الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشباب والإجازة
(1)
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فأما بعد فاتقوا الله أيها الناس، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور:{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} (2).
أيها المسلمون! ابتدأت امتحانات الطلبة والطالبات وانتهت أو كادت، وللحديث على أبواب الإجازة أهمية ووقفة، بل وقفات، يسأل فيها عن الأوقات كيف تقضى، وعن الطاقات كيف تُحفظ وتستثمر، وعن الأموال كيف وأين تنفق؟ وكأني بأسئلة تدور في أذهان الكثيرين - أين ستقضى الإجازة؟ وبم يستثمر الوقت؟
(1) هذه الخطبة ألقيت في يوم الجمعة الموافق 15/ 2/ 1418 هـ.
(2)
سورة الحشر، الآية:18.
(3)
سورة النساء، الآية:1.
وما الهدف من الرحلة والنزهة؟ وما حجم النفقة المبذولة؟ وما هي الفوائد المرجوّة والمخاطر المتوقعة من الرحلة هنا أو هناك؟
وأبادر الإجابة قبل اكتمال الأسئلة الكثيرة فأقول: لابد أن يتذكر المسلم -بادئ ذي بدء- مسئوليته أمام الله عن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن علمه ما عمل به، كذلك صح الخبر عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
ولا بد من التذكير بأن المال والسؤدد، والصحة والولد نعمة ومسئولية، فمن رعاها حقَّ رعايتها أفلح وأنجح، ومن أهملها وتخوّض فيها بغير علم وحق ونسي حقَّ الله فيها خاب وخسر، ونسيه الله يوم يلقاه، والجزاء من جنس العمل.
قال عليه الصلاة والسلام: ((يُؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول له (ربُّه) ألم أجعل لك سمعًا وبصرًا، ومالًا وولدًا، سخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع، فكنت تظنُّ أنك ملاقيَّ يومك هذا؟ فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني)) (1).
يا صاحب الشأن توقف إن كنت عازمًا على شيء يغضب ربَّك، ويا صاحب الأسرة رويدك وسائل نفسك ماذا قدمت لأسرتك من أساليب التربية للخير وطرق الوقاية من الشر .. وليس يخفاك أنك تعيش في عالم تتضارب أمواجه، وكلّ يقدم إليك بضاعته، ومن قديم الزمان يوجد في البضائع ما يشترى بأغلى الأثمان، ومنها ما فيه حتف الإنسان وهلكته ولو عُرض بأبخس الأثمان؟
أيها الآباء والمربون! دوركم كبير ومسئوليتكم عظيمة مع الأبناء، ولئن كانت
(1) أخرجه الترمذي بإسناد حسن، وبنحوه عنده مسلم (جامع الأصول 4/ 437، 439).
المدرسة -حين الدراسة- تشارككم مسئولية التربية، فها أنتم في الإجازة تنفردون وحدكم في مسئولية أبنائكم، فما أنتم صانعون؟ أيظل الوضع كما كان وتسير الأمور من حسن إلى أحسن ولا يشعر الطالب بفارق التربية بين المنزل والمدرسة، وتظل أوقاته بما ينفع مستثمرة، وسلوكياته منضبطة، أترونه ينكشف الإهمال، ويبدو ضعف المتابعة، وتبدو على الشباب سلوكيات منحرفة، واجتماعات غير معلومة، وسهرات صاخبة، وينكشف لك أن جزءًا كبيرًا من استقامة ابنك وصلاحه يعود الفضل فيه بعد الله إلى مدير مدرسة حليم حازم، ومعلم فهم دوره ومارسه في التربية والتوجيه، ومرشدٍ زاول الإرشاد بكلِّ أمانة وإخلاص فتعرف على مشكلات الطلاب الاجتماعية والخلقية واقترح لها من الحلول ما ظهرت آثاره على الطالب خُلُقًا حميدًا ومستوى دراسيًّا متفوقًا.
