الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
الانتقال transiton:
الجزء الثاني من المرحلة قبل الإجرائية يسمَّى المرحلة الحدسية intuitive phase، وفيها يبدأ سلوك الطفل في إظهار علامات على الذكاء التكيفي adaptive intelligence لا بقولة فلافيل flavell س"1963 صـ162-163".
"أولًا: يصبح الطفل أكثر قابلية للاختبار في التجارب الشكلية من سن 4 أو 5 سنوات وما بعدها، وهو أكثر قدرة على مواجهة اختبار محدَّد، وعلى تطبيق الذكاء التكيفي بدلًا من مجرَّد تشبيه هذا الاختبار بموجز شكلي أناني، أو مخطط عقلي متمركزًا حول الذات، وليس من قبيل الصدق أن الحد الأدنى للسن في معظم تجارب بياجيه هو 4 سنوات، ولا يقتصر الأمر على قابلية الطفل للاختبار في حد ذاته في أواخر مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية، ولكنه يصبح أيضًا قادرًا على التفكير في مسائل تجريبية تزداد تعقيدًا واتساعًا في استعراضات الموقف الاختباري".
إن الطفل الحدسي يمر بمرحلة انتقالية تتجه نحو إجراءات ملموسة. وكما هو الحال بالنسبة لكل المراحل الانتقالية، فإن الأطفال يظهرون أحيانًا سلوكيات غير ناضجة في بعض المجالات، ومع أن الأطفال في المرحلة الحدسية يظهرون نموًّا كبيرًا في نوعية إجراءاتهم العقلية، فإن هذه الإجراءات ما تزال محدودة. إن الأطفال يظلون غير قادرين على مواجهة أكثر من بعد واحد، ولذلك فهم يعجزون عن مواجهة واجبات التصنيف المتعددة، علاوة على ذلك فإنَّهم لا يملكون بعد إدراكًا للانعكاسية.
ثالثًا: مرحلة العمليات المحسوسة "7-11" concrete operations:
في أثناء مرحلة العمليات المحسوسة، يحقق الطفل فهمًا لثبات خواص الكتلة، والوزن والحجم، ويسيطر على مجموعة بالغة المرونة من الاستجابات لمواجهة المتطلبات البيئية. إن الإجراءات العقلية للطفل تشتمل الآن على الانعكاسية، والقدرة على مواجهة أكثر من بعد واحد "الارتفاع والاتساع مثلًا"، ومفهوم النوعية. كما أنه يحقق أيضًا القدرة على ترتيب المثيرات تبعًا للطول، وبالتالي يستطيع أداء واجبات التسلسل derration. علاوة على ذلك، فإن قدرة الطفل على استيعاب المزيد من الرموز التجريدية مما يدل على تقدّم ملحوظ.
وقرب نهاية مرحلة العمليات المحسوسة، يصبح الطفل قادرًا على تناول مسائل الانتقالية Transitivity. وتتميز مرحلة العمليات المحسوسة بأنها الفترة التي يبدأ فيها الأطفال بإظهار فهم ناضج للعالم، ويبدءون في إدراك أنَّ باستطاعتهم حل كثير من المسائل باستخدام التفكير المنطقي وعن طريق القياسات، ويقل اعتماد الطفل على الصفات التصورية، ويزداد اعتماده على المفاهيم الرمزية.
ومن أهم خصائص هذه المرحلة العمليات التالية:
1-
التصنيف المتعدد multiple classification: هو أحد السلوكيات الجديدة الهامَّة التي يحتاج الطفل إليها في مراحل العمليات المحسوسة.. ومن الواجبات المثالية التي قد تتضمَّن مثيرات تتغير في الحجم "كبير، متوسط، وصغير"، واللون "أحمر، أزرق، وأخضر، أو أسود، ورمادي، وأبيض"، والشكل "منشور، وكرة، ومكعب": ويطلب من الأطفال تجميع الأشياء تبعًا لتوافقها بعضها مع بعض. يمكن أن يجمعوا المثيرات تبعًا لأي من أبعاد المثير أو خواصه: اللون، الشكل، أو الحجم، وبعد فرز المثيرات أول مرة يعاد ترتيبها، ويطلب من الأطفال فرزها بطريقة أخرى، والأطفال في الجزء الأخير من مرحلة ما قبل العمليات يقومون عادة بفرز المثيرات تبعًا للشكل، والقليل منهم من يفرزها تبعًا للون، والأقل بعد ذلك من يفرزها تبعًا للحجم. ومن المفيد أن نلاحظ أن الشكل يميل لأن يكون أكثر الأبعاد بروزًا بالنسبة للأطفال، ولكن إذا ما سألنا الأطفال أن يصنِّفوا المثيرات تبعًا لأكثر من بُعْدٍ واحد، فهم عادة يعجزون عن ذلك. إن الأطفال في مرحلة العمليات المحسوسة لا يجدون صعوبة تذكر في إجراء التصنيفات على أساس بعد واحد، ومعظمهم يقومون تلقائيًّا بإجراء التصنيف على بعدين، مثال ذلك: كل المثيرات الخضراء الكبيرة، والمثيرات الحمراء المتوسطة الحجم، والمثيرات الزرقاء الصغيرة، كما أن الأطفال يمكنهم بقليل من الصعوبة إجراء التصنيف باستخدام الأبعاد الثلاثة في وقت واحد.
