المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌كلمات

- ‌خواطر غريب

- ‌طلاب دمشق

- ‌في ذكرى مولد فخر الكائنات

- ‌ألا ليشهد العالم كله

- ‌قطعةٌ من حديث (1)

- ‌قطعةٌ من حديث (2)

- ‌قطعةٌ من حديث (3)

- ‌أنا ونفسي

- ‌على قارعة الطريق

- ‌خطرات وكلماتالشهرة

- ‌أم الذكريات

- ‌استفتاء لغوي

- ‌على أطلال الخضراء

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (1)

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (2)

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (3)

- ‌رسائل سيف الإسلامالرسالة العاشرة

- ‌لماذا أنا مسلم

- ‌جمعية «الهداية الإسلامية» في دمشق

- ‌مقدمة كتاب «البعث»

- ‌أرجال…أم نساء

- ‌محاسن الإسلامالصلاة

- ‌الفاجعة

- ‌ما وراء الأكمة

- ‌في سبيل المقاطعة

- ‌افتتاحية مجلة «البعث»

- ‌على إثر الخسوف:احتجاجاتنا كطبولنا

- ‌من رسائل العطلة

- ‌ذكرى يوم الاستقلال

- ‌لا قوة إلا قوة الحقولا مجد إلا مجد التضحية

- ‌يا أمة الحرية

- ‌أندية الطلاب في العالم

- ‌أليس فيكم رجل رشيد

- ‌دع السياسة

- ‌مقدمة مجلة

- ‌معلم القرية

- ‌صفات الزعيم الحقيقي

- ‌على أنقاض آماليأنشودة الظلام

- ‌تحرير الرجل من ظلم المرأة

- ‌نريد خصومة موضوعية لا شخصية

- ‌إلى المبشرين

- ‌من هو السنوسي

- ‌خذوا الصواب من قلب الخطأ

- ‌نَحْطِمُهم كما يَحْطِم النسرُأمةً من الذباب

- ‌الشَّرَف

- ‌الأدب القومي

- ‌الأدب القومي أيضاً

- ‌بالأسلوب التلغرافيتَرَقّي الموظف

- ‌بالأسلوب التلغرافينحن وفلسطين

- ‌التربية الوطنية والدينية

- ‌نصائح لمن كان يتعلم الوطنية

- ‌عند الحلاق

- ‌الأستاذ شفيق جبري والوظيفة

- ‌إن في هذا لعبرة

- ‌قصة رمزيةورقة الخمسين

- ‌أبناؤنا وتاريخنا

- ‌الراتب، أم الواجب

- ‌رسالة الطالب

الفصل: ‌أليس فيكم رجل رشيد

إلى مستشاري لجنة الطلبة

‌أليس فيكم رجل رشيد

؟

نشرت سنة 1932 (1)

أما الآن فقد وجب عليّ أن أتقلد السلاح وأنزل إلى الميدان، فأدلي برأيي بصراحة وأنازل من يخالفه أو يعمل على ردّه. وها أنَذا أسوقه دون أن أجمجم القول أو أخشى، فأقول: إن اشتغال الطلاب بالسياسة، وتسرب الفوضى إلى مدارسهم وامتلاء رؤوسهم بفكرة التمرد والعصيان، وجرأتهم بالسباب والشتائم على أساتذتهم ومديريهم

كل هذا أعمال تضرّ الأمة، ولا يكون مَن يحثّ عليها أو يشجّعها إلا مجرماً، بل خائناً لأمته وبلاده!

وأنا أردّ سلَفاً على من يزعم أنني رجعي أو مدفوع بأني لا أنتسب إلى حزب من الأحزاب، وأني أول من دعا إلى توحيد

(1) في «ألف باء» بتاريخ 28 شباط 1932 (20 شوال 1350). وفي أصل المقال تعليق بخط جدي قال فيه: "ربما كان هذا المقال أشدَّ مقال كتبته أثراً وأعمقَه، وذلك أني كنت رأس حركة الطلاب ورئيس لجنتهم العامة، فانسحبت لمّا تدخل بهذه الحركة أولئك الأشخاص وأحالوها إلى حركة جهل وإفساد"(مجاهد).

ص: 208

أمر الطلاب ورفع شأنهم وعمل على ذلك أربع سنوات، وأنني -فوق هذا- صديق الوطنيين؛ ولكن هذه الصداقة لا تطمس عيني فتجعلني أبيع من أجلها وجداني وأرى من أجلها الحق باطلاً والباطل حقاً، ولا تمنعني -إذا اعتقدت أمراً وكان فيه مصلحة أمتي- أن أقوله، ولو لويت منه الشفاه والوجوه وسخط من أجله أقوام!