أيتها الأمهات! أنتن شريك مهمٌّ في التربية، وقد يخفى على الآباء ما يكشفه الأبناء والبنات لكُنَّ، فقدرن مسئوليتكن وكنَّ عونًا للآباء في مسئولياتهم، ولا شك أن دوركن مع البنات أكبر، وأنتن بهنَّ من الآباء ألصق ولأمورهن الخاصة أدرى وأعرف، فعلموهن ما يجهلن وهيئوهنّ للحياة الأسرية القادمة، ورحم الله امرأة أخرجت بنتها للحياة الزوجية بأبهى حُلَّة، وأكبر تجربة، وأكرم تربية، لا تُعاب في عملها، ولا مطعن عليها في دينها وخلقها، ولا ينفر الآخرون من سوء أدبها وتعاملها، وإذا خُشي على الأبناء من صاحب السوء، ونافخ الكير، ومجموعة الشلل الضائعة، ورؤية المشاهد المحرمة - كانت الخشية على الفتيات من الأفكار المعلبة المصدرة، والصور الخليعة الفاضحة، والمكالمة الهاتفية المثيرة، والصوت الغنائي الماجن، وهواجس النفس المتخيلة، والخروج للأسواق بلا حاجة .. إلى غير ذلك من أمور قد تزيد فيها الفتاة على الفتيان نظرًا لكثرة الفراغ عندها.
عباد الله! قد اعتاد بعضُ الناس على السفر في الإجازة لصلة قريب، أو زيارة صديق، أو زيارة الرحاب الطاهرة، وأداء مناسك العمرة، أو للمتعة البريئة والراحة، وتجديد طاقة النفس بعد كلالها، والسير في مناكب الأرض، والتفكير في مخلوقات الله فيها. وكل ذلك مشروع ومرغوب .. ولكن الذين عليهم أن يفكروا قبل أن يسافروا أولئك الذين اعتادوا السفر للخارج وما فيه من مخاطر ومأثم، وابتزاز للأموال وخدش للحياء والدين، أولئك الذين لا يتورعون عن الذهاب لأماكن الخنا ولا يلتزمون آداب الإسلام وحدوده حين الغربة والخفا، لقد حبانا الله في هذه البلاد المباركة نعمًا لا تعد ولا تحصى، وقيمًا ومآثر نفاخر بها حتى نبلغ الجوزاء. فالحرمان الشريفان لا يستكثر لهما زيارة، ولهما وللمسجد الأقصى (حرره الله من أوغاد اليهود) تشدُّ الرحال.
وفي بلادنا يتوفر السهلُ والجبل، والبرُّ والبحر والمناطق الباردة صيفًا، والدافئة شتاء .. أفنزهد في ذلك كلِّه وتستهوينا الدعايات المضللة للسفر للخارج؟
أيها المسلمون! ثمة ما يستحق التنبيه ويستوجب الحذر إذ تصدر بعض المؤسسات الأجنبية مستندات تندرج تحت بادرة النصب والاحتيال، مثل ما يُسمى بمسابقات لعبة الدولار الصاروخي التي تجريها بعضُ الشركات والمؤسسات وتشتمل على أكل أموال الناس بالباطل والتغرير بهم.
لذا فإنني أحذر كلَّ مسلم من هذه المستندات المشبوهة، وأوصيه بالابتعاد عن المعاملات المحرمة وما شابهها، فإنها من أعظم كبائر الذنوب، لما تشتمل عليه من ربا الفضل وربا النسيئة، وكلاهما محرم بإجماع المسلمين، وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تحريم الربا والميسر والقمار ما هو حاضر ومعلوم للعامة والخاصة (1).
(1) انظر: تعميم الأوقاف رقم 82/ 1 وتاريخ 13/ 1/ 1418 هـ.
يا أخا الإسلام! حريّ بك أن تحفظ نفسك ومن تحت رعايتك من الحرام، وأن ترعى الأمانة التي تحملتها، واسمع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وليكن منك دائمًا على البال، فقد أخرج الإمام أحمد وغيره بأسانيد حسنة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ الأمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة)) (1).
كن طيبا أيها المسلم في حديثك ومطعمك، وفي صدورك وورودك وفي شأنك كلِّه فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ويوم القيامة تكون حسن العاقبة للطيبين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {الذين تتوافهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} (2)، نفعني الله وإياكم بهدي القرآن.
(1) انظر: صحيح الجامع الصغير 1/ 351، وسنن الترمذي 4/ 577 واللفظ له.
(2)
سورة النحل، الآية:32.