المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌اليقين (1) ‌ ‌الخطبة الأولى: الحمد لله ربِّ العالمين، خلق فسوى، وقدّر فهدى، - شعاع من المحراب - جـ ٥

[سليمان بن حمد العودة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌زلزلة الساعة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌وقفات في شهر الله المحرم

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌المسلمون والإدالة عليهم

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌من معاني الإسراء والمعراج

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الواقع المرُّ

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌في أعقاب شهر الصيام

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌بناء الأسرة المسلمة

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌مخاطر تهدد الأسرة

- ‌الخطبة الثانية

- ‌أيام العشر وأحكام العيد والأضاحي

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌مقاصد السفر في الإسلام

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌وباء المسكرات والمخدرات(تاريخ وتحذير)

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(2) وباء المسكرات والمخدرات

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌10 ملاحظات في أيام الامتحانات

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌المحاسبة على مستوى المجتمع والأمة

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌البيوت الوهمية

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌عبر من قصص السابقين(1)المهاجر الطيار

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌عبر من قصص السابقين(2)المهاجر الدائم

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌مثل الإسلام

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌العمالة الوافدة حقوقها وواجباتها

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الوفاء بالعهود

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(2) حسن الوفاء وقضاء الحقوق

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(1) من مظاهر الإسراف في حياتنا

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌(2) من مظاهر الإسراف في حياتنا

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌من المغتصبون

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌هل من مدَّكِر

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الشباب والإجازة

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌لماذا نستبشر برمضان

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌1 - صراط الله2 -طرق الضلال

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌اختيار الرفيق

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌اليقين

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌العشر الأخير وفضل التهجد والدعاء

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌هم العدوُّصفاتهم وملامحهم

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

- ‌هم العدو(أنواع النفاق والموقف من المنافقين)

- ‌الخطبة الأولى:

- ‌الخطبة الثانية:

الفصل: ‌ ‌اليقين (1) ‌ ‌الخطبة الأولى: الحمد لله ربِّ العالمين، خلق فسوى، وقدّر فهدى،

‌اليقين

(1)

‌الخطبة الأولى:

الحمد لله ربِّ العالمين، خلق فسوى، وقدّر فهدى، وله الحمدُ في الآخرة والأولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده مقاليد السماوات والأرض، وما من دابة في الأرض إلا هو آخذ بناصيتها، وما في السماء موضع شبر إلا وفيه ملك ساجد أو راكع لله. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه الله على حين فترة من الرسل، فأحيا الله به القلوب بعد موتها، وجدد به الملة الحنيفية بعد مزاحمة الشرك والوثنية لها.

اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن أصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين {ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} (2).

{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} (3).

وبعد إخوة الإيمان فلله الحمدُ والمنّة إذ يسر للحجاج حجهم وأعانهم على قضاء مناسكهم، فعاد من عاد منهم سالمًا غانمًا إن شاء الله، واختار لبعضهم

(1) ألقيت هذه الخطبة في يوم الجمعة الموافق 21/ 12/ 1418 هـ.

(2)

سورة النساء، الآية:1.

(3)

سورة المائدة، الآية:35.

ص: 310

الرحيل عن هذه الدار قبل إتمام حجِّهم، أو قبل أن يصلوا إلى أهليهم، والله يحكم ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة من أمرهم، ونسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجتهم ويمتعهم متاعًا حسنًا، وأن يغفر للموتى ويُجزل مثوبتهم، ويجبر مصابهم وأهلهم. وكذلك تكون الحياةُ الدنيا وكذلك يفعل الله ما يشاء بالأحياء، وحكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير} (1).

ولله الحمد والمنة إذ أفاء على الحجاج وغير الحجاج من بركات عشر ذي الحجة ومتعهم حتى عاشوا يوم العيد وأيام التشريق وهي أَيام عظيمة فاضلة.

ولك الحمد ربّنا إذ جعلت الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس وأمنًا، فعبدوك آمنين مطمئنين، اللهم زد بيتك تعظيمًا وتشريفًا، وأجزل المثوبة لكل من ساهم في أمن الحجاج والمعتمرين، وطهر بيت الله للطائفين والعاكفين والركع السجود، اللهم ومن أراد بيتك أو حجاجه وعماره أو المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين.

اللهم عظم للعاملين أجورهم، ولا تحرم المقصرين فضلك، واجعلهم فيما يستقبلون من أيامهم خيرًا مما مضى من أعمارهم. واختم بالصالحات أعمالهم، ولا تضلهم بعد إذ هديتهم، فما أسوأ الحور بعد الكور، والضلالة بعد الهدى، ومن يُضلل الله فما له من هاد.

أيها المسلمون! من فضل الله علينا أن المسلم ينتقل من عبادة إلى عبادة ومن موسم للخيرات إلى آخر، وهذه العبادات منها ما يتكرر كلَّ عام، ومنها ما يتكرر

(1) سورة فاطر، الآية:11.