وأنا أعتقد أن مهمة الطالب هي درسه قبل كل شيء، وأن العلم الصحيح أكبر سلاح نواجه به أعداءنا، وأنه ليس من الحق ولا من المصلحة الوطنية أن يُضيع الطلاب دروسهم ليسيروا في الشوارع متظاهرين يصيحون:"يعيش فلان، ويسقط فلان"

ثم يُقبَض على طائفة منهم فيودَعون السجون، فيعاشرون فيها مَن تفسد بمعاشرته أخلاقهم، ويخرجون منها وقد خُلقوا خلقاً جديداً، ولكنه خَلْق شرٍّ وبلاء، ويتمرد إخوانهم ويُضربون من جرّاء اعتقالهم، فتغلق المدرسة ويتشرد طلابها بين سمع الأرض وبصرها، فيصيروا في غدٍ من أحلاس المقاهي ورُوّاد الحانات، وقد كانوا بالأمس على مقاعد الدرس يقطفون من ثمر العلم كل شهي ويبنون من الثقافة الصحيحة دعائم المستقبل الزاهر، فتتأخر قضية البلاد ويخسر الوطن الخسران المبين، ونكون قد ربحنا حادثة تافهة يستغلها حزب من الأحزاب وتنشر خبرَها الجرائدُ وتكتب أسماء مَن كانوا أكثر جنوناً فيها فيصبحوا زعماء، ولا يقرؤون بعد اليوم درساً ولا يفتحون كتاباً وإنما يفتشون على مظاهرة جديدة أو اضطراب حديث، فإذا لم يجدوه أوجدوه، فازدادت العناصر الجاهلة في المدينة وازداد الاضطراب!

ص: 209

بل الأنكى من هذا أن طائفة كبرى من الطلاب أصبحت تفخر بسبّ الأساتيذ والتمرد عليهم وكسر أبواب المدارس ومقاعد الدرس

وها هو معهد «التجهيز» ، أكبر معهد علمي في البلد، قد ضاعت فيه الدروس سنة كاملة وعمَّ فيه العصيان، ولا تزال المنشورات تتدفّق تترا (1) في كل مناسبة وغير مناسبة تزيد هذه النار اضطراماً، توقّعها اللجنة التنفيذية لمؤتمر الطلاب. وما هذا المؤتمر إلا عشرون شخصاً ممّن أصبحوا بفضل الجرائد والسجون زعماء، في حين أن عضو اللجنة لا بدّ له من ثلاث صفات لا يكون إلا بها عضواً في اللجنة: أولاها أن يكون عميق الثقافة واسع المدارك لتكون آراؤه سديدة، وثانيها أن يكون ذا منزلة بين رفاقه وله احترام في نفوسهم لتكون آراؤه مسموعة، وثالثها وأهمّها أن يكون مستقيم السيرة حسن الأخلاق ليكون قدوة لهم حسنة ومثالاً كاملاً.

* * *

ومن العجيب في هذا الباب أن بعضاً من هؤلاء «الزعماء» قابلوني مساء أمس، فنصحتهم بالعودة إلى الهدوء والاستهداء بهدي العقل، فقالوا لي: أوَلم تكن أنت قبل أن تخرج من

(1) تُكتب هكذا بالألف الممدودة، وبالمقصورة أيضاً:«تترى» ، كلا الوجهين صحيح، وهي ليست من وزن «تَفْعَلُ» بل من وزن «فَعْلى» ، أصلها «وَتْرَى». وقولنا:"جاؤوا تَتْرى" أي متواترين (متتابعين وبينهم فجوات وفترات). وقد نبّه جدي في مواطن عدة من أحاديثه وكتاباته إلى أنها اسم وليست فعلاً كما يظن عامة الناس، قارئهم وكاتبهم على السواء! (مجاهد).

ص: 210

«التجهيز» ممن يشاغب؟

قلت: بلى يا سادة، ولكنّ هذا هو «القياس مع الفارق» الذي ذُكِر في كتب المنطق التي لم تقرؤوها قط! كنا نشاغب من أجل قضية مدرسية، وأنتم تشاغبون (واسمحوا لي أن أستعمل هذه الكلمة) من أجل قضية سياسية. ونحن لم نتجاوز حدود اللباقة والأدب في مشاغبتنا، وأنتم تفخرون بهذا التجاوز! وكان حولنا طلاب هادئون عقلاء، وحولكم طلاب قد فاضت رؤوسهم بحب الثورة والتهور. وكنا نسترشد بعقولنا، وأنتم تسترشدون بهوى غيركم! وهذا هو الفارق «البسيط» بيننا وبينكم.

