الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين .. وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين .. اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.
إخوة الإيمان! حين نذكر مظاهر سلبية فللحذر منها .. وحين نومئ إلى نماذج فاسدة فلا يعني أنها شاملة .. ولا يزال في الناس خير.، فتيانًا كانوا أم فتيات .. أولياء .. أو معلمين أو معلمات.
ولكن الظاهرة إذا بدأت فلم تعالج سريعًا ولم يتنبه الناس لمخاطرها .. اتسعت رقعتها وكثرُ أعداد المتضررين بها، وصعب علاجُها، وبعض الناس يخلطون بين الثقة والاحتياط، فالثقة أصل والاحتياط مطلوب .. وبعض الناس لديهم ثقة زائدة .. وإن شئت فقل سطحية وإهمال، وقد تجري الأمور على غير ما يريدون وهم في غفلتهم وثقتهم يترددون .. فالتربية أمانة والمسئولية كبيرة، والوقاية خير من العلاج، والسعيد من وعظ بغيره، ومن عوفي فليحمد الله، ومن ابتلي فليستعن بالله وليسارع بالعلاج.
أيتها المعلمات .. وقبل أن تذبل الزهرةُ، عليكن كفل كبير من المسؤولية -فتداول الصور، أو أرقام الهواتف، أو الأشرطة الماجنة -أو الرسائل المثيرة، أو غير ذلك من ممنوعات .. لابد من مراقبة الطالبات وأخذهن بالحزم .. ولابد من جولات تفتيشية مفاجئة أحيانًا .. ولابد من تكثيف المراقبة أيام الامتحانات خصوصًا. ولا بد من كلمات مضيئة تحذر من صديق أو صديقات السوء .. وتكشف لهن المخاطر المترتبة على ذلك مستقبلًا، ولابد من التحذير من سماعة الهاتف لغير حاجة، ومثل ذلك يُقال للمعلمين أو أزيد فحركة الشباب أكثر، وأبعدُ للريب من حركة الفتيات.
أيها المسلمون .. إنما أطلت في هذه الظاهرة لكثرة ما حدثت أو قرأت عن هذه الظواهر .. وكم حذر الخيرون من هذه المظاهر ورغبوا في التحذير عنها .. فلننتبه جميعًا .. ولنكن يدًا واحدةً في محاصرة الفساد والتضييق على المفسدين .. ولنتعاون مع الجهات الرسمية في المتابعة والعلاج، فالله أمر بالتعاون على البرِّ والتقى ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان ..
الملحوظة السابعة: بعض البيوت مبتلاة بوجود عدد من وسائل الفساد عبر قناة مثيرة .. أو مجلة ساقطة -أو شريط ماجن- والعجب إنك تراهم يدركون خطر هذه الوسائل على الأبناء والبنات أيام الامتحانات، فيغلقون ما يغلقون منها، ويمنعون الأبناء والبنات من تداولها .. وحجتهم في ذلك حتى لا تؤثر هذه وتلك عن مذاكرتهم وتحصيلهم ونتائج امتحاناتهم، وهذا أمر يوافقون عليهم، ولكن السؤال المهم كيف يقتنع هؤلاء بضررها عليهم في أيام الامتحانات فقط؟ أوليس التأثير على المعتقد والدين والخلق أولى بالعناية وأحوج إلى الاستمرار .. هل نسينا أنهم قد ينجحون في امتحان الدنيا .. ولكنهم معرضون للإخفاق في الامتحان الأكبر .. ما حجتُك أيها الولي إذا وقفت بين يدي الله وأنت مدرك لأضرار هذه الوسائل الهادمة ولكنك اكتفيت بوقايتهم منها لغرضٍ زائل من أغراض الدنيا .. وأهملت وقايتهم منها في سائر الأيام، فلوثت فكرهم، وخدشت حياءهم، وجعلتهم كالأيتام على موائد اللئام .. ثم أنت بعدُ ترجو برَّهم وصلاحهم؟ إنها مسؤولية سترد على الله مسؤولًا عنها فأعد للسؤال جوابًا صوابًا.
الملحوظة الثامنة: ويحدث عند بعض الطلاب والطالبات فصام نكد بين المفاهيم التربوية التي تعلموها، وبين الواقع السلوكي الذي يمارسونه .. فقد ربوا طويلًا على الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك،
وربوا على أن العبادة مفهوم شامل لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال .. وربوا على المراقبة الدائمة لله .. وعلى التوكل عليه، والخوف منه .. إلى غير ذلك من مفاهيم جليلة .. ولكن أين هذا مثلًا من ظاهرة الغش في الامتحان وبعض الطلبة قد لا يمنعهم من مزاولتها إلا عدم القدرة عليها. فإذا وجد فرصة سارع إليها، وأين هذه المفاهيم من مقارفة بعض السلوكيات الخاطئة وترك الواجبات .. وفعل المحرمات ..
إن هذه المفاهيم وغيرها لا يُراد منها التلقين والأداء في الامتحان، وإنما القصدُ بناء شخصية الطالب عليها داخل المدرسة وخارجها وفي أيام الامتحانات وغيرها.
وإذا ما نجحنا في التوفيق بين ما يحصله الطالب والطالبة من معلومات وبين التطبيق السلوكي لها .. فذلك المؤشر الحقيقي لنجاح العملية التربوية .. وإلا فلنبحث عن الخلل حيث يكون ولنسارع بالعلاج.
الملحوظة التاسعة: ووصيتي إليكم معاشر الطلبة والطالبات ألا يبدأ الاستذكار عندكم أيام الامتحانات فقط، فهذه مع كونها سببًا للقلق، فالمحصلة العلمية فيها قليلة، والعلمُ ليس ثقلًا يرمى في ورقة الإجابة ثم ينسى، بل هو رصيد يستحق العناية والحفظ ..
أما أنتم معاشر الأولياء فلا يسوغ لكم إهمال أبنائكم وبناتكم طوال العام، فإذا خرجت النتيجة على غير ما تشتهون كانت المخاصمة والسبابُ لإدارة المدرسة ومعلميها.
الملحوظة العاشرة والأخيرة: -وهي أهمها- وهي موجهة للممتحَنين وللممتحِنين بل لنا جميعًا .. فليت هذه الامتحانات الصغرى تذكرنا بالامتحان الأكبر، وهناك لا فرصة للمحاولة بعد الفشل، ولا محيص للغش والتدليس، لا
واسطة ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولًا، النجاحُ هناك إلى الأبد، والمستقر في جنات ونهر ما دامت السموات والأرض، والعطاء غير مجذوذ، والنعيم لا يوصف، والسعادة لا تحد .. أما الخسران فخلود في النار إلى الأبد .. النهاية إلى الهاوية حيث الزفيرُ والشهيق والزقوم ومقامع الحديد، ولك أن تتصور هذا المشهد والجلود كلما نضجت أبدلوا غيرها ليستمر الإحساس بالعذاب، فماذا أعددنا لهذا الامتحان
الصعب .. وليختر كلّ منا لنفسه إحدى المنزلتين .. {ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} (1).
(1) سورة الكهف، آية:49.