الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) وباء المسكرات والمخدرات
(1)
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أيها المسلمون! حديث اليوم استكمال للحديث السابق عن وباء المسكرات والمخدرات، وتركيز أكثر على أسباب تعاطيها وانتشارها، وما شهد به الشرعُ والعقل والواقع من أضرارها وآثارها، وسبل الوقاية منها، ومشروبات أو مأكولات أخرى تعد مقدمة لها.
إن من أعظم أسباب انتشار المسكرات والمخدرات وتعاطيها الأزمة الروحية التي يعيشها بعضُ المسلمين بعيدًا عن هدي الله وذكره مما سبب ضعفا في الوازع
(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 9/ 3/ 1419 هـ.
(2)
سورة الأحزاب، الآيتان: 70، 71.
(3)
سورة النساء، آية:1.
الديني والمستوى الأخلاقي، إنها أزمةُ صلةٍ بين الخالق والمخلوق تهوّن على المرء ارتكاب أي محظور .. وترك أي واجب وعدم التفكير مليًّا في العواقب، وضعف التخوف من عذاب الله في الآخرة، إن سلم من عذابه في الدنيا. والمصيبة أن متعاطي المخدرات والمسكرات ينتقل من أزمة إلى أزمة أعظم منها، إلا أن يتداركه الله منه برحمةٍ وتوبةٍ صادقة.
والفراغ القاتل سبب مهم آخر في الإطلال على نافدة المسكرات والمخدرات، ولاسيما عند فئة الشباب وتزداد المشكلة ويقترب الشاب أكثر من هذه المشكلة إذا اقترن برفقة سيئة، وأصدقاء سوء، يهونون عليه الأمر، ويدعونه إلى مجاراتهم في ورطتهم، أو يتهمونه بالجبن والبخل إذا لم يستجب لمطالبهم. وآفات صديق السوء كثيرة، ليست هذه إلا واحدة منها، وكثرة العمالة الوافدة ذات الأهداف السيئة في ترويج المخدرات .. سبب كبيرٌ في انتشارها عند من لا يستطيعون جلبها ولا السفر إليها، وتؤكد الإحصاءات المتعلقة بالمقبوض عليهم في جرائم التهريب والترويج على دور هذه العمالة في انتشار هذا الوباء، فكيف إذا انتشرت هذه العمالة في الأحياء السكنية وكانت الغالبية منهم عُزابًا، وتيسر لهم الاتصال والاختلاط بشباب أغرار، يسهل اصطيادهم والتأثير عليهم، إنها مشكلة لابد من التفطن لها.
وفي السفر للخارج، مع توفر المادة، وضعف الرقيب وكثرة المغريات، ما يدعو ضعفاء النفوس لتعاطي المسكرات والمخدرات، في البداية بعيدًا عن الأهل والوطن .. ثم يستفحل الأمرُ، ويقود الإدمان إلى تعاطيها وجلبها في أي مكان وجدها بأي ثمن اشتراها (1). إخوة الإسلام! تأتي العوامل السياسية بين الدول نتيجة الاضطهاد والاستعمار
(1)(1) إبراهيم الطخيس، المخدرات ص 50 - 54.
والرغبة في الإفساد سببًا مهما من أسباب انتشار المسكرات والمخدرات، وقد استخدم الفيتناميون سلاح المخدرات في إضعاف قوة الجنود الأمريكان في حرب فيتنام، ولعب الاستعمار الإنجليزي والفرنسي -فيما مضى- دورًا بارزًا في نشر المخدرات في العالم العربي، ثم استلمت الراية إسرائيل ولا تزال جاهدة في إفساد شعوب المنطقة بهذا الداء العضال، إلى غير ذلكم من أسباب، لا شك أن لوسائل الإعلام الفاسدة وكثرة القنوات الفضائية الغازية دورًا في الدعوة إليها وعدم التحذير منها.
إخوة الإيمان! وتُخلِّف هذه المسكرات والمخدرات آثارًا سيئة على الفرد والمجتمع، وعلى دين المتعاطي ودنياه، كيف لا وقد حكم الإلهُ أنها موقعة للعداوة والبغضاء، صادةٌ عن ذكر الله وعن الصلاة .. وهذه الأهداف التي يريدها الشيطان أمور واقعة يستطيع المسلمون أن يروها في عالم الواقع بعد تصديقها من خلال القول الإلهي الصادق بذاته، وقد قيل: إن الخمرَ ينسي والميسر يلهي.
