المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخطبة الثانية الحمد لله ناصرِ دينهِ، ومعلي كلمته، ومعزِّ أوليائه، وأشهد - شعاع من المحراب - جـ ٥

[سليمان بن حمد العودة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌زلزلة الساعة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌وقفات في شهر الله المحرم

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌المسلمون والإدالة عليهم

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌من معاني الإسراء والمعراج

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الواقع المرُّ

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌في أعقاب شهر الصيام

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌بناء الأسرة المسلمة

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌مخاطر تهدد الأسرة

- ‌الخطبة الثانية

- ‌أيام العشر وأحكام العيد والأضاحي

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌مقاصد السفر في الإسلام

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌وباء المسكرات والمخدرات(تاريخ وتحذير)

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(2) وباء المسكرات والمخدرات

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌10 ملاحظات في أيام الامتحانات

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌المحاسبة على مستوى المجتمع والأمة

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌البيوت الوهمية

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌عبر من قصص السابقين(1)المهاجر الطيار

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌عبر من قصص السابقين(2)المهاجر الدائم

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌مثل الإسلام

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌العمالة الوافدة حقوقها وواجباتها

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الوفاء بالعهود

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(2) حسن الوفاء وقضاء الحقوق

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(1) من مظاهر الإسراف في حياتنا

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(2) من مظاهر الإسراف في حياتنا

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌من المغتصبون

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌هل من مدَّكِر

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الشباب والإجازة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌لماذا نستبشر برمضان

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌1 - صراط الله2 -طرق الضلال

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌اختيار الرفيق

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌اليقين

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌العشر الأخير وفضل التهجد والدعاء

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌هم العدوُّصفاتهم وملامحهم

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌هم العدو(أنواع النفاق والموقف من المنافقين)

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

الفصل: ‌ ‌الخطبة الثانية الحمد لله ناصرِ دينهِ، ومعلي كلمته، ومعزِّ أوليائه، وأشهد

‌الخطبة الثانية

الحمد لله ناصرِ دينهِ، ومعلي كلمته، ومعزِّ أوليائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حكم بنصرةِ رسلهِ والمؤمنين لا معقب لحكمه. ولكن نَصره مستلزمٌ لنصرة دينه والإيمان به {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (1)، {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} (2).

وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله ابتلاه ربُّه وأصحابَه، ثم أنزل عليهم النصر حين اكتملت أسبابُه، ومكن لهم في الأرض بعد أن صدقوا وصبروا في جهاده، ولو شاء ربُّك لنصرهم ومكنهم من قبل، ولكن سنةَ الله ماضيةٌ في الأولين والآخرين.

{أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} (3).

اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

عبداَ الله .. لا ينفك شهرُ اللهِ المحرم، وعاشوراء على الأخص، عن قصةِ موسى عليه السلام وليس في القرآن أعظمُ وأطولُ منها- وليس في أنبياءِ بني إسرائيل أعظمُ من موسى ولا أكثرُ أتباعً منه، وله من القوة العظيمة في إقامةِ دين الله والدعوة إليه، والغيرةِ العظيمة ما ليس لغيره، وزمانُه الذي عاش فيه من أشدِّ الأزمان، وفرعونُ المعاصرُ من أشدِّ الطغاة.

وهنا لابد من وقفة عند بعضِ الفوائد المستنبطةِ نصًّا، أو ظاهرًا، أو تعميمًا، أو

(1) سورة محمد، آية:7.

(2)

سورة الروم، آية:47.

(3)

سورة العنكبوت، الآيتان:3.

ص: 21

تعليلًا، من قصة موسى عليه الصلاة والسلام.

وهذه هي الوقفة الخامسة: فقد استخرج الشيخُ السعديُّ يرحمه الله في كتابه (تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن)(وهو خلاصةُ تفسيره المشهور) ما يقرب من أربعين فائدة، أسوق لكم شيئًا منها، قال الشيخ السعديُّ يرحمه الله:

ومن هذه الفوائد: أن آياتِ اللهِ وعبرَه في الأمم السابقة، إنما يستفيد منها ويستنير بها المؤمنون، واللهُ يسوق القَصصَ لأجلهم كما قال تعالى في هذه القصة:{نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون} (1).

- ومنها أن الأمة المستضعفة لو بلغت في الضعف ما بلغت لا ينبغي أن يستولي عليها الكسلُ عن السعيِّ في حقوقها، ولا اليأس من الارتقاءِ على أعلى الأمور، خصوصًا إذا كانوا مظلومين كما استنقذ اللهُ بني إسرائيل على ضعفها واستعبادها لفرعون وملئه فيهم، ومكنهم في الأرض وملكهم بلادَهم.

