المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌كلمات

- ‌خواطر غريب

- ‌طلاب دمشق

- ‌في ذكرى مولد فخر الكائنات

- ‌ألا ليشهد العالم كله

- ‌قطعةٌ من حديث (1)

- ‌قطعةٌ من حديث (2)

- ‌قطعةٌ من حديث (3)

- ‌أنا ونفسي

- ‌على قارعة الطريق

- ‌خطرات وكلماتالشهرة

- ‌أم الذكريات

- ‌استفتاء لغوي

- ‌على أطلال الخضراء

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (1)

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (2)

- ‌سيف الإسلام في أعناق أعدائه (3)

- ‌رسائل سيف الإسلامالرسالة العاشرة

- ‌لماذا أنا مسلم

- ‌جمعية «الهداية الإسلامية» في دمشق

- ‌مقدمة كتاب «البعث»

- ‌أرجال…أم نساء

- ‌محاسن الإسلامالصلاة

- ‌الفاجعة

- ‌ما وراء الأكمة

- ‌في سبيل المقاطعة

- ‌افتتاحية مجلة «البعث»

- ‌على إثر الخسوف:احتجاجاتنا كطبولنا

- ‌من رسائل العطلة

- ‌ذكرى يوم الاستقلال

- ‌لا قوة إلا قوة الحقولا مجد إلا مجد التضحية

- ‌يا أمة الحرية

- ‌أندية الطلاب في العالم

- ‌أليس فيكم رجل رشيد

- ‌دع السياسة

- ‌مقدمة مجلة

- ‌معلم القرية

- ‌صفات الزعيم الحقيقي

- ‌على أنقاض آماليأنشودة الظلام

- ‌تحرير الرجل من ظلم المرأة

- ‌نريد خصومة موضوعية لا شخصية

- ‌إلى المبشرين

- ‌من هو السنوسي

- ‌خذوا الصواب من قلب الخطأ

- ‌نَحْطِمُهم كما يَحْطِم النسرُأمةً من الذباب

- ‌الشَّرَف

- ‌الأدب القومي

- ‌الأدب القومي أيضاً

- ‌بالأسلوب التلغرافيتَرَقّي الموظف

- ‌بالأسلوب التلغرافينحن وفلسطين

- ‌التربية الوطنية والدينية

- ‌نصائح لمن كان يتعلم الوطنية

- ‌عند الحلاق

- ‌الأستاذ شفيق جبري والوظيفة

- ‌إن في هذا لعبرة

- ‌قصة رمزيةورقة الخمسين

- ‌أبناؤنا وتاريخنا

- ‌الراتب، أم الواجب

- ‌رسالة الطالب

الفصل: ‌في ذكرى مولد فخر الكائنات

‌في ذكرى مولد فخر الكائنات

نشرت سنة 1929 (1)

ما الثورة الفرنسية؟ ما سقوط الدولة الرومانية؟ ما حوادث التاريخ؟ إنه حادث أعظم من التاريخ وأكبر من البشرية؛ إنه ميلاد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قف أيها الفلك ساعة من زمان إجلالاً لهذه الذكرى وإعظاماً لهذا اليوم، وتخشّعي أيتها البشرية، فهذا يومك الذي خُلِّصتِ فيه من ظلمات الجهل وأُطلقتِ فيه من قيود الاستبداد، وليهتف أبناؤك بصوت واحد ترتجّ منه جوانب الأبدية ويردده الدهر في فضاء النهاية: صلى الله على محمد، رسول الله ومخلّص العالم، والله أكبر.

ما كان محمد نبي المسلمين وحدهم، وما كانت هدايته

(1) نشرت هذه المقالة في مجلة «الفتح» ، العدد 160 من السنة الرابعة، الصادر بتاريخ 15/ 8/1929 (10 ربيع الأول 1348). كان علي الطنطاوي في العشرين يومئذ، وقد صدّرَ محب الدين الخطيب بمقالته هذه ذلك العددَ من «الفتح» ! وهي منشورة في كتاب «الهيثميات» (مجاهد).

