الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحرير الرجل من ظلم المرأة
!
نشرت سنة 1932 (1)
ما لكم تعجبون من هذا العنوان؟ أتحسبوني أهزل؟
لا؛ ما في الأمر هزل، وإنما هي إحدى قريباتنا عادت من مصر بعد أن لبثت فيها أربع سنين برأس غير رأسها الذي ذهبت به. لا أعني أنها استبدلت به رأس رجل بعملية جراحية، ولكن أعني أنها استعارت مخّ رجل من هؤلاء الذين يغالون في الانتصار للمرأة حتى يجاوزوا بها حد المساواة بالرجل إلى حكمه والتفوق عليه!
وليست قريبتنا هذه عالمة ولا كاتبة (وذلك ما نحمد الله عليه!) ولكنها تقرأ من الجرائد والمجلات ما يدور حول ما يسمونه «حرية المرأة» ، وتبالغ في العصبية لهذه الآراء وتلحّ في إذاعتها ونشرها، ولا تبالي بالقوانين الطبيعية التي جعلت بين الجنسين اختلافاً
…
بل هي تفهم أن المرأة مظلومة فيجب أن تتحرر، وأن الرجل ظالم فيجب أن يقاوَم.
ولا تنحصر هذه المقاومة -في رأيها- في إصلاح أخطائه،
(1) في «ألف باء» بتاريخ 5/ 7/1932 (1 ربيع الأول 1351).
بل تشمل أطراف الحياة العائلية كلها فتقلبها رأساً على عقب: كانت تطيعه هي، فيجب أن يطيعها هو الآن! وكان له الرأي في لبسها وزيّها، فيجب أن تخرج على رأيه وتتبع دور الأزياء الباريسية، وترهق زوجها في كل ما تطلبه من الأزياء الجديدة! وكان يحدد لها مصروفها وميعاد غيابها عن المنزل، فيجب أن تحدد له مصروفه وميعاد غيابه، حتى إذا تأخر أو ذهب من غير أن يستأذنها أدَّبَتْه بلسانها ويدها
…
وعند اللزوم بالمقشة أو بالقبقاب، ولا مؤاخذة!
* * *
هذه هي حرية المرأة كما تفهمها فتاة ذكية الفؤاد محدودة الثقافة من أسرة كبيرة.
وإنه ليحزننا أن تُمسَخ هذه الدعوة المباركة -الدعوة إلى تعليم المرأة وتثقيفها- حتى تصبح على هذا الشكل، وتضيع جهود العقلاء من أنصار المرأة والعاقلات من النساء ممّن نادى بوجوب تعليم البنت وتثقيفها الثقافة الحقيقية.
وأنا لا أنكر على المرأة أنها ذات مواهب وأنها قد تبلغ من النبوغ في فروع المعرفة حدَّ السُّمُوّ، ولو شئت لضربت الأمثال بكاتبات هنّ في نظري من جِلّة الكتّاب وأكابرهم
…
كل هذا نفهمه، ولكننا لا نستطيع أن نقبل بهذا التجديد الذي تزعمه قريبتي إذا كان ينحصر في «الموضة» والبذخ. ولسنا نلومها أو نلوم مثيلاتها من الفتيات، ولكنّا نلوم المحيط، ولا سيما الهيئات النسائية التي يُنتظَر منها أن تعمل على بثّ الثقافة بين النساء،
وأن تكوّن عقولَهنّ قبل تكوين ثيابهن، وأن تنشر فكرة التجديد صحيحة سالمة لا مشوَّهة مبتورة، وأن لا تعمد إلى مخالفة الحياة وقوانينها الصالحة، بل تخضع لهذه القوانين.
وإن قوانين الحياة الصالحة لتنكر -بلا شك- استبدادَ الرجل الحاضر وظلمَه وقسوتَه على المرأة، وتريد أن تقسم بينهما الأعمالَ بحسب الاستعداد الجسمي والعقلي، والمُتَعَ والملاذَّ البريئة بالتساوي. ولكن للرجل (وهذه هي ميزته الوحيدة) حق الإشراف على تنفيذ هذه القوانين وتطبيقها، وهي لها حق الاعتراض. وليس له أن يدعها في الدار وحيدة متألمة ليسمر مع رفاقه في
…
حيث لا أدري، وكذلك لا تتركه هي في البيت وتذهب مع رفيقاتها، أما الأولاد فيقومان معاً بتربيتهم وتعليمهم، ومن هنا نشأت ضرورة تعليم الأم المبادئ الأولية للعلوم وتثقيفها الثقافة الحقيقية.
هذا هو الحق، وبناءُ الأسرة السعيدة لا يقوم على غير هذا، أما النزوات الفكرية واتّباع مصادر «الموضة» في باريس وما يصدر عنها من سخف وبلادة فلا يعمل إلا على هدم الأسرة. وإذا ما أصرّ النساء -بعد ذلك- على اتّباع الرأي الذي يسمونه الدعوة إلى «حرية المرأة» فيجب على الرجال أن يهيئوا -منذ الآن- لجان المطالبة بحقوق الرجل وتخليصه من ظلم المرأة!
* * *