الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب الِاسْتِبْرَاء
ذكر فِيهِ رحمه الله ثَلَاثَة أَحَادِيث:
أَحدهَا
«أَنه عليه السلام قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاس: لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض» .
هَذَا الحَدِيث (كَرَّرَه) الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب وَقد سلف بَيَانه فِي آخر كتاب الْحيض وَاضحا فَرَاجعه مِنْهُ.
ثَانِيهَا
أَنه عليه السلام قَالَ: «لَا تسق بمائك زرع غَيْرك» .
هَذَا الحَدِيث سلف أَيْضا فِي الْعدَد وَاضحا.
ثَالِثهَا
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها. بِمَعْنَاهُ وَزِيَادَة وَقد ذكرته بفوائده فِي شرحي للعمدة فسارع إِلَيْهِ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات.
وَأما آثَار الْبَاب فستة:
أَحدهَا: عَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَنه قَالَ: «وَقعت فِي نَفسِي جَارِيَة من سبي جَلُولَاء فَنَظَرت إِلَيْهَا فَإِذا عُنُقهَا مثل إبريق الْفضة، فَلم أتمالك أَن وَثَبت عَلَيْهَا فَقَبلتهَا وَالنَّاس ينظرُونَ وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد» .
وَهَذَا الْأَثر لم أر من أخرجه عَنهُ إِلَّا ابْن الْمُنْذر فَإِنَّهُ ذكره فِي «إشرافه» بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: وَقد روينَا عَن ابْن عمر «أَنه قبل جَارِيَة وَقعت فِي سَهْمه يَوْم جَلُولَاء» وأسنده فِي كِتَابه «الْأَوْسَط» وَمِنْه نقلت بعد أَن لم أظفر بِهِ إلاّ بعد عشْرين سنة من تبييض هَذَا الْكتاب فاستفده وَللَّه الْحَمد.
فَقَالَ: ثَنَا (عَلّي بن) عبد الْعَزِيز، ثَنَا حجاج، ثَنَا حَمَّاد، أَنبأَنَا عَلّي بن زيد، عَن أَيُّوب بن عبد الله اللَّخْمِيّ، عَن ابْن عمر، قَالَ:«وَقعت فِي سهمي جَارِيَة يَوْم جَلُولَاء كَأَن عُنُقهَا إبريق فضَّة قَالَ: فَمَا ملكت نَفسِي أَن وَثَبت عَلَيْهَا فَجعلت أقبلها وَالنَّاس ينظرُونَ» . وَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن رِوَايَة الرَّافِعِيّ «فِي نَفسِي» صَوَابه «فِي سهمي» فَتَأَمّله.
قَالَ ابْن الْمُنْذر: ذكر لِأَحْمَد حَدِيث ابْن عمر هَذَا فَقَالَ: ذَاك عَلَى السَّبي لَيْسَ لَهُ أَن يردهَا وَالَّذِي تستبرئ، عَسى أَن تكون أم ولد لرجل أَو يكون فِي بَطنهَا ولد.
فَائِدَة: جَلُولاء - بِفَتْح الْجِيم وَضم اللَّام وبالمد - قَرْيَة بنواحي فَارس النِّسْبَة إِلَيْهَا جلولي عَلَى غير قِيَاس كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي وَعبارَة «التَّهْذِيب» (أَنَّهَا [بَلْدَة] بَينهَا وَبَين بَغْدَاد نَحْو من مرحلة، وَقَالَ صَاحب (التنقيب) وَتَبعهُ البالسي فِي (شرح التَّنْبِيه) : بَينهمَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ فرسخًا) وَعبارَة (صَاحب)(التنقيب) أَنه مَوضِع بِأَرْض الْعرَاق جرت فِيهِ وَاقعَة (وَقعت) سنة سِتّ عشرَة. وَعبارَة صَاحب (المستعذب عَلَى الْمُهَذّب) أَنَّهَا قَرْيَة من قرَى فَارس. وَعبارَة الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» أَنه بِالشَّام مَعْرُوف عقد سعد بن أبي وَقاص لهاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص لِوَاء وَوَجهه فَفتح جَلُولَاء يَوْم اليرموك وَفِي ذَلِكَ الْيَوْم فقئت عينه قَالَ: وَكَانَت جَلُولَاء تسمى فتح الْفتُوح بلغت غنائمها ثَمَانِيَة عشر ألف ألف قَالَ: وَكَانَت سنة سبع عشرَة وَقيل تسع عشرَة قَالَ: وَقد قيل إِن سَعْدا شَهِدَهَا وَعبارَة النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» كَانَ بهَا غزَاة للْمُسلمين فِي زمن عمر وغنموا من الْفرس سَبَايَا وغيرهن بِحَمْد الله وفضله.
الْأَثر الثَّانِي: (عَن) ابْن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ: «عدَّة أم الْوَلَد إِذا هلك سَيِّدهَا حَيْضَة، واستبراؤها بقرءٍ وَاحِد» .
هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» : عَن نَافِع، عَن ابْن عمر (أَنه) قَالَ:« (فِي) أم الْوَلَد يتوفى عَنْهَا سَيِّدهَا تَعْتَد بِحَيْضَة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن نمير، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ:«عدَّة أم الْوَلَد حَيْضَة» وَرَوَاهُ من حَدِيث عَمْرو بن صَالح الْقرشِي، ثَنَا الْعمريّ، عَن نَافِع قَالَ:«سُئِلَ ابْن عمر عَن عدَّة أم الْوَلَد فَقَالَ: حَيْضَة. فَقَالَ رجل: إِن عُثْمَان كَانَ يَقُول ثَلَاثَة قُرُوء. قَالَ عُثْمَان: خيرنا وَأَعْلَمنَا» قَالَ: فِي هَذَا الْإِسْنَاد ضعف، وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي أُسَامَة، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَنهُ «عدَّة أم الْوَلَد إِذا مَاتَ سَيِّدهَا، وَالْأمة إِذا أعتقت أَو وهبت: حَيْضَة» قَالَ: وروينا عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «تستبرأ الْأمة بِحَيْضَة» .
قلت: وَأما أثر عَمْرو بن الْعَاصِ: « (لَا) تلبسوا علينا سنة (نَبينَا) عدَّة أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا عدَّة الْحرَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا (زَوجهَا) » فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَضَعفه الدَّارَقُطْنِيّ
ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بالانقطاع بَين قبيصَة وَعَمْرو، وَأعله ابْن حزم بمطر الْوراق، وَهُوَ ثِقَة احْتج بِهِ مُسلم، (وَلم ينْفَرد بِهِ بل تَابعه قَتَادَة، لَا جرم) استدركه الْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
الْأَثر الثَّالِث: عَن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ: «لَا تَأتِينِي أم ولد يعْتَرف سَيِّدهَا أَنه قد ألم بهَا إِلَّا (ألحقت) بِهِ وَلَدهَا؛ فأرسلوهن بعد أَو أمسكوهن» .
هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه (أَن) عمر قَالَ:«مَا بَال رجال يطئون ولائدهم ثمَّ (يعتزلونهن) لَا تَأتِينِي وليدة يعْتَرف سَيِّدهَا أَنه قد ألم بهَا إِلَّا ألحقت بِهِ وَلَدهَا، فاعتزلوا بعد أَو اتْرُكُوا» . قَالَ: وثنا مَالك، عَن نَافِع، عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد، عَن عمر «فِي إرْسَال الولائد يوطئن» بِمثل مَعْنَى حَدِيث ابْن شهَاب، عَن سَالم وَلَفظه:«مَا بَال رجال يطئون ولائدهم ثمَّ يدعوهن يخْرجن، لَا تَأتِينِي وليدة يعْتَرف سَيِّدهَا (أَن) قد ألم بهَا إِلَّا ألحقت بِهِ وَلَدهَا، فأرسلوهن بعد أَو أمسكوهن» .
الْأَثر الرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس: قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَإِن ولدت - أَي:
الْأمة - لسِتَّة أشهر إِلَى أَربع سِنِين؛ فالمنصوص وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه لَا يلْحقهُ الْوَلَد - يَعْنِي: إِذا نَفَاهُ - قَالَ: وَاحْتج لَهُ؛ بِأَن عمر وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس نفوا أَوْلَاد جوارٍ لَهُم، وَهَذِه الْآثَار ذكرهَا الشَّافِعِي إِذْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْأَصَم عَن الرّبيع قَالَ: قلت للشَّافِعِيّ: فَهَل خالفك فِي هَذَا غَيرنَا؟ قَالَ: نعم، بعض (المشرقيين) قلت: فَمَا كَانَ من حجتهم؟ قَالَ: كَانَت حجتهم أَن قَالُوا: انْتَفَى عمر من ولد جَارِيَة لَهُ، وانتفى زيد بن ثَابت من ولد جَارِيَة لَهُ، وانتفى ابْن عَبَّاس من ولد جَارِيَة (لَهُ) فَقلت: فَمَا كَانَ حجتك (عَلَيْهِم) - يَعْنِي: جوابك؟ قَالَ: أما عمر فَروِيَ عَنهُ أَنه أنكر حمل جَارِيَة لَهُ أقرَّت بالمكروه، وَأما زيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس؛ فَإِنَّهُمَا أنكرا أَن (كَانَا فعلا) ولد جاريتين (عرفا) أَن لَيْسَ مِنْهُمَا فحلال لَهما، وَكَذَلِكَ لزوج الْحرَّة إِذا (علم) أَنَّهَا حبلت من زنا أَن يدْفع وَلَدهَا وَلَا يلْحق (بنسبه) من لَيْسَ مِنْهُ، [فِيمَا] بَينه وَبَين الله عز وجل (ثمَّ تكلم) بِكَلَام طَوِيل.