الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرجال
…
أم نساء
؟
نشرت سنة 1931 (1)
أنا امرؤ لا أعرف إلا الحق سبيلاً، ولا أبالي -إذا ما قلته وأرضيت ربي- أن أُسخط الناس أجمعين.
ولقد كنت من أكثر الناس انتصاراً للشباب ودفاعاً عنهم وتأييداً لهم، ولكني وجدت الكَيْل قد طفح والحوض قد امتلأ، ولم يبقَ في الصبر على تأنّثهم بقية، فقذفت بهذه الكلمة في وجوههم. أستغفر الله أن أعني الشبان جميعاً، بل أولئك وحدهم، ولأولئك وحدهم أقول: إذا لم تعجبكم مقالتي فاذهبوا فانطحوا برؤوسكم صخر «قاسيون» ، وابتلعوا بأفواهكم ماء «بَرَدى» ، فإنكم لا تكسبون -إن فعلتم- إلا قطع رؤوسكم المحطمة، وما يحفل بكم إلا أخرق من أمثالكم.
إنني سأقول كلمتي بصراحة وإيجاز، لا أزخرف الجُمَل ولا أنمّق العبارات، فما هو بمَوطن خيال ولا هو بميدان بلاغة، بل هو موقف المُنذر بالشر المستطير والبلاء العميم. وأيّ بلاء
(1) نشرت هذه المقالة في العدد الأول من كتاب «البعث» الذي صدر في غرة المحرم سنة 1350 (19/ 5/1931).
يعدل خُسران الأمة مستقبلَها وضياع استقلالها؟ وأَولى به يضيع إذا رجالُه هؤلاء!
ويلَكم، أَساءَكم أن الله خلقكم رجالاً، فأنتم تَسْعَوْن أبداً لتعودوا بنات، وأنتم أبداً تَحُفّون وجوهكم وتُرَجِّلون شعوركم وتطيّبون ريحكم، وتليّنون كلامكم وتُكثرون ابتسامكم، وتَميلون وتُميلون وتَغمزون وتغنجون، وإذا سقطتم تفخرون ولا تستحيون
…
و
…
ممّا لست أذكره:
فظُنَّ شرّاً ولا تسألْ عن الخَبَرِ!
* * *
«فلان» (وما أكثر أشباه فلان) طالب أعرفه، من أسرة محترمة ذات شرف ووجاهة، دخل «التجهيز» وكأنه في حسن أخلاقه وطيب عنصره وجمال صورته الملاك الطاهر. ولكن الجمال شرٌّ على الطالب، ولا سيّما إذا كان -كصاحبنا- ليّنَ الكلام سهلَ القِياد طيّبَ القلب، لأن جماله يُطمع فيه ذوي الأغراض، ولينه يُبلّغهم منه ما يريدون.
عاش صاحبنا حيناً ما ننكر من أمره شيئاً، ثم فسد بين عشية وضحاها، وذلك أنه راح يعاشر ويخالل، فيجره أخلاّؤه من مكان إلى مكان حتى يبلغوا به السينما، وهي مصدر الداء وأصل كل بلاء، فلا يخرج منها إلا ملوَّث السمعة مذموم الأخلاق، وقد كان ممدوح السيرة. وأعلمُ أنا بذلك، فأجهد نفسي في نصحه وإصلاحه، وأبذل وُسْعي لأقنعه بترك من يصاحب، فلا أصنع في ذلك شيئاً رغم ما أوتيتُه من بَسْطة اللسان وقوة العارضة،
ورغم ما هو عليه من سرعة الانقياد، لأن القوم قد ملكوا عليه لُبَّه فلا يكاد يستقل دونهم بتفكير. فأذهب إلى أبيه فأحذّره وأنذره، فيهتمّ بالأمر أياماً ثم ينسى، فأيأس فأدع الولد والوالد وأوليهما ظهري.
على أن هذا من صالحي الآباء، وهناك من يضحك إذا قلت له: إن ابنك قد سقط، ويقول:"ما عليه شي، شو هوّه ولد"! كأن النخوةَ قد ذهبت من رؤوس الناس والشرفَ قد امَّحى من الوجود، وأصبحنا إباحيين لا يهمّنا عِرض ولا يردعنا دين!
* * *
وعلامَ يتجمّل الشبان إذا كانوا رجالاً، وهم يعلمون أن الجمال مفخرة النساء يتقربن به من الرجال؟ وأين آباؤهم وأمهاتهم؟ أهم نائمون غافلون، أم هم يعلمون كل شيء ويسكتون؟ وإن غفلوا عن أبنائهم وناموا عن اللص يسرق أعراضهم، فعلامَ يسهرون ولماذا ينتبهون؟ وكيف يقتل الأب ابنتَه إذا صارت بَغِيّاً، ولا يبالي بابنه يصبح قريباً من ذلك؟
أفلم يَانِ لنا أن نفهم أن هذه عاقبة التجدّد الزائف والرقيّ المزعوم؟ ألم يأنِ لنا أن نفهم أنه لا صلاح لهذا الفساد إلا بالدين، فنعود إليه ونقف عند أمره ونهيه؟
لو رُبِّيَ هؤلاء تربية دينية -يعلمون معها أن التشبه بالنساء حرام- لما نشأ ما كان ممّا نشكو منه اليوم فلا نجد مُشْكياً (1) ولا
(1) يقال: أشكاه على ما يشكوه، أي أعانه وأزال سبب شكواه (مجاهد).
مُغيثاً، ولو كان هؤلاء يقيمون الصلاة على وجهها ويعرفون من أمر دينهم ما يجب أن يعرفوا لما سقطوا هذا السقوط الأخلاقي المريع.
ألا ليعلم من نزع العلوم الدينية من برنامج «المعارف» أن هذا كله جريمة من جرائمه وسقطة من سقطاته! ألا لتنتبه الأمة إلى تلافي هذا الأمر قبل أن تصبح المدارس كلها مواخير! ألا لا يَدَعَنَّ امرؤ ابنَه يذهب إلى السينمات ولو قالوا له إن فيها رواية أدبية
…
كذبوا، ما فيها أدبي وما في أهلها صالح! ولا يغفَلَنَّ عن مراقبة ابنه مهما بلغ. ومن كان من أحلاس (1) السينمات والمقاهي ومن عُبّاد الموضات فاحتقره، ولو كان آباؤه الخلفاء الراشدين وأسرته الأئمة المطهَّرين، وليسمع هذا من له أُذُنان، وسلام على من سمع فوعى.
* * *
(1) من قولنا: حَلِس بالمكان وفيه: لزمه وأقام فيه، فهو حَلِس وأحْلَس، ويقال: هو حِلْس بيته: لا يفارقه، والجمع أحلاس (مجاهد).