الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى المبشرين
هذا الطاعون، التبشير، إذا كان المقصود منه النصارى فنصارى البلاد التي أشرق فيها فجر النصرانية أعرف بنصرانيّتهم وإنجيلهم من هؤلاء، وما هم في حاجة إلى تبشيرهم!
وإن كان القصد منه المسلمون فليعلم هؤلاء أن ردّ الأرض إلى الشمس أسهل عليهم من ردّ مسلم واحد عن دينه! ولم نسمع إلى الآن بمسلم حقيقي واحد ارتدّ عن دينه. ولو أن هؤلاء المبشرين على شيء من العلم أو كانوا من أتباع المنهج العلمي في المناقشة لسوّينا حسابنا معهم منذ عهد بعيد، ولأقنعناهم بالحجة والبرهان بأن الحق معنا فيما نختلف فيه معهم، وأنا -الشاب القليل الاطلاع- أتحدى الآن أكبر مبشّر وأدعوه للمناظرة علناً، على أن يكون المنطق والبحث العلمي عماد هذه المناظرة، فإذا قَبِل بهذا الشرط فإني أقبل بأي شرط يشرطه عليّ إن كنت مغلوباً، وله أن يعيّن هو زمان المناظرة ومكانها!
ثم ما هذه الجَرَاءة التي رُكبت في طباع هذه المخلوقات: الجراءة على الله والحق والتاريخ؟ لا يبالون في سبيل مبدأ من مبادئهم: أغضب الله، أم دِيس الحق، أم هُدم التاريخ! ويحسبون أن كلمة سخيفة في كتاب سخيف تهدّ أكبر حقائق الدنيا وتبدل
الباطل حقاً وتحيل الظلام نوراً!
أما إننا لا نريد أن نثبت لهم الصواب، وليس يؤذينا ضلالهم ولا ينفعنا إيمانهم، وسواء لدينا أأخرسهم الحق أم أنطقهم الباطل، ما داموا في الهوان علينا حيث هم في الهوان على الحق، ولكنا نريد أن نقول:
لو أن السيادة كانت لنا في بلادنا لما تجرؤوا على مثل ما تجرؤوا عليه، ولما استطاعوا أن يأكلوا خبزنا ويسبّوا ديننا، ولو أننا شعب حي لا يبعث بأبنائه إلى أعدائه لبقيت مدارسهم خالية، يبشرون الجدران لا الصبيان، ويبثّون سمومهم في المقاعد لا في القصائد
…
فلنتعلم كيف نكون شعباً حياً! (1)
* * *
(1) كُتبت هذه الكلمة سنة 1932 ولم تُنشَر قط، إنما أخذتها عن أصل مخطوط. ولو أنني رأيتها بنت يومها، تولد في أوله وتموت في آخره، لأعرضت عنها وما نشرتها، ولكني وجدت اليوم كالأمس، وإنما كانت الشام مغلوبة وفرنسا غالبة فصارت أميركا الغالبةَ والعراقُ المغلوبَ. وحيث كنا المغلوبين والأجنبيُّ الغالبَ استأسد في أرضنا المبشِّرون، وإنما هم أُسّ الاستعمار وأساسه المتين، فحيناً تجدهم له سابقين وحيناً به من اللاحقين! (مجاهد).