2-
البعدية distancing: يوضح الشكل "81" نوعًا آخر من مسائل التصنيف. فاختبار وضع المثيرات الذي أعدَّه إرفنج وسيجل irving & sigel "1968" كان اهتمامه بالطريقة التي يتَّسق بها الأطفال المثيرات، وكذلك باختيار مفهومهم للافتراض البعدي، وبموجبه يمكن تمثيل الواقع عن بعد من المسند إليه. والبعدية مظهر للقدرة على الاستجابة الصحيحة للتمثيل الخارجي، والاستجابة من واقع الموجزات الشكلية "المخططات العقلية". لاحظ أنَّ كل الأشياء في هذه المجموعة كلها مألوفة، والواقع أن الدراسة التي قام بها سيجل sigel، وتلك التي أجراها ماير meyer "1972" أظهرتا أن الأطفال استطاعوا تسمية كل الأشياء. ويتكوَّن الاختبار من أخذ أحد الأشياء من المجموعة، وعرضه على الطفل، ثم يُطْلَب منه العثور على أشياء أخرى من المجموعة من نفس النوع. وبعد أن يجري الطفل اختباراته يطلب منه أن يفسِّر وجه التشابه بين الأشياء المختارة، وتسجيل السلوك يتضمَّن تصنيفات عدة: الخواص الإدراكية "الشكل، اللون، أو التكوين"؛ الخواص الوظيفية "الكتابة بالقلم على الدفتر؛ الخواص التجمعية "أنت تشعل اللفافة بالثقاب، وفي أثناء التدخين تشرب قدحًا من القهوة"؛
بطاقات التصنيف "وهي كل اللعب" ومرتبة قرينية "حدوث الأشياء في نفس المكان". وهناك مرتبة لا يوجد تسجيل للدرجات فيها اشتملت على تفسيرات لا تناسب أي من المراتب الأخرى.
وتوضح نتائج الدراسات عدة فروق بين مرحلة ما قبل العمليات ومرحلة العمليات المحسوسة، فقد كان أطفال تجربة ماير meyer من الطبقة المتوسطة في سن ما قبل المدرسة، وقد تَمَّ اختبارهم في مناسبتين: عندما كان سنهم 4 سنوات وشهرين، ثم 4 سنوات وتسعة شهور. وكان الأطفال على مستوى قدرة ذكاء عالية. وتدل نتائج التصنيف في المرتبة التي لا تسجيل للدرجات فيها على أنَّ حوالي 51 % من استجابات الأطفال على الاختبار الأول، ولكن 20% فقط من استجاباتهم على الاختبار الثاني، كانت غير صالحة لتسجيل نقط أو درجات، وبعبارة أخرى: فإن الأطفال قد تغيروا كثيرًا في فترة الشهور التسعة فقط، والسبب في ارتفاع نسبة عدم تسجيل الدرجات على الاختبار الأول هو أنَّ استجابات الأطفال لم تكن ذات معنى، أي: إنهم غالبًا كانوا غير قادرين على الانتباه إلى خواص المثيرات. وهذا من خصائص الأطفال في المرحلة قبل الإجرائية. أمَّا العدد المنخفض للاستجابات التي تحرز درجات قبل سن الخامسة، فإنها تعكس حقيقة أن هؤلاء الأطفال كانوا متسارعين عقليًّا؛ وقدرتهم على مواجهة الاختبار في سن 4 سنوات و11 شهرًا لا تعني بأيِّ حالٍ أيَّ تحدٍّ للمفاهيم النظرية. والواقع أننا عندما نحلل الأساس الذي بنى عليه هؤلاء الأطفال تصنيفاتهم، نجد أنه يتفق ورأي بياجيه اتفاقًا سليمًا. مثال ذلك: إن معظم الاستجابات التي أحرزت نقطًا "درجات" في الاختبار الأول، كان تقريبا في المرتبة الحسية، ومعظم عمليات تحديد التصنيفات تَمَّت على أساس الشكل أو اللون، وليس على خاصة أخرى أكثر تجريدًا للمثيرات. مثال ذلك: إن المرتبة التالية الأكثر صعوبة ستكون هي الأساس الأدائي للتصنيف، وقد انطبق ذلك على 4% فقط من الاستجابات في الاختبار الأول، ولم تستخدم هذه النسبة من الأطفال أيًّا من المراتب الأخرى.
