الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أندية الطلاب في العالم
نشرت سنة 1932 (1)
[لقد كنت أول داع لإنشاء لجنة الطلبة (وكان ذلك في صيف سنة 1928) ومن العاملين على خدمتها هذه السنوات الأربع، فكان من حقي أن أدلي برأيي في أعمال هذه اللجنة بعد أن بدأ تأليفها.]
أندية الطلبة ذائعة ومنتشرة في الجامعات الكبيرة والصغيرة كلها في أوربا، ولها الشأن الأكبر في نشر الثقافة والعمل على تأمين مستقبل الطلاب، بل هي لا تقل انتشاراً في المدارس الثانوية والابتدائية عنها في هذه الجامعات. ولا تقتصر هذه الأندية على اللجان العلمية فحسب، بل إن منها ما هو للخطابة أو العلوم أو غيرها من الأنشطة النافعة.
وهذه الأندية منتشرة في مصر انتشاراً كبيراً، وفي كل مدرسة نواد تشرف عليها إدارة المدرسة ويديرها الطلاب، وقد أُعجبت بهذه الترتيبات يوم زرت مصر لأول مرة منذ أربعة أعوام، وكتبت إلى جريدة «المقتبس» رسالة أتمنى فيها لدمشق مثلها.
(1) في «فتى العرب» بتاريخ 25/ 2/1932 (17 شوال 1350).
وقد نجحت بحمد الله هذه الأمنيّة وأصبح في دمشق هيئة تدعى «لجنة الطلبة» ، وأصبح من الواجب علينا أن نقدم إليها الرأي الذي نراه لنجاحها، بعد أن نقدم لها شكرنا على اهتمامها بأمر المصلحة العامة في وقت شغلت الناسَ فيه مصالحُهم الخاصة.
* * *
وأنا أعتقد أن من الواجب على كل سوري أن يعمل في سبيل القضية كما يعتقد بذلك إخواننا أعضاء اللجنة، ولكني أختلف معهم بأنهم يرون العمل منحصراً في الإضراب، وأراه أنا أوسع من ذلك وأشمل. وأحسب الحق فيما أرى، لأن الجبهة الوطنية -كما تشتمل الكتّاب والصحفيين والزعماء- تشمل الأستاذَ الذي يبثّ روح الوطنية في ثنايا دروسه وينشئ من الثقافة الصحيحة أدمغة وعقولاً، والتلميذَ الذي يَجِدُّ في درسه ويتسلح بسلاح العلم يقوده الإيمان، والصانعَ الذي يُغني أمته عن مصنوعات الأجانب، والتاجرَ الذي يفسح المجال للمنتجين الوطنيين والمستهلكين الوطنيين ويحفظ الأموال الوطنية من التسرب إلى الخارج، والموظفَ الشريف الذي لا يعرف إلا واجبه ولا يراقب إلا ربه
…
وقانون توزيع الأعمال هو الناظم لسير هذه الجبهة، فلو أن المدرس جلس في دكان التاجر، والموظف أخذ مكان الصانع، والتلميذ استولى على منبر الزعيم، لفسدت الأعمال واضطرب كل شيء.
وإذن تكون مهمة التلميذ هي الدرس قبل كل شيء، والدرس لا يكون إلا في هدوء؛ فيجب على لجنة الطلبة أن يكون ضمان الهدوء أولَ غاية لها لتؤمّن الغاية المتوخّاة من المدارس، وهي الثقافة.
نعم، إن الطلاب في دمشق -كالطلاب في فرنسا والطلاب في الصين وغيرها- ذوو حماسة مُتَّقِدة وإيمان وطني يقودهم على الرغم منهم إلى مساعدة الأمة في ساعات الحرج والضيق، ولا أحد يطلب منهم أن يمروا بالحوادث الجسام التي تتوقف عليها حياة المستقبل دون أن يلتفتوا إليها، فلا نقول لهم حينئذ: هذا لا يعنيكم، اشتغلوا بجيب زاوية «ب» وعلاقة النيتروجين بالأستلين! ولكن ألا يرى إخواني الطلاب وأعضاء لجنتهم أنه لم يعد لاستمرار الإضراب في المدارس وتعطيل الدروس معنى؟ وأنه ليس من مصلحة الوطن ولا من مصلحة القضية أن تسود الفوضى بعض المدارس، وأن يشتم بعض الطلاب مديريهم ومعلميهم؟
فلماذا لا تقوم لجنة الطلبة إذن بمنع ذلك كله واستئصاله؟ إن هذه الحالة لا يصحّ أن يُسكَت عليها وأن يُرضى بها، ولا يحق أن يُهمَل البحث في تلافي هذا الأمر من الطريق المعقولة السديدة.
وأعود فأجهر برأيي في أن اشتغالَ الطالب بغير الواجب عليه وإهمالَه لعلمه ودروسه وازدراءَه لمعلميه عملٌ يضر هذه الأمة بقدر ما يزعمون أنه ينفعها. فيا أيها الإخوان، إن الأمور لا تقاس بضخامتها وضجيجها وإنما بنتائجها وعواقبها، فاعلموا أنكم إنما كنتم أبناء الأمة البررة وأشجع جنودها بعلمكم واطّلاعكم، فلا تخسروهما فتخسروا كل شيء.
هذه كلمة إخلاص لا أبالي أسُمِعَت أم سُدَّت دونها الآذان ولُويت منها الشفاه، وما عليّ إلا البلاغ.
* * *