الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين.
وبعد .. إخوة الإسلام: فإذا أخذ العامل أجره غير منقوص ووفَّى له المستقدم حقَّه دون تدليس .. كان، عليه عدد من الواجبات لابد له عن الوفاء بها، وفاءً بالأمانة التي أمر الله بها {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (1)، ورعاية للعهد {والذين هم لأماناتهم راعون} (2)، ووفاءً بالعقود {ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (3)، وتحقيقًا لأداء التقوى {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه} (4).
أيها الأجير المسلم أيًّا كان موقعك، ومهما كان حجم مسئوليتك لابد من رعاية الأمانة التي اؤتمنت عليها، وأشفقت من حملها السموات والأرض، سواء كان ذلك في حال رقابة الناس أو غفلتهم، فرقابة الله أولى وأعظم من رقابة البشر .. وإذا خلوت يومًا فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب.
وليكن هذا شأنك في حقوق الله أو حقوق الخلق، وتلك مسألة نحتاجها جميعًا .. مستأجرين وأجراء، كفلاء ومكفولين، ومن الواجبات المناطة بك في العمل .. الإتقان، فإن الله يحبُّ إذا عمل العبد عملا أن يتقنه، فالإنهاء شيء
(1) سورة النساء، الآية:58.
(2)
سورة المؤمنون، الآية:8.
(3)
سورة المائدة، الآية:1.
(4)
سورة البقرة، الآية:283.
والإتقان شيء آخر، والإخلاص في العمل سبيل لرضاء الله أولًا، وطريق لإتقانه ثانيًا.
أيها العامل هل تعلم أنك مسئولٌ عما استرعيت عليه، وفي حديث ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) قال عليه الصلاة والسلام:((والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته)) (1).
أيها المستَقْدَمون المسلمون! حين نتحدث عن أخوَّة الإسلام وحقوقكم فيها، فلابد أن تشملكم الواجبات، فأنتم شركاء لأهل البلد الذي تفدون إليه في المسئولية، وينبغي أن تكونوا أعضاء مساهمين في كلِّ ما يحقق الخير لمجتمعكم الثاني، فتساهمون في نشر الفضيلة وتساهمون في كشف أوكار الفساد والرذيلة، وتنظرون إلى العمل الذي تقومون به على أنه عمل في بلد من بلادكم ولإخوة لكم. وأعيذكم من طغيان الأنانية المفرطة، فلا يبقى لأحدكم هم إلا جمع بضع دريهمات في جيبه، دودت النظر إلى حجم ونوعية العطاء الذي قدمه لمجتمع المسلمين؟
وإياك إياك أيها العامل المسلم أن تعطي الفرصة لأحد أن يتهم العمالة المسلمة بالتقصير من خلال سلوكياتك أو ترسخ بسلوكياتك الخاطئة مفهومًا خاطئًا عند بعض الناس بأن استقدام غير المسلمين أجدى من استقدام المسلمين.
أيها العامل المسلم! وأنت مأجور في بحثك عن لقمة العيش لتستغني بها وتغني من وراءك، فهلا سألت نفسك عن حجم العوائد لك .. لاسيما إذا يسر الله لك المكوث حينًا من الدهر في أرض الحرمين، ومنبع الرسالة؟
إن بإمكانك أن تضيف إلى رصيدك المالي أرصدة أخرى لا تقل أهمية عن
(1) متفق عليه.
غيرها، وليس مستحيلًا ولا صعبًا أن تشمل رغبتك في طلب الرزق الهجرة في سبيل الله لطلب العلم ومعرفة العقيدة الحقة، وتصحيح الأخطاء الماضية، وليس عيبًا أن تصحح مفهومًا خاطئًا، أو تعدّل سلوكًا معوجًا، إنما العيب أن تعلم الخطأ وتستمر عليه، أو يبدو لك الحقُّ ثم تحيد عنه!
أيتها العمالة المسلمة! ما جمعتموه من عرق الجبين يعد من أطيب الكسب الحلال، وأعيذكم والمسلمين أن تفسدوا هذا الكسب الحلال بكسب محرمٍ بأي شكل من الأشكال؟
أيها الوافد المسلم! رسالتك لا تنتهي عند استفادتك في ذات نفسك، فلإخوانك الوافدين معك حقُّ الدعوة إلى الخير، وظروف الغربة وطول الوقت، ووجودك في بلد تُرعى فيه الآداب الإسلامية، وتغيب فيه مظاهر الرذيلة- أكثر من غيره- قد يعينك على تقديم الخير والنهي عن الشر، ((ولأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم)).
أيها الوافد المسلم! أنصحك بالصبر على مشاق العمل، وظروف الغربة وتقوى الله خير معين لك على تجاور العقبات كلها {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} ، احفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، احفظ الله في نفسك يحفظك في أهلك، وأدِّ للناس الذي ترغب في أن يؤدوه لك، ولا تغترَّ بستر الله عليك في الدنيا، فالفضيحة يوم القيامة على الملأ أشد وأنكى، وتذكر بسفرك في الدنيا السفر إلى الله، ولم يُكتب الخلود لأحد في الدنيا، ولكن الشأن في نوعية ومقدار الزاد الذي يرحل به المسافرون.
أخي كلنا مسافرون .. والسفر بعيد، والعقبة كؤد، والناقد بصير. فلنرحل بخير زاد، ولنتخفف من الأوزار، ولنحذر الفساد أو الإفساد .. ومن عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها.