الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن في هذا لعبرة
نشرت سنة 1934 (1)
قرأ الناس في الجرائد منذ أيام خبراً ارتابوا فيه وشكّوا في وقوعه وترددوا في تصديقه، فلما بدا لهم أنه واقع حاروا فيه وعجبوا منه وارتاعوا! قرؤوا أن فتى من فتيان أسرة مجيدة، معروفة بالدين والشرف، سأل أباه شيئاً فمنعه إيّاه، فقال له كلمة فردّها عليه، فخاطبه باللغة التي ليس لها ردّ، لغة الرصاص! أطلق عليه مسدسه ما يريد إلا قتله، ولكن الله سلّم، ونجا الأب وقدّر الله له الحياة، ولله الحمد على ما قدّر.
وليس لنا أن نمرّ بهذه الحادثة من غير أن ندلّ على مكان العبرة منها. وليس عندنا شك أن الأمير شفاه الله (2) يحبّ قَوْلة الحق ويحب أن يسمعها له أو عليه، ويؤْثر ما في بيانها من مصلحة الأمة على ما في كتمانها من سرور نفسه وراحة باله.
ومكان العبرة في هذه القصة إنما هو في نشأة هذا الفتى
(1) أخذتها عن أصل مخطوط وعليه سنة نشرها، ولم أعلم أين نشرت ولا متى نشرت على التفصيل (مجاهد).
(2)
هو الأمير سعيد الجزائري، حفيد الأمير عبد القادر.
وطريقة تعليمه وأسلوب تربيته، فلو أن أباه سلّمه إلى مُرَبٍّ مسلم ونشّأه نشأة إسلامية وبعث به إلى مدارس إسلامية لما رأى منه ما رأى، ولكان يَوَدّ أن تُقطع يمينه قبل أن يسدّد بها المسدسَ إلى صدر أبيه، لأن من واجبات المسلم أن يعرف لصاحب الفضل فضله ويجزيه بالخير خيراً، وأن يمعن في بِرّ أبويه والإحسان إليهما، ولأن على المسلم أن ينفض يديه من الدنيا كلها ويُعرض عنها إذا حالت بينه وبين برّ والديه، ولأن المال لا قيمة له في نظر المسلم بجنب حق أبويه عليه وإحسانهما إليه.
هذه أخلاق المسلم وهذه سيرته، ولكن الأمير -سامحه الله- لم يختَرْ لولده مَن ينشّئه عليها ويأخذه بها، وآثر أن يبعث به إلى من يفتنه عن دينه ويغلبه على عاطفته، ففعلوا، وأعادوه إليه عدواً بيده المسدس! ينتزع الولد بيده حياة أبيه ولا يتردد ولا يضطرب، لأن مَن علّمه وربّاه نزع من نفسه عاطفة الابن، وخشية المؤمن، ورأفة الإنسان! (1)
* * *
فيا قومنا، اعتبروا واختاروا لأولادكم خير المربّين وأفضل المعلمين، واعلموا أن الله سائلكم عنهم وأنه مجازيكم بأعمالهم، فإن أحسنتم الاختيار وحفظتم وصيّة الدين كان جزاؤكم هَناءة في الدنيا وسعادة عند الله، وإن آثرتم الدنيا وسلّمتم أولادكم إلى من يفسد عليهم عقائدهم وأخلاقهم كان جزاؤكم شقاء في الدنيا وعذاباً في الآخرة!
(1) درّس الأمير سعيد ابنَه في مدارس النصارى والمبشرين.
واعلموا أن أحمق الناس من يتداوى بالسمّ ويتبرّد بالنار ويطمئنّ إلى العدو، وأحمق منه من يأتمن على شاته الذئب! وأحمق منهم جميعاً الرجل يسلّم ابنه لمن يكفر بدينه ولا يتبع ملّته.
يا قومنا انتبهوا، فقد نبهكم مسدس الفتى، قبل أن يُطلق غيرُه مِن ناشئة المدارس الأجنبية الرصاصةَ التي لا ينفع بعدها انتباه!
* * *