الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وفَّق من شاء لطاعته باغتنام الأوقات والمسارعة للخيرات، أحمده تعالى وأشكره وهو أهل للحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين ..
إخوة الإسلام! إذا كان التحذيرُ عن مجرد إضاعةِ الأوقات والتقصير في أداء الواجبات في هذه الأحواش والاستراحات فالأمرُ أعظم وأخطر حين يصاحبها المنكرات، ويكون الاجتماع على المحرمات من سماعٍ للغناء، أو مشاهدة لأفلام العُهر والخنا، أو شرب ما حرم الله أو مقارفة للفساد بأي لون من ألوان الفساد، وإن لم يكن هذا ولا ذاك لم تسلم هذه الاجتماعات المطوَّلة من غيبة أو نميمة تُنتهك بها الأعراض، وتحمل على الظهور الأوزار .. وكم هو عزيز أن يكون القرآنُ وسنةُ المصطفى صلى الله عليه وسلم والقراءة في كتب السلف وسير الصالحين، مادةً لهذه الاجتماعات وغيرها فتحف بالمكان الملائكة وتغشى المجتمعين السكينة وبذكرهم لله يذكرهم في الملأ عنده .. وكم هو عظيم أن تكون اجتماعاتنا تعاونًا على البرِّ والتقوى كما أمر بذلك ربُّنا لا تعاونًا على الإثم والعدوان وهو محذورٌ في ديننا.
عباد الله! ما أتعس حياة الساهرين إذا كان السهر سبيلًا لقطعهم عن شهود الصلاة مع المسلمين، وهل ترضى يا أخا الإسلام أن تحشر نفسك في زمرة المنافقين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبوًا» .
وما أنكد حياة الخِلَاّن إذا كانت على الفسق والفجور، ومثلك خبير بلعن
بعضهم بعضًا، وهذا جزاء مقدم في الدنيا، أما في الأخرى فتذكر جيدًا قول ربِّنا {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (1).
يا أخا الإيمان! إني مذكرك ونفسي برقابة الله إن كنت ممن يستترون بهذه البيوت الوهمية أو غيرها عن أعين الخلق ليمارسوا ما شاءوا من الفواحش والآثام -بعيدًا عن الرقيب في ظنِّهم، ورقابة الله فوق كلِّ رقابة، وهو الذي يعلم السرَّ وأخفى {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (2).
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل
…
خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيب
يا أخا الإيمان! أتُراك بعد هذا محتاجًا للفتوى في حكم الانعزال بهذه الاستراحات التي تزاول فيها المنكرات؟ استفت قلبك والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وإن أصررت على سماع الفتوى فهاك السؤال مقرونًا بالإجابة الشافية من فضيلة الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: وقد سئل: فضيلة الشيخ الوالد: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الجلوس في الأحواش والاستراحات والسهر بها لأوقات طويلة ويكون بعض هذه الاجتماعات على أمورٍ مفسدة كالاجتماع على الدخان والشيشة ورؤية السيء في القنوات الفضائية عبر جهاز الاستقبال (الدّش) فما حكم ذلك؟ وإذا كان يغلب على ظن صاحب الملكِ (المؤجِّر) أن استخدام حوشِه أو استراحته سيكون لهذه الأغراض السابق ذكرُها أو أن تكون وسيلةً لتجمعات بعض المراهقين فيها فهل يجوز له تأجيرُها. نرجو من فضيلتكم الإجابة والتوجيه مشكورين.
(1) سورة الزخرف، آية:67.
(2)
سورة المجادلة، آية:7.
فأجاب فضيلته فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
أولًا: ننصح إخواننا المسلمين عن طول السهر فيما ليس مصلحة دينية أو دنيوية، سواءٌ في هذه الاستراحات أو في بيوتهم؛ لأن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، ولأن طول السهر يفضي إلى النوم عن قيام الليل لمن كان له حظٌّ من قيام الليل، ويفضي إلى ثقل صلاة الفجر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» .