- ومنها أن الأمةَ مادامت ذليلةً مقهورةً لا تُطالب بحقها، لا يقوم لها أمرُ دينها، كما لا يقوم لها أمرُ دنياها.

- ومنها أن قتلَ الكافرِ الذي له عهدٌ بعقدٍ أو عرفٍ لا يجوز، فإن موسى ندم على قتله القبطي واستغفر اللهَ منه وتاب إليه.

- ومنها أن العبدَ وإن عرف أن القضاءَ والقدرَ حقٌ، وأن قدر اللهِ نافذٌ لابد منه، فإنه لا يهملُ فعلَ الأسبابِ التي تقع فإن الأسباب والسعي فيها من قدر الله، فإذن الله قد وعد أم موسى أن يرده عليها، ومع ذلك لما التقطه آلُ فرعونَ سعت

(1) سورة القصص، آية:3.

ص: 22

بالأسباب، وأرسلت أختَه لتقصَ، وتعملَ لأسباب المناسبةَ كتلك الحال.

- ومنها جوازُ خروج المرأةِ في حوائجها وتكليمها للرجل إذا انتفى المحذورُ، كما صنعت أختُ موسى، وابنتا صاحب مدين.

- ومنها أن إخبارَ الغير بما قيل فيه وعنه على وجه التحذيرِ له من شرٍّ يقَعُ به لا يكونُ نميمةً، بل قد يكون واجبًا، كما ساق اللهُ خبرَ ذلك الرجلِ الذي جاء من أقصى المدينةِ يسعى محذرًا لموسى على وجه الثناء عليه.

- ومنها أن اللهَ كما يُحبُّ من الداعي أن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته ونعمه العامةِ والخاصةِ، فإنه يُحبُّ منه أن يتوسلَ إليه بضعفه وعجزه وفقرِه وعدمِ قدرته على تحصيل مصالحِه ودفع الأضرارِ عن نفسه، كما قال موسى- عليه السلام:{رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير} (1).

- ومنها أن من أعظم العقوبات على العبدِ أن يكون إمامًا في الشرِّ، وداعيًا إليه، كما أن من أعظم نعم الله على العبد أن يجعله إمامًا في الخير هاديًا مهديًّا، قال تعالى في فرعون وملئه:{وجعلناهم أئمة يدعون على النار} (2) وقال عن بني إسرائيل: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} (3).

- ومنها أن قوله جلَّ ذكرهُ {وأقم الصلاة لذكري} أي أن الذكر العبد لربِّه هو الذي خلق له العبدُ، وبه صلاحه وفلاحه، وأن المقصود من إقامة الصلاة إقامة هذا المقصود الأعظم، ولولا الصلاةُ التي تتكرر على المؤمنين في اليوم والليلة لتذكرهم بالله ويتعاهدون فيها قراءة القرآن، والثناءَ على الله ودعاءَه والخضوع له

(1) سورة القصص، آية:24.

(2)

سورة القصص، آية: 41

(3)

سورة الأنبياء، آية:73.

ص: 23

الذي هو روحُ الذِّكر، لولا هذه النعمة لكانوا من الغافلين.

- ومنها أن قوله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} استوعب اللهُ بها الأسباب التي تدرك بها مغفرة الله: وهي التوبةُ، والإيمانُ، والعمل الصالح والاستمرارُ على الإيمان والهداية والازديادُ منها.

على غير ذلك من فوائد ذكرها الشيخ في كتابه الآنف ص 130 - 136.

وبعدُ إخوة الإيمان، فشهرُ الله المحرم، وعاشوراء مناسبةُ للذكر والشكرِ، وسببٌ من أسباب التأمل في قصص القرآنِ، وزيادة الإيمان وأنى هذا من ممارساتٍ خاطئةٍ تُلطم بها الخدود، وتُخَدش بها الوجوه ويُجتمع فيها للبكاء والعويل، وربما سالت منها الدماء، واختلط فيها الرجالُ بالنساء، وظهر فيها المنكر، وكل ذلك ما أنزل اللهُ به من سلطان، بل هو من تلاعب الشيطان، وهل يُعقل إقامةُ ذكريات للموتى على حساب تعاسةِ وإلحاق الضرر بالأحياء. اللهم اهد ضالنا، وثبت هداتنا.

ص: 24

ذكرى العيد (1)

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد لله الذي أعان على الصيام والقيام، لك الحمد ربنا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم وكما هديت فثبت على الحق، وكما يسرت لطاعة فتقبلها يا ذا الجلال والإكرام.

وأشهد أن لا إله إلا الله بنعمته تتم الصالحات وبيده أمرُ الكائنات، {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} (2).