وأعجب من هذا أنني كتبت مقالة أدعو فيها إلى التعقل والانصراف إلى العلم، فسبقني «إلحاحٌ» على الجرائد كلها أن لا تنشرها، رغم أنها معقولة وصحيحة ورغم أن من عادة الجرائد أن تنشر لي

وكان لهم ما أرادوا!

أرأيتَ بلداً تضيع فيه الحقائق وتغلب فيه الأغراض الخاصة والحزبية على المصلحة العامة إلا هذا البلد؟! أرأيت بلداً إلا هذا البلد تغلق مدارسه من أجل هتاف لفلان أو لنجاح فلان في البرلمان؟! أرأيت بلداً إلا هذا البلد يقود طلابَه كلَّهم طائفةٌ من الغلمان، ومن ورائهم طائفة من الشبّان، لا هم يعقلون ولا يسمعون كلام من يعقل؟!

لقد قلنا لهم خمسين مرة: إن الوطنية وخدمة الأمة ليست في ترك الدروس والصياح في الطرقات، بل هي عند الطالب في اجتهاده على درسه وإقباله على علمه، وعند الأستاذ في إعداد

ص: 211

محاضراته وبثّ روح الوطنية الصحيحة في ثنايا العلم الصحيح، وعند التاجر في إيثاره مصنوعات الوطن على مصنوعات الخارج، وعند الموظف في مراقبة وِجدانه واتّباعه سبيلَ الشرف والواجب

أي أن الوطني المخلص هو الذي يقوم بواجبه جهاراً. وواجبي أنا، طالب الحقوق، لا ينافي اشتغالي بالقضية العامة بحيث لا يثنيني ذلك عن درس، ولكن واجب الطالب التجهيزي، ولا سيما طالب الصف السادس الذي لم تكتمل مداركه بعد، يمنعه من أن يكون رئيس مؤتمر أو قائد مظاهرة! فضلاً عن أن يكون شاتماً لأستاذه عاملاً على هدم مدرسته وبث روح التمرد فيها!

فهل في الناس مَن يُثبت لنا أن هذا باطل، وأن الحق فيما يقوم به هؤلاء؟

إذن فما لهذه الجرائد -وهمّها نجاح القضية وتقدم الوطن- لا تدعو إلى حفظ الحياة العلمية ولا تكفّ عن تشجيع الفوضى؟ وما للآباء -إذا كان يعنيهم أخلاق أبنائهم وحفظ مستقبلهم- لا يردعونهم عن الاسترسال في هذا التمرد، أو على الأصح: في هذه المهازل التي يُدفَعون إلى تمثيلها لتنقلب عليهم مآسي ويستغلها مَن دفعهم إليها؟

* * *

أمَا إن هذه حال إن دامت قضت على الروح العلمية في البلاد وأخّرتها في سَيْرها إلى الغاية المنشودة مراحلَ كثيرة. وهَبْنا قد ربحنا بعد ذلك برلماناً وطنياً، فماذا نصنع به؟ أمَا والله لَهذه «التجهيز» أجدى على الأمة من برلمان تحميه حِراب المحتل

ص: 212

الأجنبي! ولو جاء برلمان أعضاؤه من الأولياء وكانت الأمة جاهلة والنشء متشرداً في الطرقات والمقاهي لما نفعَنا ذلك شيئاً!

فالعقلَ العقلَ أيها الناس، ولا تكونوا من هذه الأمة كذلك الصديق الذي أراد أن يطرد الذباب عن وجه صديقه فطرده بصخرة حطمت وجهه! وارقبوا الله في هؤلاء الطلاب، لا تَرْزؤوهم في مستقبلهم وترزؤوا الأمة بهم، فتضيعوا عليها جيل المستقبل من أجل مظاهرة لا معنى لها ومن أجل "يحيا فلان ويسقط فلان"!

وبعد، فهذا رأي أسوقه، يشهد الله عليّ أنني لا أبتغي من ورائه فائدة أو نفعاً من نفع الدنيا، وما ابتغيت ذلك من قبل، ويشهد الله عليّ أنني أرضخ للحق وأكُفُّ إذا رأيت من الدليل القاهر ومن الحجة الدامغة ما يجعلني على خطأ ويجعل هؤلاء الطلاب على صواب. وأرجو من إخواننا الطلبة العقلاء أن يتلقّوا كلمتي كما يجب أن يتلقى المرء كلمة معتدلة سيقت من المصلحة، أو يُثبتوا بُطلانها

أما غير العقلاء منهم فسيكون ردهم عليّ «أنني رجعي» ، ويا لها من بلاغة!

* * *

ص: 213