الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
عباد الله! لا يقف تعصب اليهود والنصارى لعقائدهم المحرفة عند حدود التصريحات المجردة، بل جاوزوه إلى العمل بما يعتقدون، وسأسوق لكم نماذج لجماعات أصولية متطرفة، تتخذ من أمريكا وإسرائيل مقرًّا لها، وربما امتدت فروعها في دول أخرى، ومن عجبٍ أن تلقى هذه الجماعات الأصولية المتعصبة دعمًا ومساندة لها من الدول التي توجد فيها:
1 -
فهناك منظمة السفارة المسيحية الدولية، وهي منظمة صهيونية مسيحية، أُعلن تأسيسها في مدينة القدس المحتلة عام ثمانين وتسعمائة وألف للميلاد، وبحضور أكثر من ألف رجل دين نصراني، يمثلون ثلاثًا وعشرين دولة، وبحضور عدد من كبار المسئولين الإسرائيليين، وقد افتتحت لها فروعًا في سبع وثلاثين دولة في كل من أوربا الغربية، وأفريقيا، وكندا، واستراليا. أما في الولايات المتحدة وحدها، فقد بلغ عدد فروعها عشرين فرعًا، ويدير هذه الفروع كلَّها أصوليون متعصبون، وقد اختصر مؤسس هذه السفارة ومديرُها أهدافه بقوله:((إننا صهاينة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، وإن القدس هي المدينة الوحيدة التي تحظى باهتمام الله، وأن الله قد أعطى هذه الأرض لإسرائيل إلى الأبد)) (1).
وتهدف هذه المنظمة النصرانية -كما جاء في منشورها- إلى تحقيق الراحة لبني
(1) انظر: البعد الديني في السياسة الأمريكية .. يوسف الحسن 130.
صهيون، ولها مشاريع وأنشطة لخدمة إسرائيل في المنطقة- لا يتسع المقام لتفصيلها (1).
2 -
المائدة المستديرة الدينية، وهي منظمة نصرانية أخرى داعمة لإسرائيل، وأبرز نشاطاتها حفلات الإفطار السنوية التي تقيمها للصلاة من أجل إسرائيل، ودعم سياستها وأغراضها، ودرجت على إصدار بيان عقب الصلاة تُبارك فيه إسرائيل باسم ما يزيد على خمسين مليون نصراني يؤمنون بالتوراة في الولايات المتحدة الأمريكية (2).
3 -
مؤسسة جبل المعبد، وهي منظمة صهيونية نصرانية، تتخذ من لوس أنجلوس مقرٍّ لها، وتتركز أهدافها على إنشاء المعبد في القدس وإقامة هيكل سليمان المزعوم؟ وقد دافعت هذه المنظمة المتطرفة عن المعتقلين الإسرائيليين المتطرفين، الذين قاموا بتخريب وإتلاف أجزاء من المسجد الأقصى عام ثلاثة وثمانين وتسعمائة وألف، وتتحدث كاتبة أمريكية عن الخطط اليهودية والنصرانية الأصولية لتدمير المسجد الأقصى وبناء المعبد اليهودي فتقول: إن الزائر لمدينة القدس يسمع المتطرفين من اليهود وهم يتحدثون بصراحة وعلانية عن خططهم لهدم المسجد وبناء هيكل سليمان مكانه
…
ثم تقول على لسان عالم آثار أمريكي يعيش في القدس:
ويوجد مسيحيون متعصبون يشاركون اليهود القول بهدم المسجد الأقصى، كما شكل الصهاينة من
(1) انظر لتفاصيلها في (البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاة الصراع العربي الإسرائيلي 129 - 136).
(2)
المرجع السابق ص 136، 137.
المسيحيين واليهود مؤسسة هدفها بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى - كما يقول الكتاب (1).
إخوة الإسلام! هناك منظمات وجماعات أصولية متطرفة أخرى، وأكتفي بذكر مسمياتها، ولعلها تشعر بأهدافها.
4 -
هناك مؤتمر القيادة المسيحية الوطنية لأجل إسرائيل.
5 -
مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل.
6 -
المصرف المسيحي الإسرائيلي لأجل إسرائيل.
7 -
وهناك غيرها، وهذه المنظمات النصرانية المساندة لليهود تتخذ من ولايات أمريكا مقرًّا لها ومركزًا لمناشطها، وهي تلقى كل دعم وتأييد من الساسة، حتى وجدت منظمة باسم منظمة الكونجرس المسيحي الوطني (2).
وهذا كله يفسر سر العلاقة والدعم من دول الغرب عامة، وأمريكا خاصة لسياسة إسرائيل التوسعية في المنطقة، فأين يكون التعصب؟
ومن هم المتعصبون والمتطرفون حقًّا؟ إن من المؤسف أن تغيب عن أذهان المسلمين هذه الأنماط الأصولية المتطرفة من اليهود والنصارى في بلاد الغرب، ثم يحاول الغرب الماكر أن يتناسى هذه الجماعات المؤثرة ويتهمنا نحن المسلمين بالتعصب والتطرف، ليرمينا بدائه ثم ينسل، والمؤسف أكثر أن يستجيب لهذه التهم المفتعلة بعض أبناء جلدتنا، وتسير بها بعض وسائل إعلامنا، ونشارك من حيث نشعر أو لا نشعر في التستر على أصوليتهم المنحرفة وجماعاتهم المتطرفة، ونكون
(1) المرجع السابق ص 140.
(2)
المرجع السابق ص 149.
مع أعدائنا على أبناء عمومتنا وجيراننا، بدل أن نكون معهم على عدوهم وعدونا.
إخوة الإيمان! لعلنا بهذه الإشارات الموجزة ندرك مواقع الأصولية والتطرف، وندرك كذلك منشأ المصطلحات وكيف تصدر، وقد وُفق الشيخ الدكتور بكر أبو زيد -حفظه الله- وأجاد في حديثه عن الأصولي والأصولية، ومما قاله: فهذا اللقب (أصولي) أصيل في مبناه طريٌّ في معناه، بل فاسد تسربل هذا المبنى حتى يسهلَ احتضانه والارتماء في حبائله.
لكن ماذا تحمل من معنى في محلها الذي ولدت فيه (أمريكا)؟
إنها تعني ديانة نصرانية كهنوتية ترفض كلَّ مظهر من مظاهر الحياة وتراه خروجًا على الدين. ولهذا فإن النصارى ومن في ركابهم من أمم الكفر في عدائهم العريق لملة الإسلام سحبوا هذا اللقب على كل مسلم مرتبط بدينه الإسلام: قولًا، وعملًا واعتقادًا فسربلوه بهذا اللقب الأصولي، وما يتبناه هو (الأصولية).
ثم قال: ولهذا فكم رأينا من أغمار استملحوه فأطلقوه وامتحنوا الأمة به، ثم أوجد الحداثيون في عصرنا ألقابًا أخرى في هذا المعنى لمن تمسك بالإسلام، منها: الماضوية، التاريخانية، الأممية. ثم نقل الشيخ كلامًا جميلًا آخر لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ومصطلح الأصولية وكيف خدمت وكالات الأنباء العالمية مخططات الأعداء بترويج نداء المصطلح على المتمسكين بالإسلام، وكيف وقع بعض الإعلاميين في مصيدة الأعداء إما عن جهل بمقاصد أصحابها، أو لغرض في نفوسهم .. الخ كلامه. هكذا نقل الشيخ (1).
(1) د. بكر أبو زيد: معجم المناهي اللفظية ص 103، 104.
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم أظهر الهدى ودين الحق الذي بعثت به نبيك على الدين كله ولوه كره الكافرون والمنافقون.