ولأن طول السهر في الليل يُفضي إلى أن ينامَ الإنسان في النهارَ طويلًا، ويقابل كدحه وعمله بفتور، ومن المعلوم عند جميع الناس أن نوم الليل أصحُّ وأقومُ للبدن؛ لأن الليل محل السكون والنهار وقت المعاش، قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} (1)، وقال تعالى:{وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2)، وقال:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} (3).
ثانيًا: الاجتماع على أمور مُفسدة كالاجتماع على الدخان والشيشة وما يسمع من الأغاني الماجنة أو يشاهد من المرئيات السافلة التي تثير كوامن الشهوات وتدعو إلى الشَّهوات والمنكرات اجتماع محرمٌ، سواء كان في الأحواش والاستراحات أو البيوت.
(1) سورة يونس، آية:67.
(2)
سورة القصص، آية:73.
(3)
سورة النبأ، الآيتان، 10، 11.
وتأجير الأحواش والاستراحات على من يُظن منه الجلوس فيها على هذه المنكرات تأجير محرم وأخذ الأجرةِ على ذلك حرام؛ لأنه أجرة على محرم، وأجرةُ المحرم حرامٌ وإعانة على الإثم والعدوان، قال الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1).
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى المتناهين عن الإثم والعدوان، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين (2).
يا أخا الإسلام! إياك أن يتلاعب بك الشيطان فتقول: أنا لا أجتمع وأسهر في هذه البيوت الوهمية، إذ أوفر جهاز الدّش في بيتي وأتحكم فيما يُبث فيه بنفسي، وتلك مخادعة للنفس، ونقل للمصيبة في البيت، وغشّ للرعية التي استرعاك الله إياها من النساء والذرية، وهاك الفتوى الأخرى صريحةً وموقظةً لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد، وذلك في سياق حديث الشيخ (محمد) عن الدشوش وحكمها.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: هذا مقطع من خطبة فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين، في التحذير من البث المباشر (الدش) وذلك في الخطبة الثانية من يوم الجمعة 25/ 3/ 1417 هـ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت
وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» (3)، وهذه الرعاية تشل الرعاية الكبرى الواسعة والرعاية
(1) سورة المائدة، آية:2.
(2)
كتبه محمد الصالح العثيمين في 10/ 6/ 1417 هـ.
(3)
حديث صحيح.
الصغرى، وتشمل رعاية الرجل في أهله لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته» . وعلى هذا فمن مات وقد خلّف في بيته شيئًا من صحون الاستقبال (الدشوش) فإنه قد مات وهو غاش لرعيته وسوف يُحرم من الجنة كما جاء في الحديث. ولهذا نقول: إن أي معصية تترتب على هذا (الدش) الذي ركّبه الإنسان قبل موته، فإن عليه وزرها بعد موته وإن طال الزمن وكثُرت المعاصي. فاحذر أخي المسلم، احذر أن تُخلّف بعدك ما
يكون إثمًا عليك في قبرك. وما كان عندك من هذه (الدشوش) فإن الواجب عليك أن تُكسِّره و (تحطمه) لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا على وجه محرم غالبًا، لا يمكن بيعه لأنك إذا بعته سلّطت المشتري على استعماله في معصية الله، وحينئذ تكون ممن أعان على الإثم والعدوان، وكذلك إن وهبته فأنت معين على الإثم والعدوان. ولا طريق للتوبة من ذلك قبل الموت إلا بتكسير هذه الآلة (الدش). التي حصل فيها من الشر والبلاء، ما هو معلوم اليوم للعام والخاص. احذر يا أخي أن يفجأك الموت وفي بيتك هذه الآلة الخبيثة، احذر .. احذر .. احذر. فإن إثمها ستبوء به وسوف يجري عليك بعد موتك. نسأل الله السلامة والعافية. وأن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم، وأن يتولانا بعنايته، وأن يحفظنا من الزلل برعايته، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين (1).
