المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌كلمات

- ‌خواطر غريب

- ‌طلاب دمشق

- ‌في ذكرى مولد فخر الكائنات

- ‌ألا ليشهد العالم كله

- ‌قطعةٌ من حديث (1)

- ‌قطعةٌ من حديث (2)

- ‌قطعةٌ من حديث (3)

- ‌أنا ونفسي

- ‌على قارعة الطريق

- ‌خطرات وكلماتالشهرة

- ‌أم الذكريات

- ‌استفتاء لغوي

- ‌على أطلال الخضراء

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (1)

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (2)

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (3)

- ‌رسائل سيف الإسلامالرسالة العاشرة

- ‌لماذا أنا مسلم

- ‌جمعية «الهداية الإسلامية» في دمشق

- ‌مقدمة كتاب «البعث»

- ‌أرجال…أم نساء

- ‌محاسن الإسلامالصلاة

- ‌الفاجعة

- ‌ما وراء الأكمة

- ‌في سبيل المقاطعة

- ‌افتتاحية مجلة «البعث»

- ‌على إثر الخسوف:احتجاجاتنا كطبولنا

- ‌من رسائل العطلة

- ‌ذكرى يوم الاستقلال

- ‌لا قوة إلا قوة الحقولا مجد إلا مجد التضحية

- ‌يا أمة الحرية

- ‌أندية الطلاب في العالم

- ‌أليس فيكم رجل رشيد

- ‌دع السياسة

- ‌مقدمة مجلة

- ‌معلم القرية

- ‌صفات الزعيم الحقيقي

- ‌على أنقاض آماليأنشودة الظلام

- ‌تحرير الرجل من ظلم المرأة

- ‌نريد خصومة موضوعية لا شخصية

- ‌إلى المبشرين

- ‌من هو السنوسي

- ‌خذوا الصواب من قلب الخطأ

- ‌نَحْطِمُهم كما يَحْطِم النسرُأمةً من الذباب

- ‌الشَّرَف

- ‌الأدب القومي

- ‌الأدب القومي أيضاً

- ‌بالأسلوب التلغرافيتَرَقّي الموظف

- ‌بالأسلوب التلغرافينحن وفلسطين

- ‌التربية الوطنية والدينية

- ‌نصائح لمن كان يتعلم الوطنية

- ‌عند الحلاق

- ‌الأستاذ شفيق جبري والوظيفة

- ‌إن في هذا لعبرة

- ‌قصة رمزيةورقة الخمسين

- ‌أبناؤنا وتاريخنا

- ‌الراتب، أم الواجب

- ‌رسالة الطالب

الفصل: ‌ذكرى يوم الاستقلال

‌ذكرى يوم الاستقلال

نشرت سنة 1931 (1)

[لم يبقَ في أيدينا إلا الذكرى، فعودوا بنا نفتح بيد الذكرى ثلاث عشرة صفحة من سجلّ الحياة طوتها يد القدر، تعالوا نحدّق إلى ظلمات الماضي، حتى نرى من خلال الدموع شبح هذه الذكرى الأبيض المنير. انظروا إليها، إنها تتغلغل في ضباب الماضي الفاحم، ويلفّها الزمان بأردية النسيان ليلقيها في هوّة العدم. ولكنه لا يستطيع، إن يوم الاستقلال ليس يُنسَى.]

إني لأذكر: كان القمر يرسل أشعته الكابية فلا تقوى على تبديد ظلمة الليل، فلما كان الفجر، فجر يوم الاستقلال، توَّقد وأضاء، بل لقد استحال بدراً. وكانت المدينة خاشعة ساكنة، لا تسمع في أرجائها نَامَة (2) ولا يَبين بين جنباتها صوت. فلما كان الفجر، فجر يوم الاستقلال، أفاقت فَرِحة مَرِحة سعيدة طَرِبة، وأضحى كل شيء فيها يقول: أنا حي، أنا متيقظ، أنا مستقل!

(1) في جريدة «ألف باء» بتاريخ 1/ 11/1931 (18 جمادى الآخرة 1350).

(2)

النأمة: الصوت الضعيف الخفي (مجاهد).

ص: 192

بزغت الشمس، ولكن لا كما تبزغ كل يوم؛ لقد شهدتها -وكنت طفلاً في العاشرة- أكثرَ اتّقاداً وتوهجاً، حتى لقد أضاءت جوانب الزمان فرأيت على نورها جلال مُلْك أميّة الداثر، وأنصتَت الصخور من قاسيون، ووقفَت الأمواهُ من بردى، وسكت كل ما في الكون ليسمع الكلمة الخالدة:«إعلان استقلال سوريا»

لا، بل «إعلان الاستقلال العربي» !