وأشهد أن محمدًا عبدهُ ورسولهُ أفضلُ من صلى وصام وقام للهِ بأمره وكان عبدًا شكورًا، اللهم صلِّ وسلم عليه، وعلى سائر أنبياءِ اللهِ ورسله، وارض اللهم عن أصحابهِ الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان. اتقوا اللهَ معاشرَ المسلمين، ولباسُ التقوى خير، ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب.

{يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم} (3).

الله أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا والحمُد لله كثيرًا وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

اللهُ أكبر عدد ما ذكره أبيضُ وأسودُ وأسمرُ، وأكرمُ الخلق على الله أتقاهم،

(1) ألقيت هذه الخطبة يوم الجمعة الموافق 1/ 10/ 1418 هـ.

(2)

سورة يونس، آية:61.

(3)

سورة الأنفال، آية:29.

ص: 25

واللهُ أكبر عدد ما لاحت بوارقُ النصرِ، ورفرفت رايةُ التوحيد في الجبال والوهاد وفي كل سهلٍ أو وعر، الله أكبر عدد ما هلل مُهَللٌ وكبر مكبرٌ. الله أكبر كلما صام صائمٌ وافطر، وكلما تلا قارئُ كتابَ ربه وتدبر، وطاف طائفٌ بالبيت العتيق فذكر الله وكبر. اللهُ أكبر كلما استغفره المستغفرون في ساعةٍ من ليل أو نهار أو حين السحر، وكلما فاضت عيونُ المحبين واكتحلتَ بالبكاء مُقلُ الخاشعين.

عبادَ الله يومُكم هذا يومٌ عظيمٌ من أيام الله يومُ عيدٍ وفرحة، ويومُ غبطةٍ في الدين والطاعة، يفرح المؤمنون به لأن الله تعالى وفقهم لإكمال العدة وأعانهم فيه على الطاعة، وهم ينتظرون من الكريم المثوبة والجائزة، ويستغفرون الله عن الخطأ والزلة، وليس الفرحُ بسبب إنهاءِ الصيام الذي يعده ضعفاءُ النفوس عبئًا ثقيلًا عليهم.

العيدُ في الإسلام مظهرٌ من مظاهر القوةِ والمحبة والإخاء، وهو مُذكرٌ بيوم البعث والجزاء .. ولذا فليس العيدُ من لبس الجديد أو تفاخر بالعدد والعديد، ولكن العيدَ الحقَّ لمن خاف يومَ الوعيد، واتقى ذا العرش المجيد.

فالوعدُ حقٌّ، والموقف رهيب، والعذابُ شديد، والقرآنُ مذكر للغافلين {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} (1).

وفي البعثِ بعد الموت نشر صحائفٍ

وميزانُ قسطٍ طائشٌ أو مُثَقَّلُ

ونشرٌ يشيب الطفلُ من عُظمِ هولهِ

ومنه الجبالُ الراسيات تزلزلُ

(1) سورة الحج، الآيتان:2.

ص: 26

ونارٌ تلظى في لظاها سلاسلٌ

يُغلّ بها الفجارُ ثم يُسلسلُ

عليها صراطٌ مدحضٌ ومزلةٌ

عليه البرايا في القيامة تُحملُ

وفيه كلاليبٌ تَعلَّقُ بالورى

فهذا نجا منها وهذا مخردلُ

فلا مجرمٌ يفديه ما يفتدي به

وإن يعتذرْ يومًا فلا عُذر يقبلُ (1).

أيها المسلمون! قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وذلك بالحمل على طاعةِ الله، والجدية في السيرِ إلى الله، والتذكيرِ بمقام العرض على الله.

عن عدي بنِ حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربُّه ليس بينه وبينه تُرجمان، ينظرُ أيمنَ فلا يرى إلا ما قدَّ من عمله، وينظرُ أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظرُ بين يديه فلا يرى إلا النارَ تلقاءَ وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة)) (2).

وإياكم- عباد الله- والغفلة عما خُلقتم له، ففي الغفلة العطب، واجعلوا من فرحةِ الدنيا سبيلًا للفرحة العظمى في جناتٍ ونهرٍ في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

ولا تستوحشوا من ذكرِ هادمِ اللذات، فوصيةُ نبيكم صلى الله عليه وسلم:((أكثروا ذكرَ هادم اللذات)).

قال القرطبي رحمه الله: قال الدقّاقُ: من أكثرَ من ذكر الموت أكرم بثلاثة: تعجيلُ التوبةِ، وقناعةُ القلبِ، ونشاطُ العبادة. ومن نسي الموت عوجل بثلاثة: تسويفُ التوبةِ، وتركُ الرضا بالكفاف، والتكاسلُ في العبادة.