وفي دراسة متابعة لنحو 80% من هذه العينة بعد سنتين، استطاع الأطفال أداء هذا الواجب بسهولة كبيرة، وفي سن الثامنة كانوا يقدّمون بطاقات التصنيف، تصنيف يجري عند انتقائهم للمثيرات. وهذه النتائج تتفق تمامًا مع واجب آخر
صمَّمه سيجل sigel، ويدل على أنَّ الأساس في التصنيف يبدأ من خاصة إدراكية واحدة، إلى خواص إدراكية متعددة، إلى تصويرية متزايدة في التجريد.
وثَمَّة مظهر آخر هام لهذه الدراسة، وهو الطريقة التي اقترحها سيجل sigel لتقييم الكفاءة التمثيلية representational competence. عرضت مجموعة المثيرات الواردة بالشكل "81" على الأطفال باستخدام الأشياء الفعلية أو صور ملونة لها بالحجم الطبيعي، وفي الدراسة التي أجراها ماير meyer عرض على نصف الأطفال الأشياء الفعلية أولًا، ثم التمثيلات الصورية لها ثانية، في حين عرضت نفس المثيرات على النصف الآخر بترتيب عكسي، وطبقًا للافتراض البعدي لسيجل sigel، كان المفروض أن يجد الأطفال الأصغر صعوبة أكبر في ترتيب مراتب الصور "التمثيلات" من الأشياء نفسها، وهذا في الواقع هو ما حدث فعلًا، فكان مؤيدًا ليس فقط لافتراض البعدية، ولكن للتنبؤ بأن الأطفال يستطيعون مواجهة سمات تمثيلية للمثير تتزايد تجريدًا.
3-
تضمين النوع Class inclusion: نوع ثالث من وسائل التصنيف يسمَّى اختبار تضمين النوع، وفي هذا الاختبار يعرض القائم بالتجربة صورًا لثلاثة رجال وامرأتين، ويطلب من الأطفال أن يذكروا عدد الرجال، ثم عدد الأشخاص، وأخيرًا ما إذا كان هناك رجلًا أكثر من الناس، ويمكن تشكيل أي عدد من التشكيلات من هذا الاختبار، ولكن الفكرة الأساسية هي تقديم اختبار يتضمَّن مرتبة متميزة ومرتبتين أو أكثر ثانويتين، ثم نحدِّد هل يستطيع الأطفال التمييز بين النوعين. إن طفل مرحلة ما قبل العمليات يحتمل أن يقول: إنه يوجد 3 رجال و5 أشخاص، ولكن هناك من الرجال أكثر مما يوجد من الناس "على كل حال فكلنا نملك الانعكاسية". والطفل في مرحلة العمليات الملموسة "المحسوسة" يمكن أن يفهم إسهامات الخواص: رجال ونساء، التي تكوّن المرتبة المتميزة من الناس، على ذلك فالأطفال في فترة العمليات المحسوسة يمكنهم حلّ المسائل التي تتضمَّن الجنس، وهي مسائل لها أهمية غير عادية في تحديد تكوين العالم.