* * *

إني لأذكر: كان مرفوعاً بألوانه الأربعة على بناء البلدية. خفق، فخفقت معه قلوبُ أمّة في الشام وأمم في الجزيرة والعراق. علا، فرفعوا رؤوسهم فخراً، ثم أحنوها له إعظاماً. بدت ألوانه الأربعة، فكانت رمزاً لأعلام أربعة ركبت هامَ الدهر قروناً (1)، وظهر نجمُه الوضّاء فكان نجم الأمل، نجم الاستقلال، نجم الظفَر.

إني لأذكر: الأعلام العربية، أقواس النصر، أمارات البشائر

في كل مكان وعلى كل وجه ولسان. شيب وشبّان، رجال ونسوان، بنات وصبيان، في الطرقات وعلى السطوح، تشهد المظاهرات الشعبية وتردد نشيدها

أصوات تبلغ السماء، هتاف يهزّ الفيحاء، تدافع بالمناكب وتزاحم بالأقدام، هرج ومرج.

(1) قال في «الذكريات» (1/ 67): "ورأينا العلم الأحمر ذا الهلال والنجم الذي عشنا إلى ذلك اليوم تحته قد نزل، ورأينا في مكانه علماً جديداً فيه الألوان الأربعة: الأبيض للأمويين، والأسود للعباسيين، والأخضر للهاشميين، والأحمر ما عدت أدري لمن هو"(مجاهد).

ص: 193

أقامت الساعة؟ أزُلزلت الأرض زلزالها؟ أكان يوم الحشر؟ لا، فما على الوجوه إلا سيماء الفرح والطرب، إذن فماذا؟ إنه يوم الاستقلال.

* * *

الاستقلال العربي، سقى الله ذكراه! لقد مرّ عليها عشرة أعوام وعام، ها هي تبدو بثوبها الأبيض الناصع تتغلغل في ظلمات الماضي، ها هي قد وقفت على رأس المرحلة الثانية عشرة، فالتفتت لترى ماذا حل بنا بعدها، ثم تحولت عنا ومقلتاها تفيضان بالدمع. الاستقلال العربي؟ واأسفاه! لقد فقدناه، لقد أصبح أثراً بعد عين.

أيتها الذكرى، سيري في طريقك ولا تلقي علينا نظراً حتى لا تأسي وتحزني، وما أحزنَ الأمَّ ترى أبناءها مُصفَّدين بالحديد مكبَّلين بالأغلال! لقد سقطنا في أعماق الهاوية، لقد خسرنا الاستقلال وخسرنا كل شيء! لقد عَمَّ الظلام، فهل لهذا الليل من صبح؟ نعم، نعم، نعم

أكررها ثلاثاً!

فإنْ تَكُنِ الأيّامُ فينا تبدَّلَتْ

ببُؤْسَى ونُعْمَى، والحوادثُ تفعلُ

فما لَيَّنَتْ منّا قَناةً صَليبة

ولا ذَلَّلَتْنا للّتي ليس تَجْمُلُ

* * *

يا يوم الاستقلال، سقى الله أطلالك. لقد كنت لنا عيداً فصار عيدك مأتماً! لقد كان يومك هناءنا فصار عزاءنا! لقد تغير كل شيء

ص: 194

وبُدِّلَت الأرض غيرَ الأرض والسماوات، فابقَ في ذمة التاريخ.

يا يوم الاستقلال، لقد فقدناك، فعليك وعلى من فقدنا معك ومن أجلك السلام! (1)

* * *

(1) بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني صارت بلاد الشام تحت حكم الاتحاديين، وهؤلاء أساؤوا إلى الإسلام وأساؤوا إلى العربية، وما كانوا منه ولا كانوا منها. ثم قذفوا الدولة العثمانية المريضة في حرب طاحنة لا علاقة لها بها فأجهزوا عليها، وحين هُزموا في الحرب انسحبت بقايا جيوشهم من الولايات العربية. في تلك الظروف الحالكة وُلد في الشام ما بدا لأهل ذلك الزمان استقلالاً، لكنّ اليد الغريبة كانت تدير المؤامرة من وراء الستار: لقد قرر المنتصرون في الحرب العامة (العالمية الأولى) اقتسامَ أملاك الدولة كما يقتسم الجائعون رغيفاً من الخبز! وما لبث الفرنسيون أن دخلوا الشام ولمّا يَمْضِ غيرُ عامين على ما حسبه الناس استقلالاً، فثَمّ وُئد هذا الاستقلال وضاعت البلاد (مجاهد).

ص: 195