الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل في محكم التنزيل {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب} (1).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين .. أيها الإخوة المؤمنون! إذا تعددت أغراض السفر واختلفت نوايا المسافرين، فالمسلمُ الحق هو الذي يعبد الله حيث كان، ويراقبه في اجتماعه خلواته وحيث حلَّ أو ارتحل؛ لأنه مدرك لعظمة الله وسعة علمه، ومحاسبته لعبده- يوم الحساب- وفي كتاب الله يقرأ المسلم:{ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} (2).
أخي المسافر استصحب في سفرك عظمة الله، وليكن قصدك من سفرك حسنًا، فقد تنتهي أيامُك من هذه الحياة قبل عودتك من السفر، فإن مِت مُت سعيدًا، وإن بقيت عشت حميدًا كريمًا.
يا أخا الإيمان! في الأسفار تبدو عظمة الخالق من خلال رؤية ما خلق، والتأمل في الكون الفسيح، وتنوع الحياة وانتشار الأحياء .. وذلك ضمن إطار سفر العبرة التي تحدث عنه العلماء، وأفاضت في ذكره آيات الكتاب الحميد.
أخي المسافر! لا تنس عبودية الشكر إن رأيت في سفرك أصحاب بلاء ومحنة أو فقر ومسغبة ومن الشكر المساهمة في دفع المكروه عن إخوانك المسلمين،
(1) سورة الأنفال، آية:25.
(2)
سورة المجادلة، آية:7.
واستصحب وسيلة الدعوة علاجًا لما تراه من انحراف في المعتقد والأخلاق، أو جهلٍ في الفرائض والسنن المشروعة في الإسلام .. ولا يكن همُّك النقد للآخرين أو مجرد التأسف على واقع المسلمين! ! لا تحقرن من المعروف شيئًا بالكلمة الطيبة، والهدية المُفرحة، والكتيب أو الأشرطة المعلمة .. فكم يحتاج الآخرون إلى ما تراه أنت أمرًا عاديًّا.
أخي المسافر! لك دعوةٌ مستجابة في السفر فلا تحرم نفسك وذويك والمسلمين منها .. وإذا أخلصت الدعاء ولم تتجاوز فيه .. فلا تستعجل الإجابة .. ولا يفوتنك هذا الخير العميم في الدعاء في ابتداء السفر حين تقول: «اللهم إني أسألك في سفري هذا البرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم هوّن عليَّ سفري هذا واطو عني بعده، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل .. » . ويا لها من دعواتٍ لو تأملها واعتصم بها المسافرون.
أخي المسافر! احفظ نفسك ومن يصحبك في السفر من مقارفةِ المحرمات .. أو مشاهدة المنكرات .. أو تضييع الواجبات، ولا تنس أن السفر فرصة لتنفيذ البرامج المفيدة، فقد تتقبل النفوس في حال السفر والنزهة أكثر مما تتقبل في حالة الإقامة على القراءة النافعة لكتاب الله .. وسير الأعلام النبلاء .. والتأمل في أحاديث المصطفى أو نحو ذلك من أنواع المعرفة المفيدة، مما يبقى رصيدًا للمرء في هذه الحياة وبعد الممات.
عباد الله! في هذا الصدد - كم نحن بحاجة إلى الوعي في أمور ديننا كما نحن بحاجة إلى الوعي في أمور دنيانا .. إننا نعيش اليوم في عالم يختلط فيه الحق بالباطل، وربما روّج للرذيلة باسم الفضيلة، ولا أظنك ممن تنطلي عليه وصف
الخيرين أهل الصلاح بالرجعية والتطرف أو نحوها .. وصف أهل الفساد بالتحرر والتنور ودعاة الإصلاح .. والله أعلم بما يكتمون ..
إن الخداع والتزوير بات يملأ الكون فيه جعجعة أهل الريب والشهوة والنفاق ومن في قلوبهم مرض بشكل عام، وبدأ يتعاظم منه شأن المرأة في هذه الأيام، فكثرت المطالبة باسمهن .. وكثرت الأصوات المشبوهة الداعية إلى تحررهن من العفة والفضيلة والحياء. ويدرك العقلاء وأهل الغيرة والشهامة فضلًا عن أهل العلم والمعرفة .. أن المرأة بوابة واسعة للفساد يُراهن عليها الموتورون .. ويرونها أقصر الطرق لإفساد المجتمع بأسره .. فما من فتنة أضرَّ على الرجال من النساء .. وأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء كذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما ترك الإسلام في نظرته للمرأة وتكريمها مجالًا ينفذ منه المفسدون باسم الدين يتوقع أن تؤول إليه .. متمثلين قوله تعالى:{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} (1). وحين تستغل المرأة بالمطالبة حينًا .. وبالدعوات المشبوهة حينًا فذلك مؤشر إلى أن وراء الأكمة ما وراءها .. وإذا هانت على فئة من أهل الريب أخلاقهم وكرامةُ نسائهم، وما تتميز به بلادهم ومجتمعهم عن الآخرين .. فينبغي أن يقف المجتمع بأسره سدًّا منيعًا تجاه أفكارهم ومخططاتهم .. فالفساد إذا بدأ ولم يُستنكر استشرى، ولا تقف آثاره عند مريديه، بل تحصل الفتنة للظالمين وغيرهم، ولا يقف مخطط الفساد وشهوات المفسدين عند حدٍّ، وصدق الله {وَيُرِيدُ الَّذِين يَتبِعُونَ الشهَوَاتِ أَن تِمَيلُوا مَيلًا عَظِيمًا} (2).
عباد الله! ألا فتنبهوا، وقوموا بواجب الله عليكم، ولتكن غيرتكم لدينكم
(1) سورة البقرة، آية:251.
(2)
سورة النساء، آية:27.
ومحارمكم وبلادكم والمسلمين من حولكم غيرة أساسها الدين .. ومبعثها الوعيُ بحقائق الأمور، وقد حان الأوان للتربية الجادة للأسرة عمومًا، وللمرأة خصوصًا وتذكيرها بتكريم الإسلام لها، وبالهدف الحقيقي من وجوده، وتبصيرها بما يخططه الأعداء لها .. كل ذلك بإذن الله سيقف سدًّا منيعًا وسيفشل خطط الماكرين ويرد مكرهم عليهم.
عباد الله! تذكروا الآثار المترتبة على عدم إنكار المنكر، فالله حكم بنجاة الناهين عن السوء، وهلاك من سواهم فقال تعالى:{وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون * فبما نسوا ما ذكروا به نجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} (1).
اللهم احفظ بلادنا ونساءنا من كل مكروهٍ وفتنة، اللهم وفق ولاة الأمر للأخذ على أيدي السفهاء والمفسدين، اللهم أعن علماءنا ورجال الفكر فينا لقيادة الأمة لكل خير، والوقوف في وجه أهل الفساد والريب ..
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا، وأبق سلطان الدين حيًّا قويًّا في نفوسنا، اللهم ومن أراد تفريق جمعنا أو الإفساد في مجتمعنا فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره .. اللهم اجعل تدبيرهم تدميرًا عليهم يا حي يا قيوم .. هذا وصلوا.
(1) سورة الأعراف، الآيتان: 164، 165.