4-
التسلسل والانتقالية Serration & Transitivity: في واجب التسلسل يعرض على الطفل عصيّ في ترتيب عشوائي، ويطلب منه أن يصنع منها درجات، فطفل مرحلة ما قبل العمليات يحتمل أن يركز على علاقة واحدة فقط داخل الترتيب العام للأحجام، ويتجاهل النواحي الأخرى للاختبار، وبذلك يكون ترتيبًا عشوائيًّا إلى حدٍّ ما. والطفل لا يستطيع أن يفهم مدلول تدرج العصي في سلسلة متصلة إلّا عندما يصل إلى مرحلة العمليات الملموسة المحسوسة. وبالمصادفة فإن هذا الاختبار يتضمَّن مسألة أخرى يستطيع طفل العمليات المحسوسة أن يحلّها، وهو اختبار على شيء من الصعوبة يعرف باسم الانتقالية؛ فالمسألة اللفظية في الانتقالية هي:"إذا كان زيد أطول من عمرو، وعمرو أطول من طارق، فإيهم أطول: زيد أم طارق؟ والفرق بين هذه المسألة ومسألة التسلسل هو أنَّ الأولى أيضًا تتطلَّب تحولًا عقليًّا للمعنى "أكبر من" و"أصغر من" كأساس لترتيب المثيرات.
رابعًا: مرحلة الإجراءات أو العمليات الشكلية 11 + formal poerations:
في مرحلة الإجراءات الشكلية يستطيع الطفل أن يستخدم بسهولة تفكيرًا وتصورًا عقليًّا تجريديين، ويطور القدرة على الاختبار المنهجي للافتراضات، وافتراض بياجيه يبدو طبيعيًّا بسبب استخدامه للحساب والمنطق كأساسٍ يقوم عليه النمو المعرفي، مع اعتبار أنَّ التفكير الاستدلالي هو المستوى النهائي للتفكير المنطقي، ويتميز تفكير المراهق في هذه المرحلة بالعديد من الصفات، أهمها:
1-
الحرية والمرونة في التفكير:
إذ يستطيع المراهق أن يفكِّر في الأمور المختلفة مستخدمًا الرموز المجرَّدة، ويتحرر في تفكيره من معوقات الزمان والمكان، فيحلق بتفكيره في الفضاء، ويمكنه أن يجوب أنحاء العالم، ويجد متعة في المفاهيم التي لم يمر بخبرة واقعية تتعلق بها، مثل مفهوم اللانهائي inanity، فهو حر في التنقل بين أفكاره بمرونة.
2-
التحكُّم أو الضبط Control:
يتطلَّب التفكير الشكلي تحكُّمًا دقيقًا لما يقوم به الفرد من نشاط عقلي، فعند تعامل المراهق مع مشكلة ما فإنه يضع كل المقدمات التطبيقية في اعتباره، وينظّم المعلومات ويربطها بكل جوانب هذا الموقف قبل أن يصل إلى نتيجة.
3-
تفسير الظواهر وتعليلها:
فمعنى أن المراهق يقوم بربط الظاهرة وأجزائها بالظواهر الأخرى، ثم يبيِّن العلاقة بين هذه الظاهرة والظاهرات الأخرى، وقد يستخدم عدة مفاهيم في ذلك، كما أنه يستطيع أن يستنبط القانون العام الذي يفسِّر الظاهرة.
4-
التفكير في الاحتمالات ووضعها في الاعتبار:
فالمراهق يهتم بما هو محتمل، أي: بما يمكن أن يكون بالإضافة إلى ما هو كائن، ويستخدم نسقًا يمكنه من اكتشاف طريقة كل التركيبات والعلاقات المحتملة، ثم يتأكَّد من أنه قد وجد هذه التركيبات والعلاقات جميعًا. "عادل عبد الله: 1991، 83-86".
وقد أثير سؤال عمَّا إذا كانت الناس كلهم يحققون إجراءات شكلية، بل وهل هذه الإجراءات ضرورية فعلًا لكل الناس؟ وهناك أيضًا بعض التساؤل عمَّا إذا كانت الإجراءات الشكلية تمثل ذروة النمو التي لا يمكن للكائنات البشرية أن تتجاوزها.
وقد اقترح بياجيه "1972" أن هذه المرحلة قد تكون قاصرة على الأشخاص الذين تتطلَّب أنشطتهم العقلية تفكيرًا منطقيًّا، مثل الرياضيين والفيزيائيين، وقد فحص بياجيه pieget "1973" هذا الاقتراح على ضوء التفاعل المتبادل بين الفرد وبيئته "المجتمع بالمعنى العريض"، واستخلص أن بلوغ الإجراءات الشكلية ليس بالضرورة هو نقطة النهاية، غير أنه يقترح أن الفرد إذا واجه متطلبات تحتاج تفكيرًا استدلاليًّا منطقيًّا، فإنه يستطيع تنمية القدرة على مواجهتها.