ص: 311

كلَّ شهر، ومنها ما يتكرر كلَّ أسبوع، ومنها ما يلازم المسلم كل يوم، بل ربما تكرر في اليوم خمس مرات أو أزيد، ولو شاء المرءُ لعبد ربه مع كل نفس يخرج، قائمًا وقاعدًا وعلى جنب .. فالصلاة والصيام والذكر وتلاوة القرآن والصلة والإحسان، ونحوها من العبادات لا تحد بزمان أو مكان، أو هيئة محدودة للإنسان.

يا أخا الإسلام .. وكما تتعاظم العبادة في الأزمنة والأمكنة الفاضلة -فثمة أمر آخر يتعاظم فيه أجرُ العبادة، ويحتاج العباد إلى معرفته والعمل به- إنه تعظيم أمر الله في النفوس واستشعار لذة العبادة من خلال اليقين والإخلاص والمتابعة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

أجل إن العبادة يتعاظم أجرُها بقدر ما يوجد في قلب العابد من عبودية وإخلاص وتعظيم لأمر الله، ويقين لا يخالطه شك. فما معنى اليقين؟ وما أثره؟ وبم يُحصل عليه؟ وما مظاهر ضعفه؟

قال العالمون: اليقينُ طمأنينة القلب، واستقرارُ العلم فيه، ولهذا قالوا: ينتظم من اليقين أمران: علمُ القلب، وعملُ القلب، فإن العبد قد يعلم علمًا جازمًا بأمر، ومع هذا يكون في قلبه حركة واختلاج من العمل الذي يقتضيه ذلك العلم، كعلم العبد أن الله رب كلِّ شيء ومليكُه، ولا خالق غيره، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فهذا قد تصحبه الطمأنينة إلى الله والتوكلُ عليه (فيكون صاحبه من الموقنين) وقد لا يصحبه العملُ بذلك، إما لغفلة القلب من هذا العلم، وإما للخواطر التي تسنح في القلب كالاعتماد على الأسباب .. وإما لغير ذلك فلا يكون صاحبه مطمئنًا ولا مستيقنًا (1).

(1) فتاوى ابن تيمية (3/ 329).

ص: 312

يا أخا الإيمان! وإذا أردت أن تتبين أثر الإخلاص واليقين في الأعمال فتأمل حديث صاحب البطاقة، فقد روى الترمذي وحسنه، والنسائي وابن حبان والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا:((يُصاح برجلٍ من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فيُنشر له تسعة وتسعون سجلًا، كلُّ سجل منها مد البصر، ثم يقال: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا ربِّ، فيقال: أفلك عذرٌ أو حسنة؟ فيهاب الرجلُ، فيقول: لا، فيقال: بلى، إن لك عندنا حسنةً وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: يا ربِّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تُظلم، فتوضع السجلاتُ في كفة، والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة)) (1).

قال ابن تيمية معلقًا على هذا الحديث: (والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجهٍ يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة.

ثم ذكر ابن تيمية حديث البغي التي سقت كلبًا فغفر الله لها. والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له، ثم قال: فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغُفر لها، وإلا فليس كلُّ بغي سقت كلبًا يُغفر لها، فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال .. ) (2) اهـ.

ويقول تلميذه ابن القيم رحمه الله: فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل

(1) صحيح الجامع الصغير 6/ 343، فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد ص 46.

(2)

منهاج السنة 6/ 218.

ص: 313

كما بين السماء والأرض، قال: وتأمل حديث البطاقة وكيف ثقلت بتسعة وتسعين سجلًا كلُّ سجل مدّ البصر، فلا يُعذب صاحبُها، ومعلوم أن كلَّ موحدٍ له هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه (1).

أيها المسلمون! في مقابل هذا فقد يعمل الإنسان أعمالًا عظيمة في ذاتها، ولا يقبلها الله منه، بل ربما تعرض للوعيد الشديد وكان مصيره النار بسبب فعلها، وذلك لخلوها من الصدق والإخلاص واليقين، كما في حديث الثلاثة الذين هم أول من يُقضى يوم القيامة، وأحدُهم قاتل الكفار حتى قتل، والآخر تعلم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، والثالث: كان ينفق ماله في وجوه الخير .. ويوم القيامة يُسحب على وجهه حتى يُلقى في النار .. لأن العمل لم يمكن خالصًا، بل كان للرياء والسمعة، ونيل الشهرة، وحتى يقال: جريء، وعالم، ومنفق. وقد قيل ذلك في الدنيا، أما في الآخرة فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان له خالصًا.

كما قال تعالى لنبيه وللمؤمنين: {فاعبد الله مخلصا له الدين * ألا لله الدين الخالص} (2).

ألا فعظموا ربكم، وأخلصوا له عبادتكم، واستيقنوا لقاء ربكم، واحذروا الآخرة، وارجوا رحمة الله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أممن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} (3).

(1) فتح المجيد 46، 47.

(2)

سورة الزمر، الآيتان 2، 3.

(3)

سورة الزمر، الآية:9.

ص: 314