الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين قدَّر الأرزاقَ والآجال، وكتب على ابن آدم من الفقر والغنى والسعادة والشقاء، وكلٌّ ميسرٌ لما خلق له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلُّ شيء في هذا الكون بأمره وتقديره، وما يعزب عنه مثقال ذرةٍ في الأرضِ ولا في السماء، يُديل على المسلمين تارة ويدليهم على غيرهم أخرى، وربك يخلق ما يشاء ويختار، ويحكم ولا معقب لحكمه، وهو الكبيرُ المتعال.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أبان للأمةِ طريقَ الرشدِ والهدى، وحذرهم من أسبابِ الغواية والعمى، وترك أمتَه على المحجةِ البيضاء .. اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء.
أيها المسلمون! حين نستحضر في مخيلتنا خريطةَ العالم الإسلامي يروعك الأمر، وتبصر عجبًا، فعدوٌّ غاشم يحتل رقعة مهمة من بلاد المسلمين، ويسئ إلى مقدساتهم وشعوبهم، وينظر إلى خصومه نظرة الغالب للمغلوب، ويتعامل مع قضيتهم تعامل الساخرِ المستكبر.
وترى حربًا عقائديةً مسيسةً كلما انطفأت في بقعة من بلاد المسلمين اشتعلت في بقعة أخرى، والهدف منها طمسُ الهوية .. وإبادة الشعوب المسلمة وهي محاولاتٌ عابثة لتحجيم هذا الانبثاق الجديد للإسلام والمسلمين، في معقل الشيوعية والنصرانية، ويأبى الله إلا أن يتم نوره .. ومن البوسنا والهرسك إلى سربنا إلى كوسوفو حاليًا حيث الصرب النصارى والحرب الصليبية الجديدة ضد الشعوب المسلمة.
ومن قبلُ ومن بعدُ قضايا المسلمين في كشمير، والهند والفلبين، والصومال .. وما نسينا جرحَنَا في صبرا وشاتيلا، والخليل .. وغيرها.
ولا تزال الكوارثُ تتوالى يومًا بعد يوم وفي مناطق مختلفةٍ من العالم حتى تجاوز عددُ المنكوبين ستين مليونًا مسلمًا، هم ضحايا الحروب من اللاجئين والنازحين ..
وإذا كانت الأنظار متجهةً- هذه الأيام- نحو إقليم كوسوفو الألباني، فثمة وباءُ الكوليرا يتفشى في جمهورية جزر القمر وثمة زلازل شديدة في مناطق شمال أفغانستان أدت إلى مقتل أكثر من ستة آلافِ شخص، ودمرت أكثر من ستٍّ وثلاثين قرية، وإصابة ما يقرب من عشرين ألفِ شخص، وأصبح أكثر من خمسين ألف شخص بلا مأوى.
يا أخا الإسلام! ما موقفك من هذا الأحداثِ المؤلمة والنكبات الموجعة النازلة بإخوانِك المسلمين، والواقعة في البلاد المسلمة؟ أي جُهدٍ قدمته لهؤلاء المنكوبين، فإن أعوزك المالُ، ففي اللسانِ والقلبِ متسعٌ للدعوة والدعاء والحبِّ والنصرة والولاء للمسلمين والبغض والمعاداة للكافرين، لا يسوغ لك بحال أن تسمع أخبار المسلمين وكأنها لا تعنيك .. بل ربما كنتَ في شغل عنها في رؤية القنوات المثيرة .. أو متابعة رياضيةٍ ملهيةٍ، أو فنٍّ رخيص.
إن من المؤسف أن ينشغل المسلمون عن قضاياهم المصيرية ويُشغَلوا عن حروب الإبادة العقائدية التي يمارسها اليهود والنصارى ضد إخوانهم ..
وعالمُ اليوم لغته القوة والمتفوق فيه من استخدم فكره وعقلَه، ولم تسيطرْ عليه الشهوة أو يغرقْ في الأنانية، واستثمارُ الوقتِ بما ينفع سباقٌ بين الأممِ، وإذا أردت تقييم جهدِ الأممِ والدول فانظر مدى الجديةِ في برامِجها المستقبلية .. وانظر كيف
يُخطط لشبابها وكيف يدار الوقتُ في مؤسساتها وبين شعوبها إنني أخاطبك أيها المسلمُ الغيور .. وكأني بك تتحسر على هذه الواقع المرِّ .. بل وكأني بك تنتظر النصرَ القريب فماذا أعددتَ له؟ وما نوعُ مساهمتِك في التغيير؟ بل ربما كنتَ في ذات نفسك مضيعًا للصلوات، متبعًا للشهوات، لا فرق عندك بين الحلالِ والحرام.
وأقول لك بكل صراحة: ابدأ الرحلة بتغير ذاتِكَ، واعلم أن دنوَّ همتِك، أو ضعفَ سلوكياتك وإضاعة وقتِك بما لا ينفع، فضلًا عما يضر كلُّ ذلك يُثقل كاهلَ أمتِك فوق ما هي مثقلة، ويؤخر زمنَ النصرِ المرتقب، ويزيد في المآسي فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأنت عضو فاعلٌ في مجتمعك وأمتك، بحياتك وجديتك ترتفع هممُ الآخرين، وبموتِك- وإن كنت حيَّا- أو ضعفِ إرادتك وإن كنتَ خيِّرًا، يموت آخرون، ويتثاقل آخرون حاسبْ نفسك ولمها فأنت الملوم، ولا يكن شغلُك لومَ الآخرين، إن مجردَ التلاوم والتحسرِ على واقع المسلمين دون إرادة فاعلة وهمٌّ خادع، لا يُعبر عن صدق، ولا ينبئ عن عزيمة، ولا يؤهل لنصر .. ومأساة أن يعملَ غير المسلمين أكثر مما يتحدثون ويعرف المسلمون بالإنكار والشجب وكثرة اللقاءات والمؤتمرات، ثم تكون الجعجعةُ لهم، والطحنُ لغيرهم. وأعظمُ من ذلك أن تروّض الشعوب المسلمة على هذه السلوكيات المنهزمة الخادعة، وتعوزها القيادات الناصحةُ الحازمة التي تفكر في التغيير بوسائل أخرى أكثر جدية وفاعلية.