(1) المختار للحديث في رمضان 157.

(2)

رواه البخاري ومسلم في الرقاق، والزكاة 8/ 140، 2/ 703.

ص: 27

عباد الله! لا يعني ذكرُ الموت أن تتحولَ الحياةُ إلى أحزانٍ ولا إلى ظلمات مهلكة، وانطوائية مؤذية.

لكن الموازنة بين نصيب الدنيا والآخرة، والمراقبةُ الدائمةُ والتحوُّطُ في المطعم والمشربِ والمنكح والملبس، والنطقِ والصمت اللهُ أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أمةَ الإسلام! يومُ العيد يومُ أُنس وصلةٍ لما أمر اللهُ به أن يوصل، ويوم مواساةٍ لمن به حاجة، يُمسح رأسُ اليتيم، ويُتصدق على الفقراء والمساكين، ويُدعى فيه للمرضى، ويُترحم على الموتى، ويُدعى بفكاكِ الأسرى ورفع الضرِّ عن المتضررين من المسلمين.

هو يومٌ تبرز فيه أخلاقُ الأمةِ المسلمة على سجيتها، وتبرز فيه العواطفُ والميول والعوائدُ على حقيقتها تمتد مشاعرُ الإخاءِ إلى أبعد مدى، ويبدو المجتمعُ في العيد متماسكًا متعاونًا متراحمًا، تخفق فيه القلوبُ بالحبِّ والودِّ والبرِّ والصفاء.

أمةَ القرآن، مع أفراحِنا وأشواقنا .. فلا ينبغي أن تنسينا فرحةُ العيد مآسينا، وأحوالَ أمتِنا، فالقدسُ أسير، والمسلمون أشلاء ممزقة هنا وهناك. ويومُ العيد مناسبةٌ كبرى للمسلمين للمراجعةِ، وطرح الأسئلةِ المهمة، فإلى أين تسيرُ مناهجُ الإعلام والتعليم، وما هي الأسسُ التي يُبنى عليها الحكمُ والاقتصاد في بلاد المسلمين؟ ما وضعُ المرأةِ في مجتمعات المسلمين، وإلى أين تسيرُ قضيتها؟ كيف تستثمر طاقات الشباب؟ وما مقدارُ مكاسبُ الأمةِ ومغانمها وما حجمُ مآسيها ومغارمها؟

إن ما يعيبُ الأمةَ، جهلَ أبنائها، وغفلة علمائها، وتسلطَ قادتها، ويُضعفُ

ص: 28

قدرتها ويُفرِّق كلمتَها شيوعُ النفاق بين مثقفيها، ووجودُ الخلافِ النكد بين أبنائها وبروزُ العلمنةِ في أي منحى من مناحي حياتها، وقيادةُ العلمانيين لركبها .. ؟ !

إخوة الإسلام لن يفلحَ المسلمون في ذواتِ أنفسهم أو صراعهم مع الأمم الأخرى إذا نُحِّي شرعُ الله وساد تطبيقُ القوانينِ الوضعية فيما أنزل اللهُ حكمه من السماء وجاءت به شرائعُ الأنبياء عليهم السلام ولن تُفلح الأمةُ ونخبةٌ من أبنائها يرون الدين مظهرًا من مظاهر التخلفِ والرجعية، لا فرق في ذلك بين من يُعلنه، ومن يُسره لكنه يتمثله واقعًا عمليًّا.

ولن تسود الأمةُ وفيها من يرون تقليدَ المرأةِ المسلمة للمرأةِ الكافرة أنسب الطرق لحريتها وكرامتها، والحشمة والعفاف والحياءَ تقاليدَ بالية؟ ! ولن ترشدَ أمةٌ أضاعت طاقة شبابها في اللهو واللعب الفارغ، وأنَّى للأمة المسلمة أن تُفلح إذا كان قادتها من يلزمون أنفسهم وشعوبهم دخول جحر الضبّ الخرب تقليدًا ومجاراةً للأمم الكافرةِ الأخرى.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم بالبينات والله لا يهدي القوم الظالمين} (1).

(1) سورة آل عمران، آية:86.

ص: 29

الخبطة الثانية:

الله أكبر، الله أكبر .. الله أكبرُ كبيرًا والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، وأشهد أن لا إله إلا اله إعظامًا وتجليلًا، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله.

اللهم لك الحمد ربنّا، أطعمتنا من جوع، وأمنتنا من خوف، أتممت علينا شهرَ الصيام، وشرعت لن عيدين في الإسلام، .. والخسارةُ لمن حاد عن الدين أو ابتدع مَا لم يأذن به الله.

