المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كلمة صغيرة في الأخلاق   ‌ ‌الشَّرَف نشرت سنة 1933 (1)   كثيرون ممن أعرف يَلقونني - البواكير

[علي الطنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌كلمات

- ‌خواطر غريب

- ‌طلاب دمشق

- ‌في ذكرى مولد فخر الكائنات

- ‌ألا ليشهد العالم كله

- ‌قطعةٌ من حديث (1)

- ‌قطعةٌ من حديث (2)

- ‌قطعةٌ من حديث (3)

- ‌أنا ونفسي

- ‌على قارعة الطريق

- ‌خطرات وكلماتالشهرة

- ‌أم الذكريات

- ‌استفتاء لغوي

- ‌على أطلال الخضراء

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (1)

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (2)

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (3)

- ‌رسائل سيف الإسلامالرسالة العاشرة

- ‌لماذا أنا مسلم

- ‌جمعية «الهداية الإسلامية» في دمشق

- ‌مقدمة كتاب «البعث»

- ‌أرجال…أم نساء

- ‌محاسن الإسلامالصلاة

- ‌الفاجعة

- ‌ما وراء الأكمة

- ‌في سبيل المقاطعة

- ‌افتتاحية مجلة «البعث»

- ‌على إثر الخسوف:احتجاجاتنا كطبولنا

- ‌من رسائل العطلة

- ‌ذكرى يوم الاستقلال

- ‌لا قوة إلا قوة الحقولا مجد إلا مجد التضحية

- ‌يا أمة الحرية

- ‌أندية الطلاب في العالم

- ‌أليس فيكم رجل رشيد

- ‌دع السياسة

- ‌مقدمة مجلة

- ‌معلم القرية

- ‌صفات الزعيم الحقيقي

- ‌على أنقاض آماليأنشودة الظلام

- ‌تحرير الرجل من ظلم المرأة

- ‌نريد خصومة موضوعية لا شخصية

- ‌إلى المبشرين

- ‌من هو السنوسي

- ‌خذوا الصواب من قلب الخطأ

- ‌نَحْطِمُهم كما يَحْطِم النسرُأمةً من الذباب

- ‌الشَّرَف

- ‌الأدب القومي

- ‌الأدب القومي أيضاً

- ‌بالأسلوب التلغرافيتَرَقّي الموظف

- ‌بالأسلوب التلغرافينحن وفلسطين

- ‌التربية الوطنية والدينية

- ‌نصائح لمن كان يتعلم الوطنية

- ‌عند الحلاق

- ‌الأستاذ شفيق جبري والوظيفة

- ‌إن في هذا لعبرة

- ‌قصة رمزيةورقة الخمسين

- ‌أبناؤنا وتاريخنا

- ‌الراتب، أم الواجب

- ‌رسالة الطالب

الفصل: كلمة صغيرة في الأخلاق   ‌ ‌الشَّرَف نشرت سنة 1933 (1)   كثيرون ممن أعرف يَلقونني

كلمة صغيرة في الأخلاق

‌الشَّرَف

نشرت سنة 1933 (1)

كثيرون ممن أعرف يَلقونني بالبِشْر ويبذلون لي الود، ويبدون لي الإخلاص من نفوسهم، ويرون رأيي ويسدّدونه؛ حتى إذا سكنت إليهم واطمأننت وكشفت لهم دخيلة أمري وأرسلت نفسي على سجيّتها في الصراحة، ذهبوا يسمّعون بي وينشرون في الناس ما كشفت لهم من دخائل، بل ربما زادوا ولفَّقوا عليّ ما يصغّرني في عيون الناس! وإذا وقع في كلامي اسم إنسان فذكرته بخير أو بِشَرّ كتموا الخير فوَأَدوه، وأخذوا الشر فكبّروه ثم صبّوه في أذنه. وربما كان بين من نذكرهم -إذا أخذنا في النقد الأدبي- من له علينا في وظيفته سلطان، والنقد لا يعرف كبيراً ولا صغيراً ولا يؤلم أديباً حقاً ما دام نقداً حقاً، ولكن ما حيلتنا فيمَن يحرّفه فينقله سباباً على أنه نقد، وكذباً على أنه حقيقة، وسعاية على أنها نصيحة؟ وفيمن يسمع هذا كله فيحقده في نفسه ثم يجزينا به شراً؟ في حين أنّا بُرآء من كثير مما يُروَى عنّا، وما ذنبنا إلا العزلة وعزة النفس!

