الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والمنكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يمهل ولا يهمل، وإذا أخذ فإن أخذه أليم شديد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، مثال الطهر والعفاف، وفي بيته نموذج يحتذى للبيوت المسلمة {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (1).
اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه، وأزواجه، وآله المؤمنين.
أما بعد .. إخوة الإسلام! فليس يخفى أن هذا العالم المضطرب لم يصل إلى ما وصل إليه من تدني في القيم وفساد في الأخلاق فجأة .. ولا مصادفة. بل كان نتيجة تراكمات من الفساد والانحراف عن منهج الله .. وتغليب الشهوة
…
وتهييج الغرائز ووأد الكرامة والحياء .. وإشاعة الفاحشة، وترويج المخدرات، ونشر المسلسلات، وإطلاق عنان الحرية المزعومة، حتى عمَّ البلاء وانتشر الوباء، والخوف قائمٌ من تصديره خارج منطقة الداء.
ونحن معاشر المسلمين مطالبون بحماية أنفسنا ومجتمعاتنا من هذا الوباء أو غيره من الأوبئة الأخرى.
والحماية لا تكون بمجرد العلاج إذا وقع الداء وتفشى المرض، وإنما تستلزم الوقاية أولا .. والوقاية خير من العلاج وأجدى. إن علينا بشكل عام ألا نفكر في
(1) سورة الأحزاب، الآية:33.
دخول النفق المظلم الذي دخله هؤلاء، ونحن نرى بأم أعيننا كيف كان المنتهى .. وأن ننظر إلى دعوات التقليد البلهاء على أنها صوت من أصوات السفهاء، وعلى العقلاء أن يأطروهم على الحقِّ أطرًا.
علينا أن ندرك مسئوليتنا تجاه الناشئة، ونجنبهم مواطن الردى، إن التربية الجادة للشباب، وتوفير المحاضن الصالحة، وابتكار البرامج المفيدة، كلُّ ذلك يُسهم في إصلاح المسيرة، ويجنب أمة الإسلام ما وقعت فيه الأمم الأخرى.
ويا ويح أمةٍ يغرق شبابها بالمخدرات، ويُفتنون بما تعرضه الشاشات من زُبالات.
ويح أمةٍ يتعلق شبابها برخيص الفن، وتكون الرياضة همَّه الأول والأخير ..
إن توفر الصورة الهابطة عند الشباب عن طريق المجلة أو الشاشة أسلوب من أساليب الإثارة والإغراء، وهو وأدٌ للكرامة واستهلاك للحياء، وربما كان في النهاية طريقًا للفاحشة، وإن إغراق الشباب بسيل المسلسلات الفاتنة والمعتمدة أساسًا على إثارة الغرائز، هو انتحار للقيم، وخطوات في طريق تفريغ طاقات الشباب بما يضر ولا ينفع.
وإن سفر الشباب للخارج دون حسيب أو رقيب، ودون تنظيم يحقق المصالح ويمنع المفاسد هو رميٌ لهؤلاء الشباب في أتون معركة قلَّ أن يخرج أحدٌ منها دون أن يُصاب بشيء من لهيبها، إنها مخاطرة مع هؤلاء الفتية في مجتمعات تكره المسلمين من جانب ويتوفر فيها من الإغراءات والإباحية ما يُثير الغرائز ويخاطب الشهوات .. ومن يرضى لفلذات الأكباد أن يكونوا ضحايا للفساد، أو يكونوا نقلة فيروسات الدمار لبني الإسلام.
ليس من المنطق السليم أن نطالب الشباب بالعفة والطهر ونحن نواصل
إغراءهم، ونهيئ لهم من الوسائل ما يثير غرائزهم، لابد أن نُسهم جميعًا في حمايتهم، ونشارك في تربيتهم.
إن بقاء الشباب دون عمل، أو المغالاة معه في المهر. كل ذلك ربما أسهم في دفع أصحاب الأنفس الضعيفة إلى اقتراف المحرمات والوقوع في حمأة الرذيلة.
عباد الله! أما المرأة فهي وسيلة للفتنة إذا لم تُصن وتحترم، وهل كانت فتنة بني إسرائيل إلا في النساء، وفي هذه الأمة حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من الفتنة بهن فقال:((ما تركت بعدي فتنة هي أضرَّ على الرجال من النساء)) (1)، ألا فاستوصوا بالنساء خيرًا، امنعوا إماء الله عن التعرض للبلاء، وتنبهوا للدعوات المحمومة التي تريد بهنَّ وبمجتمعهن الشرور والأذى، فما لنا نسمع أحيانًا دعوات للاختلاط بين الذكر والأنثى ولو كانت في الصفوف الأولى؟ ويرتفع الصوت حينًا للمطالبة بقيادة المرأة للسيارة علنًا، ثم تحشد الأقلام للمطالبة ببطاقة المرأة، ثم يتوسع الكاتبون بالمطالبة بإيجاد فرص كثيرة لعمل المرأة ولو أدى ذلك إلى الاختلاط، بل ولو لم يتوفر من الفرص الوظيفية ما يكفي الذكور؟ وهل يرضى عاقلٌ حرّ كريم أن تعمل ابنته أو أخته أو زوجته في مجتمع الأصل في نزلائه من الرجال؟ إنها خطوات ومقدمات لها ما بعدها، فلنتق الله ولنتعاون جميعًا على البرِّ والتقوى، ولنحمي مجتمعنا من أسباب الأمراض التي حلت في الأمم من حولنا .. إنها مسئولية الآباء والمربين، والعلماء والأمراء، ورجالات الفكر والإعلاميين.
يا قوم ألا نفيق على صُراخات المتأوهين .. ألا يكفينا واعظًا ما حلَّ بالآخرين، أين نحن من هدي السماء، وكتاب الله فينا يتلى صباح مساء، وفيه ما يقطع دابر
(1) متفق عليه (رياض الصالحين 146).
الفتن لمن أبصر واهتدى، وقد قيل لخير بيوتات النساء {يانساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (1).
يا قوم أيخفى ما يريده العلمانيون وهم يرون المرأة بابًا مشرعًا لإيجاد الخلل والفساد في هذا المجتمع الآمن الخيّر؟ وهل ننخدع بأساليب النفاق والمنافقين في دعاوى الإصلاح والتحضر-فيما يزعمون- والله أعلم بما يبيتون ..
ونسأل الله أن يكشفهم كما كشف أسلافهم {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا * سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} (2).
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا.
(1) سورة الأحزاب، الآيتان: 32، 33.
(2)
سورة الأحزاب، الآيات: 60 - 62.