) التتايع عبارَة (عَن) المسارعة إِلَى الشَّيْء (و) التهافت عَلَيْهِ. قَالَ: وَلم تسْتَعْمل هَذِه (اللَّفْظَة) فِي المسارعة إِلَى الْخَيْر إِلَّا عَلَى وجْه شَاذ.
وَأما «التَّتَابُع» بباء مُوَحدَة قبل الْعين، فَلَا يُسْتعمل عِنْد الْجُمْهُور إِلَّا فِي الْمُتَابَعَة إِلَى الْخَيْر.
وَقَوله: «نزوتُ» : هُوَ بِفَتْح النُّون، ثمَّ زَاي مُعْجمَة، ثمَّ وَاو سَاكِنة، أَي: وَثَبْتُ عَلَيْهَا (أَرَادَ) الْجِمَاع.
وَقَوله: «أَنْت بِذَاكَ» مَعْنَاهُ: أَنْت الملم بِذَاكَ، والمرتكب لَهُ.
وَقَوله: «وَحْشين» : هُوَ بِفَتْح الْوَاو، ثمَّ حاء مُهْملَة سَاكِنة، ثمَّ شين مُعْجمَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت، ثمَّ نون، أَي: مقفرين لَا طَعَام لنا، يُقَال: رجل وَحْش - بِسُكُون الْحَاء - وَقوم أوحاش.
وَبَنُو زُريق: بِضَم الزَّاي، ثمَّ رَاء مُهْملَة مَفْتُوحَة، ثمَّ مثناة تَحت (ثمَّ قَاف) ، وَكَذَا ضَبطه النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» ، وهُمْ بطن من الْأَنْصَار.
ثَالِثهَا: اعْترض ابْن الرّفْعَة عَلَى الرَّافِعِيّ فِي استدلاله بِهَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ عَلَى صِحَة تَعْلِيق الظِّهَار بِمَا ذكره من حَدِيث سَلمَة، وَالَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ:«أَنه ظاهَرَ حَتَّى يَنْسَلِخ رمضانُ» : فَهُوَ ظِهَار مُؤَقّت لَا معلَّق، قَالَ: فَلَعَلَّ تِلْكَ رِوَايَة أُخْرَى.
وَقَالَ فِي «مطلبه» : الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِيهِ غير هَذِه، وَلَا حُجَّة فِيهَا عَلَى جَوَاز التَّعْلِيق. هَذَا مَا ذكره فِي كِتَابيه، وَرِوَايَة الْبَيْهَقِيّ السالفة طبْقَ مَا ذكره الرَّافِعِيّ، فَلَا اعْتِرَاض إِذن.