ويقف الطب الحديث معترفًا بعظمة القرآن ومؤكدًا الآثار السيئة والأضرار الصحية لهذا الوباء، ومؤكدًا تأثيرها على المخِّ والجهاز العصبي، والهضمي، والكبد والبنكرياس، وعلى القلب والدورة الدموية، وحدوث الأورام الخبيثة، بل جاوز الأطباءُ أثره على الأجنة والمواليد.
إن في ذلك لآية .. وما يعقلها إلا العالمون؟
وآثارها الأمنية لا تخفى، والعلاقة بين تفشي الجريمة وبين السكر وتعاطي المخدرات يكشفها نسبُ المقبوض عليهم وتؤكدها البحوث والدراسات التي كتبت عن صلة الجريمة بالمخدرات .. (1).
(1) أثر المخدرات: أحمد الغامدي ص 37.
أما آثارها الاقتصادية. فيأبى الله أن يكون الثراءُ فيما حرم الله، ومع ارتفاع أسعار المخدرات فمروجُها من أفقر الناس .. أما المتعاطون فلا تزالُ يستنزف أموالهم حتى يضيقوا بالنفقة الواجبة لأهليهم وأولادهم، وربما أصبحت عوائلهم عالةً يتكففون الناس، نسأل الله السلامة والعافية لنا ولإخواننا المسلمين.
وللمسكرات والمخدرات آثارها الاجتماعية المدمرة، فهي سبيل لانعدام الأخلاق، وتفكك الأسر، وهي طريق لانعدام القيم، وانتشار الكسل، وربما كانت نهايتها القتل من قبل سلطة رادعة .. بل قبل ذلك من الشخص المدمن أو من أقرب الناس إليه، ودونكم قصةً ذات مغزى (1)، وهي قصة أمٍّ انتهى النزاعُ مع ابنها المدمن على المخدرات، والذي كان يُلح عليها في الحصول على مبلغ يستطيع به أن يشتري جرعته المعتادة، إلى الانتحار بمسدس أمام نظر أمه، ولما رأته الأم لم يمت لتوه تناولت المسدس من يده المرتعشة وأطلقت على رأَسه ما تبقى من رصاصات، لترديه قتيلًا وتسارع بموته، ثم تذهب لتسلم نفسها (2).
عباد الله! هل من قلوب تعي، أو عقول تفكر في النهاية الموحشة والآثار المدمرة لهذه المسكرات والمخدرات.
كيف وقد ذكر أهل العلم .. أن الحشيشة -وهي نوعٌ من المخدرات- توجب الفتور والذلة، وفيها فساد للمزاج والعقل، وفتحُ باب الشهوة، وموجبة للدياثة .. (3)، بل قالوا: إنها رشوة الشيطان يرشو بها المبطلين ليطيعوه، وهي مورثة لقلة الغيرة -على المحارم- وزوال الحمية، وآكلها يعني الحشيشة -إما أن
(1) أفول شمس الحضارة الغربية من نافذة المخدرات ص 29، 30.
(2)
أثر المخدرات ص 45.
(3)
الفتاوى 34/ 211.
يصير ديوثًا، أو مأبونا، أو كلاهما، كذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله (1).
إخوة الإيمان! كفى بالمسكرات والمخدرات سوءًا أنها أمُّ الخبائث، خطب عثمان رضي الله عنه يومًا فقال: أيها الناس، اتقوا الخمر فإنها أمُّ الخبائث، وأن رجلًا مما كان قبلكم من العباد كان يختلف إلى المسجد فلقيته امرأةُ سوءٍ، فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل فأغلقت الباب، وعندها باطية من خمر، وعندها صبي فقالت له: لا تفارقني حتى تشرب كأسًا من هذا الخمر، أو تواقعني، أو تقتل الصبي، وإلا صِحتُ وقلت: دخل عليَّ في بيتي فمن الذي يُصدقك؟ فضعف الرجل عند ذلك وقال: أما الفاحشة فلا آتيها، وأما النفس فلا أقتلها، فشرب كأسًا من الخمر، فقال: زيديني، فزادته، فوالله ما برح حتى واقع المرأة وقتل الصبي، قال عثمان رضي الله عنه: فاجتنبوها فإنها أمُّ الخبائث، وإنه والله لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجل إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر (2).
عباد الله! أرأيتم كيف تدعو هذه الفاحشة لغيرها من المنكرات .. فكيف وقد ذكر فيها أكثرُ من مائةٍ وعشرين مضرةً دينيةً ودنيوية.
ألا فالتزموا حدود الله وقوا أنفسكم وأهليكم ومجتمعكم الشرور والآثام: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب} (3).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ..
(1) الفتاوى 34/ 223.
(2)
رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.
(3)
سورة الحشر، آية:7.