أيها المسلمون! اشكروا الله على ما أسبغ عليكم من نعم يزدكم، واذكروه في الملأ يذكركم .. وحافظوا على رصيد الخير الذي جمعتموه في شهر رمضان، واعملوا أن عملَ الصالحات ليس لها حدٌّ دون الموت.

قال الحسنُ البصريُّ يرحمه الله: إن اللهَ لم يجعلْ لعملِ المؤمنِ أجلًا دون الموت، ثم قرأ {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} (1).

ألا ما أجمل الطاعةَ تعقبها الطاعات والحسنةَ تعقبها الحسنات، وَأكرم بأعمال البرِّ في ترادف الحلقات وفي يوم المعادِ يغتبط العاملون للصالحات، وصدق الله {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} (2).

ومع اتباع السيئة الحسنة تمحها، لازموا الاستغفارَ فهم مُذيبٌ للخطايا كما يذوب الجليدُ على الصفا، وأحدثوا لله توبةً كلما حدثت منكم معصية، وإياكم أن تقنطوا من رحمة الله، فالله يغفر الذنوب جميعًا، وراغموا الشيطان في معترك الحياة، واستعيذوا بالله من همزات الشياطين وحضورهم، وتجملوا بالأخلاق

(1) سورة الحجر، آية:99.

(2)

سورة الكهف، آية:46.

ص: 30

الفاضلة فبها يبلغ المسلمُ درجة الصائم القائم، وإنما كانت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لإتمامِ مكارم الأخلاق!

مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر تتحقق لكم الخيريةُ والفلاحُ، وادعوا الله على بصيرة فلا أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا، وقال إنني من المسلمين، تحققوا من طيب مطعمكم، واستعملوا جوارحكم في مرضاة الله، وارعوا الأمانة في أهليكم وأولادكم.

أختاه في الإسلام هناك من يكيد لك كيدًا، ويريد بك شرًّا، فاحذري مروجي البضاعةِ المزجاة، وإن تظاهروا بزي الناصحين.

إياكن أن تخضعن بالقولِ فيطمعَ الذي في قلبه مرض، وقلن قولًا معروفًا، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله، أدنين الجلباب، واغضضن البصر، واحفظن الفروج، ولا تبدين ما يخفى من زينة، ولا تستثمرن طاقاتكن في غير ما أحل الله لكنَّ.

فذلك هديُ السماء، وأدبُ اللهِ للنساء.

معاشر الشباب احفظوا أوقاتكم، واستثمروا طاقاتكم فيما ينفعكم ويعود بالخير على أمتكم، فالفراغ يعقبه الانشغال، والقوة ستتحول يومًا إلى ضعف، ومن فرّط في حالِ القدرةِ والقوة ندم حين الضعفِ والشيخوخة.

معاشر الأخوة المقيمين، صلوا أرحامكم وإن نأت الديارُ بكم فالرسالةُ اللطيفة والمكالمةُ الحانية تطيب في كل وقت. ولها وقعُها في المناسبات والأعياد المشروعة واستأنسوا بذكر الله وطاعتهِ على آلام الغربة (1)، واحفظوا الله في

(1) فبذكر الله تطمئن القلوب

ص: 31

أنفسِكم يحفظكم في أهليكم، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا.

الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ولله الحمد.

اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت اللهُ لا إله إلا أنت الأحدُ الصمدُ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكون له كفوًا أحد أن تجبر كسرنا، وتقبلَ صيامنا وقيامنا، وسائرَ أعمالنا، اللهم اجعلنا من الفائزين، ومن عتقائك من النار، اللهم احفظنا بالإسلام ما أبقيتنا، وحبب إلينا الإيمانَ وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

لإله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين .. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، واختم بالصالحات أعمالنا، وأدم شكرنا وذكرنا، اللهم يا فارج الكربات، ويا مجيب الدعوات أصلح أحوال أمتنا، ورد المسلمين إليك ردًّ جميلًا، اللهم حكِّم فيهم كتابك وأعلي سنةَ نبيك، ومكِّن للصالحين، واقمع أهلَ الزيغ والبدعِ والفساد يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، واغفر اللهم لنا ولوالدينا واشف مرضانا وارحم موتانا، وهب لنا من أزواجنا قرة عين، وعاف مبتلانا، واهدِ ضلالنا، وثبت على الحق هداتنا، اللهم أصلح ووفق حكامنا وأمراءنا ووزراءنا للخير، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرَّ شرارهم يا رب العالمين ..

سبحان ربك ربَّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العاملين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.

ص: 32