أيها الآباء، أيها الأولياء الفضلاء! إني أُجلُّكم عن ضياع أوقاتكم في هذه
(1) بسم الله الرحمن الرحيم، هذا المكتوب حول الدشوش جزء من الخطبة الثانية التي ألقيناها يوم الجمعة الخامس والعشرين من ربيع الأول عام 1417 هـ، ولا مانع عندي من نشرها لعل الله تعالى أن ينفع بها. كتبه محمد الصالح العثيمين في 28/ 3/ 1417 هـ.
البيوت الوهمية، وأترفع بكل عاقلٍ عن إضاعة الدين والدنيا في هذه الأحواش والاستراحات، ولكني أنبهكم ناصحًا مشفقًا على أبنائكم وإخوانكم الشباب فهل تأملتم في غيابهم حين يغيبون وهل تعرفتم على أصدقائهم حين يروحون ويجيئون .. إننا نخشى أن تكون بعض هذه الاستراحات والأحواش مصيدة للشباب، بها يَفسدون ويُفسدون، ومن خلالها يبدأ خط الانحراف الخُلقي في غياب من الموجه والرقيب، فتنبهوا رحمكم الله لمكمن الخطر، وصلوهم بالرفقة الصالحة التي تعينكم على تربيتهم، ورغبوهم في حلق التحفيظ، ومجالس العلماء، شاركوا رجالات الأمن والحسبة مسؤوليتهم في الرقابة وكشف أوكار الفساد أنَّى كانت وفي هذه الاستراحات أو غيرها، فالأمرُ جدُّ خطير، والمسؤولية عظيمة، وقد سمعتم أثر التهاون بها.
وبعد إخوة الإيمان فهذا نداءٌ أخوي أوجهه للمبتلين بالجلوس طويلًا في هذه الاستراحات أذكرهم فيه برقابة الله أولًا فيما يعملون أو يدعون، وأذكرهم -إن كانوا متزوجين- بشكاوى نسائهم، وحنين أطفالهم وحاجة أبنائهم وبناتهم إلى توجيههم حين يمسون وحين يصبحون.
وإن كانوا شبابًا عزبًا فبالبرِّ بوالديهم، وحفظ أوقاتهم، والاستعداد لمستقبل حياتهم .. أنصح الجميع بعدم الإسراف في المكوث في هذه البيوت الوهمية، والعودة إلى بيوتهم الحقيقية، فالعافية مطلب، والسلامة لا يعدلها شيء، والفضيحة -لا قدر الله- تسيء إلى البيوت الشريفة وإن كان لابد من الجلوس فيها للأنس والراحة فليختر الرفقة، وليكن ذلك أحيانًا، وبعد التأكد من سلامتها من كلِّ ما يخدش المروءة والدين.
إنني على ثقة أن بعضًا من مرتادي هذه الاستراحات عقلاءُ في تصرفاتهم،
حريصون على دينهم، ولكنهم ربما في خضم القافلة ساروا، وإذا ذُكِّروا تذكروا وأنابوا، وفيها -كذلك- شباب أحداث غُرِّر بهم وبمشورة غيرهم انقادوا، والأمل معقود بعد الله على استجابتهم لنصح الناصحين ومشورة المربين وحنانيكم أيها الناصحون وأيها الآباء، والمربون .. حنانيكم الرفق والحكمة، ولا تنظروا لمن ابتلي على أنه عضوٌ فاسد لا يصلحُ الجسدُ إلا بقطعه .. كلا فبالكلمة الطيبة تنفتح المغاليق وبالهدية تتقارب القلوب وبالزيارة والنصيحة تُردم الفجوة .. والهداية أولًا وآخرًا بيد الله يعلم من يستحقها وهو لها أهل .. ومن هو في ضلال مبين.
اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت، اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه .. اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وبارك لنا في أعمارنا وتقبل أعمالنا.