ص: 22

مقصورة عليهم دون غيرهم، بل هو رحمة للعالمين وهادٍ للناس أجمعين. بُعث وفي قلبه نور الله، ففاض على الحياة فكان منه نعيمها وسعادتها، وفاض على الصحابة فكان منه هذا الإيمان الذي ملأ قلوبهم. بهذا الإيمان جاهدوا، بهذا الإيمان انتصروا، بهذا الإيمان دكّوا صرح كسرى وعرش قيصر، وبه ملكوا ما بين قلب فرنسا وقلب الصين وعليه شادوا مدنيّة بغداد وحضارة الأندلس. وإن يوماً تُطوى فيه هذه البشرية طَيّ السجلّ للكتب ولا يبقى إلا نور الله، هنالك وقد خشعت الأصوات للحي القيوم، هنالك وقد عُرضوا على ربك صفاً، هنالك وقد ذهب كل شيء ولم يبقَ إلا سعادة الأبد أو شقاء الأبد

هنالك يعرف الناس قيمة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ فيحمد المؤمن ربَّه ويشكر، ويندم الكافر ويقول:{يَا لَيْتَني كُنْتُ تُرَاباً} ، وهنالك ينادي منادي الله:{لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ؟ للهِ الوَاحِدِ القَهّار} .

هنالك الدليل الراجح والحجة البالغة على أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على سعادة الحياة الدنيا، ولو اقتصر لاقتصر مجدُ محمد على أنه رجل عظيم -كما يراه مَن قَصُرَ بصره وضرب الله على قلبه- بل تعداها، وهي شكل من أشكال الفناء، إلى أمر أبعد، إلى غاية أسمى هي سعادة الحياة الأخرى، حياة الخلود، فكان رسولَ الله ورحمةً للعالمين.

* * *

هذا اليوم عيد البشرية الأكبر، لأنه ليس في أبنائها مَنْ لم يَهْتَدِ بنور الإسلام ويستمدَّ مِن معانيه، ولو كان يدين بغير

ص: 23

الإسلام. فمَن وافَقَنا منهم اليوم على عيدنا فقد أدّى الواجب، ومَن غفل عنه فقد غفل عن أدائه. وأمّا من ران التعصب على قلبه فجحد هذا الفضل الأعظم فهو الخائن الجاحد النعمة، المُنكِرُ الشّمسَ في الضحى وشعاعُها يملأ الأرض والسماء ويملأ عينيه، ولكنه يفتحهما له زاعماً أنه لا شعاع، فيُغشى على بصره فيصبح أعمى! وعمى الجهل أشد وأنكى، ولو كان الجاهل من أوربا.

أوربا؟ ومتى كانت لأوربا حضارة؟ الحضارة لاح فجرها في الشرق وبرزت شمسها تحت سمائه، فهي من الشرق وإلى الشرق، فإن غَرَّبت فإنما ذلك سحابة صيف عمّا قريب تقشع.

قامت الحضارة في أوربا للمرة الأولى بقيام اليونان والرومان، ولكنها فروع والأصل راسٍ في الشرق يُسقى من نيل وفرات. ثم قامت حضارة أوربا الثانية، ولكنها وإن طالت وأورقت فهي فرع، والأصل ثابت في الشرق، يغذيه الإسلام ويُسقى بتعاليمه وهدايته. وكيف؟ أوَلم ندخل الأندلس، والأندلس خير بلاد أوربا إذ ذاك، فلا نرى فيها إلا جهلاً وظلاماً؟ ألم نعامل أهلها، ونحن الظافرون المنتصرون، خير معاملة؟ ألم يكونوا في ظلال سلطاننا أحراراً في دينهم؟ ألم نثقّفهم ونعلمهم؟

فكيف عاملونا بعد أن دخلوها؟ أعطونا العهود والمواثيق على حفظ أرواحنا وتركنا وشأننا في عباداتنا، فكان قسمهم حنثاً، ووعدهم خُلفاً، وأمانتهم خيانة! عرضوا المسلمين على السيف والنار يقتلونهم ويحرقونهم أو يكفروا بما أنزل الله. كذلك فعلوا في الأمس بأفرادنا، وكذلك يفعلون اليوم بشعوبنا. هؤلاء

ص: 24

هم المتمدنون المتحضرون! فقلدوهم -أيها المفتونون بالتجديد الكاذب- وسيروا في أذنابهم، بارك الله لكم فيهم، فاتخذوهم إماماً!

أما نحن، نحن الشبان المسلمين، فنتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، وسنتعاهد من هذا اليوم الأكبر على التمسك بشريعته واتخاذه إماماً. ثم نلتقي يوم الحساب فنرى أيُّنا أقْوَم سبيلاً وأقرب رشداً.

* * *

ص: 25