(1) في «ألف باء» ، بتاريخ 4/ 10/1933 (15 جمادى الآخرة 1352).

ص: 265

وكثيرون ممّن أعرف لا يتورعون عن أن يعبثوا بالأمانة قد ائتُمنوا عليها ويسرقوا منها. ولست أعني بالأمانة صِرافة المال وحدها، بل إنني أَعُدّ من الأمانة متاع الدكان في يد الأجير، ومال الحكومة في يد الجابي، وحرمة القانون في يد الشرطي، وحق العدل في يد القاضي؛ فإذا انتفع الأجير بمتاع الدكان بالعارِيّة أو بالسرقة، أو زاد الجابي على الضريبة قرشاً له أو عَلَفاً لدابته يَتَغَفَّل عليها المكلف الجاهل، أو أغضى الشرطي على مخالفة من أجل صداقة أو لذة أو منفعة أو رهبة، أو مال القاضي لأحد الخصمين لمثل تلك الأسباب، فقد خان الأمانةَ وكان لصاً خائناً.

وكثيرون ممّن أعرف لا يجدون في الكذب والنفاق سُبَّة ولا عاراً؛ أكون معهم في نقد رجل فيفيضون في النقد والشتم ما دار في فمهم لسان، ولا يَدَعون كلمة سوء إلا أودعوه إياها، فإذا لقوه مدحوه وتزلفوا وبشّوا في وجهه وزعموا أنهم من أصدقائه وأحبابه! وكثيراً ما سمعت لَعْن مقالة والسخرية بها من إنسان، ثم سمعته يثني عليها ويطريها! حتى لقد أصبحت الصراحة وأصبح الحق عجيباً، ولقد لامني أكثر من واحد على أنّي أواجه المرء بما آخذه عليه وأقذف بشتمه في وجهه، وهم لا يرون بأساً بالغيبة ولا بالكذب!

* * *

إن هذه الأخلاق منتشرة فينا انتشاراً مخيفاً يجعلنا نعتقد أن الشرفاء قليلون في هذه الحياة، وأن الشرف منكَر مستهجَن لا ينال صاحبه إلا الحرمان؛ فإذا كان تاجراً قلَّ زبائنُه وساءت سمعته، وإذا كان صحافياً فَقَدَ معونة أهل المال وعطف القراء وأضحى

ص: 266

مفلساً منبوذاً، وإذا كان موظفاً، معلماً مثلاً، حُرم الترقّي والنقل إلى المدن ولم ينفعه شفيع.

ومثل هذه الحال حالُ الشريف في كل منزلة من منازل الحياة عندنا، بل لقد انتشرت في الناس فكرةٌ هَدّامة للأخلاق ما أدري من أين مصدرها؛ هي قولهم: ما دخل الأخلاق بالسلوك؟ كلٌّ على حدة. وماذا يضر المعلمَ سوءُ خلقه إذا كان حسن التعليم، والوطنيَّ إذا كان صادق الوطنية، والتاجرَ إذا كان حسن المعاملة؟ ولا يدرون أن الشرف أول شرط للرجل الصالح في الحياة، فإذا فقده فَقَدَ كل شيء. وأنت لا تستطيع أن تبعث بنتك لتتعلم العلم وتخسر عفافها وعرضها، ولا تقول يومئذ: لا دخل للأخلاق بالسلوك!

* * *

فيا أيها الناس، انتبهوا لأمر الشرف، وانبذوا النمّامين والكذّابين والمرائين والخائنين واللصوص، لصوص الأموال ولصوص الأعراض، أو فانتظروا الفناء، فإن البناء لا يقوم على غير أساس، وأساس بناء الأمة الأخلاق:

وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ

فإن هُمو ذهبت أخلاقُهم ذهبوا

* * *

ص: 267